35 - (أم خلقوا من غير شيء) من غير خالق (أم هم الخالقون) أنفسهم ولا يعقل مخلوق بغير خالق ولا معدوم يخلق فلا بد لهم من خالق هو الله الواحد فلم لا يوحدونه ويؤمنون برسوله وكتابه
يقول تعالى ذكره :أخلف هؤلاء المشركون من غير شيء أي من غير آباء ولا أمهات فهم كالجماد لا يعقلون ولا يفهمون لله حجة ولا يعتبرون له بعبرة ولا يتعظون بموعظة وقد قيل : إن معنى ذلك : أم خلقوا لغير شيء كقول القائل : فعلت كذا وكذا من غير شيء بمعنى : لغير شيء .
قوله تعالى " أم خلقوا من غير شيء " أم صلة زائدة والتقدير أخلقوا من غير شيء قال ابن عباس : من غير رب خلقهم وقدرهم . وقيل : من غير أم ولا أب فهم كالجماد لا يعقلون ولا تقوم لله عليهم حجة ، ليسوا كذلك أليس قد خلقوا من نطفة وعلقة ومضغة قاله ابن عطاء وقال ابن كيسان أم خلقوا عبثا وتركوا سدى " من غير شيء " أي لغير شيء فمن بمعنى اللام . "أم هم الخالقون " أي أيقولون إنهم خلقوا أنفسهم فهم لا يأتمرون لأمر الله وهم لا يقولون ذلك . وإذا أقروا أن ثم خالقا غيرهم فما الذي يمنعهم من الإقرار له بالعبادة دون الأصنام ومن الإقرار بأنه قادر على البعث .
هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية فقال تعالى: "أم خلقوا من غير شيء ؟ أم هم الخالقون" أي أوجدوا من غير موجد ؟ أم هم أوجدوا أنفسهم, أي لا هذا ولا هذا بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً, قال البخاري: حدثنا الحميدي, حدثنا سفيان قال: حدثني عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الاية "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السموات والأرض ؟ بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك ؟ أم هم المصيطرون ؟" كاد قلبي أن يطير, وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طرق عن الزهري به. وجبير بن مطعم كان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في فداء الأسارى, وكان إذ ذاك مشركاً, فكان سماعه هذه الاية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد ذلك. ثم قال تعالى: "أم خلقوا السموات والأرض ؟ بل لا يوقنون" أي أهم خلقوا السموات والأرض ؟ وهذا إنكار عليهم في شركهم بالله, وهم يعلمون أنه الخالق وحده لا شريك له, ولكن عدم إيقانهم هو الذي يحملهم على ذلك " أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون " أي أهم يتصرفون في الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن "أم هم المصيطرون" أي المحاسبون للخلائق, ليس الأمر كذلك بل الله عز وجل هو المالك المتصرف الفعال لما يريد.
وقوله تعالى: "أم لهم سلم يستمعون فيه" أي مرقاة إلى الملأ الأعلى "فليأت مستمعهم بسلطان مبين" أي فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال, أي وليس لهم سبيل إلى ذلك فليسوا على شيء وليس لهم دليل, ثم قال منكراً عليهم فيما نسبوه إليه من البنات وجعلهم الملائكة إناثاً, واختيارهم لأنفسهم الذكور على الإناث, بحيث إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم, هذا وقد جعلوا الملائكة بنات الله وعبدوهم مع الله فقال: "أم له البنات ولكم البنون" وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد "أم تسألهم أجراً ؟" أي أجرة إبلاغك إياهم رسالة الله, أي لست تسألهم على ذلك شيئاً "فهم من مغرم مثقلون" أي فهم من أدنى شيء يتبرمون منه ويثقلهم ويشق عليهم "أم عندهم الغيب فهم يكتبون" أي ليس الأمر كذلك فإنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله "أم يريدون كيداً. فالذين كفروا هم المكيدون" يقول تعالى: أم يريد هؤلاء بقولهم هذا في الرسول وفي الدين غرور الناس وكيد الرسول وأصحابه, فكيدهم إنما يرجع وباله على أنفسهم فالذين كفروا هم المكيدون "أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون" وهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد مع الله, ثم نزه نفسه الكريمة عما يقولون ويفترون ويشركون فقال: "سبحان الله عما يشركون".
قوله: 35- "أم خلقوا من غير شيء" أم هذه هي المنقطعة كما تقدم فيما قبلها، وكما سيأتي فيما بعدها: أي بل أخلقوا على هذه الكيفية البديعة والصنعة العجيبة من غير خالق لهم. قال الزجاج: أي أخلقوا باطلاً لغير شيء لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون، وجعل من بمعنى اللام. قال ابن كيسان: أم خلقوا عبثاً وتركوا سدى لا يؤمرون ولا ينهون. وقيل المعنى: أم خلقوا من غير أب ولا أم، فهم كالجماد لا يفهمون ولا تقوم عليهم حجة "أم هم الخالقون" أي بل أيقولون هم الخالقون لأنفسهم فلا يؤمرون ولا ينهون مع أنهم يقرون أن الله خالقهم، وإذا أقروا لزمتهم الحجة.
35. " أم خلقوا من غير شيء "، قال ابن عباس: من غير رب، ومعناه: أخلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق؟ وذلك مما لا يجوز أن يكون، لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم، فإن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق، " أم هم الخالقون "، لأنفسهم وذلك في البطلان أشد، لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟
فإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقاً فليؤمنوا به، ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي.
وقال الزجاج : معناه: أخلقوا باطلاً لا يحاسبون ولا يؤمرون؟ وقال ابن كيسان : أخلقوا عبثاً وتركوا سدىً لا يؤمرون ولا ينهون، فهو كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شيء، أي: لغير شيء، أم هم الخالقون لأنفسهم فلا يجب عليهم لله أمر؟
35-" أم خلقوا من غير شيء " أم أحدثوا وقدروا من غير محدث ومقدر فلذلك لا يبعدونه ، أو من أجل لا شيء من عبادة ومجازاة . " أم هم الخالقون " يؤيد الأول فإن معناه أم خلقوا أنفسهم ولذلك عقبه بقوله :
35. Or were they created out of naught? Or are they the creators?
35 - Were they created of nothing, or were they themselves the creators?