36 - (وإن الله ربي وربكم فاعبدوه) بفتح أن بتقدير اذكر وبكسرها بتقدير قل بدليل ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم (هذا) المذكور (صراط) طريق (مستقيم) مؤد إلى الجنة
وقوله "وإن الله ربي وربكم فاعبدوه" اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وأن الله ربي وربكم واختلف أهل العربية في وجه فتح أن إذا فتحت ، فقال بعض نحويي الكوفة: فتحت رداً على عيسى وعطفاً عليه ، بمعنى : ذلك عيسى ابن مريم ، وذلك أن الله ربي وربكم . وإذا كان ذلك كذلك كانت أن رفعاً، وتكون بتأويل خفض ، كما قال "ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم" [الأنعام: 131] قال: ولو فتحت على قوله "وأوصاني" بأن الله، كان وجهاً، وكان بعض البصريين يقول : وذكر ذلك أيضاً عن أبي عمرو بن العلاء، وكان ممن يقرؤه بالفتح إنما فتحت أن بتأويل وقضى أن الله ربي وربكم. وكانت عامة قراء الكوفيين يقرءونه "وإن الله" بكسر إن بمعنى النسق على قوله "فإنما يقول له" وذكر عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤه فإنما يقول له كن فيكون إن الله ربي وربكم بغير واو.
قال أبو جعفر: والقراءة التي نختار في ذلك : الكسر على الابتداء. وإذا قرئ كذلك لم يكن لها موضع ، وقد يجوز أن يكون عطفاً على إن التي مع قوله "قال إني عبد الله آتاني الكتاب" "وإن الله ربي وربكم" ولو قال قائل ، ممن قرأ ذلك نصباً: نصب على العطف على الكتاب ، بمعنى: آتاني الكتاب، وآتاني أن الله ربي وربكم، كان وجهاً حسناً. ومعني الكلام: وإني وأنتم أيها القوم جميعاً لله عبيد، فإياه فاعبدوا دون غيره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه، قال : عهد إليهم حين أخبرهم عن نفسه ومولده وموته وبعثه أن "الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم" أي إني وإياكم عبيد الله ، فاعبدوه ولا تعبدوا غيره.
وقوله "هذا صراط مستقيم" يقول: هذا الذي أوصيتكم به ، وأخبرتكم أن الله أمرني به هو الطريق المستقيم ، الذي من سلكه نجا، ومن ركبه اهتدى، لأنه دين الله الذي أمر به أنبياءه.
" وإن الله ربي وربكم " قرأ أهل المدينة و ابن كثير وأبو عمرو بفتح " أن " وأهل الكوفة " وإن " بكسر الهمزة على أنه مستأنف. تدل عليه قراءة أبي " كن فيكون * إن الله " بغير واو على العطف على " قال إني عبد الله ". وفي الفتح أقوال: فمذهب الخليل وسيبويه أن المعنى، ولأن الله ربي وربكم، وكذا " وأن المساجد لله " [الجن: 18] فـ" أن " في موضع نصب عندهما. وأجاز الفراء أن يكون في موضع خفض على حذف اللام، وأجاز أن يكون أيضاً في موضع خفض بمعنى، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبأن الله ربي وربكم. وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بمعنى، والأمر أن الله ربي وربكم. وفيها قول خامس: حكى أبو عبيد أن أبا عمرو بن العلاء قاله، وهو أن يكون المعنى: وقضى أن الله ربي وربكم، فهي معطوفة على قوله: " أمرا " من قوله: " إذا قضى أمرا " والمعنى إذا قضى أمراً وقضى أن الله. ولا يبتدأ بـ" أن " على هذا التقدير، ولا على التقدير الثالث. ويجوز الابتداء بها على الأوجه الباقية. "فاعبدوه هذا صراط مستقيم " أي دين قويم لا اعوجاج فيه.
يقول تعالى لرسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه: ذلك الذي قصصناه عليك من خبر عيسى عليه السلام "قول الحق الذي فيه يمترون" أي يختلف المبطلون والمحقون ممن آمن به وكفر به, ولهذا قرأ الأكثرون قول الحق برفع قول, وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر قول الحق, وعن ابن مسعود أنه قرأ ذلك عيسى بن مريم, قال: الحق, والرفع أظهر إعراباً, ويشهد له قوله تعالى: "الحق من ربك فلا تكن من الممترين" ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبداً نبياً نزه نفسه المقدسة فقال: "ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه" أي عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علواً كبيراً "إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون" أي إذا أراد شيئاً, فإنما يأمر به فيصير كما يشاء, كما قال: " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين ".
وقوله: "وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم" أي ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم وأمرهم بعبادته, فقال: "فاعبدوه هذا صراط مستقيم" أي هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم, أي قويم من اتبعه رشد وهدي, ومن خالفه ضل وغوى. وقوله: "فاختلف الأحزاب من بينهم" أي اختلف أقوال أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله, وأنه عبده ورسوله, وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, فصممت طائفة منهم, وهم جمهور اليهود. ـ عليهم لعائن الله ـ على أنه ولد زنية, وقالوا: كلامه هذا سحر. وقالت طائفة أخرى: إنما تكلم الله. وقال آخرون: بل هو ابن الله. وقال آخرون: ثالث ثلاثة. وقال آخرون: بل هو عبد الله ورسوله, وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين, وقد روي نحو هذا عن عمرو بن ميمون وابن جريج وقتادة وغير واحد من السلف والخلف.
قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون" قال: اجتمع بنو إسرائيل, فأخرجوا منهم أربعة نفر, أخرج كل قوم عالمهم, فامتروا في عيسى حين رفع, فقال بعضهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات, ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية, فقال الثلاثة: كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل أنت فيه قال: هو ابن الله وهم النسطورية, فقال الاثنان: كذبت. ثم قال أحد الاثنين للاخر: قل فيه, فقال: هو ثالث ثلاثة: الله إله, وهو إله, وأمه إله, وهم الإسرائيلية ملوك النصارى عليهم لعائن الله. قال الرابع: كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون. فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قالوا, فاقتتلوا وظهروا على المسلمين, وذلك قول الله تعالى: "ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس" قال قتادة : وهم الذين قال الله: "فاختلف الأحزاب من بينهم" قال اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً.
وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس وعن عروة بن الزبير وعن بعض أهل العلم قريباً من ذلك, وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن قسطنطين جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم, فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفاً, فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافاً متبايناً جداً, فقالت كل شرذمة فيه قولاً, فمائة تقول فيه شيئاً, وسبعون تقول فيه قولاً آخر, وخمسون تقول شيئاً آخر ومائة وستون تقول شيئاً, ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلثمائة, وثمانية منهم اتفقوا على قول وصمموا عليه, فمال إليهم الملك وكان فيلسوفاً فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم, فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة, ووضعوا له كتب القوانين وشرعوا له أشياء, وابتدعوا بدعاً كثيرة, وحرفوا دين المسيح وغيروه, فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها, بلاد الشام والجزيرة والروم, فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثنتي عشرة ألف كنيسة, وبنت أمه هيلانة قمامة على المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي يزعم اليهود والنصارى أنه المسيح, وقد كذبوا بل رفعه الله إلى السماء.
وقوله "فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم" تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى وزعم أن له ولداً, ولكن أنظرهم تعالى إلى يوم القيامة, وأجلهم حلماً وثقة بقدرته عليهم, فإنه الذي لا يعجل على من عصاه, كما جاء في الصحيحين "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد". وفي الصحيحين أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله, إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم" وقد قال الله تعالى: " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير " وقال تعالى: " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار " ولهذا قال ههنا: "فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم" أي يوم القيامة. وقد جاء في الحديث الصحيح المتفق على صحته عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله, وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, وأن الجنة حق والنار حق, أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".
36- " إن الله ربي وربكم فاعبدوه " قرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو بفتح أن. وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بكسرها، وهو من تمام كلام عيسى، وقرأ أبي إن الله بغير واو، قال الخليل وسيبويه: في توجيه قراءة النصب بأن المعنى: ولأن الله ربي وربكم، وأجاز الفراء أن يكون في موضع خفض عطفاً على الصلاة، وجوز أبو عمرو بن العلاء عطفه على أمراً "هذا صراط مستقيم" أي هذا الذي ذكرته لكم من أنه ربي وربكم، هو الطريق القيم الذي لا اعوجاج فيه ولا يضل سالكه.
36 - " وإن الله ربي وربكم " ، قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو : " أن الله " بفتح الألف ، يرجع إلى قوله :" وأوصاني بالصلاة والزكاة " وبأن الله ربي وربكم ، وقرأ أهل الشام والكوفة و يعقوب بكسر الألف على الاستئناف " فاعبدوه هذا صراط مستقيم " .
"وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم" سبق تفسيره في سورة (( آل عمران )) ، وقرأ الحجازيان و البصريان " وأن " بالفتح على ولأن وقيل إنه معطوف على " الصلاة ".
36. And lo! Allah is my Lord and your Lord. So serve Him. That is the right path.
36 - Verily God is my Lord And your Lord: him therefore serve ye: this is a way that is straight.