38 - (أسمع بهم وأبصر) بهم صيغة تعجب بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم (يوم يأتوننا) في الآخرة (لكن الظالمون) من إقامة الظاهر مقام المضمر (اليوم) أي في الدنيا (في ضلال مبين) أي بين به صموا عن سماع الحق وعموا عن إبصاره أي إعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وإبصارهم في الآخرة بعد أن كانوا في الدنيا صما عميا
يقول تعالى ذكره مخبراً عن حال الكافرين به ، الجاعلين له أنداداً، والزاعمين أن له ولداً يوم ورودهم عليه في الآخرة: لئن كانوا في الدنيا عمياً عن إبصار الحق ، والنظر إلى حجج الله التي تدل على وحدانيته صماً عن سماع آي كتابه ، وما دعتهم إليه رسل الله فيها من الإقرار بتوحيده، وما بعث به أنبياءه ، فما أسمعهم يوم قدومهم على ربهم في الآخرة، وأبصرهم يومئذ حين لا ينفعهم الإبصار والسماع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر: ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "أسمع بهم وأبصر" ذاك والله يوم القيامة، سمعوا حين لا ينفعهم السمع ، وأبصروا حين لا ينفعهم البصر.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "أسمع بهم وأبصر" قال: أسمع قوم وأبصرهم.
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال "أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا" يوم القيامة.
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسن ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال "أسمع" بحديثهم اليوم "وأبصر" كيف يصنع بهم "يوم يأتوننا".
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله "أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا" قال: هذا يوم القيامة، فأما الدنيا فلا، كانت على أبصارهم غشاوة، وفي آذانهم وقر في الدنيا ، فلما كان يوم القيامة أبصروا وسمعوا فلم ينتفعوا، وقرأ "ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون" [السجدة: 12].
وقوله "لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين" يقول تعالى ذكره: لكن الكافرون الذين أضافوا إليه ما ليس من صفته ، وافتروا عليه الكذب اليوم في الدنيا، في ضلال مبين. يقول : في ذهاب عن سبيل الحق ، وأخذوا على غير استقامة، مبين أنه جائر عن طريق الرشد والهدى، لمن تأمله وفكر فيه ، فهدي لرشده.
قوله تعالى: " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا " قال أبو العباس: العرب تقول هذا في موضع التعجب، فتقول: أسمع بزيد وأبصر بزيد أي ما أسمعه وأبصره. قال: فمعناه أنه عجب نبيه منهم. قال الكلبي : لا أحد أسمع منهم يوم القيامة ولا أبصر، حين يقول الله تبارك وتعالى لعيسى: " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " [المائدة: 116] وقيل: "أسمع " بمعنى الطاعة، أي ما أطوعهم لله في ذلك اليوم. " لكن الظالمون اليوم " يعني في الدنيا. " في ضلال مبين " وأي ضلال أبين من أن يعتقد المرء في شخص مثله حملته الأرحام، وأكل وشرب، وأحدث واحتاج أنه إله؟! ومن هذا وصفه فهو أصم أعمى ولكنه سيبصر ويسمع في الآخرة إذا رأى العذاب، ولكنه لا ينفعه ذلك، قال معناه قتادة وغيره.
يقول تعالى مخبراً عن الكفار يوم القيامة: إنهم يكونون أسمع شيء وأبصره, كما قال تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا " الاية, أي يقولون ذلك حين لا ينفعهم ولا يجدي عنهم شيئاً, ولو كان هذا قبل معاينة العذاب لكان نافعاً لهم ومنقذاً من عذاب الله, ولهذا قال: "أسمع بهم وأبصر" أي ما أسمعهم وأبصرهم "يوم يأتوننا" يعني يوم القيامة "لكن الظالمون اليوم" أي في الدنيا "في ضلال مبين" أي لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون, فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك, ثم قال تعالى: "وأنذرهم يوم الحسرة" أي أنذر الخلائق يوم الحسرة "إذ قضي الأمر" أي فصل بين أهل الجنة وأهل النار وصار كل إلى ما صار إليه مخلداً فيه, "وهم" أي اليوم "في غفلة" عما أنذروا به يوم الحسرة والندامة "وهم لا يؤمنون" أي لا يصدقون به.
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد , حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار, يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار, فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا, قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت ـ قال ـ فيقال: ياأهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت ـ قال ـ فيؤمر به فيذبح, قال: ويقال يا أهل الجنة خلود ولا موت, ويا أهل النار خلود ولا موت" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون" وأشار بيده ثم قال "أهل الدنيا في غفلة الدنيا" هكذا رواه الإمام أحمد , وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الأعمش به, ولفظهما قريب من ذلك. وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة : حدثني أسباط بن محمد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً مثله, وفي سنن ابن ماجه وغيره من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه, وهو في الصحيحين عن ابن عمر .
رواه ابن جريج قال: قال ابن عباس فذكر من قبله نحوه, ورواه أيضاً عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير يقول في قصصه: يؤتى بالموت كأنه دابة فيذبح والناس ينظرون, وقال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل : حدثنا أبو الزعراء عن عبد الله 0 هو ابن مسعود في قصة ذكرها, قال: فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار وهو يوم الحسرة, فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة, ويقال لهم لو عملتم, فتأخذهم الحسرة, قال: ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار, فيقال لهم لولا أن الله من عليكم. وقال السدي عن زياد عن زر بن حبيش عن ابن مسعود في قوله: "وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر" قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار, أتي بالموت في صورة كبش أملح حتى يوقف بين الجنة والنار, ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا, فلا يبقى أحد في أهل عليين ولا في أسفل درجة في الجنة إلا نظر إليه, ثم ينادي مناد: يا أهل النار هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا, فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم إلا نظر إليه, ثم يذبح بين الجنة والنار, ثم ينادى: يا أهل الجنة هو الخلود أبد الابدين, ويا أهل النار هو الخلود أبد الابدين, فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتاً من فرح ماتوا, ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتاً من شهقة ماتوا, فذلك قوله تعالى: "وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر" يقول إذا ذبح الموت, رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "وأنذرهم يوم الحسرة" من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: "وأنذرهم يوم الحسرة" قال: يوم القيامة, وقرأ " أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ". وقوله: "إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون" يخبر تعالى أنه الخالق المالك المتصرف, وأن الخلق كلهم يهلكون ويبقى هو تعالى وتقدس, ولا أحد يدعي ملكاً ولا تصرفاً, بل هو الوارث لجميع خلقه الباقي بعدهم الحاكم فيهم, فلا تظلم نفس شيئاً ولا جناح بعوضة ولا مثقال ذرة. قال ابن أبي حاتم : ذكر هدبة بن خالد القيسي , حدثنا حزم بن أبي حزم القطعي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن صاحب الكوفة: أما بعد, فإن الله كتب على خلقه حين خلقهم الموت, فجعل مصيرهم إليه, وقال فيما أنزل في كتابه الصادق الذي خلقه بعلمه وأشهد ملائكته على حفظه: إنه يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون.
38- "أسمع بهم وأبصر" قال أبو عباس: العرب تقول هذا في موضع التعجب، فيقولون: أسمع تريد وأبصر به: أي ما أسمعه وأبصره، فعجب الله سبحانه نبينه صلى الله عليه وسلم منهم "يوم يأتوننا" أي للحساب والجزاء "لكن الظالمون اليوم" أي في الدنيا "في ضلال مبين" أي واضح ظاهر ولكنهم أغفلوا التفكر، والاعتبار والنظر في الآثار.
38 - " أسمع بهم وأبصر " ، أي ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم السمع والبصر ! أخبر أنهم يسمعون ويبصرون في الآخرة مالم يسمعوا ولم يبصروا في الدنيا .
قال الكلبي : لا أحد يوم القيامة أسمع منهم ولا أبصر حين يقول الله تعالى لعيسى :" أأنت قلت للناس " الآية (مريم - 116) . " يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين " ، أي: في خطأ بين .
38ـ "أسمع بهم وأبصر" تعجب معناه أن استماعهم وإبصارهم. "يوم يأتوننا" أي يوم القيامة جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صماً عمياً في الدنيا، أو التهديد بما يسمعون ويبصرون يومئذ. وقيل أمر بأن يسمعهم ويبصرهم مواعيد ذلك اليوم وما يحيق بهم فيه، والجار والمجرور على الأول في موضع الرفع وعلى الثاني في موضع النصب "لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين" أوقع الظالمون موقع الضمير إشعاراً بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم، وسجل على إغفالهم بأنه ضلال بين .
38. See and hear them on the Day they come unto Us! Yet the evil doers are today in error manifest.
38 - How plainly will they see And bear, the day that they will appear before us! but the unjust to day Are in error manifest!