38 - (والذين استجابوا لربهم) أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة (وأقاموا الصلاة) أداموها (وأمرهم) الذي يبدو لهم (شورى بينهم) يتشاورون فيه ولا يعجلون (ومما رزقناهم) أعطيناهم (ينفقون) من طاعة الله ومن ذكر صنف
وقوله : " والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة " يقول تعالى ذكره : والذين أجابوا لربهم حين دعاهم إلى توحيده ، والإقرار بوحدانيته والبراءة من عبادة كل ما يعبد دونه " وأقاموا الصلاة " المفروضة في حدودها في أوقاتها " وأمرهم شورى بينهم " يقول : وإذا حزبهم أمراً تشاوروا بينهم ، " ومما رزقناهم ينفقون " يقول : ومن الأموال التي رزقناهم ينفقون في سبيل الله ، ويؤدون ما فرض عليهم من الحقوق لأهلها من زكاة ونفقة على من تجب عليهم نفقته . وكان ابن زيد يقول : عني بقوله " والذين استجابوا لربهم " ... الآية الأنصار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد وقرأ " والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون " قال : فبدأ بهم " والذين استجابوا لربهم " الأنصار " وأقاموا الصلاة " وليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأمرهم شورى بينهم " ليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً .
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة " قال عبد الرحمن بن زيد هم الأنصار بالمدينة ، استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثني عشر نقيباً منهم قبل الهجرة ، " وأقاموا الصلاة " أي أدوها لمواقيتها بشروطها وهيئاتها .
الثانية : قوله تعالى : " وأمرهم شورى بينهم " أي يتشاورون في الأمور ، والشورى مصدر شاورته ، مثل البشرى والذكرى ونحوه ، فكانت الأنصار قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه ، فمدحهم الله تعالى به ، قاله النقاش ، وقال الحسن : أي إنهم لانقيادهم إلى الرأي في أمورهم متفقون لا يختلفون ، فمدحوا بإتفاق كلمتهم ، قال الحسن : ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم ، وقال الضحاك : هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وورود النقباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له ، وقيل : تشاورهم فيما يعرض لهم ، فلا يستأثر بعضهم بخبر دون بعض ، وقال ابن العربي : الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب ، وما تشاور قوم قط إلا هدوا وقد قال الحكيم :
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي لبيب أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي قوة للقوادم
فمدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الآراء المتعلقة بمصالح الحروب ، وذلك في الآراء كثير ، ولم يكن يشاورهم في الأحكام ، لأنها منزلة من عند الله على جميع الأقسام من الفرض والندب والمكروه والمباح والحرام من الكتاب والسنة ، وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص عليها حتى كان فيها بين أبي بكر والأنصار ما سبق بيانه ، وقال عمر رضي الله عنه : نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ، وتشاوروا في أهل الردة فاستقر رأي أبي بكر على القتال ، وتشاوروا في الجد وميراثه ، وفي حد الخمر وعدده ، وتشاوروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحروب ، حتى شاور عمر الهرمزان حين وفد عليه مسلماً في المغازي فقال له الهرمزان : مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له ريش وله جناحان ورجلان فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شدخ الرأس ذهب الرجلان والجناحان ، والرأس كسرى والجناح الواحد قيصر والآخر فارس ، فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى ... وذكر الحديث ، وقال بعض العقلاء ، ما أخطأت قط ! إذا حزبني أمر شاورت قومي ففعلت الذي يرون ، فإن أصبت فهم المصيبون ، وإن أخطأت فهم المخطئون .
الثالثة : قد مضى في (( آل عمران )) ما تضمنته الشورى من الأحكام عند قوله تعالى " وشاورهم في الأمر " [ آل عمران : 159 ] والمشورة بركة ، والمشورة : الشورى ، وكذلك المشورة : ( بضم الشين ) ، تقول منه : شاورته في الأمر واستشرته بمعنى ، وروى الترمذي عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها "، قال حديث غريب ، " ومما رزقناهم ينفقون " أي ومما أعطيناهم يتصدقون ، وقد تقدم في (( البقرة )) .
يقول تعالى محقراً لشأن الحياة الدنيا وزينتها وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني بقوله تعالى: "فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا" أي مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به فإنما هو متاع الحياة الدنيا وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة "وما عند الله خير وأبقى" أي وثواب الله تعالى خير من الدنيا وهو باق سرمدي فلا تقدموا الفاني على الباقي ولهذا قال تعالى: "للذين آمنوا" أي للذين صبروا على ترك الملاذ في الدنيا "وعلى ربهم يتوكلون" أي ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحرمات.
ثم قال تعالى: "والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش" وقد قدمنا الكلام على الإثم والفواحش في سورة الأعراف " وإذا ما غضبوا هم يغفرون " أي سجيتهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس ليس سجيتهم الانتقام من الناس. وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله وفي حديث آخر كان يقول لأحدنا عند المعتبة: "ما له تربت جبينه" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا سفيان عن زائدة عن منصور عن إبراهيم قال: كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا وكانوا إذا قدروا عفوا.
وقوله عز وجل: "والذين استجابوا لربهم" أي اتبغوا رسله وأطاعوا أمره واجتنبوا زجره "وأقاموا الصلاة" وهي أعظم العبادات لله عز جل "وأمرهم شورى بينهم" أي لا يبرمون أمراً حتى يتشاوروا فيه ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها كما قال تبارك وتعالى: "وشاورهم في الأمر" الاية ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها ليطيب بذلك قلوبهم وهكذا لما حضرت عمر بن الخطاب رضي الله عنه الوفاة حين طعن جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم فاجتمع رأي الصحابة كلهم رضي الله عنهم على تقديم عثمان عليهم رضي الله عنهم "ومما رزقناهم ينفقون" وذلك بالإحسان إلى خلق الله الأقرب إليهم منهم فالأقرب.
وقوله عز وجل: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" أي فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم واعتدى عليهم ليسوا بالعاجزين ولا الأذلين بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم وإن كانوا مع هذا إذا قدروا عفوا كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوته: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم إليه وكما عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولئك النفر الثمانين الذين قصدوه عام الحديبية ونزلوا من جبل التنعيم فلما قدر عليهم من عليهم مع قدرته على الانتقام وكذلك عفوه صلى الله عليه وسلم عن غوث بن الحارث الذي أراد الفتك به حين اخترط سيفه وهو نائم فاستيقظ صلى الله عليه وسلم وهو في يده مصلتاً فانتهره فوضعه من يده وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف في يده ودعا أصحابه ثم أعلمهم بما كان من أمره و أمر هذا الرجل وعفا عنه وكذلك عفا صلى الله عليه وسلم عن لبيد بن الأعصم الذي سحره عليه السلام ومع هذا لم يعرض له ولا عاتبه مع قدرته عليه وكذلك عفوه صلى الله عليه وسلم عن المرأة اليهودية ـ وهي زينب أخت مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله محمود بن مسلمة ـ التي سمت الذراع يوم خيبر ـ فأخبره الذراع بذلك فدعاها فاعترفت فقال صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على ذلك ؟" قالت: أردت إن كنت نبياً لم يضرك وإن لم تكن نبياً استرحنا منك فأطلقها عليه الصلاة والسلام ولكن لما مات منه بشر بن البراء رضي الله عنه قتلها به, والأحاديث والاثار في هذا كثيرة جداً, والله سبحانه وتعالى أعلم.
38- "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة" أي أجابوه إلى ما دعاهم إليه وأقاموا ما أوجبه عليهم من فريضة الصلاة. قال ابن زيد: هم الأنصار بالمدينة استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم إثنى عشر نقيباً منهم قبل الهجرة، وأقاموا الصلاة لمواقيتها بشروطها وهيئاتها "وأمرهم شورى بينهم" أي يتشاورون فيما بينهم ولا يعجلون ولا ينفردون بالرأي، والشورى مصدر شاورته مثل البشرى والذكرى. قال الضحاك: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وورود النقباء إليهم حين اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له. وقيل المراد تشاورهم في كل أمر يعرض لهم فلا يستأثر بعضهم على بعض برأي، وما أحسن ما قاله بشار بن برد:
إذا بلـغ الـرأي المشـورة فاســتعن برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فريـش الحـوافي قـوة للقوادم
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في أموره وأمره الله صبحانه بذلك فقال "وشاورهم في الأمر" وقد قدمنا في آل عمران كلاماً في الشورى "ومما رزقناهم ينفقون" أي ينفقونه في سبيل الخير ويتصدقون به على المحاويج.
38. " والذين استجابوا لربهم "، أجابوه إلى ما دعاهم إليه من طاعته، " وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم "، يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون " ومما رزقناهم ينفقون ".
38-" والذين استجابوا لربهم " نزلت في الأنصار دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان فاستجابوا له . " وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم " ذو شورى بينهم لا ينفردون برأي حتى يتشاورا ويجتمعوا عليه ، وذلك من فرط تدبرهم وتيقظهم في الأمور ، وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور . " ومما رزقناهم ينفقون " في سبيل الله الخير .
38. And those who answer the call of their Lord and establish worship, and whose affairs are a matter of counsel, and who spend of what We have bestowed on them,
38 - Those who hearken to their Lord, and establish regular prayer; who (conduct) their affairs by mutual Consultation; who spend out of what we bestow on them for Sustenance;