(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) كتبنا (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ماكثون أبدا لا يفنون ولا يخرجون
يعني: والذين جحدوا آياتي وكذبوا رسلي. وآيات الله: حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته، وما جاءت به الرسل من الأعلام والشواهد على ذلك، وعلى صدقها فيما أنبأت عن ربها، وقد بينا أن معنى الكفر، التغطية على الشيء.
"أولئك أصحاب النار"، يعني: أهلها الذين هم أهلها دون غيرهم، المخلدون فيها أبدًا إلى غير أمد ولا نهاية. كما:حدثنا به عقبة بن سنان البصري، قال: حدثنا غسان بن مضر، قال حدثنا سعيد بن يزيد وحدثنا سواربن عبدالله العنبري، قال: حدثنا بشربن المفضل، قال: حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد وحدثني يعقوب بن إبراهيم، وأبو بكر بن عون، قالا: حدثنا إسمعيل بن علية، عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أقوامًا أصابتهم النار بخطاياهم أو بذنوبهم، فأماتتهم إماتة، حتى إذا صاروا فحمًا، أذن في الشفاعة".
قوله تعالى : "والذين كفروا" أي أشركوا ، لقوله : "وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار" الصحبة : الاقتران بالشيء في حالة ما ، في زمان ما ، فإن كانت الملازمة والخلطة فهي كمال الصحبة ، وهكذا هي صحبة أهل النار لها . وبهذا القول بنفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة ، على ما نبينه في براءة إن شاء الله . وباقي ألفاظ الآية تقدم معناها والحمد لله .
يقول تعالى مخبراً عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حين أهبطهم من الجنة، والمراد الذرية، أنه سينزل الكتب ويبعث الأنبياء والرسل كما قال أبو العالية: الهدى: الأنبياء والرسل والبينات والبيان، وقال مقاتل بن حيان الهدى: محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الحسن: الهدى: القرآن، وهذان القولان صحيحان، وقول أبي العالية أعم "فمن اتبع هداي" أي من أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل "فلا خوف عليهم" أي فيما يستقبلونه من أمر الاخرة "ولا هم يحزنون" على ما فاتهم من أمور الدنيا كما قال في سورة طه " قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " قال ابن عباس: فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الاخرة "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى" كما قال ههنا "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" أي مخلدون فيها لا محيد لهم عنها ولا محيص وقد أورد ابن جرير ههنا حديثاً ساقه من طريقين عن أبي سلمة سعيد بن يزيد عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد واسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذي هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أقوام أصابتهم النار بخطاياهم فأماتتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذن في الشفاعة" وقد رواه مسلم من حديث شعبة عن أبي سلمة به. وذكر هذا الإهباط الثاني لما تعلق به ما بعده من المعنى المغاير للأول، وزعم بعضهم: أنه تأكيد وتكرير، كما يقال: قم قم، وقال آخرون: بل الاهباط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا، والثاني من سماء الدنيا إلى الأرض، والصحيح الأول، والله أعلم.
39- " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ".
39. " والذين كفروا " (يعني جحدوا) " وكذبوا بآياتنا " بالقرآن " أولئك أصحاب النار " يوم القيامة " هم فيها خالدون " لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.
39-" والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " عطف على " فمن تبع " إلى آخره قسيم له كأنه قال : ومن يتبع بل كفروا بالله ، وكذبوا بآياته ، أو كفروا بالآيات جناناً ، وكذبوا بها لساناً فيكون الفعلان متوجهين إلى الجار والمجرور . والآية في الأصل العلامة الظاهرة ، ويقال للمصنوعات من حيث إنها تدل على وجود الصانع وعلمه وقدرته ، ولكل طائفة من كلمات القرآن المتميزة عن غيرها بفصل ، واشتقاقها من آي لأنها تبين آياً من أي أو من أوى إليه ,وأصلها أأية أو أوية كثمرة ، فأبدلت عينها ألفاً على غير قياس ، أو أيية . أو أوية كرمكة فأعلت . أو آئية كقائلة فحذفت الهمزة تخفيفاً . والمراد " بآياتنا " الآيات المنزلة ، أو ما يعمها والمعقوله , وقد تمسكت الحشوية بهذه القصة على عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من وجوه :
الأول : أن آدم صلوات الله عليه كان نبياً ،وارتكب المنهي عنه والمرتكب له عاص .
والثاني : أنه جعل بارتكابه من الظالمين والظالم ملعون لقوله تعالى : " ألا لعنة الله على الظالمين " .
والثالث : أنه تعالى أسند إليه العصيان ، فقال " وعصى آدم ربه فغوى " .
والرابع : أنه تعالى لقنه التوبة ، وهي الرجوع عن الذنب والندم عليه .
والخامس : اعترافه بأنه خاسر لولا مغفرة الله تعالى إياه بقوله : " وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " والخاسر من يكون ذا كبيرة .
والسادس : أنه لو لم يذنب لم يجر عليه ما جرى . والجواب من وجوه .
الأول : أنه لم نبياً حينئذ ، والمدعي مطالب بالبيان .
الثاني : أن النهي للتنزيه ، وإنما سمي ظالماً وخاسراً لأنه ظلم نفسه وخسر حظه بترك الأولى له . وأما إسناد الغي والعصيان إليه ، فسيأتي الجواب عنه في موضعه إن شاء الله تعالى . وإنما أمر بالتوبة تلافياً لما فات عنه ، وجرى عليه ما جرى معاتبة له على ترك الأولى ،ووفاء بما قاله للملائكة قبل خلقه .
والثالث : أنه فعله ناسياً لقوله سبحانه وتعالى : " فنسي ولم نجد له عزماً " ولكنه عوتب بترك التحفظ عن أسباب النسيان ، ولعله وإن حط عن الأمة لم يحط عن الأنبياء لعظم قدرهم كما قال عليه الصلاة والسلام " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل " . أو أدى فعلة إلى ما جرى عليه على طريق السببية المقدرة دون المؤاخذة على تناوله ، كتناول السم على الجاهل بشأنه . لا يقال إنه باطل لقوله تعالى : " ما نهاكما ربكما " ، و " قاسمهما " لأنه ليس فيهما ما يدل على أن تناوله حين ما قال له إبليس ، فلعل مقاله أورث فيه ميلاً طبيعياً ، ثم إنه كف نفسه عنه مراعاة لحكم الله تعالى إلى أن نسي ذلك ، وزال المانع فحمله الطبع عليه .
والرابع : أنه عليه السلام أقدم عليه بسبب اجتهاد أخطأ فيه ، فإنه ظن أن النهي للتنزيه ، أو الإشارة إلى عين تلك الشجرة فتتناول من غيرها من نوعها وكان المراد بها الإشارة إلى النوع ، كما روي أنه عليه الصلاة والسلام " أخذ حريراً وذهباً بيده وقال : هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها " . وإنما جرى عليه ما جرى تعظيماً لشأن الخطيئة ليجتنبها أولاده . وفيها دلالة على أن الجنة مخلوقة وأنها في جهة عالية ، وأن التوبة مقبولة ، وأن متبع الهدى مأمون العاقبة ، أن عذاب النار دائم ، وأن الكافر فيه مخلد ، وأن غيره لا يخلد فيه بمفهوم قوله تعالى : " هم فيها خالدون " .
وأعلم أنه سبحانه وتعالى لما ذكر دلائل التوحيد والنبوة والمعاد ، وعقبها تعداد النعم العامة تقريراً لها وتأكيداً ، فإنها من حيث إنها حوادث محكمة تدل على محدث حكيم له الخلق والأمر وحده لا شريك له ، ومن حيث إن الإخبار بها على ما هو مثبت في الكتب السابقة ممن لم يتعلمها ، ولم يمارس شيئاً منها إخبار بالغيب معجز يدل على نبوة المخبر عنها ، ومن حيث اشتمالها على خلق الإنسان وأصوله وما هو أعظم من ذلك ، تدل على أنه قادرة على الإعادة كما كان قادراً على الإبداء ، خاطب أهل العلم والكتاب منهم ، وأمرهم أن يذكروا نعم الله تعالى عليهم ، ويوفوا بعهده في اتباع الحق واقتفاء الحجج ليكونوا أول من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه فقال :
39. But they who disbelieve, and deny our revelations, such are rightful owners of the Fire. They will abide therein.
39 - But those who reject faith and belie Our Signs, They shall be Companions of the fire; They shall abide therein.