39 - (وقاتلوهم حتى لا تكون) توجد (فتنة) شرك (ويكون الدين كله لله) وحده ولا يعبد غيره (فإن انتهوا) عن الكفر (فإن الله بما يعملون بصير) فيجازيهم به
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: وإن يعد هؤلاء لحربك، فقد رأيتم سنتي فيمن قاتلكم منهم يوم بدر، وأنا عائد بمثلها فيمن حاربكم منهم، فقاتلوهم حتى لا يكون شرك، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض - وهو ((الفتنة)) -، " ويكون الدين كله لله "، يقول: وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصةً دون غيره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "، يعني: حتى لا يكون شرك.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن يونس، عن الحسن في قوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "، قال: ((الفتنة))، الشرك.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "، يقول: قاتلوهم حتى لا يكون شرك، " ويكون الدين كله لله "، حتى يقال: ((لا إله إلا الله))، عليها قاتل نبي الله صلى الله عليه وسلم، وإليها دعا.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "، قال: حتى لا يكون شرك.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "، قال: حتى لا يكون بلاء.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله "، أي: لا يفتن مؤمن عن دينه، ويكون التوحيد لله خالصاً ليس له فيه شرك، ويخلع ما دونه من الأنداد.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "، قال: حتى لا يكون كفر، " ويكون الدين كله لله "، لا يكون مع دينكم كفر.
حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن أشياء، فكتب إليه عروة: ((سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنك كتبت إلي تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، وسأخبرك به، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كان من شأن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، أن الله أعطاه النبوة، فنعم النبي! ونعم السيد! ونعم العشيرة! فجزاه الله خيراً، وعرفنا وجهه في الجنة، وأحيانا على ملته، وأماتنا عليها. وإنه لما دعا قومه لما بعثه الله له من الهدى والنور الذي أنزل عليه، لم يبعدوا منه أول ما دعاهم إليه، وكادوا يسمعون له، حتى ذكر طواغيتهم. وقدم ناس من الطائف من قريش، لهم أموال، أنكر ذلك ناس واشتدوا عليه، وكرهوا ما قال، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة الناس فتركوه، إلا من حفظه الله منهم، وهم قليل. فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنةً شديدة الزلزال، فافتتن من افتتن، وعصم الله من شاء منهم. فلما فعل ذلك بالمسلمين، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة. وكان بالحبشة ملك صالح يقال له ((النجاشي))، لا يظلم أحد بأرضه، وكان يثنى عليه مع ذلك صلاح، وكان أرض الحبشة متجراً لقريش، يتجرون فيها، ومساكن لتجارهم، يجدون فيها رفاغاً من الرزق وأمناً ومتجراً حسناً، فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة، وخاف عليهم الفتن. ومكث هو فلم يبرح. فمكث ذلك سنوات، يشتدون على من أسلم منهم. ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم ومنعتهم. فلما رأوا ذلك، استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه. وكانت الفتنة الأولى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أرض الحبشة، مخافتها، وفراراً مما كانوا فيه من الفتن والزلزال. فلما استرخي عنهم، ودخل في الإسلام من دخل منهم، تحدث باسترخائهم عنهم. فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قد استرخي عمن كان منهم بمكة. وأنهم لا يفتنون. فرجعوا إلى مكة، وكادوا يأمنون بها، وجعلوا يزدادون ويكثرون. وأنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير، وفشا بالمدينة الإسلام، وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلىالله عليه وسلم بمكة. فلما رأت ذلك قريش تذامرت على أن يفتنوهم ويشتدوا عليهم، فأخذوهم وحرصوا على أن يفتنوهم، فأصابهم جهد شديد. وكانت الفتنة الآخرة. فكانت ثنتين: فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة، حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وأذن لهم في الخروج إليها، وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة. ثم إنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نقيباً، رؤوس الذين أسلموا، فوافوه بالحج، فبايعوه بالعقبة، وأعطوه عهودهم على أنا منك وأنت منا، وعلى أن من جاء من أصحابك أو جئتنا، فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا. فاشتدت عليهم قريش عند ذلك. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة، وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وخرج هو، وهي التي أنزل الله فيها: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ".
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير: أنه كتب إلى الوليد: ((أما بعد، فإنك كتبت إلي تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، وعندي، بحمد الله، من ذلك علم بكل ما كتبت تسألني عنه، وسأخبرك إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله))، ثم ذكر نحوه.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا قيس، عن الأعمش، عن مجاهد : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "، قال: ((يساف)) و((نائلة))، صنمان كانا يعبدان.
وأما قوله: " فإن انتهوا "، فإن معناه: فإن انتهوا عن الفتنة، وهي الشرك بالله، وصاروا إلى الدين الحق معكم، " فإن الله بما يعملون بصير "، يقول: فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون من ترك الكفر والدخول في دين الإسلام، لأنه يبصرهم ويبصر أعمالكم، والأشياء كلها متجلية له، لا تغيب عنه، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
وقد قال بعضهم: معنى ذلك، فإن انتهوا عن القتال.
قال أبو جعفر: والذي قلنا في ذلك أولى بالصواب، لأن المشركين وإن انتهوا عن القتال، فإنه كان فرضاً على المؤمنين قتالهم حتى يسلموا.
قوله تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" أي كفر. إلى آخر الآية تقدم معناها وتفسير ألفاظها في البقرة وغيرها والحمد لله.
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم "قل للذين كفروا إن ينتهوا" أي عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة يغفر لهم ما قد سلف أي من كفرهم, وذنوبهم وخطاياهم كما جاء في الصحيح من حديث أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية, ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والاخر" وفي الصحيح أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما كان قبلها" وقوله "وإن يعودوا" أي يستمروا على ما هم فيه "فقد مضت سنة الأولين" أي فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة. قال مجاهد في قوله "فقد مضت سنة الأولين" أي في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم, وقال السدي ومحمد بن إسحاق أي يوم بدر. وقوله تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" قال البخاري حدثنا الحسن بن عبد العزيز حدثنا عبد الله بن يحيى حدثنا حيوة بن شريح عن بكر بن عمر عن بكير عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً جاء فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تصنع ما ذكر الله في كتابه "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا" الاية فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه ؟ فقال: يا ابن أخي أعير بهذه الاية, ولا أقاتل أحب إلي من أن أعير بالاية التي يقول الله عز وجل "ومن يقتل مؤمناً متعمداً" إلى آخر الاية قال: فإن الله تعالى يقول "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال ابن عمر قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلاً وكان الرجل يفتن في دينه إما أن يقتلوه وإما أن يوثقوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة, فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد قال فما قولكم في علي وعثمان ؟ قال ابن عمر أما قولي في علي وعثمان, أما عثمان فكان الله قد عفا عنه وكرهتم أن يعفو الله عنه, وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده وهذه ابنته أو بنته حيث ترون, وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا بيان أن ابن وبرة حدثه قال حدثني سعيد بن جبير قال: خرج علينا أو إلينا ابن عمر رضي الله عنهما فقال كيف ترى في قتال الفتنة ؟ فقال: وهل تدري ما الفتنة ؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنة, وليس بقتالكم على الملك. هذا كله سياق البخاري رحمه الله تعالى وقال عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس قد صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر بن الخطاب وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج ؟ قال يمنعني أن الله حرم علي دم أخي المسلم. قالوا أو لم يقل الله "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" ؟ قال قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله, وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله. وكذا روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أيوب بن عبد الله اللخمي, قال كنت عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, فأتاه رجل فقال: إن الله يقول "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله", قال: قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة, وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله. وكذا رواه حماد بن سلمة, فقال ابن عمر: قاتلت أنا وأصحابي حتى كان الدين كله لله, وذهب الشرك ولم تكن فتنة, ولكنك وأصحابك تقاتلون حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله, رواهما ابن مردويه. وقال أبو عوانة: عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه, قال: قال ذو البطين, يعني أسامة بن زيد: لا أقاتل رجلاً يقول لا إله إلا الله أبداً. فقال سعد بن مالك: وأنا والله لا أقاتل رجلاً يقول لا إله إلا الله أبداً, فقال رجل ألم يقل الله "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" ؟ فقالا: قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله. رواه ابن مردويه, وقال الضحاك عن ابن عباس "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة", يعني لا يكون شرك, وكذا قال أبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم, وقال محمد بن إسحاق: بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير, وغيره من علمائنا, حتى لا تكون فتنة, حتى لا يفتن مسلم عن دينه, وقوله "ويكون الدين كله لله" قال الضحاك: عن ابن عباس في هذه الاية, قال يخلص التوحيد لله, وقال الحسن وقتادة وابن جريج "ويكون الدين كله لله" أن يقال لا إله إلا الله, وقال محمد بن إسحاق: ويكون التوحيد خالصاً لله, ليس فيه شرك, ويخلع ما دونه من الأنداد.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "ويكون الدين كله لله", لا يكون مع دينكم كفر, ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "أمرت أن أقاتل الناس, حتى يقولوا لا إله إلا الله, فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم, إلا بحقها, وحسابهم على الله عز وجل" وفيهما عن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية, ويقاتل رياء, أي ذلك في سبيل الله عز وجل ؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل".
وقوله "فإن انتهوا" أي بقتالكم عما هم فيه من الكفر فكفوا عنه, وإن لم تعلموا بواطنهم "فإن الله بما يعملون بصير", كقوله "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم", الاية, وفي الاية الأخرى "فإخوانكم في الدين", وقال " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسامة, لما علا ذلك الرجل بالسيف, فقال لا إله إلا الله فضربه فقتله, فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأسامة: "أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ وكيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة ؟ فقال يا رسول الله, إنما قالها تعوذاً, قال "هلا شققت عن قلبه ؟" وجعل يقول ويكرر عليه, "من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ؟" قال أسامة حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ, وقوله "وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير", أي وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم فاعلموا أن الله مولاكم, وسيدكم وناصركم على أعدائكم فنعم المولى ونعم النصير. وقال محمد بن جرير حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد حدثنا أبي حدثنا أبان العطار حدثنا هشام بن عروة عن عروة أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن أشياء فكتب إليه عروة: سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني, عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة, وسأخبرك به, ولا حول ولا قوة إلا بالله, كان من شأن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة, أن الله أعطاه النبوة, فنعم النبي ونعم السيد ونعم العشيرة, فجزاه الله خيراً, وعرفنا وجهه في الجنة, وأحياناً على ملته وأماتنا وبعثنا عليها, وأنه لما دعا قومه لما بعثه الله به من الهدى والنور الذي أنزل عليه لم يبعدوا منه أول ما دعاهم إليه, وكانوا يسمعون له, حتى إذا ذكر طواغيتهم, وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال, أنكر ذلك عليه ناس واشتدوا عليه, وكرهوا ما قال وأغروا به من أطاعهم, فانعطف عنه عامة الناس, فتركوه إلا من حفظه الله منهم, وهم قليل فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث, ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم, فكانت فتنة شديدة الزلزال, فافتتن من افتتن وعصم الله ما شاء منهم, فلما فعل ذلك بالمسلمين, أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة, وكان بالحبشة ملك صالح, يقال له النجاشي, لا يظلم أحد بأرضه, وكان يثنى عليه مع ذلك, وكانت أرض الحبشة متجراً لقريش يتجرون فيها, وكانت مساكن لتجارهم يجدون فيها رفاغاً من الرزق, وأمناً ومتجراً حسناً, فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم, فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة, وخافوا عليهم الفتن, ومكث هو فلم يبرح, فمكث بذلك سنوات يشتدون على من أسلم منهم, ثم إنه فشا الإسلام فيها, ودخل فيه رجال من أشرافهم ومنعتهم, فلما رأوا ذلك استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه, وكانت الفتنة الأولى: هي التي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أرض الحبشة مخافتها, وفراراً مما كانوا فيه من الفتن والزلزال فلما استرخى عنهم ودخل في الإسلام من دخل منهم تحدث باسترخائهم عنهم, فبلغ من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد استرخى عمن كان منهم بمكة, وأنهم لا يفتنون, فرجعوا إلى مكة وكادوا يأمنون بها, وجعلوا يزدادون ويكثرون, وأنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير, وفشا الإسلام بالمدينة وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, فلما رأت قريش ذلك, توامروا على أن يفتنوهم ويشتدوا, فأخذوهم فحرصوا على أن يفتنوهم, فأصابهم جهد شديد, فكانت الفتنة الاخرة, فكانت فتنتان: فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها, وأذن لهم في الخروج إليها, وفتنة: لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة, ثم إنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نقيباً, رؤوس الذين أسلموا, فوافوه بالحج فبايعوه بالعقبة, وأعطوه عهودهم ومواثيقهم, على أنا منك وأنت منا, وعلى أن من جاء من أصحابك أو جئتنا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا, فاشتدت عليهم قريش, عند ذلك, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه, أن يخرجوا إلى المدينة, وهي الفتنة الاخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه, وخرج هو, وهي التي أنزل الله عز وجل فيها "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله", ثم رواه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب, عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه, عن عروة بن الزبير, أنه كتب إلى الوليد يعني ابن عبد الملك بن مروان بهذا, فذكر مثله, وهذا صحيح إلى عروة رحمه الله .
39- "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" أي كفر، وقد تقدم تفسير هذا في البقرة مستوفى "فإن انتهوا" عما ذكر "فإن الله بما يعملون بصير" لا يخفى عليه ما وقع منهم من الانتهاء.
39 - " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةً " أي : شرك . قال الربيع :حتى لا يفتن مؤمن عن دينه " ويكون الدين كله لله " ، أي : ويكون الدين خالصاً لله لا شرك فيه، " فإن انتهوا " ، عن الكفر ، " فإن الله بما يعملون بصير " ، قرأ يعقوب ( تعملون) بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء .
39. " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " لا يوجد فيهم شرك . " ويكون الدين كله لله " وتضمحل عنهم الأديان الباطلة . " فإن انتهوا " عن الكفر ."فإن الله بما يعملون بصير" فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم . وعن يعقوب بالتاء على معنى فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام والإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان بصير ، فيجازيكم ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة على أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة يستدعي إثابة مقاتليهم للتسبب.
39. And fight them until persecution is no more, and religion is all for Allah. But if they cease, then lo! Allah is Seer of what they do.
39 - And fight them on until there is no more tumult or oppression, and there prevail justice and faith in God altogether and everywhere; but if they cease, verily God doth see all that they do.