4 - (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان) بلغة (قومه ليبين لهم) ليفهمهم ما أتى به (فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز) في ملكه (الحكيم) في صنعه
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وما أرسلنا إلى أمة من الأمم ، يا محمد ، من قبلك ومن قبل قومك ، رسولاً إلا بلسان الأمة التي أرسلناه إليها ولغتهم ، "ليبين لهم" ، يقول : ليفهمهم ما أرسله الله به إليهم من أمره ونهيه ، ليثبت حجة الله عليهم ، ثم التوفيق والخذلان بيد الله ، فيخذل عن قبول ما أتاه به رسوله من عنده من شاء منهم ، ويوفق لقبوله من شاء ، وذلك رفع فيضل ، لأنه أريد به الابتداء لا العطف على ما قبله ، كما قيل : ( لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء ) ، "وهو العزيز" ، الذي لا يمتنع مما أراده من ضلال أو هداية من أراد ذلك به ، "الحكيم" ، في توفيقه للإيمان من وفقه له ، وهدايته له من هداه إليه ، وفي إضلاله من أضل عنه ، وفي غير ذلك من تدبيره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه" ، أي لغة قومه ما كانت . قال الله عز وجل : "ليبين لهم" ، الذي أرسل إليهم ، ليتخذ بذلك الحجة . قال الله عز وجل : "فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم" .
قوله تعالى: " وما أرسلنا من رسول " أي قبلك يا محمد " إلا بلسان قومه " أي بلغتهم، ليبينوا لهم أمر دينهم، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة، فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير، ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية، لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها لزمته الحجة، وقد قال الله تعالى: " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " ( سبأ: 28). وقال صلى الله عليه وسلم: " أرسل كل نبي إلى أمته بلسانها وأرسلني الله إلى كل أحمر وأسود من خلقه ". وقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ". خرجه مسلم ، وقد تقدم. " فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء " رد على القدرية في نفوذ المشيئة، وهو مستأنف، وليس بمعطوف على ( ليبين) لأن الإرسال إنما وقع للتبيين لا للإضلال. ويجوز النصب في ( يضل) لأن الإرسال صار سبباً للإضلال، فيكون كقوله: " ليكون لهم عدوا وحزنا " ( القصص: 8) وإنما صار الإرسال سبباً للإضلال لأنهم كفروا به لما جاءهم، فصار كأنه سبب لكفرهم. " وهو العزيز الحكيم " تقدم معناه.
هذا من لطفه تعالى بخلقه أنه يرسل إليهم رسلاً منهم بلغاتهم, ليفهموا عنهم ما يريدون, وما أرسلوا به إليهم, كما روى الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن عمر بن ذر قال: قال مجاهد عن أبي ذر: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يبعث الله عز وجل نبياً إلا بلغة قومه". وقوله: "فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" أي بعد البيان وإقامة الحجة عليهم, يضل الله من يشاء عن وجه الهدى, ويهدي من يشاء إلى الحق "وهو العزيز" الذي ما شاء كان, وما لم يشأ لم يكن, "الحكيم" في أفعاله, فيضل من يستحق الإضلال ويهدي من هو أهل لذلك, وقد كانت هذه سنته في خلقه أنه ما بعث نبياً في أمة إلا أن يكون بلغتهم, فاختص كل نبي بإبلاغ رسالته إلى أمته دون غيرهم, واختص محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم الرسالة إلى سائر الناس, كما ثبت في الصحيحين عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً, وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي, وأعطيت الشفاعة, وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" وله شواهد من وجوه كثيرة. وقال تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً".
ثم لما من على المكلفين بإنزال الكتب وإرسال الرسول ذكر من كمال تلك النعمة أن ذلك المرسل بلسان قومه فقال: 4- "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه" أي متلبساً بلسانهم متكلماً بلغتهم لأنه إذا كان كذلك فهم عنه المرسل إليهم ما يقوله لهم وسهل عليهم ذلك بخلاف ما لو كان بلسان غيرهم فإنهم لا يدرون ما يقول ولا يفهمون ما يخاطبهم به حتى يتعلموا ذلك اللسان دهراً طويلاً ومع ذلك فلا بد أن يصعب عليه فهم ذلك بعض صعوبة، ولهذا علل سبحانه ما امتن به على العباد بقوله "ليبين لهم" أي ليوضح لهم ما أمرهم الله به من الشريعة التي شرعها لهم ووحد اللسان لأن المراد بها اللغة. وقد قيل في هذه الآية إشكال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس جميعاً بل إلى الجن والإنس ولغاتهم متباينة وألسنتهم مختلفة. وأجيب بأنه وإن كان صلى الله عليه وسلم مرسلاً إلى الثقلين كما مر لكن لما كان قومه العرب وكانوا أخص به وأقرب إليه كان إرساله بلسانهم أولى من إرساله بلسان غيرهم، وهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم ويوضحونه حتى يصير فاهماً له كفهمهم إياه، ولو نزل القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم، وبينه رسول الله لكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة للاختلاف وفتحاً لباب التنازع لأن كل أمة قد تدعي من المعاني في لسانها ما لا يعرفه غيرها، وربما كان ذلك أيضاً مفضياً إلى التحريف والتصحيف بسبب الدعاوي الباطلة التي يقع فيها المتعصبون وجملة "فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" مستأنفة: أي يضل من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته. قال الفراء: إذا ذكر فعل وبعده فعل آخر فإن لم يكن النسق مشاكلاً للأول فالرفع على الاستئناف هو الوجه، فيكون معنى هذه الآية: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم تلك الشرائع باللغة التي ألفوها وفهموها، ومع ذلك فإن المضل والهادي هو الله عز وجل، والبيان لا يوجب حصول الهداية إلا إذا جعله الله سبحانه واسطة وسبباً، وتقديم الإضلال عن الهداية لأنه متقدم عليها، إذ هو إبقاء على الأصل والهداية إنشاء ما لم يكن "وهو العزيز" الذي لا يغالبه مغالب "الحكيم" الذي يجري أفعاله على مقتضى الحكمة.
قوله تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"، بلغتهم ليفهموا عنه.
فإن قيل: كيف هاذ وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى كافة الخلق؟
قيل: بعث من العرب بلسانهم، والناس تبع لهم، ثم بث الرسل إلى الأطراف يدعونهم إلى الله عز وجل ويترجمون لهم بألسنتهم.
"فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم".
4."وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه"إلا بلغة قومه الذي هو منهم وبعث فيهم . "ليبين لهم"ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة ، ثم ينقلوه ويترجموه إلى غيرهم فإنهم أولى الناس إليه بأن يدعوهم وأحق بأن ينذرهم ،ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته أولاًولو نزل على من بعث إلى أمم مختلفة كتب على ألسنتهم استقل ذلك بنوع من الإعجاز . لكن أدى إلى اختلاف الكلمة وإضاعة فضل الاجتهاد في تعلم الألفاظ ومعانيها ، والعلوم المتشبعة منها وما في أتعاب القرائح وكد النفوس من القرب المقتضية لجزيل الثواب .وقرئ بلسن وهو لغة فيه كريش ورياش ،ولسن بضمتين وضمة وسكون على الجمع كعمد وعمد.وقيل الضمير في قومه لمحمد صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى أنزل الكتب كلها بالعربية ، ثم ترجمها جبريل عليه السلام أو كل نبي بلغة المنزل عليهم وذلك ليس بصحيح يرده قوله، "ليبين لهم "فإنه ضمير القوم ، والتوراة والإنجيل ونحوهما لم تنزل لتبين للعرب."فيضل الله من يشاء" فيخذله عن الإيمان ."ويهدي من يشاء"بالتوفيق له ."وهو العزيز"فلا يغلب على مشيئته ."الحكيم"الذي لا يضل ولا يهدي إلا لحكمه.
4. And We never sent a messenger save with the language of his folk, that he might make (the message) clear for them. Then Allah sendeth whom He will astray, and guideth whom He will. He is the Mighty, the Wise.
4 - We sent not an apostle except (to teach) in the language of his (own) people, in order to make (things) clear to them. now God leaves straying those whom he pleases and guides whom he pleases: and he is exalted in power, full of wisdom.