4 - (إن إلهكم) يا أهل مكة (لواحد)
يعني تعالى ذكره بقوله : "إن إلهكم لواحد" والصافات صفا إن معبودكم الذي يستوجب عليكم أيها الناس العبادة، وإخلاص الطاعة منكم له لواحد لا ثاني له ولا شريك. يقول : فأخلصوا له العبادة وإياه فأفردوا بالطاعة ، ولا تجعلوا له في عبادتكم إياه شريكاً.
"إن إلهكم لواحد " جواب القسم . وأجاز الكسائي فتح إن في القسم . والمراد بـ < الصافات > وما بعدها إلى قوله : " فالتاليات ذكراً " الملائكة في قول ابن عباس و ابن مسعود و عكرمة و سعيد بن جبير و مجاهد و قتادة . تصف في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة ، وقيل : تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد . وهذا كما تقوم العبيد بين أيدي ملوكهم صفوفاً . وقال الحسن : < صفاً > لصفوفهم عند ربهم في صلاتهم . وقيل : هي الطير ، دليله قوله تعالى : " أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات " [ الملك : 19 ] والصف ترتيب الجمع على خط كالصف في الصلاة . و< الصافات > جمع الجمع ، يقال : جماعة صافة ثم يجمع صافات . وقيل : الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفا في الصلاة أو في الجهاد ، ذكره القشيري . < فالزاجرات > الملائكة في قول ابن عباس و ابن مسعود و مسروق وغيرهم على ما ذكرناه . إما لأنها تزجر وتسوقه في قول السدي . وإما لأنها تزجر عن المعاصي المواعظ والنصائح . وقال قتادة : هي زواجر القرآن . " فالتاليات ذكراً " الملائكة تقرأ كتاب الله تعالى ، قاله ابن مسعود و ابن عباس و الحسن و مجاهد و ابن جبير و السدي . وقيل : المراد جبريل وحده فذكر بلفظ الجمع ، لأنه كبير الملائكة فلا يخلو من جنود وأتباع . وقال قتادة : المراد كل من تلا ذكر الله تعالى وكتبه . وقيل : هي آيات القرآن وصفها بالتلاوة كما قال تعالى : " إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل " [ النمل : 76 ] . ويجوز أن يقال لآيات القرآن تاليات ، لأن بعض الحروف يتبع بعضاً ، ذكره القشيري . وذكر الماوردي : أن المراد بالتاليات الأنبياء يتلون الذكر على أممهم . فإن قيل : ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات ؟ قيل له : إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود ، كقوله :
يالهف زيابة للحارث الصـ ـابح فالغانم فالآيب
كأنه قال : الذي صبح فغنم فآب . وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك : خذ الأفضل فالأكمل ، واعمل الأحسن فالأجمل . وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك كقوله : رحم الله المحلفين فالمقصرين . فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات ، قاله الزمخشري . < إن إلهكم لواحد > جواب القسم . قال مقاتل : وذلك أن الكفار بمكة قالوا اجعل الآلهة إلهاً واحداً ، وكيف يسع هذا الخلق فرد إله ! فأقسم الله بهؤلاء تشريفاً . ونزلت الآية . قال ابن الأنباري : وهو وقف حسن .
قال سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "والصافات صفا" وهي الملائكة "فالزاجرات زجراً" هي الملائكة "فالتاليات ذكراً" هي الملائكة, وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ومسروق وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والسدي وقتادة والربيع بن أنس قال قتادة: الملائكة صفوف في السماء. وقال مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً وجعل لنا ترابها طهوراً إذا لم نجد الماء" وقد روى مسلم أيضاً وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ؟" قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم "يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف" وقال السدي وغيره معنى قوله تعالى: "فالزاجرات زجراً" أنها تزجر السحاب, وقال الربيع بن أنس "فالزاجرات زجراً" ما زجر الله تعالى عنه في القرآن, وكذا روى مالك عن زيد بن أسلم "فالتاليات ذكراً" قال السدي الملائكة يجيئون بالكتاب والقرآن من عند الله إلى الناس وهذه الاية كقوله تعالى: " فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا ". وقوله عز وجل: " إن إلهكم لواحد * رب السماوات والأرض " هذا هو المقسم عليه أنه تعالى لا إله إلا هو رب السموات والأرض " وما بينهما " أي من المخلوقات "ورب المشارق" أي هو المالك المتصرف في الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب ثوابت وسيارات تبدو من المشرق وتغرب من المغرب. واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليه وقد صرح بذلك في قوله عز وجل: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون" وقال تعالى في الاية الاخرى: "رب المشرقين ورب المغربين" يعني في الشتاء والصيف للشمس والقمر.
وقوله: 4- "إن إلهكم لواحد" جواب القسم: أي أقسم الله بهذه الأقسام إنه واحد ليس له شريك. وأجاز الكسائي فتح إن الواقعة في جواب القسم.
4. وموضع القسم قوله: " إن إلهكم لواحد "، وقيل: فيه إضمار، أي: ورب الصافات والزاجرات والتاليات، وذلك أن كفار مكة قالوا: (( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ))؟ فأقسم الله بهؤلاء: (( إن إلهكم لواحد )).
4-" إن إلهكم لواحد " جواب للقسم والفائدة فيه تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم ، وأما تحقيقه فبقوله تعالى :
4. Lo! thy Lord is surely One.
4 - Verily, verily, your God is One.