4 - (فمن لم يجد) رقبة (فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع) أي الصيام (فإطعام ستين مسكينا) عليه أي من قبل أن يتماسا حملا للمطلق على المقيد لكل مسكين مد من غالب قوت البلد (ذلك) التخفيف في الكفارة (لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك) أي الأحكام المذكورة (حدود الله وللكافرين) بها (عذاب أليم) مؤلم
يقول تعالى ذكره : فمن لم يجد منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يحررها ، فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ، والشهران المتتابعان هما اللذان لا فصل بينهما بإفطار في نهار شيء منهما إلا من عذر ، فإنه إذا كان الإفطار بالعذر ففيه اختلاف بين أهل العلم ، فقال بعضهم : إذا كان إفطاره لعذر فزال العذر بنى على ما مضى من الصوم .
وقال آخرون : بل يستأنف ، لأن من أفطر بعذر أو غير عذر لم يتابع صوم شهرين .
ذكر من قال : إذا أفطر بعذر وزال العذر بنى وكان متابعاً .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي و عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب أنه قال في رجل صام من كفارة الظهار ، أو كفارة القتل ، ومرض فأفطر ، أو أفطر من عذر ، قال عليه أن يقضي يوماً مكان يوم ، ولا يستقبل صومه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، بمثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب في المظاهر الذي عليه صوم شهرين متتابعين ، فصام شهراً ، ثم أفطر ، قال : يتم ما بقي .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن و سعيد بن المسيب في رجل صام من كفارة الظهار شهراً أو أكثر ثم مرض ، قال : يعتد بما مضى إذا كان له عذر .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سالم بن نوح ، قال : ثنا عمر بن عامر ، عن قتادة ، عن الحسن في الرجل يكون عليه الصوم في قتل أو نذر أو ظهار ، فصام بعضه ثم أفطر ، قال : إن كان معذوراً فإنه يقضي .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن الحسن ، قال : إن أفطر من عذر أتم ، وإن كان من غير عذر استأنف .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن حجاج ، عن عطاء ، قال : من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر ، قال : يقضي ما بقي عليه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح و عمرو بن دينار في الرجل يفطر في اليوم الغيم ، يظن أن الليل قد دخل عليه في الشهرين المتتابعين أنه لا يزيد على أن يبدله ، ولا يستأنف شهرين آخرين .
حدثني أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال : إن جامع المعتكف وقد بقي عليه أيام من اعتكافه قال : يتم ما بقي ، والمظاهر كذلك .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : إذا كان شيئاً ابتلي به بنى على صومه ، وإذا كان شيئاً هو فعله استأنف ، قال سفيان : هذا معناه .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، عن عامر في رجل ظاهر ، فصام شهرين متتابعين إلا يومين ثم مرض ، قال : يتم ما بقي .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت إسماعيل عن الشعبي بنحوه .
حدثنا أبو كريب و يعقوب قالا : ثنا هشيم ، عن إسماعيل ، عن الشعبي في رجل عليه صيام شهرين متتابعين ، فصام فمرض فأفطر ، قال : يقضي ولا يستأنف .
ذكر من قال : يستقبل من أفطر بعذر أو غير عذر .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في رجل عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر ، قال : يستأنف ، والمرأة إذا حاضت فأفطرت تقضي .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : إذا مرض فأفطر استأنف ، يعني من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هشيم ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : يستأنف .
وأولى القولين عندنا بالصواب قول من قال : يبني المفطر بعذر ، ويستقبل المفطر بغير عذر ، لإجماع الجميع على أن المرأة إذا حاضت في صومها الشهرين المتتابعين بعذر ، فمثله ، لأن إفطار الحائض بسبب حيضها بعذر كان من قبل الله ، فكل عذر كان من قبل الله فمثله .
وقوله : " فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " يقول تعالى ذكره : فمن لم يستطع منهم الصيام فعليه إطعام ستين مسكيناً ، وقد بينا وجه الإطعام فيما مضى قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته .
وقوله : " ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله " يقول جل ثناؤه : هذا الذي فرضت على من ظاهر منكم ما فرضت في حال القدرة على الرقبة ، ثم خففت عنه مع العجز بالصوم ، ومع فقد الاستطاعة على الصوم بالإطعام ، وإنما فعلته كي تقر الناس بتوحيد الله ورسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ويصدقوا بذلك ، ويعملوا به ، وينتهوا عن قول الزور والكذب ، " وتلك حدود الله " يقول تعالى ذكره : وهذه الحدود التي حدها الله لكم ، والفروض التي بينها لكم حدود الله فلا تتعدوها أيها الناس " وللكافرين " بها ، وهم جاحدوا هذه الحدود وغيرها من فرائض الله أن تكون من عند الله " عذاب أليم " يقول : عذاب مؤلم .
السابعة : من لم يجد القبة ولا ثمنها ، أو كان مالكا لها إلا أنه شديد الحاجة إليها لخدمته ، أو كان مالكا لثمنها إلا أنه يحتاج إليه لنفقته ، أو كان له مسكن ليس له غيره ولا يجد شيئا سواه ، فله أن يصوم عند الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يصوم وعليه عتق ولو كان محتاجا إلى ذلك وقال مالك : إذا كان له دار وخادم لزمه العتق فإن عجز عن الرقبة ، هي :
الثامنة : فعليه صوم شهرين متتابعين . فإن افطر في أثنائهما بغير عذر استأنفهما ، وإن أفطر بعذر من سفر أو مرض ، فقيل : يبني ، قاله ابن المسيب والحسن و عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي وهو أحد قولي الشافعي وهو الصحيح من مذهبه . وقال مالك إنه إذا مرض في صيام كفارة الظهار بنى إذا صح . ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه
يبتدئ .وهو أحد قولي الشافعي .
التاسعة : إذا ابتدأ الصيام ثم وجد الرقبة أتم الصيام وأجزأه عند مالك و الشافعي ،لأنه بذلك أمر حين دخل فيه . ويهدم الصوم ويعتق عند أبي حنيفة وأصحابه ، قياسا على صغيرة المعتدة بالشهور ترى الدم قبل انقضائها ،فإنها تستأنف الحيض إجماعا من العلماء . وإذا ابتدأ سفرا في صيامه فأفطر ، ابتدأ الصيام عند مالك والشافعي وأبي حنيفة ، قوله " متتابعين " . ويبني في قول الحسن البصري ، لأنه عذر وقياسا على رمضان وإن تخللها زمان لا يحل صومه في الكفارة كالعيدين وشهر رمضان انقطع .
العاشر إذا وطئ المتظاهر في خلال الشهرين نهارا ، بطل التتابع في قول الشافعي ، وليلا فلا يبطل ، لأنه ليس محلا للصوم . وقال مالك و أبو حنيفة : يبطل بكل حال ووجب عليه ابتداء الكفارة ، لقوله تعالى : " من قبل أن يتماسا " وهذا الشرط عائد إلى جملة الشهرين ، وإلى أبعاضهما ، فإذا وطئ قبل انقضائهما فليس هو الصيام المأمور به ، فلزمه استئنافه ، كما لو قال صل قبل أن تكلم زيدا . فكلم زيدا في الصلاة ، أو قال : صل قبل أن تبصر زيدا فأبصره في الصلاة لزمه استئنافها ، لأن هذه الصلاة ليست هي الصلاة المأمور بها كذلك هذا ، والله أعلم .
الحادية عشرة : ومن تطاول مرضه طولا لا يرجى برؤه كان بمنزلة العاجز من كبر ، وجاز له العدول عن الصيام إلى الإطعام .ولو كان مرضه مما يرجى برؤه واشتدت حاجته إلى وطء امرأته كان الاختيار له أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام . ولو كفر بالإطعام ولم ينظر القدرة على الصيام أجزأه .
الثانية عشرة ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجز الصوم . ومن تظاهر وهو موسر ثم أعسر قبل أن يكفر صام . وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر . ولو جامعها في عدمه وعسره ولم يصم حتى أيسر لزمه العتق . ولو ابتدأ بالصوم ثم أيسر فإن كان مضى من صومه صدر صالح نحو الجمعة وشبهها تمادي . وإن كان اليوم واليومين ونحوهما ترك اليوم وعاد إلى العتق وليس ذلك بواجب عليه . إلا ترى أنه غير واجب على من طرأ الماء عليه وهو قد دخل بالتيمم في الصلاة أن يقع ويبتدئ الطهارة عند مالك .
الثالثة عشرة : ولو أعتق رقبتين عن كفارتي ظهار أو قتل أو فطر في رمضان وأشرك بينهما في كل واحدة منهما لم يجزه .وهو بمنزلة من أعتق رقبة واحدة عن كفارتين . وكذلك لو صام عنهما أربعة أشهر حتى يصوم عن كل واحدة منهما شهرين . وقد قيل : إن ذلك يجزيه . ولو ظاهر من امرأتين له فأعتق رقبة عن إحداهما بغير عينها لم يجز له وطء واحدة منهما حتى يكفر كفارة أخرى . ولو عين الكفارة عن إحداهما جاز له أن يطأها قبل أن يكفر الكفارة عن الأخرى . ولو ظاهر من أربع نسوة فأعتق عنهن ثلاث رقاب ، وصام شهرين ، لم يجزه العتق ولا الصيام ، لأنه إنما صام عن كل واحدة خمس عشر يوما ، فإن كفر عنهن بالإطعام جاز أن يطعم عنهن مائتي مسكين ، وإن لم يقدر فرق بخلاف العتق والصيام ،لأن صيام الشهرين لا يفرق والإطعام يفرق .
فصل وفيه ست مسائل :
الأول : ذكر الله عز وجل الكفارة هنا مرتبة ، فلا سبيل إلى الصيام إلا عن الرقبة ،وكذلك لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام ، فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم . وإن أطعم مدا بمد هشام ، وهو مدان ألا ثلثا ، أو أطعم مدا ونصفا بمد النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه . قال أبو عمر بن عبد البر : وأفضل ذلك مدان بمد النبي صلى الله علية وسلم ، لأن الله عز وجل لم يقل في كفارة الظهار " من أوسط ما تطعمون " [المائدة : 89 ] فواجب قصد الشبع . قال ابن العربي : وقال مالك في رواية ابن القاسم و ابن عبد الحكيم : مد بمد هشام وهو الشبع هنا ، لأن الله تعالى أطلق الطعام ولم يذكر الوسط . وقال في رواية أشهب : مدان بمدان النبي صلى الله عليه وسلم : قيل له : ألم تكن قلت مد هشام ؟ قال بلى ، مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلى . وكذلك قال عنه ابن القاسم أيضا .
قلت : وهي رواية ابن وهب ومطرف عن مالك : أنه يعطي مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله علية وسلم هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه . ومذهب الشافعي وغيره مد واحد لكل مسكين لا يلزمه أكثر من ذلك ، لأنه يكفر بالطعام ولم يلزمه صرف زيادة على المد ، أصله كفارة الإفطار واليمين .ودليلنا قوله تعالى : " فإطعام ستين مسكينا " وإطلاق الإطعام يتناول الشبع ،وذلك لا يحصل بالعادة بمد واحد إلا بزيادة عليه . وكذلك قال أشهب : قلت لمالك أيختلف الشبع عندنا وعندكم ؟ قال نعم ! الشبع عندنا مد بمد النبي صلى الله علية وسلم والشبع عندكم أكثر ، لأن النبي صلى الله علية وسلم دعا لنا بالبركة دونكم ، فأنتم تأكلون أكثر مما نأكل نحن . وقال أبو الحسن القابسي : إنما أخذ أهل المدينة بمد هشام في كفارة الظهار تغليظا على المتظاهرين الذين شهد الله عليهم أنهم يقولون منكرا من القول وزورا . قال ابن العربي : وقع الكالم هنا في مد هشام كما ترون ، ووددت أن يهشم الزمان ذكره ، ويمحو من الكتب رسمه ، فإن المدينة التي نزل الوحي بها واستقر الرسول بهما ووقع عندهم الظهار ،وقيل فيه : " فإطعام ستين مسكينا " فهموه وعرفوا المراد به وأنه الشبع ، وقدره معروف عندهم متقرر لديهم ،وقد ورد ذلك الشبع في الأخبار كثيرا ، واستمرت الحال على ذلك أيام الخلفاء الراشدين المهديين حتى نفخ الشيطان في أذن هشام ،فرأى أن مد النبي صلى الله عليه وسلم لا يشبعه ،ولا مثله من حواشيه ونظرائه ، فسول له أن يتخذ مدا يكون فيه شبعه ن فجعله رطلين وحمل الناس عليه ،فإذا ابتل عاد نحو الثلاثة الأرطال ، فغير السنة وأذهب محل البركة . قال النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا ربه لأهل المدينة بأن تبقى لهم البركة في مدهم وصاعهم ، مثل بارك لإبراهيم بمكة ، فكانت البركة تجري بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مده ، فسعى الشيطان في تغير هذه السنة وإذهاب هذه البركة ، فلم يستجب له في ذلك إلا هشام فكان من حق العلماء أن يلغوا ذكره ويمحوا رسمه إذا لم يغيروا أمره ، وأما أن يحيلوا على ذكره في الأحكام ، ويجعلوه تفسيرا لما ذكره الله ورسوله بعد أن كان مفسرا عند الأصحاب الذين نزل عليهم فخطب جسيم ، ولذلك كانت رواية اشهب في ذكر مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الظهار أحب إلينا من الرواية بأنها بمد هشام .ألا ترى كيف نبه مالك على هذا العلم بقوله لأشهب : الشبع عندنا بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، والشبع عندكم أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة . وبهذا أقول ، فإن العبادة إذا أديت بالسنة ، فإن كانت بالبدن كانت أسرع إلى القبول ، وإن كانت بالمال كانت قليلها أثقل في الميزان ، وأبرك في يد الآخذ ، وأطيب في شدقه ، وأقل آفة في بطنة ، وأكثر إقامة لصلبه . والله أعلم .
الثانية : ولا يجزئ عند مالك والشافعي أن يطعم أقل من ستين مسكينا . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن أطعم مسكينا واحدا كلك يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه .
الثالثة : قال القاضي أبو بكر بن العربي : من غريب الأمر أن أبا حنيفة قال إن الحجر على الحر باطل .واحتج بقوله تعالى :" فتحرير رقبة " ولم يفرق بين الرشيد والسفيه ، وهذا فقه ضعيف لا يناسب قدره ، فإن هذه الآية عامة ، وقد كان القضاء بالحجر في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشيا والنظر يقتضيه ، ومن كان عليه حجر لصغر أو لولاية وبلغ سفيها قد نهى عن دفع المال إليه ،فكيف ينفذ فعله فيه والخاص يقضي على العام .
الرابعة : وحكم الظهار عند بعض العلماء ناسخ لما كانوا عليه من كون الظهار طلاقا ، وقد روي معنى ذلك عن ابن عباس وأبي قلابة وغيرهما .
الخامسة : قوله تعالى: " ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله " أي ذلك الذي وصفنا من التغليظ في الكفارة " لتؤمنوا " أي لتصدقوا أن الله أمر به . وقد استدل بعض العلماء على أن هذه الكفارة إيمان بالله سبحانه وتعالى ، لما ذكرها وأوجبها قال : " ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله " أي ذلك لتكونوا مطيعين لله تعالى واقفين عند حدوده لا تتعدوها ، فسمي التكفير لأنه طاعة ومراعاة للحد إيمانا ، فثبت أن كل ما أشبهه فهو إيمان فإن قيل : معنى قوله : " ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله " أي لئلا تعودوا للظهار الذي هو منكر من القول وزور .قيل له :قد يجوز أن يكون هذا مقصودا والأول مقصودا ، فيكون المعنى ذلك لئلا تعودوا للقول المنكر والزور ،بل تدعونهما طاعة لله سبحانه وتعالى إذا كان قد حرمهما ، ولتجتنبوا المظاهر منها إلى أن تكفروا ، إذ كان الله منع من مسيسها ، وتكفروا إذ كان الله تعالى أمر بالكفارة وألزم إخراجها منكم ، فتكونوا بهذا كله مؤمنين بالله ورسوله ،لأنها حدود تحفظونها، وطاعات تؤدونها والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إيمان . وبالله التوفيق .
السادسة :قوله تعالى : " وتلك حدود الله " أي بين معصيته وطاعته ، فمعصيته الظهار ، وطاعته الكفارة . " وللكافرين عذاب أليم " أي لمن لم يصدق بأحكام الله تعالى عذاب جهنم .
قال الإمام أحمد: حدثنا سعد بن إبراهيم ويعقوب قالا: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن إسحاق, حدثني معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام, عن خويلة بنت ثعلبة قالت: في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة, قالت: كنت عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه, قالت: فدخل علي يوماً فراجعته بشيء, فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي. قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة, ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي قالت: قلت كلا, والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي, وقد قلت ما قلت, حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه, قالت: فواثبني, فامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني, قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثياباً, ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه, فذكرت له مالقيت منه وجعلت أشكو إليه ماألقى من سوء خلقه, قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ياخويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه".
قالت: فو الله ما برحت حتى نزل في قرآن, فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سري عنه فقال لي: "يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآناً ـ ثم قرأ علي " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير * الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم " قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "مريه فليعتق رقبة" قالت: فقلت يا رسول الله ما عنده ما يعتق, قال "فليصم شهرين متتابعين" قالت: فقلت والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام قال "فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر" قالت: فقلت والله يا رسول الله ما ذاك عنده, قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإنا سنعينه بعرق من تمر" قالت: فقلت يا رسول الله وأنا سأعينه بعرق آخر قال "قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً" قالت: ففعلت.
ورواه أبو داود في كتاب الطلاق من سننه من طريقين عن محمد بن إسحاق بن يسار به, وعنده خولة بنت ثعلبة ويقال فيها خولة بنت مالك بن ثعلبة, وقد تصغر فيقال خويلة, ولا منافاة بين هذه الأقوال فالأمر فيها قريب والله أعلم. هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة, فأما حديث سلمة بن صخر فليس فيه أنه كانت سبب النزول ولكن أمر بما أنزل الله في هذه السورة, من العتق أو الصيام أو الإطعام, كما قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر الأنصاري قال: كنت امرأً قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري, فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقاً من أن أصيب في ليلتي شيئاً فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع, فبينما هي تخدمني من الليل إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها, فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت: انطلقوا معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري, فقالوا: لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا, أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها, ولكن اذهب أنت, فاصنع ما بدا لك.
قال: فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فقال لي "أنت بذاك" فقلت: أنا بذاك فقال "أنت بذاك" فقلت أنا بذاك قال "أنت بذاك" قلت نعم, ها أنا ذا فأمض في حكم الله عز وجل فإني صابر له قال "أعتق رقبة" قال: فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها, قال "فصم شهرين متتابعين" قلت: يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام قال "فتصدق" فقلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى ما لنا عشاء, قال "اذهب إلى صاحب صدقة بني رزيق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسقاً من تمر ستين مسكيناً ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك" قال: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي, ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة قد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي فدفعوها إلي, وهكذا رواه أبو داود وابن ماجه واختصره الترمذي وحسنه, وظاهر السياق أن هذه القصة كانت بعد قصة أوس بن الصامت وزوجته خويلة بنت ثعلبة, كما دل عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل.
قال خصيف عن مجاهد عن ابن عباس: أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت, وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقاً, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله , إن أوساً ظاهر مني, وإنا إن افترقنا هلكنا وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته, وهي تشكو ذلك وتبكي ولم يكن جاء في ذلك شيء, فأنزل الله تعالى: " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير * الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم " فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتقدر على رقبة تعتقها" قال: لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها. قال: فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عنه ثم راجع أهله, رواه ابن جرير ولهذا ذهب ابن عباس والأكثرون إلى ما قلناه والله أعلم. فقوله تعالى: "الذين يظاهرون منكم من نسائهم" أصل الظهار مشتق من الظهر, وذلك أن الجاهلية كانوا إذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها: أنت علي كظهر أمي ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياساً على الظهر, وكان الظهار عند الجاهلية طلاقاً فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقاً كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم, هكذا قال غير واحد من السلف.
قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حمزة عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية أنت علي كظهر أمي حرمت عليه فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس, وكان تحته ابنة عم له يقال لها خويلة بنت ثعلبة, فظاهر منها فأسقط في يديه, وقال ما أراك إلا قد حرمت علي وقالت له مثل ذلك, قال: فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه فقال: "يا خويلة" ما أمرنا في أمرك بشيء, فأنزل الله على رسوله فقال: "يا خويلة أبشري" قالت: خيراً ـ فقرأ عليها " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير * الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا " قالت: وأي رقبة لنا والله ما يجد رقبة غيري قال "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين" قالت: والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره قال: "فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً" قالت: من أين ما هي إلا أكلة إلي مثلها, قال: فدعا بشطر وسق ثلاثين صاعاً والوسق ستون صاعاً فقال: ليطعم ستين مسكيناً وليراجعك وهذا إسناد قوي وسياق غريب, وقد روي عن أبي العالية نحو هذا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي, حدثنا علي بن العاصم عن داود بن أبي هند عن أبي العالية قال: كانت خولة بنت دليج تحت رجل من الأنصار, وكان ضرير البصر فقيراً سيء الخلق, وكان طلاق أهل الجاهلية إذا أراد رجل أن يطلق امرأته قال: أنت علي كظهر أمي, وكان لها منه عيل أو عيلان فنازعته يوماً في شيء فقال: أنت علي كظهر أمي, فاحتملت عليها ثيابها حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت عائشة, وعائشة تغسل شق رأسه فقدمت عليه ومعها عيلها, فقالت: يا رسول الله إن زوجي ضرير البصر فقير لا شيء له سيء الخلق, وإني نازعته في شيء, فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي ولم يرد به الطلاق, ولي منه عيل أو عيلان فقال: "ما أعلمك إلا قد حرمت عليه".
فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي أنا وصبيتي, قالت: ودارت عائشة فغسلت شق رأسه الاخر, فدارت معها فقالت: يا رسول الله زوجي ضرير البصر فقير سيء الخلق وإن لي منه عيل أو عيلان وإني نازعته في شيء فغضب وقال: أنت علي كظهر أمي ولم يرد به الطلاق, قالت: فرفع إلي رأسه وقال: "ما أعلمك إلا قد حرمت عليه" فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي أنا وصبيتي قال: ورأت عائشة وجه النبي صلى الله عليه وسلم تغير, فقالت لها: وراءك فتنحت, فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشيانه ذلك ما شاء الله, فلما انقطع الوحي قال: يا عائشة أين المرأة فدعتها, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبي فأتيني بزوجك" فانطلقت تسعى, فجاءت به فإذا هو كما قالت ضرير البصر فقير سيء الخلق.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أستعيذ بالله السميع العليم " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير * الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتجد رقبة تعتقها من قبل أن تمسها" قال لا, قال: "أفلا تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟" قال: والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرتين والثلاث يكاد يعشو بصري. قال: "أفتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً ؟" قال: لا, إلا أن تعينني. قال: فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أطعم ستين مسكيناً" قال: وحول الله الطلاق فجعله ظهاراً, ورواه ابن جرير عن ابن المثنى عن عبد الأعلى عن داود سمعت أبا العالية فذكر نحوه بأخصر من هذا السياق, وقال سعيد بن جبير: كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية, فوقت الله الإيلاء أربعة أشهر وجعل في الظهار الكفارة, رواه ابن أبي حاتم بنحوه, وقد استدل الإمام مالك على أن الكافر لا يدخل في هذه الاية بقوله منكم فالخطاب للمؤمنين, وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له, واستدل الجمهور عليه بقوله: "من نسائهم" على أن الأمة لا ظهار منها ولا تدخل في هذا الخطاب .
وقوله تعالى: "ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم" أي لا تصير المرأة بقول الرجل أنت علي كأمي أو مثل أمي أو كظهر أمي وما أشبه ذلك, لا تصير أمه بذلك إنما أمه التي ولدته, ولهذا قال تعالى: "وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً" أي كلاماً فاحشاً باطلاً "وإن الله لعفو غفور" أي عما كان منكم في حال الجاهلية, وهكذا أيضاً عما خرج من سبق اللسان, ولم يقصد إليه المتكلم, كما رواه أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته يا أختي, فقال: "أختك هي ؟" فهذا إنكار, ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك لأنه لم يقصده ولو قصده لحرمت عليه لأنه لا فرق على الصحيح بين الأم وبين غيرها من سائر المحارم من أخت وعمة وخالة وما أشبه ذلك .
وقوله تعالى: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا" اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله تعالى: "ثم يعودون لما قالوا" فقال بعض الناس: العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره, وهذا القول باطل وهو اختيار ابن حزم وقول داود وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن بكير بن الأشج والفراء وفرقة من أهل الكلام, وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد المظاهرة زماناً يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق, وقال أحمد بن حنبل: هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة, وقد حكي عن مالك أنه العزم على الجماع والإمساك, وعنه أنه الجماع, وقال أبو حنيفة: هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية, فمتى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريماً لا يرفعه إلا الكفارة, وإليه ذهب أصحابه والليث بن سعد وقال ابن لهيعة: حدثني عطاء عن سعيد بن جبير "ثم يعودون لما قالوا" يعني يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم.
وقال الحسن البصري: يعني الغشيان في الفرج وكان لا يرى بأساً أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفر, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "من قبل أن يتماسا" والمس النكاح, وكذا قال عطاء والزهري وقتادة ومقاتل بن حيان, وقال الزهري: ليس له أن يقبلها ولا يمسها حتى يكفر. وقد روى أهل السنن من حديث عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً قال: يا رسول الله, إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر. فقال: "ما حملك على ذلك يرحمك الله" قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر. قال: "فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله عز وجل", وقال الترمذي: حسن غريب صحيح, ورواه أبو داود والنسائي من حديث عكرمة مرسلاً, قال النسائي: وهو أولى بالصواب.
وقوله تعالى: "فتحرير رقبة" أي فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا, فههنا الرقبة مطلقة غير مقيدة بالإيمان وفي كفارة القتل مقيدة بالإيمان, فحمل الشافعي رحمه الله ما أطلق ههنا على ما قيد هناك لاتحاد الموجب وهو عتق الرقبة, واعتضد في ذلك بما رواه عن مالك بسنده عن معاوية بن الحكم السلمي في قصة الجارية السوداء, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" وقد رواه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى, حدثنا عبد الله بن نمير عن إسماعيل بن يسار عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس, قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال إني ظاهرت من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم يقل الله تعالى من قبل أن يتماسا" قال: أعجبتني, قال: "أمسك حتى تكفر" ثم قال البزار: لا يروى عن ابن عباس بأحسن من هذا, وإسماعيل بن مسلم تكلم فيه وروى عنه جماعة كثيرة من أهل العلم, وفيه من الفقه أنه لم يأمره إلا بكفارة واحدة .
وقوله تعالى: "ذلكم توعظون به" أي تزجرون به "والله بما تعملون خبير" أي خبير بما يصلحكم عليم بأحوالكم, وقوله تعالى: "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً" قد تقدمت الأحاديث الامرة بهذا على الترتيب كما ثبت في الصحيحين في قصة الذي جامع امرأته في رمضان "ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله" أي شرعنا هذا لهذا. وقوله تعالى: "وتلك حدود الله" أي محارمه فلا تنتهكوها. وقوله تعالى: "وللكافرين عذاب أليم" أي الذين لم يؤمنوا ولا التزموا بأحكام هذه الشريعة, لا تعتقدوا أنهم ناجون من البلاء كلا ليس الأمر كما زعموا بل لهم عذاب أليم أي في الدنيا والاخرة .
ثم ذكر سبحانه حكم العاجز عن الكفارة فقال: 4- "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا" أي فمن لم يجد الرقبة في ملكه ولا تمكن من قيمتها فعليه صيام شهرين متتابعين متواليين لا يفطر فيهما، فإن أفطر استأنفة إن كان الإفطار لغير عذر، وإن كان لعذر من سفر أو مرض فقال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي والشافعي ومالك: إنه يبني ولا يستأنف. وقال أبو حنيفة: إنه يستأنف، وهو مروي عن الشافعي، ومعنى "من قبل أن يتماسا" هو ما تقدم قريباً، فلو وطئ ليلاً أو نهاراً عمداً أو خطأ استأنف، وبه قال أبو حنيفة ومالك. وقال الشافعي: لا يستأنف إذا وطئ ليلاً لأنه ليس محلاً للصوم، والأول أولى "فمن لم يستطع" يعني صيام شهرين متتابعين "فإطعام ستين مسكيناً" أي فعليه أن يطعم ستين مسكيناً، لكل مسكين مدان، وهما نصف صاع، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال الشافعي وغيره: لكل مسكين مد واحد، والظاهر من الآية أن يطعمهم حتى يشبعوا مرة واحدة، أو يدفع إليهم ما يشبعهم، ولا يلزمه أن يجمعهم مرة واحدة، بل يجوز له أن يطعم بعض الستين في يوم واحد، وبعضهم في يوم آخر، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما تقدم ذكره من الأحكان، وهو مبتدأ وخبره مقدر: أي ذلك واقع "لتؤمنوا بالله ورسوله" ويجوز أن يكون اسم الإشارة في محل نصب، والتقدير: فعلنا ذلك لتؤمنوا: أي لتصدقوا أن الله أمر به وشرعه: أو لتطيعوا الله ورسوله في الأوامر والنواهي، وتقفوا عند حدود الشرع ولا تتعدوها ولا تعودوا إلى الظهار الذي هو منكر من القول وزور، والإشارة بقوله: "وتلك" إلى الأحكام المذكورة وهو مبتدأ، وخبره "حدود الله" فلا تجاوزوا حدوده التي حدها لكم، فإنه قد بين لكم أن الظهار معصية، وأن كفارته المذكورة توجب العفو والمغفرة "وللكافرين" الذين لا يقفون عند حدود الله ولا يعملون بما حده الله لعباده "عذاب أليم" وهو عذاب جهنم، وسماه كفراً تغليظاً وتشديداً.
وقد أخرج ابن ماجه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها" وهو أوس بن الصامت. وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: كان أول من ظاهر في الإسلام أوس، وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خولة بنت خويلد، فظاهر منها فأسقط في يده وقال: ما أراك إلا قد حرمت علي، فانطلقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاسأليه، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده ماشطة رأسه فأخبرته، فقال: يا خولة ما أمرنا في أمرك بشيء، فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا خولة أبشري؟ قالت: خيراً. قال: خيراً، فقرأ عليها "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها" الآيات. وأخرج أحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال: "حدثتني خولة بنت ثعلبة قالت: في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده، وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه، فدخل علي يوماً فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم رجع فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي، قلت: كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فما برحت حتى نزل القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سري عنه، فقال لي: يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك، ثم قرأ علي "قد سمع الله قول التي تجادلك" إلى قوله: "عذاب أليم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مريه فليعتق رقبة، قلت: يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: فليصم شهرين متتابعين، قلت: والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، قلت: والله ما ذاك عنده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا سأعينه بعرق من تمر، فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر، فقال: قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً، قالت ففعلت" وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن المنذر والبيهقي
في سننه عن ابن عباس في قوله: "ثم يعودون لما قالوا" قال: هو الرجل يقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فإذا قال ذلك فليس يحل له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر بعتق رقبة "فمن" فإن "لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا" والمس النكاح "فمن" فإن "لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً" وإن هو قال لها: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث، فإن حنص فلا يقربها حتى يكفر، ولا يقع في الظهار طلاق. وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال ثلاث فيه مد: كفارة اليمين. وكفارة الظهار. وكفارة الصيام. وأخرج البزار والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: "أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني ظاهرت من امرأتي، فرأيت بياض خلخالها في ضوء القمر، فوقعت عليها قبل أن أكفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يقل الله من قبل أن يتماسا، قال: قد فعلت يا رسول الله، قال: أمسك عنها حتى تكفر". وأخرج عبد الرزاق وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن ابن عباس أن رجلاً قال: "يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها من قبل أن أكفر، فقال: وما حملك على ذلك؟ قال: رأيت
خلخالها في ضوء القمر، قال: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله". وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه والطبراني والبغوي في معجمه والحاكم وصححه عن سلمة بن صخر الأنصاري قال: "كنت رجلاً قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي ختى ينسلخ رمضان فرقاً من أن أصيب منها في ليلي فأتتابع في ذلك ولا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشفت لي منها شيء فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري. فقلت: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري، فقالوا: لا، والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا القرآن، أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك قال: فخرجت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري، فقال: أنت بذاك؟ قلت: أنا بذاك، قال: أنت بذاك؟ قلت أنا بذاك، قال أنت بذاك؟ قلت أنا بذاك وها أنا ذا فأمض في حكم الله فإني صابر لذلك، قال: أعتق رقبة، فضربت عنقي بيدي فقلت:لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها، قال: فصم شهرين متتابعين فقلت : هل أصابني ما أصابني إلا في الصيام؟ قال: فأطعم ستين مسكيناً، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشا ما لنا عشاء، قال: اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له فليدفعها إليه فأطعم عنك منها وسقاً ستين مسكيناً، ثم استعن بسائرها عليك وعلى عيالك، فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي، فدفعوها إليه".
4- "فمن لم يجد"، يعني الرقبة، "فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا". فإن كانت له رقبة إلا أنه محتاج إلى خدمته، أو له ثمن رقبة لكنه محتاج إليه لنفقته ونفقة عياله فله أن ينتقل إلى الصوم. وقال مالك والأوزاعي: يلزمه الإعتاق إذا كان واجداً للرقبة أو ثمنها وإن كان محتاجاً إليه. وقال أبو حنيفة: إن كان واجداً لعين الرقبة يجب عليه إعتاقها، وإن كان محتاجاً إليها، فأما إذا كان واجداً لثمن الرقبة وهو محتاج إليه فله أن يصوم، فلو شرع المظاهر في صوم شهرين ثم جامع في خلال الشهر بالليل يعصي الله تعالى بتقديم الجماع على الكفارة، ولكن لا يجب عليه استئناف الشهرين، وعند أبي حنيفة يجب عليه استئناف الشهرين.
قوله عز وجل: "فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً"، يعني المظاهر إذا لم يستطع الصوم لمرض أو كبر أو فرط شهوة لا يصبر عن الجماع يجب عليه إطعام ستين مسكيناً.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاء بن يسار "أن خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت، فظاهر منها وكان به لمم، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أوساً ظاهر مني، وذكرت أن به لمماً فقالت: والذي بعثك بالحق ما جئتك إلا رحمة له إن له في منافع، فأنزل الله القرآن فيهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مريه فليعتق رقبة، قالت: والذي بعثك بالحق ما عنده رقبة ولا ثمنها، قال: مريه فليصم شهرين متتابعين، فقالت: والذي بعثك بالحق لو كلفته ثلاثة أيام ما استطاع، قال: مريه فليطعم ستين مسكيناً، قالت: والذي بعثك بالحق ما يقدر عليه، قال: مريه فليذهب إلى فلان ابن فلان فقد أخبرني أن عنده شطر تمر صدقةً، فليأخذه صدقة عليه ثم ليتصدق به على ستين مسكيناً".
وروى سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال: كنت امرأ أصيب من النساء ما لم يصب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينما هي تحدثني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن وقعت عليها، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: أنت بذاك، فقلت: أنا بذاك -قاله ثلاثاً- قلت: أنا بذاك وها أنا ذا فأمض في حكم الله، فإني صابر لذلك، قال: فاعتق رقبة. فضربت صفحة عنقي بيدي فقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أملك غيرها، قال: فصم شهرين متتابعين، فقلت: يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا من الصيام؟ قال: فأطعم ستين مسكيناً، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشين، ما لنا عشاء، قال: اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقاً ستين مسكيناً، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك. قال: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي، قال: فدفعوها إليه.
"ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله"، لتصدقوا ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل، "وتلك حدود الله"، يعني ما وصف من الكفارات في الظهار، "وللكافرين عذاب أليم"، قال ابن عباس: لمن جحده وكذب به.
4-" فمن لم يجد " اي الرقبة والذي غاب ماله واجد . " فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا " فإن أفطر بغير عذر لزمه الاستئناف وإن أفطر لعذر ففيه خلاف ، وإن جامع المظاهر عنها ليلاً لم ينقطع التتابع عندنا خلافاً لأبي حنيفة و مالك رضي الله تعالى عنهما . " فمن لم يستطع " أي الصوم لهرم أو مرض مزمن أو شبق مفرط فإنه صلى الله عليه وسلم وخص للأعرابي المفطر أن يعدل لأجله . " فإطعام ستين مسكيناً " ستين مداً بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث لأنه أقل ما قيل في الكفارات وجنسه المخرج في الفطرة ، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره ، وإنما لم يذكر التماس مع الطعام اكتفاء بذكره مع الآخرين ، أو لجوازه في خلال الإطعام كما قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه . " ذلك " أي البيان أو التعليم للأحكام ومحله النصب بفعل معلل بقوله : " لتؤمنوا بالله ورسوله " ، أي فرض ذلك لتصدقوا بالله ورسوله في قبول شرائعه ورفض ما كنتم عليه في جاهليتكم " وتلك حدود الله " لا يجوز تعديها . " وللكافرين " أي الذين لا يقبلونها . "عذاب أليم " هو نظير قوله تعالى :" ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " .
4. And he who findeth not (the wherewithal), let him fast for two successive months before they touch one another; and for him who is unable to do so (the penance is) the feeding of sixty needy ones. This, that ye may put trust in Allah and His messenger. Such are the limits (imposed by Allah); and for disbelievers is a painful doom.
4 - And if any has not (the wherewithal), he should fast for two months consecutively before they touche each other. But if any is unable to do so, he should feed sixty indigent ones. This, that ye may show your faith in God and His Apostle. Those are limits (set by) God. For those who reject (Him), there is a grievous Penalty.