4 - (إن الله يحب) ينصر ويكرم (الذين يقاتلون في سبيله صفا) حال أي صافين (كأنهم بنيان مرصوص) ملزق بعضه إلى بعض ثابت
يقول تعالى ذكره للقائلين : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لعملناه حتى نموت " إن الله " أيها القوم " يحب الذين يقاتلون في سبيله " يعني في طريقه ودينه الذي دعا إليه " صفا " يعني بذلك أنهم يقاتلون أعداء الله مصطفين .
وقوله " كأنهم بنيان مرصوص " يقول : يقاتلون في سبيل الله صفاً مصطفاً ، كأنهم في اصطفافهم هنالك حيطان مبنية قد رص ، فأحكم وأتقن ، فلا يغادر منه شيئاً ، وكان بعضهم يقول : بني بالرصاص .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه ، كذلك تبارك وتعالى لا يختلف أمره ، وإن الله وصف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم ، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " قال : والذين صدقوا قولهم بأعمالهم هؤلاء ، قال : وهؤلاء لم يصدقوا قولهم بالأعمال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم نكصوا عنه وتخلفوا ، وكان بعض أهل العلم يقول : إنما قال الله " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا " ليدل على أن القتال راجلاً أحب إليه من القتال فارساً ، لأن الفرسان لا يصطفون ، وإنما تصطف الرجالة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال : ثنا بقية بن الوليد ، عن أبي بكر بن أبي مريم عن يحيى بن جابر الطائي ، عن أبي بحرية ، قال : كانوا يكرهون القتال على الخيل ، ويستحبون القتال على الأرض ، لقول الله " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " قال : وكان أبو بحرية يقول : إذا رأيتموني ألتفت في الصف ، فجئوا في لحيي .
فيه ثلاث مسائل :
الأولى -: قوله تعالى : " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا " أي يصفون صفا ، والمفعول مضمر ،أي يصفون أنفسهم صفا . "كأنهم بنيان مرصوص " قال الفراء مرصوص بالرص. وقال البرد : ثو من رصصت البناء إذا إذا لاأمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة . وقيل : هو من الصيص وهو انصمام الأسنان تعضها إلى بعض . والراص التلاصق ، ومنه وتراصوا في الصف. ومعنى الآية : يحب من يثبت في الجهاد في سبيل الله ويلزم مكانه كثبوت البناء . وقال سعد بن جبير : هذا تعليم من الله تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم .
الثانية -: وقد استدل بعض أهل التأويل بهذا على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس ،لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة . المهداوي : وذلك غير مستقيم ، لما جاء في فضل الفارس في الأجرة والغنيمة .ولا يخرج الفرسان من معنى الآية ، لأن معناه الثبات .
الثالثة -: لايجوز الخروج عن الصف إلى لحاجة تعرض للإنسان ،أو في رسالة يرسلها الإمام ، أو في منفعة تظهر في المقام ، كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها . وفي الخروج عن الصف لمبارزة خلاف على قولين : أحدهما - أنه لابأس بذلك إرهابا للعدوا ، وطلبا للشهادة وتحريضا على القتال . وقال اصحابنا: لا يبرز أحد طالبا لذلك ،لأن فيه رياء وخروجا إلى ما نهى الله عنه من لقاء العدو . وإنما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر ، كما كانت في حروب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وفي غزوة خيبر ،وعليه درج السلف .وقد مضى القول مستوفي في هذا في البقرة عند قوله تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة : 195 ]
قد تقدم الكلام على قوله تعالى: "سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم" غير مرة بما أغنى عن إعادته. وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" إنكار على من يعد وعداً أو يقول قولاً لا يفي به, ولهذا استدل بهذه الاية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقاً, سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا, واحتجوا أيضاً من السنة بما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث إذا وعد أخلف, وإذا حدث كذب, وإذا اؤتمن خان". وفي الحديث الاخر في الصحيح "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها" فذكر منهن إخلاف الوعد, وقد استقصينا الكلام على هذين الحديثين في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة, ولهذا أكد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله تعالى: "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبي فذهبت لأخرج لألعب فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أردت أن تعطيه ؟" قالت: تمراً. فقال: "أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة" وذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى أنه إذا تعلق بالوعد غرم على الموعود وجب الوفاء به كما لو قال لغيره تزوج ولك علي كل يوم كذا فتزوج وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك, لأنه تعلق به حق آدمي وهو مبني على المضايقة, وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقاً, وحملوا الاية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم كقوله تعالى: " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ".
وقال تعالى: "ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة ؟ فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت" الاية. وهكذا هذه الاية معناها كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به, فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه, وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به, فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال الله سبحانه وتعالى: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " وهذا اختيار ابن جرير: وقال مقاتل بن حيان: قال المؤمنون لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملنا به, فدلهم الله على أحب الأعمال إليه فقال: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً" فبين لهم فابتلوا يوم أحد بذلك, فولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين فأنزل الله في ذلك "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" وقال: أحبكم إلي من قاتل في سبيلي.
ومنهم من يقول: أنزلت في شأن القتال, يقول الرجل قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب وصبرت ولم يصبر. وقال قتادة والضحاك: نزلت توبيخاً لقوم كانوا يقولون قتلنا وضربنا وطعنا وفعلنا, ولم يكونوا فعلوا ذلك. وقال ابن زيد: نزلت في قوم من المنافقين كانوا يعدون المسلمين النصر ولا يفون لهم بذلك, وقال مالك عن زيد بن أسلم " لم تقولون ما لا تفعلون " قال: في الجهاد. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد " لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون * إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " فما بين ذلك في نفر من الأنصار فيهم عبد الله بن رواحة قالوا في مجلس لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت فأنزل الله تعالى هذا فيهم, فقال عبد الله بن رواحة لا أبرح حبيساً في سبيل الله حتى أموت, فقتل شهيداً.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند, عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي عن أبيه قال: بعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة, فدخل عليه منهم ثلثمائة رجل كلهم قد قرأ القرآن, فقال أنتم قراء أهل البصرة وخيارهم. وقال كنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيناها غير أني قد حفظت منها "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ولهذا قال تعالى: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" فهذا إخبار من الله تعالى بمحبته عباده المؤمنين إذا صفوا مواجهين لأعداء الله في حومة الوغى, يقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان.
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا هشيم, أخبرنا مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يضحك الله إليهم: الرجل يقوم من الليل, والقوم إذا صفوا للصلاة, والقوم إذا صفوا للقتال" ورواه ابن ماجه من حديث مجالد عن أبي الوداك جبر بن نوف به وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا الأسود يعني ابن شيبان حدثني يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: قال مطرف كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه فلقيته, فقلت يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي لقاءك, فقال: لله أبوك فقد لقيت فهات, فقلت كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم أن الله يبغض ثلاثة ويحب ثلاثة, قال أجل فلا إخالني أكذب على خليلي صلى الله عليه وسلم قلت فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل ؟ فقال: رجل غزا في سبيل الله خرج محتسباً مجاهداً فلقي العدو فقتل وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل ثم قرأ "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" وذكر الحديث هكذا أورد هذا الحديث من هذا الوجه بهذا السياق, وهذا اللفظ واختصره, وقد أخرجه الترمذي والنسائي من حديث شعبة عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن زيد بن ظبيان عن أبي ذر بأبسط من هذا السياق وأتم, وقد أوردناه في موضع آخر ولله الحمد.
وعن كعب الأحبار أنه قال: يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: "عبدي المتوكل المختار ليس بفظ ولا غليط ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر, مولده بمكة وهجرته بطابة وملكه الشام وأمته الحمادون يحمدون الله على كل حال, وفي كل منزلة لهم دوي كدوي النحل في جو السماء بالسحر, يوضون أطرافهم ويأتزرون على أنصافهم صفهم في القتال مثل صفهم في الصلاة" ثم قرأ "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" رعاة الشمس يصلون الصلاة حيث أدركتهم لو على ظهر دابة. رواه ابن أبي حاتم. وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً" قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم, وهذا تعليم من الله للمؤمنين. قال وقوله تعالى: "كأنهم بنيان مرصوص" أي ملتصق بعضه في بعض من الصف في القتال, وقال مقاتل بن حيان: ملتصق بعضه إلى بعض, وقال ابن عباس "كأنهم بنيان مرصوص" مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض.
وقال قتادة "كأنهم بنيان مرصوص" ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه. فكذلك الله عز وجل لا يحب أن يختلف أمره وإن الله صف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم, فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به, أورد ذلك كله ابن أبي حاتم, وقال ابن جرير: حدثني سعيد بن عمرو السكوني, حدثنا بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن يحيى بن جابر الطائي عن أبي بحرية قال: كانوا يكرهون القتال على الخيل ويستحبون القتال على الأرض لقول الله عز وجل: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" قال: وكان أبو بحرية يقول: إذا رأيتموني ألتفت في الصف فجئوا في لحيي.
4- "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً" قال المفسرون: إن المؤمنين قالوا: وددنا أن الله يخبرنا بأحب الأعمال إليه حتى نعمله ولو ذهبت فيه أموالنا وأنفسنا. فأنزل الله "إن الله يحب الذين يقاتلون" الآية، وانتصاب صفاً على المصدرية، والمفعول محذوف: أي يصفون أنفسهم صفاً، وقيل هو مصدر في موضع الحال: أي صافين أو مصفوفين. قرأ الجمهور "يقاتلون" على البناء للفاعل. وقرأ زيد بن علي على البناء للمفعول وقرئ يقتلون بالتشديد، وجملة "كأنهم بنيان مرصوص" في محل نصب على الحال من فاعل يقاتلون، أو من الضمير في صفاً على تقدير أنه مؤول بصافين أو مصفوفين، ومعنى مرصوص: ملتزق بعضه ببعض، يقال رصصت البناء أرصه رصاً: إذا ضممت بعضه إلى بعض. قال الفراء: مرصوص بالرصاص. قال المبرد: هو مأخوذ من رصصت البناء: إذا لا يمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة، وقيل هو من الرصيص. وهو ضم الأشياء بعضها إلى بعض، والتراص: التلاصق.
4- "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً"، أي يصفون أنفسهم عند القتال صفاً / ولا يزولون عن أماكنهم، "كأنهم بنيان مرصوص"، قد رص بعضه ببعض [أي ألزق بعضه ببعض] وأحكم فليس فيه فرجة ولا خلل، وقيل كالرصاص.
4-" إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً " مصطفين وصف به ." كأنهم بنيان مرصوص " في تراصهم من غير فرجة ، حال من المستكن في الحال الأول .والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه .
4. Lo! Allah loveth those who battle for His cause in ranks, as if they were a solid structure.
4 - Truly God loves those who fight in His Cause in battle array, as if they were a solid cemented structure.