4 - (ثم ارجع البصر كرتين) كرة بعد كرة (ينقلب إليك البصر خاسئا) ذليلا لعدم إدراك الخلل (وهو حسير) منقطع عن روية خلل
وقوله " ثم ارجع البصر كرتين " يقول جل ثناؤه : ثم رد البصر يا ابن آدم كرتين ، مرة بعد أخرى ، فانظر " هل ترى من فطور " أو تفاوت " ينقلب إليك البصر خاسئا " يقول يرجع إليك بصرك صاغراً مبعداً من قولهم للكلب اخسأ : إذا طردوه : أي ابعد صاغراً " وهو حسير " يقول : وهو معي كال .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " ثم ارجع البصر كرتين " يقول : هل ترى في السماء من خلل " ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير " بسواد الليل .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " خاسئا وهو حسير " يقول : ذليلاً ... وقوله " وهو حسير " يقول : مرجف .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ينقلب إليك البصر خاسئا " أي حاسراً " وهو حسير " يقول : أي معي .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " خاسئا " قال : صاغراً ، " وهو حسير " يقول : معي لم ير خللاً ولا تفاوتاً .
وقال بعضهم : الخاسئ والحسير واحد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فارجع البصر هل ترى من فطور " ... الآية ، قال : الخاسئ والخاسر واحد ، حسر طرفه أن يرى فيها فطراً ، فرجع وهو حسير قبل أن يرى فيها فطراً ، قال : فإذا جاء يوم القياة انفطرت ثم انشقت ، ثم جاء أمر أكبر من ذلك انكشطت .
قوله تعالى: "ثم ارجع البصر كرتين" كرتين في موضع المصدر، لأن معناه رجعتين، أي مرة بعد أخرى. وإنما أمر بالنظر مرتين لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرةً لا يرى عيبه ما لم ينظر إليه مرةً أخرى. فأخبر تعالى أنه وإن نظر في السماء مرتين لا يرى فيها عيباً بل يتحير بالنظر إليها، فذلك قوله تعالى: "ينقلب إليك البصر خاسئا" أي خاشعاً صاغراً متباعداً عن أن يرى شيئاً من ذلك. ويقال: خسأت الكلب أي أبعدته وطرته. وخساً الكلب بنفسه، ويتعدى ولا يتعدى. وانخساً الكلب أيضاً. وخساً بصره خسئاً وخسوءاً أي سدر، ومنه قوله تعالى: " ينقلب إليك البصر خاسئا". وقال ابن عباس: الخاسئ الذي لم ير ما يهوى. "وهو حسير" أي قد بلغ الغاية في الإعياء. فهو بمعنى فاعل، من الحسور الذي هو الإعياء. ويجوز أن يكون مفعولاً من حسره بعد الشيء، وهو معنى قول ابن عباس. ومنه قول الشاعر: من مد طرفاً إلى ما فوق غايته ارتد خسان منه الطرف قد حسرا
يقال: قد حسر بصره يحسر حسوراً، أي كل وانقطع نظره من طول مدى وما أشبه ذلك، فهو حسير ومحسور أيضاً. قال:
نظرت إليها بالمحصب من منى فعـاد إلـي الطـرف وهـو حسير
وقال آخر يصف ناقة:
فشطرها نظر العينين محسور
نصب شطرها على الظرف، أي نحوها. وقال آخر:
والخيـل شعـث مـا تـزال جيـادها حسـرى تغـادر بالطـريق سخالهـا
وقيل: إنه النادم. ومنه قول الشاعر:
مـا أنـا اليـوم على شيـئ خـلا يـابنـة القيـن تـولـى بحسـر
والمراد ب كرتين ها هنا التكثير. والدليل على ذلك: " ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير" وذلك دليل على كثرة النظر.
يمجد تعالى نفسه الكريمة ويخبر أنه بيده الملك أي هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله, ولهذا قال تعالى: "وهو على كل شيء قدير" ثم قال تعالى: "الذي خلق الموت والحياة" واستدل بهذه الاية من قال إن الموت أمر وجودي, لأنه مخلوق, ومعنى الاية أنه أوجد الخلائق من العدم ليبلوهم أي يختبرهم أيهم أحسن عملاً, كما قال تعالى: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم" فسمى الحال الأول وهو العدم موتاً وسمى هذه النشأة حياة, ولهذا قال تعالى: "ثم يميتكم ثم يحييكم" وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا خليد عن قتادة في قوله تعالى: "الذي خلق الموت والحياة" قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الاخرة دار جزاء ثم دار بقاء" ورواه معمر عن قتادة , وقوله تعالى: "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" أي خير عملاً كما قال محمد بن عجلان , ولم يقل أكثر عملاً ثم قال تعالى: "وهو العزيز الغفور" أي هو العزيز العظيم المنيع الجناب, وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب بعد ما عصاه وخالف أمره, وإن كان تعالى عزيزاً هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز, ثم قال تعالى: " الذي خلق سبع سماوات طباقا " أي طبقة بعد طبقة وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهن على بعض أو متفاصلات بينهن خلاء, فيه قولان أصحهما الثاني كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره.
وقوله تعالى: "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" أي بل هو مصطحب مستو ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة ولا نقص ولا عيب ولا خلل, ولهذا قال تعالى: "فارجع البصر هل ترى من فطور" أي انظر إلى السماء فتأملها هل ترى فيها عيباً أو نقصاً أو خللاً أو فطوراً, قال ابن عباس ومجاهد والضحاك والثوري وغيرهم في قوله تعالى: "فارجع البصر هل ترى من فطور" أي شقوق, وقال السدي "هل ترى من فطور" أي من خروق, وقال ابن عباس في رواية "من فطور" أي من وهاء, وقال قتادة "هل ترى من فطور" أي هل ترى خللاً يا ابن آدم.
وقوله تعالى: "ثم ارجع البصر كرتين" قال قتادة : مرتين "ينقلب إليك البصر خاسئاً" قال ابن عباس : ذليلا, وقال مجاهد وقتادة : صاغراً "وهو حسير" قال ابن عباس : يعني وهو كليل, وقال مجاهد وقتادة والسدي : الحسير المنقطع من الإعياء, ومعنى الاية إنك لو كررت البصر مهما كررت لا نقلب إليك أي لرجع إليك البصر "خاسئاً" عن أن يرى عيباً أو خللا "وهو حسير" أي كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر ولا يرى نقصاً, ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال: "ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح" وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت.
وقوله تعالى: "وجعلناها رجوماً للشياطين" عاد الضمير في قوله وجعلناها على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها, والله أعلم. وقوله تعالى: "وأعتدنا لهم عذاب السعير" أي جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا وأعتدنا لهم عذاب السعير في الاخرة كما قال تعالى في أول الصافات: " إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " قال قتادة : إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال خلقها الله زينة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
4- "ثم ارجع البصر كرتين" أي رجعتين مرة بعد مرة، وانتصابه على المصدر، والمراد بالتثنية التكثير كما في لبيك وسعديك: أي رجعة بعد رجعة وإن كثرت. ووجه الأمر بتكرير النظر على هذه الصفة أنه قد لا يرى ما يظنه من العيب في النظرة الأولى ولا في الثانية. ولهذا قال أولاً "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" ثم قال ثانياً "فارجع البصر" ثم قال ثالثاً "ثم ارجع البصر كرتين" فيكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة وأقطع للمعذرة "ينقلب إليك البصر خاسئاً" أي يرجع إليك البصر ذليلاً صاغراً على أن يرى شيئاً من ذلك، وقيل معنى خاسئاً: مبعداً مطروداً عن أن يبصر ما التمسه من العيب، يقال: خسأت الكلب: أي أبعدته وطردته. قرأ الجمهور "ينقلب" بالجزم جواباً للأمر. وقرأ الكسائي في رواية بالرفع على الاستئناف "وهو حسير" أي كليل منقطع. قال الزجاج: أي وقد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللاً، وهو فعيل بمعنى فاعل من الحسور، وهو الإعياء، يقال: حسر بصره يحسر حسوراً: أي كل وانقطع، ومنه قول الشاعر:
نظرت إليها بالمحصب من منى فعاد إلي الطرف وهو حسير
4- "ثم ارجع البصر كرتين"، قال ابن عباس: مرة بعد مرة، "ينقلب"، ينصرف ويرجع، "إليك البصر خاسئاً"، صاغراً ذليلاً مبعداً لم ير ما يهوى، "وهو حسير"، كليل منقطع لم يدرك ما طلب. وروي عن كعب أنه قال: السماء الدنيا موج مكفوف، والثانية مرمرة بيضاء، والثالثة حديد، والرابعة صفراء، وقال: نحاس، والخامسة فضة، والسادسة ذهب، والسابعة ياقوتة حمراء، بين السماء السابعة إلى الحجب السبعة صحارى من نور.
4-" ثم ارجع البصر كرتين " أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك ، ولذلك أجاب الأمر بقوله : " ينقلب إليك البصر خاسئاً " بعيداً عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طرداً بالصغار " وهو حسير " كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة .
4. Then look again and yet again, thy sight will return unto thee weakened and made dim.
4 - Again turn thy vision a second time: (thy) vision will come back to thee dull and discomfited, in a state worn out.