4 - (لقد خلقنا الإنسان) الجنس (في أحسن تقويم) تعديل لصورته
وقوله : " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " وهذا جواب القسم ، يقول تعالى ذكره : والتين والزيتون ، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : وقع القسم هاهنا " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " . اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "فقال بعضهم : معناه : في أعدل خلق ، وأحسن صورة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عاس " في أحسن تقويم " قال : في أعدل خلق .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان عن حماد ، عن إبراهيم " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " قال : في أحسن صورة .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن حماد ، عن إبراهيم " في أحسن تقويم " قال : خلق .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "يقول : في أحسن صورة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال :ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " في أحسن تقويم " في احسن صورة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "قال : أحسن خلق .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " في أحسن تقويم " يقول : في أحسن خلق .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال :ثنا سعيد ، عن قتادة " في أحسن تقويم " يقول : في أحسن صورة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، وهو الكلبي " في أحسن تقويم " قالا : في أحسن صورة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لقد خلقنا الإنسان ، فبلغنا به استواء شبابه وجلده وقوته ، وهو أحسن ما يكون ، وأعدل ما يكون وأقومه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال :ثنا المعتمر ، قال : سمعت الحكم يحدث ، عن عكرمة ، في قوله " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " قال : الشاب القوي الجلد.
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي، عن أبيه ، عن ابن عباس " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "قال : شبابه أول ما نشأ .
وقال آخرون : قيل ذلك لأنه ليس شيء من الحيوان إلا وهو نكب على وجهه غير الإنسان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "قال : خلق كل شيء منكباً على وجهه ، إلا الإنسان .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن معنى ذلك : لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها ، لأن قوله " أحسن تقويم " إنما هو نعت لمحذوف ، وهو في تقويم أحسن تقويم ، فكأنه قيل : لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم .
قوله تعالى:" لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان" هذا جواب القسم، وأراد بالإنسان: الكافر. قيل: هو الوليد بن المغيرة. وقيل: كلدة بن أسيد. فعلى هذا نزلت في منكري البعث. وقيل: المراد بالإنسان آدم وذريته. " في أحسن تقويم" وهو اعتداله واستواء شبابه، كذا قال عامة المفسرين. وهو أحسن ما يكون، لأن خلق كل شيء منكباً على وجهه، وخلقه هو مستوياً، وله لسان ذلق، ويد وأصابع يقبض بها. وقال أبو بكر بن طاهر: مزينا بالعقل، مؤديا للأمر، مهديا بالتمييز، مديد القامة، يتناول مأكوله بيده. ابن العربي: (ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإن الله خلقه حياً عالما، قادراً مريداً متكلماً، سميعاً بصيراً، مدبراً حكيما. وهذه صفات الرب سبحانه، وعنها عبر بعض العلماء، ووقع البيان بقوله:
(إن الله خلق آدم على صورته) يعني على صفاته التي قدمنا ذكرها. وفي رواية (على صورة الرحمن) ومن أين تكون للرحمن صورة متشخصة، فلم يبق إلا أن تكون معاني). وقد أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الأزدي قال: أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن أبي علي القاضي المحسن عن أبيه قال: كان عيسى بن موسى الهاشمي يحب زوجته حباً شديداً فقال لها يوماً: أنت طالق ثلاثاً إن لم تكوني أحسن من القمر، فنهضت واحتجت عنه، وقالت: طلقتني! وبات بليلة عظيمة، فلما أصبح غدا إلى دار المنصور، من حضر: قد طلقت، إلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة، فإنه كان ساكتاً. فقال له المنصور: ما لك لا تتكلم؟ فقال له الرجل : بسم الله الرحمن الرحيم " والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين * لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ". يا أمير المؤمنين، كما قال الرجل، فأقبل على زوجتك. وأرسل أبو جعفر المنصور إلى زوجة الرجل: أن أطيعي زوجك ولا تعصيه، فما طلقك. فهذا يدلك على أن الإنسان أحسن خلق الله باطناً وظاهراً، جمال هيئة، وبديع تركيب: الرأس بما فيه، والصدر بما جمعه، والبطن بما حواه، والفرج وما طواه، واليدان وما بطشتاه، والرجلان وما احتملتاه. ولذلك قالت الفلاسة: إنه العالم الأصغر، إذ كل ما في المخلوقات جمع فيه.
اختلف المفسرون ههنا على أقوال كثيرة فقيل المراد بالتين مسجد دمشق, وقيل: هي نفسها, وقيل الجبل الذي عندها, وقال القرطبي : هو مسجد أصحاب الكهف, وروى العوفي عن ابن عباس أنه مسجد نوح الذي على الجودي, وقال مجاهد : هو تينكم هذا "والزيتون" قال كعب الأحبار وقتادة وابن زيد وغيرهم: هو مسجد بيت المقدس. وقال مجاهد وعكرمة : هو هذا الزيتون الذي تعصرون "وطور سينين" قال كعب الأحبار وغير واحد: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام, "وهذا البلد الأمين" يعني مكة, قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وإبراهيم النخعي وابن زيد وكعب الأحبار ولا خلاف في ذلك, وقال بعض الأئمة: هذه محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبياً مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار:
(فالأول) محلة التين والزيتون وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام. (والثاني) طور سينين, وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران. (والثالث) مكة, وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمناً, وهو الذي أرسل فيه محمداً صلى الله عليه وسلم, قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء ـ يعني الذي كلم الله عليه موسى بن عمران ـ وأشرق من ساعير ـ يعني جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى ـ واستعلن من جبال فاران ـ يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمداً صلى الله عليه وسلم فذكرهم مخبراً عنهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان, ولهذا أقسم بالأشرف ثم الأشرف منه ثم بالأشرف منهما.
وقوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" هذا هو المقسم عليه, وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل منتصب القامة سوي الأعضاء حسنها "ثم رددناه أسفل سافلين" أي إلى النار, قاله مجاهد وأبو العالية والحسن وابن زيد وغيرهم, ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيرهم إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل لهذا قال: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وقال بعضهم "ثم رددناه أسفل سافلين" أي إلى أرذل العمر, وروي هذا عن ابن عباس وعكرمة حتى قال عكرمة : من جمع القرآن لم يرد إلى أرذل العمر, واختار ذلك ابن جرير , ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك لأن الهرم قد يصيب بعضهم, وإنما المراد ما ذكرناه كقوله تعالى: " والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " وقوله: "فلهم أجر غير ممنون" أي غير مقطوع كما تقدم.
ثم قال: "فما يكذبك" أي يا ابن آدم "بعد بالدين" أي بالجزاء في المعاد, ولقد علمت البداءة وعرفت أن من قدر على البداءة فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى, فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا ؟ قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور قال: قلت لمجاهد "فما يكذبك بعد بالدين" عنى به النبي صلى الله عليه وسلم قال: معاذ الله, عنى به الإنسان وهكذا قال عكرمة وغيره. وقوله تعالى: "أليس الله بأحكم الحاكمين" أي أما هو أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحداً, ومن عدله أن يقيم القيامة فينتصف للمظلوم في الدنيا ممن ظلمه. وقد قدمنا في حديث أبي هريرة مرفوعاً "فإذا قرأ أحدكم والتين والزيتون فأتى على آخرها "أليس الله بأحكم الحاكمين" فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين" آخر تفسير سورة التين والزيتون ولله الحمد والمنة.
4- " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " هذا جواب القسم: أي خلقنا جنس الإنسان كائناً في أحسن تقويم وتعديل. قال الواحدي: قال المفسرون: إن الله خلق كل ذي روح مكباً على وجهه إلا الإنسان، خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده، ومعنى التقويم: التعديل، يقال: قومته فاستقام. قال القرطبي: هو اعتداله واستواء شأنه، كذا قال عامة المفسرين. قال ابن العربي: ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإن الله خلقه حياً عالماً قادراً مريداً متكلماً سميعاً بصيراً مدبراً حكيماً، وهذه صفات الرب سبحانه، وعليها حمل بعض العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صوته" يعني على صفاته التي تقدم ذكرها. قلت: وينبغي أن يضم إلى كلامه هذا قوله سبحانه: "ليس كمثله شيء" وقوله: "ولا يحيطون به علماً" ومن أراد أن يقف على حقيقة ما اشتمل عليه الإنسان من بديع الخلق وعجيب الصنع فلينظر في كتاب العبر والاعتبار للجاحظ، وفي الكتاب الذي عقده النيسابوري على قوله: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" وهو في مجلدين ضخمين.
والمقسم عليه قوله:
4- "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" أي: أعدل قامة وأحسن صورة، وذلك أنه خلق كل حيوان منكباً على وجهه إلا الإنسان خلقه مديد القامة، يتناول مأكوله بيده، مزيناً بالعقل والتمييز.
4-" لقد خلقنا الإنسان " يريد به الجنس " في أحسن تقويم " تعديل بأن خص انتصاب القامة وحسن الصورة واستجماع خواص الكائنات ونظائر سائر الممكنات .
4. Surely We created man of the best stature
4 - We have indeed created man in the best of moulds,