41 - (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض) ومن التسبيح صلاة (والطير) جمع طائر بين السماء والأرض (صافات) حال باسطات أجنحتهن (كل قد علم) الله (صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون) فيه تغليب العاقل
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تنظر يا محمد بعين قلبك ، فتعلم أن الله يصلي له من في السموات والأرض ، من ملك وإنس وجن " والطير صافات " في الهواء أيضا تسبح له " كل قد علم صلاته وتسبيحه " والتسبيح عندك صلاة ، فيقال : قيل : إن الصلاة لبني آدم ، والتسبيح لغيرهم من الخلق ، ولذلك فصل فيما بين ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه " قال : والصلاة للإنسان ، والتسبيح لما سوى ذلك من الخلق .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله " ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه " قال : صلاته : للناس ، وتسبيحه عامة لكل شيء .
ويتوجه قوله " كل قد علم صلاته وتسبيحه " لوجوه : أحدها : أن تكون الهاء التي في قوله " صلاته وتسبيحه " من ذكر كل ، فيكون تأويل الكلام : كل مصل ومسبح منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه ويكون الكل حينئذ مرتفعا بالعائد من ذكره في قوله " كل قد علم صلاته وتسبيحه " وهو الهاء التي في الصلاة .
والوجه الآخر : أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح أيضا للكل ، ويكون الكل مرتفعا بالعائد من ذكره عليه في " علم " ، ويكون " علم " فعلا للكل ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قد علم كل مصل ومسبح منهم صلاة نفسه وتسبيحه ، الذي كلفه وألزمه .
والوجه الآخر : أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح من ذكر الله ، والعلم للكل ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قد علم كل مسبح ومصل صلاة الله التي كلفه إياها وتسبيحه . وأظهر هذه المعاني الثلاثة ، على هذا الكلام : المعنى الأول ، وهو أن يكون المعنى : كل مصل منهم ومسبح ، قد علم الله صلاته وتسبيحه .
وقوله " والله عليم بما يفعلون " يقول تعالى ذكره : والله ذو علم بما يفعل كل مصل ومسبح منهم ، لا يخفى عليه شيء من أفعالهم ، طاعتها و معصيتها ، محيط بذلك كله ، و هو مجازيهم على ذلك كله .
قوله تعالى: " ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات " لما ذكر وضوح الآيات زاد في الحجة والبينات، وبين أن مصنوعاته تدل بتغييرها على أن لها صانعاً قادراً على الكمال، فله بعثة الرسل، وقد بعثهم وأيدهم بالمعجزات، وأخبروا بالجنة والنار. والخطاب في " ألم تر " للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه: ألم تعلم، والمراد الكل. " أن الله يسبح له من في السماوات " من الملائكة. " والأرض " من الجن والإنس. " والطير صافات " قال مجاهد وغيره: الصلاة للإنسان والتسبيح لما سواه من الخلق. وقال سفيان: للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود. وقيل: إن ضربها بأجنحتها صلاة، وإن أصواتها تسبيح، حكاه النقاش . وقيل: التسبيح هاهنا ما يرى في المخلوق من أثر الصنعة. ومعنى " صافات " مصطفات الأجنحة في الهواء. وقرأ الجماعة " والطير " بالرفع عطفاً على " من ". وقال الزجاج : ويجوز " والطير " بمعنى مع الطير. قال النحاس : وسمعته يخبر ((قمت وزيداً)) بمعنى مع زيد. قال: وهو أجود من الرفع. قال: فإن قلت قمت أنا وزيد، كان الأجود الرفع، ويجوز النصب. " كل قد علم صلاته وتسبيحه " يجوز أن يكون المعنى: كل قد علم الله صلاته وتسبيحه، أي علم صلاة المصلي وتسبيح المسبح. ولهذا قال " والله عليم بما يفعلون " أي لا يخفى عليه طاعتهم ولا تسبيحهم. ومن هذه الجهة يجوز نصب " كل " عند البصريين والكوفيين بإضمار فعل يفسر ما بعده. وقد قيل: المعنى قد علم كل مصل ومسبح صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلفه. وقرأ بعض الناس " كل قد علم صلاته وتسبيحه " غير مسمىً الفاعل. وذكر بعض النحويين أن بعضهم قرأ " كل قد علم صلاته وتسبيحه "، فيجوز أن يكون تقديره: كل قد علمه الله صلاته وتسبيحه. ويجوز أن يكون المعنى: كل قد علم غيره صلاته وتسبيحه، أي صلاة نفسه، فيكون التعليم الذي هو الإفهام والمراد الخصوص، لأن من الناس من لم يعلم. ويجوز أن يكون المعنى كل قد استدل منه المستدل، فعبر عن الاستدلال بالتعليم، قاله المهدوي . والصلاة هنا يمعنى التسبيح، وكرر تأكيداً، كقوله: يعلم السر والنجوى . والصلاة قد تسمى تسبيحاً، قاله القشيري .
يخبر تعالى أنه يسبح له من في السموات والأرض أي من الملائكة والأناسي والجان والحيوان حتى الجماد, كما قال تعالى: "تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن" الاية, وقوله تعالى: "والطير صافات" أي في حال طيرانها تسبح ربها وتعبده بتسبيح ألهمها وأرشدها إليه, وهو يعلم ما هي فاعلة, ولهذا قال تعالى: "كل قد علم صلاته وتسبيحه" أي كل قد أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله عز وجل. ثم أخبر أنه عالم بجميع ذلك لا يخفى عليه من ذلك شيء, ولهذا قال تعالى: "والله عليم بما يفعلون" ثم أخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض, فهو الحاكم المتصرف الإله المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له ولا معقب لحكمه "وإلى الله المصير" أي يوم القيامة, فيحكم فيه بما يشاء " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا " الاية, فهو الخالق المالك, ألا له الحكم في الدنيا والأخرى, وله الحمد في الأولى والأخرة.
41-"ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض" قد تقدم تفسير مثل هذه الآية في سورة سبحان، والخطاب لكل من له أهلية النظر، أو للرسول صلى الله عليه وسلم وقد علمه من جهة الاستدلال، ومعنى "ألم تر" ألم نعلم، والهمزة للتقرير: أي قد علمت علماً يقينياً شبيهاً بالمشاهدة، والتسبيح التنزيه في ذاته وأفعاله وصفاته عن كل ما يليق به، ومعنى "من في السماوات والأرض" من هو مستقر فيهما من العقلاء وغيرهم، وتسبيح غير العقلاء ما يسمع من أصواتها ويشاهد من أثر الصنعة البديعة فيها. وقيل إن التسبيح هنا هو الصلاة من العقلاء والتنزيه من غيرهم. قد قيل إن هذه الآية تشمل الحيوانات والجمادات، وأن أثار الصنعة الإلهية في الجمادات ناطق ومخبر باتصافه سبحانه بصفات الجلال والكمال وتنزهه عن صفات النقص، وفي ذلك تقريع للكفار وتوبيخ لهم حيث جعلوا الجمادات التي من شأنها التسبيح لله سبحانه شركاء له يعبدونها كعبادته عز وجل. وبالجملة فإنه ينبغي حمل التسبيح على ما يليق بكل نوع من أنواع المخلوقات على طريقة عموم المجاز. قرأ الجمهور "والطير صافات" بالرفع للطير والنصب لصافات على أن الطير معطوفة على من، وصافات منتصب على الحال. وقرأ الأعرج "والطير" بالنصب على المفعول معه، وصافات حال أيضاً. قال الزجاج وهي أجود من الرفع. وقرأ الحسن وخارجه عن نافع "والطير صافات" برفعهما على الابتداء والخبر، ومفعول صافات محذوف: أي أجنحتها، وخص الطير بالذكر مع دخولها تحت من في السماوات والأرض لعدم استمرار استقرارها في الأرض وكثرة لبثها وهو ليس من السماء ولا من الأرض، ولما فيها من الصنعة البديعة التي تقدر بها تارة على الطيران، وتارة على المشي بخلاف غيرها من الحيوانات، وذكر حالة من حالات الطير، وهي كون صدور التسبيح منها حال كونها صافات لأجنحتها، لأن هذه الحالة هي أغرب أحوالها، فإن استقرارها في الهواء مسبحة من دون تحريك لأجنحتها ولا استقرار على الأرض من أعظم صنع الله الذي أتقن كل شيء. ثم زاد في البيان فقال: "كل قد علم صلاته وتسبيحه" أي كل واحد مما ذكر، والضمير في علم يرجع إلى كل. والمعنى: أن كل واحد من هذه المسبحات لله قد علم صلاة المصلي وتسبيح المسبح. وقيل المعنى: أن كل مصلي ومسبح قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه. قيل والصلاة هنا بمعنى التسبيح، وكرر للتأكيد، والصلاة قد تسمى تسبيحاً. وقيل المراد بالصلاة هنا الدعاء: أي كل واحد قد علم دعاءه وتسبيحه. وفائدة الإخبار بأن كل واحد قد علم ذلك أن صدوره منها على طريقة الاتفاق بلا روية، وفي ذلك زيادة دلالة على بديع صنع الله سبحانه وعظيم شأنه، كونه جعلها مسبحة له عالمة بما يصدر منها غير جاهلة له "والله عليم بما يفعلون" هذه الجملة مقررة لما قبلها: أي لا تخفى عليه طاعتهم ولا تسبيحهم، ويجوز أن يكون الضمير في علم لله سبحانه: أي كل واحد من هذه المسبحة قد علم الله صلاته وتسبيحه إياه والأول أرجح لاتفاق القراء على رفع كل، ولو كان الضمير في علم لله لكان نصب كل أولى. وذكر بعض المفسرين أنها قراءة طائفة من القراء علم على البناء للمفعول.
قوله عز وجل: 41- "ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات"، باسطات أجنحتهن بالهواء. قيل خص الطير بالذكر من جملة الحيوان لأنها تكون بين السماء والأرض فتكون خارجة عن حكم من في السماء والأرض، "كل قد علم صلاته وتسبيحه"، قال مجاهد: الصلاة لبني آدم، والتسبيح لسائر الخلق. وقيل: إن ضرب الأجنحة صلاة الطير وصوته تسبيحه. قوله: "كل قد علم"، أي: كل مصل ومسبح علم الله صلاته وتسبيحه. وقيل: معناه كل مصل ومسبح منهم قد علم صلاته نفسه وتسبيحه، "والله عليم بما يفعلون".
41 -" ألم تر " ألم تعلم علماً يشبه المشاهدة في اليقين والوثاقة بالوحي أو الاستدلال . " أن الله يسبح له من في السماوات والأرض " ينزه ذاته من كل نقص وآفة أهل السموات والأرض . و " من " لتغليب العقلاء أو الملائكة والثقلان بما يدل عليه من مقال أو دلالة حال . " والطير " على الأول تخصيص لما فيها من الصنع الظاهر والدليل الباهر ولذلك قيدها بقوله : " صافات " فإن إعطاء الأجرام الثقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجو باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط حجة قاطعة على كمال قدرة الصانع تعالى ولطف تدبيره . " كل " كل واحد مما ذكر أو من الطير . " قد علم صلاته وتسبيحه " أي قد علم الله دعاءه وتنزيهه اختباراً أو طبعاً لقوله : " والله عليم بما يفعلون " أو علم كل على تشبيه حاله في الدلالة على الحق والميل إلى النفع على وجه يخصه بحال من علم ذلك مع أنه لا يبعد أن يلهم الله تعالى الطير دعاء وتسبيحاً كما ألهمها علوماً دقيقة في أسباب تعيشها لا تكاد تهتدي إليها العقلاء .
41. Hast thou not seen that Allah, He it is Whom all who are in the heavens and the earth praise; and the birds in their flight? Of each He knoweth verily the worship and the praise; and Allah is Aware of what they do.
41 - Seest thou not that it is God whose praises all beings in the heavens and on earth do celebrate, and the birds (of the air) with wings outspread? Each one knows its own (mode of) prayer and praise. And God knows well all that they do.