42 - (وقال للذي ظن) أيقن (أنه ناج منهما) وهو الساقي (اذكرني عند ربك) سيدك فقل له إن في السجن غلاماً محبوساً ظلماً فخرج (فأنساه) أي الساقي (الشيطان ذكر) يوسف عند (ربه فلبث) مكث يوسف (في السجن بضع سنين) قيل سبعاً وقيل اثنتي عشرة
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا : "اذكرني عند ربك" ، يقول : اذكرني عند سيدك ،وأخبره بمظلمتي ، وأني محبوس بغير جرم ، كما :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ،عن ابن إسحاق قال ، قال ـ يعني لنبو : "اذكرني عند ربك" ، أي : اذكر للملك الأعظم مظلمتي وحبسي في غير شيء ،قال : أفعل .
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "اذكرني عند ربك" ، قال : للذي نجا من صاحبي السجن ، يوسف يقول : اذكرني عند الملك .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ،عن سفيان ، عن جابر ، عن أسباط : "وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك" ، قال : عند ملك الأرض .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "اذكرني عند ربك" ، يعني بذلك الملك .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك" ، الذي نجا من صاحبي السجن ، يقول يوسف : اذكرني للملك .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا العوام بن حوشب ، عن إبراهيم التيمي : أنه لما انتهي به إلى باب السجن ، قال له صاحب له حاجتك ، أوصني بحاجتك ! قال : حاجتي أن تذكرني عند ربك ، سوى الرب ، قال يوسف .
وكان قتادة يوجه معنى الظن ، في هذا الموضع ، إلى الظن ، الذي هو خلاف اليقين .
حدثنا بشر قال ،حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك" ، وإنما عبارة الرؤيا بالظن ، فيحق الله ما يشاء ويبطل ما يشاء .
قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله قتادة ، من أن عبارة الرؤيا ظن ،فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء .
فأما الأنبياء ، فغير جائز منها أن تخبر عن أمر أنه كان ثم لا يكون ، أو أنه غير كائن ثم يكون ، مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كان أو غير كائن ، لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارها ، لم يؤمن مثل ذلك في كل أخبارها . وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها . سقطت حجتها على من أرسلت إليه . فإن كان ذلك كذلك ، كان غير جائز عليها أن تخبر بخبر إلا وهو حق وصدق . فمعلوم ، إذ كان الأمر على وصفت ، أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن ، فيقول لأحدهما :"أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه" ، ثم يؤكد ذلك بقوله : "قضي الأمر الذي فيه تستفتيان" ، عند قولهما : لم نر شيئا ، إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه ، أنه كائن لا محالة لا شك فيه .
وليقينه بكون ذلك ، قال للناجي منهما : "اذكرني عند ربك" . فبين إذاً بذلك فساد القول الذي قاله قتادة في معنى قوله : "وقال للذي ظن أنه ناج منهما" .
وقوله : "فأنساه الشيطان ذكر ربه" ، وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن غفلة عرضت ليوسف من قبل الشيطان ، نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصه ،ولكنه زل بها فأطال من أجلها في السجن حبسه ، وأوجع لها عقوبته ، كما :
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ،عن بسطام بن مسلم ،عن مالك بن دينار قال : لما قال يوسف للساقي :"اذكرني عند ربك" ، قال : قيل : يا يوسف ، اتخذت من دوني وكيلاً ؟ لأطيلن حبسك ! فبكى يوسف وقال : يا رب ، أنسى قلبي كثرة البلوى ، فقلت كلمةً ، فويل لإخوتي .
حدثنا الحسن قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لولا أنه ـ يعني يوسف ـ قال الكلمة التي قال ، ما لبث في السجن طول ما لبث" .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، وابن وكيع قالا ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا يونس ، عن الحسن قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم :"رحم الله يوسف ، لولا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث" يعني بقوله : "اذكرني عند ربك" ، قال : ثم يبكي الحسن فيقول : نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابي رجاء ، عن الحسن في قوله : "وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك" ، قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : "لولا كلمة يوسف ، ما لبث في السجن طول ما لبث" .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ،عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لو لم يقل يوسف ـ يعني الكلمة التي قال ـ ما لبث في السجن طول ما لبث" ، يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير الله .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال :ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : "لولا أن يوسف استشفع على ربه ، ما لبث في السجن طول ما لبث ، ولكن إنما عوقب باستشفاعه على ربه" .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قال له : "اذكرني عند ربك" ، قال : فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا ، وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه ،وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده ،فلبث في السجن بضع سنين بقوله: "اذكرني عند ربك" .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه ، غير أنه قال : فلبث في السجن بضع سنين ،عقوبةً لقوله : "اذكرني عند ربك" .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل حديث محمد بن عمرو ، سواء .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثل حديث المثنى قال ، عن أبي حذيفة .
وكان محمد بن إسحاق يقول : إنما أنسى الشيطان الساقي ذكر أمر يوسف لملكهم .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما خرج ـ يعني الذي ظن أنه ناج منهما ـ رد على ما كان عليه ، ورضي عنه صاحبه ،فأنساه الشيطان ذكر ذلك للملك الذي أمره يوسف أن يذكره ، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين . يقول جل ثناؤه : فلبث يوسف في السجن ، لقيله للناجي من صاحبي السجن من القيل : اذكرني عند سيدك ، بضع سنين ، عقوبة له من الله بذلك .
واختلف اهل التأويل في قدر البضع ، الذي لبث يوسف في السجن .
فقال بعضهم :هو سبع سنين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا محمد ابو عثمة قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : لبث يوسف في السجن سبع سنين .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فلبث في السجن بضع سنين" ، قال : سبع سنين .
حدثنا الحسن قال ، اخبرنا عبد الرزاق قال ، اخبرنا عمران ابو الهذيل الصنعاني قال : سمعت وهباً يقول : أصاب ايوب البلاء سبع سنين ، وترك في السجن يوسف سبع سنين ، وعذب بختنصر ، فحول في السباع سبع سنين .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ،عن ابن جريج قال : زعموا انها ـ يعني البضع ـ سبع سنين ، كما لبث يوسف .
وقال آخرون البضع ، ما بين الثلاث إلى التسع .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا سليمان قال ، حدثنا ابو هلال قال : سمعت قتادة يقول : البضع ، ما بين الثلاث إلى التسع .
حدثنا وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن مجاهد : "بضع سنين" ، قال : ما بين الثلاث إلى التسع .
وقال آخرون : بل هو ما دون العشر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ،قال ابن جريج ، قال ابن عباس :"بضع سنين" ، دون العشرة .
وزعم الفراء أن البضع لا يذكر إلا مع عشر ومع العشرين إلى التسعين ، وهو نيف ما بين الثلاثة إلى التسعة . وقال : كذلك رأيت العرب تفعل . ولا يقولون : بضع ومئة ولا بضع وألف . وإذا كانت للذكران قيل : بضع .
قال ابو جعفر : والصواب في البضع ، من الثلاث إلى التسع ، إلى العشر ، ولا يكون دون الثلاث . وكذلك ما زاد على العقد إلى المئة ،وما زاد على المئة فلا يكون فيه بضع .
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " وقال للذي ظن " ( ظن) هنا بمعنى أيقن، في قول أكثر المفسرين وفسره قتادة على الظن الذي هو خلاف اليقين، قال: إنما ظن يوسف نجاته لأن العابر يظن ظناً وربك يخلق ما يشاء، والأول أصح وأشبه بحال الأنبياء وأن ما قاله للفتيين في تعبير الرؤيا كان عن وحي، وإنما يكون ظنا في حكم الناس، وأما في حق الأنبياء، فإن حكمهم حق كيفما وقع.
الثانية: قوله تعالى: " اذكرني عند ربك " أي سيدك، وذلك معروف في اللغة أن يقال للسيد رب، قال الأعشى :
ربي كريم لا يكدر نعمةً وإذا تنوشد في المهارق أنشدا
أي اذكر ما رأيته، وما أنا عليه من عبارة الرؤيا للملك، وأخبره أني مظلوم محبوس بلا ذنب. وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقل أحدكم اسق ربك أطعم ربك وضىء ربك ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي ومولاي ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي فتاتي غلامي ". وفي القرآن: " اذكرني عند ربك ". إلى ربك( إنه ربي أحسن مثواني) أي صاحبي، يعني العزيز. ويقال لكل من قام بإصلاح شيء وإتمامه: قد ربه يربه، فهو رب له. قال العلماء قوله عليه السلام: ( لا يقل أحدكم) ( وليقل) من باب الإرشاد إلى إطلاق اسم الأولى، لا أن إطلاق اسم الأولى، لا أن إطلاق ذلك الاسم محرم، ولأنه قد جاء عنه عليه السلام: " أن تلد الأمة ربها " أي مالكها وسيدها، هذا موافق للقرآن في إطلاق ذلك اللفظ، فكان محل النهي في هذا الباب ألا نتخذ هذه الأسماء عادة فنترك الأولى والأحسن. وقد قيل: إن قول الرجل عبدي وأمتي يجمع معنيين: أحدهما: أن العبودية بالحقيقة إنما هي لله تعالى، ففي قول الواحد من الناس لمملوكه عبدي وأمتي تعظيم عليه، وإضافة له إلى نفسه بما أضافه الله تعالى به إلى نفسه، وذلك غير جائز. والثاني: أن المملوك يدخله من ذلك شيء في استصغاره بتلك التسمية، فيحمله ذلك على سوء الطاعة. وقال ابن شعبان في الزاهي : " لا يقل السيد عبدي وأمتي ولا يقل المملوك ربي ولا ربتي " وهذا محمول على ما ذكرناه. وقيل: إنما قال صلى الله عليه وسلم: " لا يقل العبد ربي وليقل سيدي " لأن الرب من أسماء الله تعالى المستعملة بالاتفاق، واختلف في السيد هل هو من أسماء الله تعالى أم لا؟ فإذا قلنا ليس من أسماء الله فالفرق واضح، إذ لا التباس ولا إشكال، وإذا قلنا إنه من أسمائه فليس في الشهرة ولا الاستعمال كلفظ الرب، فيحصل الفرق. وقال ابن العربي : يحتمل أن يكون ذلك جائزاً في شرع يوسف عليه السلام.
الثالثة: قوله تعالى: " فأنساه الشيطان ذكر ربه " الضمير في ( فأنساه) فيه قولان: أحدهما: أنه عائد إلى يوسف عليه السلام، أي أنساه الشيطان ذكر الله عز وجل، وذلك أنه لما قال يوسف لساقي الملك - حين علم أنه سينجو ويعود إلى حالته الأولى مع الملك - " اذكرني عند ربك " نسي في ذلك الوقت أن يشكو إلى الله ويستغيث به، وجنح إلى الاعتصام بمخلوق، فعوقب باللبث، قال عبد العزيز بن عمير الكندي: دخل جبريل على يوسف النبي عليه السلام في السجن فعرفه يوسف، فقال: يا أخا المنذرين! مالي أراك بين الخاطئين؟! فقال جبريل عليه السلام: يا طاهر ابن الطاهرين! يقرئك السلام رب العالمين ويقول: أما استحيت إذ استغثت بالآدميين؟! وعزتي! لألبثنك في السجن بضع سنين، فقال: يا جبريل! أهو عني راض؟ قال: نعم! قال: لا أبالي الساعة.
وروي أن جبريل عليه السلام جاءه فعاتبه عن الله تعالى في ذلك وطول سجنه، وقال له: يا يوسف! من خلصك من القتل من أيدي أخوتك؟! قال: الله تعالى، قال، فمن أخرجك من الجب؟ قال: الله تعالى قال: فمن عصمك من الفاحشة؟ قال: الله تعالى، قال: فمن صرف عنك كيد النساء؟ قال: الله تعالى، قال: فكيف وثقت بمخلوق وتركت ربك فلم تسأله؟ قال: يا رب كلمة زلت مني! أسألك يا إله إبراهيم وإسحاق والشيخ يعقوب عليهم السلام أن ترحمني، فقال له جبريل: فإن عقوبتك أن تلبث في السجن بضع سنين. وروى أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قال: " اذكرني عند ربك " ما لبث في السجن بضع سنين ". وقال ابن عباس: عوقب يوسف بطول الحبس بضع سنين لما قال للذي نجا منهما " اذكرني عند ربك " ولو ذكر يوسف ربه لخلصه. وروى إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لولا كلمة يوسف - يعني قوله: " اذكرني عند ربك " - ما لبث في السجن ما لبث " قال: ثم يبكي الحسن ويقول: نحن ينزل بنا الأمر فنشكو إلى الناس. وقيل: إن الهاء تعود على الناجي، فهو الناسي، أي أنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف لربه، أي لسيده، وفيه حذف، أي أنساه الشيطان ذكره لربه، وقد رجح بعض العلماء هذا القول فقال: لولا أن الشيطان أنسى يوسف ذكر الله لما استحق العقاب باللبث في السجن، إذ الناسي غير مؤاخذ. وأجاب أهل القول الأول بأن النسيان قد يكون بمعنى الترك، فلما ترك ذكر الله ودعاه الشيطان إلى ذلك عوقب، رد عليهم أهل القول الثاني بقوله تعالى: " وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة " فدل على أن الناسي هو الساقي لا يوسف، مع قوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " ( الحجر: 42) فكيف يصح أن يضاف نسيانه إلى الشيطان، لويس له على الأنبياء سلطنة؟! قيل: أما النسيان فلا عصمة للأنبياء عنه إلا في وجه واحد، وهو الخبر عن الله تعالى فيما يبلغونه، فإنهم معصومون فيه، وإذا وقع منهم النسيان حيث يجوز وقوعه فإنه ينسب إلى الشيطان إطلاقاً، وذلك إنما يكون فيما أخبر الله عنهم، ولا يجوز لنا نحن ذلك فيهم، قال صلى الله عليه وسلم: " نسي آدم فنسيت ذريته ". وقال: " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ". وقد تقدم.
الرابعة: قوله تعالى: " فلبث في السجن بضع سنين " البضع قطعة من الدهر مختلف فيها، قال يعقوب عن أبي زيد: يقال بضع وبضع بفتح الباء وكسرها، قال أكثرهم: ولا يقال بضع ومائة، وإنما هو إلى التسعين. وقال الهروي : العرب تستعمل البضع فيما بين الثلاث إلى التسع. والبضع والبضعة واحد، ومعناها القطعة من العدد. وحكى أبو عبيدة أنه قال: البضع ما دون نصف العقد، يريد ما بين الواحد إلى أربعة، وهذا ليس بشيء. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: " وكم البضع: فقال: ما بين الثلاثة إلى السبع، فقال: اذهب فزائد في الخطر ". وعلى هذا أكثر المفسرين، أن البضع سبع، حكاه الثعلبي . قال الماوردي : وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقطرب. وقال مجاهد: من ثلاث إلى تسع، وقاله الأصمعي . ابن عباس: من ثلاث إلى عشرة. وحكى الزجاج أنه ما بين الثلاثة إلى الخمس. قال الفراء: والبضع لا يذكر إلا مع العشرة والعشرين إلى التسعين، ولا يذكر بعد المائة. وفي المدة التي لبث فيها يوسف مسجوناً ثلاثة أقاويل: أحدها: سبع سنين، قاله ابن جريج وقتادة ووهب بن منبه، قال وهب: أقام أيوب في البلاء سبع سنين، وأقام يوسف في السجن سبع سنين. الثاني: اثنتا عشرة سنة، قاله ابن عباس. الثالث: أربع عشرة سنة، قاله الضحاك . وقال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس قال: مكث يوسف في السجن خمساً وبضعاً. واشتقاقه من بعضت الشيء أي قطعته، فهو القطعة من العدد، فعاقب الله يوسف بأن حبس سبع سنين أو تسع سنين بعد الخمس التي مضت، فالبضع مدة العقوبة لا مدة الحبس كله. قال وهب بن منبه: حبس يوسف في السجن سبع سنين، ومكث أيوب في البلاء سبع سنين، وعذب بختنصر بالمسخ سبع سنين. وقال عبد الله بن راشد البصري عن سعيد بن أبي عروبة: إن البضع ما بين الخمس إلى الاثنتي عشرة سنة.
الخامسة: في هذه الآية دليل على جواز التعلق بالأسباب وإن كان اليقين حاصلاً فإن الأمور بيد مسببها، ولكنه جعلها سلسلة، وركب بعضها على بعضن فتحريكها سنة، والتعويل على المنتهى يقين. والذي يدل على جواز ذلك نسبة ما جرى من النسيان إلى الشيطان كما جرى لموسى في لقيا الخضر، وهذا بين فتأملوه.
ولما ظن يوسف عليه السلام أن الساقي ناج, قال له يوسف خفية عن الاخر, والله أعلم ـ لئلا يشعره أنه المصلوب ـ قال له "اذكرني عند ربك" يقول: اذكر قصتي عند ربك, وهو الملك, فنسي ذلك الموصى أن يذكر مولاه الملك بذلك, وكان من جملة مكايد الشيطان لئلا يطلع نبي الله من السجن, هذا هو الصواب أن الضمير في قوله "فأنساه الشيطان ذكر ربه" عائد على الناجي, كما قاله مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد. ويقال: إن الضمير عائد على يوسف عليه السلام رواه ابن جرير عن ابن عباس ومجاهد أيضاً وعكرمة وغيرهم, وأسند ابن جرير ههنا حديثاً فقال: حدثنا ابن وكيع, حدثنا عمرو بن محمد عن إبراهيم بن يزيد, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن ابن عباس مرفوعاً, قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لم يقل ـ يعني يوسف ـ الكلمة التي قال, ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله", وهذا الحديث ضعيف جداً, لأن سفيان بن وكيع ضعيف, وإبراهيم بن يزيد هو الخوزي أضعف منه أيضاً. وقد روي عن الحسن وقتادة مرسلاً عن كل منهما, وهذه المرسلات ههنا لا تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن, والله أعلم.
وأما البضع فقال مجاهد وقتادة: هو ما بين الثلاث إلى التسع. وقال وهب بن منبه: مكث أيوب في البلاء سبعاً, ويوسف في السجن سبعاً, وعذب بختنصر سبعاً, وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما "فلبث في السجن بضع سنين" قال: ثنتا عشرة سنة. وقال الضحاك: أربع عشرة سنة.
42- "وقال للذي ظن أنه ناج منهما" أي قال يوسف، والظان هو أيضاً يوسف، والمراد بالظن العلم لأنه قد علم من الرؤيا نجاة الشرابي وهلاك الخباز، هكذا قال جمهور المفسرين. وقيل الظاهر على معناه، لأن عابر الرؤيا إنما يظن ظناً، والأول أولى وأنسب بحال الأنبياء. ولا سيما وقد أخبر عن نفسه عليه السلام بأنه قد أطلعه الله على كل شيء من علم الغيب كما في قوله: "لا يأتيكما طعام ترزقانه" الآية،وجملة "اذكرني عند ربك" هي مقول القول أمره بأن يذكره عند سيده ويصفه بما شاهده منه من جودة التعبير والاطلاع على شيء من علم الغيب، وكانت هذه المقالة منه عليه السلام صادرة عن هول ونسيان عن ذكر الله بسبب الشيطان، فيكون ضمير المفعول في أنساه عائداً إلى يوسف، هكذا قال بعض المفسرين ويكون المراد بربه في قوله: "ذكر ربه" هو الله سبحانه: أي إنساء الشيطان يوسف ذكر الله تعالى في تلك الحال "وقال للذي ظن أنه ناج منهما" يذكره عند سيده ليكون ذلك سبباً لانتباهه على ما أوقعه من الظلم البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته. وذهب كثير من المفسرين إلى أن الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو الذي نجا من الغلامين: وهو الشرابي، والمعنى: إنساء الشيطان الشرابي ذكر سيده: أي ذكره لسيده فلم يبلغ إليه ما اوصاه به يوسف مع ذكره عند سيده، ويكون المعنى: فأنساه الشيطان ذكر إخباره بما أمره به يوسف مع خلوصه من السجن ورجوعه إلى ما كان عليه من القيام بسقي الملك، وقد رجح هذا بكون الشيطان لا سبيل له على الأنبياء. وأجيب بأن النسيان وقع من يوسف، ونسبته إلى الشيطان على طريق المجاز، والأنبياء غير معصومين عن النسيان إلا فيما يخبرون به عن الله سبحانه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني" ورجح أيضاً بأن النسيان ليس بذنب، فلو كان الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو يوسف لم يستحق العقوبة على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين. وأجيب بأن النسيان هنا بمعنى الترك، وأنه عوقب بسبب استعانته بغير الله سبحانه، وبؤيد رجوعه الضمير إلى يوسف ما بعده من قوله: "فلبث في السجن بضع سنين" ويؤيد رجوعه إلى الذي نجا من الغلامين قوله فيما سيأتي "وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة" سنة " فلبث" أي يوسف "في السجن" بسبب ذلك القول قاله للذي نجا من الغلامين،أو بسبب ذلك الإنساء "بضع سنين" البضع: ما بين الثلاث إلى التسع كما حكاه الهروي عن العرب. وحكي عن أبي عبيدة أن البضع: ما دون نصف العقد، يعني ما بين واحد إلى أربعة، وقيل ما بين ثلاث إلى سبع، حكاه قطرب. وحكى الزجاج أنه ما بين الثلاث إلى الخمس. وقد اختلف في تعيين قدر المدة التي لبث قيها يوسف في السجن فقيل سبع سنين، وقيل ثنتا عشرة سنة، وقيل أربع عشرة سنة، وقيل خمس سنين.
وقد أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: "أما أحدكما" قال: أتاه فقال: رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب فنبتت، فخرج فيه عناقيد فعصرتهن ثم سقيتهن الملك، فقال: تمكث في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتسقيه خمراً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئاً، إنما تحالما ليجربا علمه، فلما أول رؤياهما قالا: إنما كنا نلعب ولم نر شيئاً، فقال "قضي الأمر الذي فيه تستفتيان" يقول: وقعت العبارة فصار الأمر على ما عبر يوسف. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال: كان أحد اللذين قصا على يوسف الرؤيا كاذبا. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن ساباط "وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك" قال: عند ملك الأرض. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو لم يقل يوسف الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة مرفوعاً نحوه وهو مرسل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم أبو الشيخ عن الحسن مرفوعاً نحوه وهو مرسل. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة فذكر نحوه وهو مرسل أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أنس قال: أوحي إلى يوسف: من استنقذك من القتل حين هم إخوتك أن يقتلوك؟ قال: أنت يا رب، قال: فمن استنقذك من الجب إذ ألقوك فيه؟ قال: أنت يا رب، قال: فمن استنقذك من المرأة إذ همت بك؟ قال: أنت يا رب، قال: فما لك نسيتني وذكرت آدمياً؟ قال: جزعاً وكلمة تكلم بها لساني، قال: فوعزتي لأخلدنك في السجن بضع سنين، فلبث فيه سبع سنين. وقد اختلف السلف في تقدير مدة لبثه في السجن على حسب ما قدمنا ذكره، فلم نشتغل ها هنا بذكر من قال بذلك ومن خرجه.
42-"وقال"، يعني: يوسف عند ذلك، "للذي ظن"، علم "أنه ناج منهما"، وهو الساقي، "اذكرني عند ربك"، يعني: سيدك الملك، وقل له: إن في السجن غلاما محبوسا ظلما طال حبسه، "فأنساه الشيطان ذكر ربه"، قيل: أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف للملك، تقديره: فأنساه الشيطان ذكره لربه.
قال ابن عباس وعليه الأكثرون: أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه حين ابتغى الفرج، من غيره واستعان بمخلوق، وتلك غفلة عرضت ليوسف من الشيطان.
"فلبث"، فمكث، "في السجن بضع سنين"، واختلفوا في معنى البضع، فقال مجاهد: ما بين الثلاث إلى السبع.
وقال قتادة: ما بين الثلاث إلى التسع.
وقال ابن عباس: ما دون العشرة.
وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين، وكان قد لبث قبله خمس سنين فجملته اثنتا عشرة سنة.
قال وهب: أصاب أيوب البلاء سبع سنين، وترك يوسف في السجن سبع سنين، وعذب بختنصر فحول في السباع سبع سنين.
قال مالك بن دينار: لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك، قيل له: يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا لأطيلن حبسك، فبكى يوسف، وقال: يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى فقلت كلمة ولن أعود.
وقال الحسن: دخل جبريل على يوسف في السجن، فلما رآه يوسف عرفه فقال له: يا أخا المنذرين مالي أراك بين الخاطئين؟ فقال له جبريل: يا طاهر الطاهرين يقرأ عليك السلام رب العالمين، ويقول لك: أما استحييت مني أن استشفعت بالآدميين، فوعزتي لألبثنك في السجن بضع سنين، قال يوسف: وهو في ذلك عني راض؟ قال: نعم، قال: إذا لا أبالي.
وقال كعب: قال جبريل ليوسف إن الله تعالى يقول من خلقك؟ قال: الله، قال: فمن حببك إلى أبيك، قال: الله، قال: فمن نجاك من كرب البئر؟ قال: الله، قال: فمن علمك تأويل الرؤيا؟ قال: الله، قال: فمن صرف عنك السوء والفحشاء؟ قال: الله، قال: فكيف استشفعت بآدمي مثلك؟.
42."وقال للذي ظن أنه ناج منهما" الظان يوسف إن ذكر ذلك عن اجتهاد وإن ذكره عن وحي فهو الناجي إلا أن يؤول الظن باليقين. " اذكرني عند ربك" اذكر حالي عند الملك كي يخلصني. "فأنساه الشيطان ذكر ربه"فأنسى الشرابي أن يذكره لربه ، فأضاف إليه المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار ربه ، أو أنسي يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام "رحم الله أخي يوسف لو لم يقل " اذكرني عند ربك" لما لبث في السجن سبعاً بعد الخمس".والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء ."فلبث في السجن بضع سنين" البضع ما بين الثلاث إلى التسع من البضع وهو القطع.
42. And he said unto him of the twain who he knew would be released: Mention me in the presence of thy lord. But Satan caused him to forget to mention it to his lord, so he (Joseph) stayed in prison for some years.
42 - And of the two, to that one whom he considered about to be saved, he said: mention me to thy Lord. but Satan made him forget to mention him to his Lord: and (Joseph) lingered in prison a few (more) years.