42 - (إذ قال لأبيه) آزر (يا أبت) التاء عوض عن ياء الإضافة ولا يجمع بينهما وكان يعبد الأصنام (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك) لا يكفيك (شيئا) من نفع أو ضر
وقوله "إذ قال لأبيه" يقول : اذكره حين قال لأبيه "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع" يقول: ما تصنع بعبادة الوثن الذي لا يسمع "ولا يبصر" شيئاً "ولا يغني عنك شيئا" يقول: ولا يدفع عنك ضر شيء ، إنما هو صورة مصورة لا تضر ولا تنفع . يقول : ما تصنع بعبادة ما هذه صفته؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءك ، وإذا أحيط بك أبصرك فنصرك ، وإذا نزل بك ضر دفع عنك.
واختلف أهل العربية في وجه دخول الهاء في قوله "يا أبت" فكان بعض نحويي أهل البصرة يقول: إذا وقفت عليها قلت : يا أبه ، وهي هاء زيدت نحو قولك : يا أمه ، ثم يقال: يا أم إذا وصل ، ولكنه لما كان الأب على حرفين ، كان كأنه قد أخل به ، فصارت الهاء لازمة، وصارت الياء كأنها بعدها، فلذلك قالوا: يا أبة أقبل، وجعل التاء للتأنيث ، ويجوز الترخيم من يا أب أقبل، لأنه يجوز أن تدعو ما تضيفه إلى نفسك في المعنى مضموماً، نحو قول العرب: يا رب اغفر لي، وتقف في القرآن: يا أبه في الكتاب . وقد يقف بعض العرب على الهاء بالتاء. وقال بعض نحويي الكوفة: الهاء مع أبة وأمة هاء وقف ، كثرت في كلامهم حتى صارت كهاء التأنيث، وأدخلوا عليها الإضافة، فمن طلب الإضافة، فهي بالتاء لا غير، لأنك تطلب بعدها الياء، ولا تكون الهاء حينئذ إلا تاء، كقولك : يا أبت لا غير، ومن قال : يا أبه ، فهو الذي يقف بالهاء، لأنه لا يطلب بعدها ياء، ومن قال : يا أبتا، فإنه يقف عليها بالتاء، ويجوز بالهاء، فأما بالتاء، فلطلب ألف الندبة، فصارت الهاء تاء لذلك ، والوقف بالهاء بعيد، إلا فيمن قال: يا أميمة ناصب فجعل هذه الفتحة من فتحة الترخيم ، وكأن هذا طرف الاسم، قال: وهذا بعيد.
قوله تعالى: " إذ قال لأبيه " وهو آزر وقد تقدم. " يا أبت " قد تقدم القول فيه في ((يوسف)) " لم تعبد " أي لأي شيء تعبد: " ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا " يريد الأصنام.
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "واذكر في الكتاب إبراهيم" واتل على قومك هؤلاء الذين يعبدون الأصنام,واذكر لهم ما كان من خبر إبراهيم خليل الرحمن. الذين هم من ذريته ويدعون أنهم على ملته, وقد كان صديقاً نبياً مع أبيه, كيف نهاه عن عبادة الأصنام, فقال: " يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا " أي لا ينفعك ولا يدفع عنك ضرراً " يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك " يقول: وإن كنت من صلبك وتراني أصغر منك لأني ولدك, فاعلم أني قد أطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت, و لا أطلعت عليه و لا جاءك "فاتبعني أهدك صراطاً سوياً" أي طريقاً مستقيماً موصلاً إلى نيل المطلوب, والنجاة من المرهوب " يا أبت لا تعبد الشيطان " أي لا تطعه في عبادتك هذه الأصنام, فإنه هو الداعي إلى ذلك والراضي به, كما قال تعالى: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " وقال: "إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً".
وقوله "إن الشيطان كان للرحمن عصياً" أي مخالفاً مستكبراً عن طاعة ربه, فطرده وأبعده, فلا تتبعه تصر مثله " يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن " أي على شركك وعصيانك لما آمرك به "فتكون للشيطان ولياً" يعني فلا يكون لك مولى ولا ناصراً ولا مغيثاً إلا إبليس, وليس إليه ولا إلى غيره من الأمر شيء, بل اتباعك له موجب لإحاطة العذاب بك, كما قال تعالى: " تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ".
و 42- "إذ قال لأبيه" بدل اشتمال من إبراهيم، وتعليق الذكر بالوقت مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث للمبالغة، وأبو إبراهيم هو آزر على ما تقدم تقريره، والتاء في يا أبت عوض عن الياء، ولهذا لا يجتمعان، والاستفهام في "لم تعبد" للإنكار والتوبيخ "ما لا يسمع" ما تقوله من الثناء عليه والدعاء له "ولا يبصر" ما تفعله من عبادته ومن الأفعال التي تفعلها مريداً بها الثواب، ويجوز أن يحمل نفي السمع والإبصار على ما هو أعم من ذلك: أي لا يسمع شيئاً من المسموعات، ولا يبصر شيئاً من المبصرات " ولا يغني عنك شيئا " من الأشياء، فلا يجلب لك نفعاً ولا يدفع عنك ضرراً، وهي الأصنام التي كان يعبدها آزر، أورد إبراهيم عليه السلام على أبيه الدلائل والنصائح، وصدر كلاً منها بالنداء المتضمن للرفق واللين استمالة لقلبه، وامتثالاً لأمر ربه.
42 - " إذ قال " ، إبراهيم ، " لأبيه " ، آزر وهو يعبد الأصنام ،" يا أبت لم تعبد ما لا يسمع " ، صوتاً ، " ولا يبصر " ، شيئاً ، " ولا يغني عنك" ، أي لا يكفيك ، " شيئاً " .
42ـ "إذ قال" بدل من "إبراهيم" وما بينهما اعتراض، أو متعلق بـ "كان" أو بـ "صديقاً نبياً" . "لأبيه يا أبت" التاء معوضة من ياء الإضافة ولذلك لا يقال يا أبتي ويقال يا أبتا ، وإنما تذكر للاستعطاف ولذلك كررها. "لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر" فيعرف حالك ويسمع ذكرك ويرى خضوعك. "ولا يغني عنك شيئاً" في جلب نفع أو دفع ضر، دعاه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ احتجاج وأرشقه برفق وحسن أدب، حيث لم يصرح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح ويأبى الركون إليه، فضلاً عن عبادته التي هي غاية التعظيم، ولا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام وهو الخالق الرزاق المحيي المميت المعاقب المثيب ، ونبه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح، والشيء لو كان حياً مميزاً سميعاً بصيراً مقتدراً على النفع والضر ولكن كان ممكناً، لاستنكف العقل القويم عن عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين لما يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة الواجبة، فكيف إذا كان جماداً لا يسمع ولا يبصر، ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه إلى الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن محظوظاً من العلم الإلهي مستقلاً بالنظر السوي فقال:
ً
42. When he said unto his father: O my father! Why worshippest thou that which beareth not nor seeth, nor can in aught avail thee?
42 - Behold, he said to his father: O my father! why worship that which heareth not And seeth not, and can Profit thee nothing?