44 - (وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) فمن أين يكذبوك
يقول تعالى ذكره: وما أنزلنا على المشركين القائلين لمحمد صلى الله عليه وسلم لما جاءهم بآياتنا: هذا سحر مبين بما يقولون من ذلك كتباً يدرسونها: يقول: يقرءونها.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " وما آتيناهم من كتب يدرسونها ": أي يقرءونها " وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير " يقول: وما أرسلنا إلى هؤلاء المشركين من قومك يا محمد فيما يقولون ويعملون قبلك من نبي ينذرهم بأسنا عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير " ما أنزل الله على العرب كتاباً قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبياً قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى:" وما آتيناهم من كتب يدرسونها " أي لم يقرؤوا في كتاب أوتوه بطلان ما جئت به، ولا سمعوه من رسول بعث إليهم، كما قال: " أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون" (الزخرف: 21) فليس لتكذيبهم وجه يتشبث به ولا شبهة متعلق كما يقول أهل الكتاب وإن كانوا مبطلين: نحن أهل كتاب وشرائع ومستندون إلى رسل من رسل الله، ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله الحق: " وكذب الذين من قبلهم " أي كذب قبلهم أقوام كانوا أشد من هؤلاء بطشاً وأكثر أموالاً وأولاداً وأوسع عيشاً، فأهلكتهم كثمود وعاد. "وما بلغوا" أي ما بلغ أهل مكة " معشار ما آتيناهم " تلك الأمم. والمعشار والعشر سواء، لغتان. وقيل: المعشار عشر العشر. الجوهري: ومعشار الشيء عشره، ولا يقولون هذا في شيء سوى العشر. وقيل: ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم حكاه النقاش. وقيل: ما أعطى الله تعالى من قبلهم معشار ما أعطاهم من العلم والبيان والحجة والبرهان. قال ابن عباس: فليس أمة أعلم من أمته، ولا كتاب أبين من كتابه. وقيل: المعشار هو عشر العشير، والعشير هو عشر العشر فيكون جزءاً من ألف جزء. الماوردي: وهو الأظهر، لأن المراد به المبالغة في التقليل. "فكذبوا رسلي فكيف كان نكير" أي عقابي في الأمم، وفيه محذوف وتقديره: فأهلكناهم فكيف كان نكيري.
يخبر الله عن الكفار أنهم يستحقون منه العقوبة والأليم من العذاب, لأنهم كانوا إذا تتلى عليهم آياته بينات يسمعونها غضة طرية من لسان رسوله صلى الله عليه وسلم "قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم" يعنون أن دين آبائهم هو الحق, وأن ما جاءهم به الرسول عندهم باطل, عليهم وعلى آبائهم لعائن الله تعالى: "وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى" يعنون القرآن "وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين" قال الله تعالى: "وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير" أي ما أنزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن وما أرسل إليهم نبياً قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقد كانوا يودون ذلك ويقولون: لو جاءنا نذير أو أنزل علينا كتاب لكنا أهدى من غيرنا, فلما من الله عليهم بذلك كذبوه وجحدوه وعاندوه.
ثم قال تعالى: "وكذب الذين من قبلهم" أي من الأمم " وما بلغوا معشار ما آتيناهم " قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي من القوة في الدنيا. وكذلك قال قتادة والسدي وابن زيد , كما قال تعالى: "ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون" "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة" أي وما دفع ذلك عنهم عذاب الله ولا رده, بل دمر الله عليهم لماكذبوا رسله, ولهذا قال: "فكذبوا رسلي فكيف كان نكير" أي فكيف كان عقابي ونكالي وانتصاري لرسلي.
44- "وما آتيناهم من كتب يدرسونها" أي ما أنزلنا على العرب كتباً سماوية يدرسون فيها "وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير" يدعوهم إلى الحق وينذرهم بالعذاب، فليس لتكذيبهم بالقرآن وبالرسول وجه، ولا شبهة يتشبثون بها. قال قتادة: ما أنزل الله على العرب كتاباً قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبياً قبل محمد صلى الله عليه وسلم. قال الفراء: أي من أين كذبوك، ولم يأتهم كتاب ولا نذير بهذا الذي فعلوه.
44- "وما آتيناهم"، يعني: هؤلاء المشركين، "من كتب يدرسونها"، يقرؤونها، "وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير"، أي: لم يأت العرب قبلك نبي ولا نزل عليهم كتاب.
44ـ " وما آتيناهم من كتب يدرسونها " فيها دليل على صحة الإشراك .
" وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير " يدعوهم إليه وينذرهم على تركه ، وقد بان من قبل أن لا وجه له فمن أين وقع لهم هذه الشبهة ، وهذا في غاية التجهيل لهم والتسفيه لرأيهم ثم هددهم فقال :
44. And We have given them no Scriptures which they study, nor sent We unto them, before thee, any warner.
44 - But We had not given them Books which they could study, nor sent apostles to them before thee as Warners.