45 - (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) أي ساترا لك عنهم فلا يرونك نزل فيمن أراد الفتك به صلى الله عليه وسلم
يقول تعالى ذكره : وإذا قرأت يا محمد القران على هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالبعث ، ولا يقرون بالثواب والعقاب ، جعلنا بينك وبينهم حجاباً، يحجب قلوبهم عن أن يفهموا ما تقرؤه عليهم ، فينتفعوا به ، عقوبة منا لهم على كفرهم ، والحجاب ههنا : هو الساتر.
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا" الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به ، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم .
حدثنا محمد ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " حجاباً مستوراً " قال : هي الأكنة .
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا " . قال : قال أبي : لا يفقهونه ، وقرأ قلوبهم في أكنة وفي آذأنهم وقر؟لا يخلص ذلك إليهم .
وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول : معنى قوله " حجاباً مستورا" حجابا ساتراً، ولكنه أخرج وهو فاعل في لفظ المفعول ، كما يقال : إنك مشئوم علينا وميمون ، وإنما هو شائم ويامن ، لأنه من شأمهم ويمنهم . قال : والحجاب ههنا: هو الساتر. وقال : مستوراً . وكان غيره من أهل العربية يقول : معنى ذلك : حجاباً مستوراً عن العبادة فلا يرونه .
وهذا القول الثاني أظهر بمعنى الكلام أن يكون المستور هو الحجاب ، فيكون معناه : أن لله ستراً عن أبصار الناس فلا تدركه أبصارهم ، وإن كان للقول الأول وجه مفهوم.
" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت : لما نزلت سورة " تبت يدا أبي لهب " أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمما عصينا ، وأمره أبينا ، ودينه قلينا . والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد و معه أبو بكر رضي الله عنه ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ، لقد أقبلت وأنا أخاف أن تراك ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها لن تراني وقرأ قرآنا فاعتصم به كما قال . وقرأ " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ". فوقفت على أبي بكر رضي الله عنه ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبا بكر ، أخبرت أن صاحبك هجاني ! فقال : لا ورب هذا البيت ما هجاك . قال : فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها " . و"قال سعيد بن جبير رضي الله عنه : لما نزلت " تبت يدا أبي لهب وتب" جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر رضي الله عنه ، فقال أبو بكر : لو نتحيت عنها لئلا تسمعك ما يؤذيك ، فإنها امرأة بذية . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه سيحال بيني وبينها فلم تره . فقالت لأبي كر : يا أبا بكر ، هجانا صاحبك ! فقال : والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله . فقالت : وإنك لمصدقه ، فاندفعت راجعة . فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله أما رأتك ؟ قال : لا . ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت " وقال كعب رضي الله عنه في هذه الآية : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستتر من المشركين بثلاث آيات : الآية التي في الكهف " إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا " والآية التي في النحل " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم " والآية التي في الجاثية : " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة " الآية . فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأهن يستتر من المشركين . قال كعب رضي الله تعالى عنه : فحدثت بهن رجلا من أهل الشام ، فأتي أرض الروم فأقام بها زمانا ، ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن فصاروا يكونون معه على طريقة ولا يبصرونه . قال الثعلبي : وهذا الذي يروونه عن كعب حدثت به رجلا من أهل الري فأسر بالديلم ، فمكث زمانا ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن حتى جعلت ثيابهم لتلمس ثيابه فما يبصرونه .
قلت . ويزاد إلى هذه الآية أول سورة يس إلى قوله " فهم لا يبصرون " . فإن في السيرة في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومقام علي رضي الله عنه في فراشه قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب فيه بده ، وأخذ الله عز وجل على أبصارهم عنه فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من ياسين : " يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم * تنزيل العزيز الرحيم " إلى قوله : " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " . حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات , ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، انصرف إلى حيث أراد أن يذهب .
قلت : ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا . وذلك أني هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه ، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شيء ، وأنا أقرأ أول سورة ياسين وغير ذلك من القرآن ، فعيرا على ثم رجعا من حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر : هذا ديبلة ، يعنون شيطانا . وأعمى الله عز وجل أبصارهم فلم يروني ، والحمد لله حمدا كثيرا على ذلك . وقيل : الحجاب المستور طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه ولا يدركوا ما فيه من الحكمة ، قاله قتادة . وقال الحسن : أي أنهم لإعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب في عدمك رؤيته لك حتى كأن على قلوبهم أغطية . وقيل : نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن ، وهم أبو جهل وأبو سفيان والنضر بن الحارث وأم جميل امرأة أبي لهب وحويطب ، فحجب الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن بصارهم عند قراءة القرآن ، وكانوا يمرون به ولا يرونه ، قالها الزجاج وغيره . وهو معنى القول الأول بعينه . وهو الأظهر في الآية ، والله أعلم . وقوله : " مستورا " فيه قولان : أحدهما : أن الحجاب مستور عنكم لا ترونه . والثاني : أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه ، ويكون مستورا بمعنى ساتر .
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا قرأت يا محمد على هؤلاء المشركين القرآن, جعلنا بينك وبينهم حجاباً مستوراً. قال قتادة وابن زيد: هو الأكنة على قلوبهم, كما قال تعالى: "وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب" أي مانع حائل أن يصل إلينا مما تقول شيء. وقوله "حجاباً مستوراً" بمعنى ساتر كميمون ومشؤوم بمعنى يامن وشائم, لأنه من يمنهم وشؤمهم, وقيل: مستوراً عن الأبصار فلا تراه وهو مع ذلك حجاب بينهم وبين الهدى, ومال إلى ترجيحه ابن جرير رحمه الله.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم , حدثنا سفيان عن الوليد بن كثير , عن يزيد بن تدرس , عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها قالت: " لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول: مذمماً أتينا ـ أو أبينا ـ قال أبو موسى : الشك مني, ودينه قلينا, وأمره عصينا, ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس و أبو بكر إلى جنبه فقال أبو بكر رضي الله عنه: لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك, فقال إنها لن تراني وقرأ قرآناً اعتصم به منها " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا " قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر , بلغني أن صاحبك هجاني, قال أبو بكر : لا ورب هذا البيت ما هجاك, قال: فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش أني بنت سيدها " .
وقوله: "وجعلنا على قلوبهم أكنة" وهي جمع كنان الذي يغشى القلب "أن يفقهوه" أي لئلا يفهموا القرآن "وفي آذانهم وقراً" وهو الثقل الذي منعهم من سماع القرآن سماعاً ينفعهم ويهتدون به. وقوله تعالى: "وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده" أي إذا وحدت الله في تلاوتك, وقلت لا إله إلا الله, " ولوا " أي أدبروا راجعين "على أدبارهم نفوراً" ونفور جمع نافر, وكقعود جمع قاعد, ويجوز أن يكون مصدراً من غير الفعل, والله أعلم. كما قال تعالى: " وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة " الاية, قال قتادة في قوله "وإذا ذكرت ربك في القرآن" الاية, إن المسلمين لما قالوا لا إله إلا الله, أنكر ذلك المشركون, كبرت عليهم وضاقها إبليس وجنوده, فأبى الله إلا أن يمضيها ويعليها وينصرها ويظهرها على من ناوأها, إنها كلمة من خاصم بها فلح, ومن قاتل بها نصر, إنما يعرفها أهل هذه الجريزة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل, ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها.
(قول آخر في الاية)
روى ابن جرير : حدثني الحسين بن محمد الذارع , حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي , وحدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء , عن ابن عباس في قوله: " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا " هم الشياطين, وهذا غريب جداً في تفسيرها, وإلا فالشياطين إذا قرىء القرآن أو نودي بالأذان أو ذكر الله انصرفوا.
ولما فرغ سبحانه من الإلهيات شرع في ذكر بعض من آيات القرآن وما يقع من سامعيه فقال: 45- "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً" جعلنا بينك يا محمد وبين المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً: أي إنهم لإعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب يمرون بك ولا يرونك، ذكر معناه الزجاج وغيره، ومعنى مستوراً ساتر. قال الأخفش: أراد ساتراً، والفاعل قد يكون في لفظ المفعول كما تقول: إنك لمشؤوم وميمون. وإنما هو شائم ويامن، وقيل معنى مستوراً ذا ستر، كقولهم سيل مفعم: أي ذو إفعام، وقيل هو حجاب لا تراه الأعين فهو مستور عنها، وقيل حجاب من دونه حجاب فهو مستور بغيره، وقيل المراد بالحجاب المستور الطبع والختم.
45 - قوله عز وجل : " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً " ، يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به .
قال قتادة : هو الأكنة ، والمستور بمعنى الساتر كقوله : " إنه كان وعده مأتياً" ( مريم - 61 ) مفعول بمعنى الفاعل .
وقيل : مستور عن أعين الناس فلا يرونه .
وفسره بعضهم بالحجاب عن الأعين الظاهرة ، كما روي عن سعيد بن جبير أنه " لما نزلت : " تبت يدا أبي لهب " جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر، والنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ، فلم تره ، فقالت لأبي بكر : أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني ؟ فقال : والله ما ينطق بالشعر ، ولا يقوله ، فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه ، فقال أبو بكر : ما رأتك يا رسول الله ، قال : لا ، لم يزل ملك بيني وبينها يسترني " .
45."وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً" يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم . "مستوراً"ذا ستر كقوله تعالى: "وعده مأتيا" وقولهم سيل مفعم ، أو مستوراً عن الحس ، أو بحجاب آخر لا يفهمون أنهم لا يفهمون نفي عنهم أن يفهموا ما أنزل عليهم من الآيات بعدما نفى عنهم التفقه للدلالات المنصوبة في الأنفس والآفاق تقريراً له وبياناً لكونهم مطبوعين على الضلالة كما صرح به بقوله:
45. And when thou recitest the Quran We place between thee, and those who believe not in the Hereafter a hidden barrier;
45 - When thou dost recite the Quran, we put, between thee and those who believe not in the hereafter, a veil invisible: