(والله أعلم بأعدائكم) منكم فيخبركم بهم لتجتنبوهم (وكفى بالله وليا) حافظا لكم منهم (وكفى بالله نصيرا) مانعا لكم من كيدهم
ثم أخبر الله جل ثناؤه عن عداوة هؤلاء اليهود الذين نهى المؤمنين أن يستنصحوهم في دينهم إياهم ، فقال جل ثناؤه : "والله أعلم بأعدائكم"، يعني بذلك تعالى ذكره : والله أعلم منكم بعداوة هؤلاء اليهود لكم ، أيها المؤمنون . يقول : فانتهوا إلى طاعتي فيما نهيتكم عنه من استنصاحهم في دينكم ، فإني أعلم بما هم عليه لكم من الغش والعداوة والحسد، وأنهم إنما يبغونكم الغوائل ، ويطلبون أن تضلوا عن محجة الحق فتهلكوا .
وأما قوله : "وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا"، فإنه يقول : فبالله ، أيها المؤمنون ، فثقوا، وعليه فتوكلوا ، وإليه فارغبوا ، دون غيره ، يكفكم مهمكم ، وينصركم على أعدائكم ، "وكفى بالله وليا"، يقول : وكفاكم وحسبكم بالله ربكم ولياً يليكم ويلي أموركم بالحياطة لكم ، والحراسة من أن يستفزكم أعداؤكم عن دينكم ، أو يصدوكم عن اتباع نبيكم ، "وكفى بالله نصيرا"، يقول : وحسبكم بالله ناصراً لكم على أعدائكم وأعداء دينكم ، وعلى من بغاكم الغوائل ، وبغى دينكم العوج .
قوله تعالى :" والله أعلم بأعدائكم " يريد منكم فلا تستصحبوهم فإنهم أعداؤكم يجوز أن يكون أعلم بمعنى عليم كقوله تعالى :" وهو أهون عليه" [ الروم : 27] أ] هين : " وكفى بالله وليا " الباء زائدة زيدت لأن المعنى اكتفوا بالله فهو يكفيكم أعداءكم وليا ونصيراً نصب على البيان وإن شئت على الحال .
يخبر تعالى عن اليهود ـ عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ـ أنهم يشترون الضلالة بالهدى, ويعرضون عما أنزل الله على رسوله, ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد صلى الله عليه وسلم, ليشتروا به ثمناً قليلاً من حطام الدنيا, "ويريدون أن تضلوا السبيل" أي يودون لو تكفرون بما أنزل عليكم أيها المؤمنون وتتركون ما أنتم عليه من الهدى والعلم النافع, "والله أعلم بأعدائكم" أي هو أعلم بهم ويحذركم منهم, "وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً" أي كفى به ولياً لمن لجأ إليه ونصيراً لمن استنصره. ثم قال تعالى: "من الذين هادوا" "من" في هذا لبيان الجنس كقوله "فاجتنبوا الرجس من الأوثان", وقوله "يحرفون الكلم عن مواضعه" أي يتأولون الكلام على غير تأويله, ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل قصداً منهم وافتراء "ويقولون سمعنا وعصينا" أي يقولون سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه, هكذا فسره مجاهد وابن زيد, وهو المراد, وهذا أبلغ في كفرهم وعنادهم وأنهم يتولون عن كتاب الله بعدما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة, وقوله "واسمع غير مسمع" أي اسمع ما نقول, لا سمعت, رواه الضحاك عن ابن عباس, وقال مجاهد والحسن: واسمع غير مقبول منك, قال ابن جرير: والأول أصح, وهو كما قال: وهذا استهزاء منهم واستهتار, عليهم لعنة الله, "وراعنا لياً بألسنتهم وطعنا في الدين" أي يوهمون أنهم يقولون: راعنا سمعك بقولهم راعنا, وإنما يريدون الرعونة بسبهم النبي, وقد تقدم الكلام على هذا عند قوله "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا" ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه " ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ", يعني بسبهم النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قال تعالى: "ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً" أي قلوبهم مطرودة عن الخير مبعدة منه, فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم, وقد تقدم الكلام على قوله تعالى: "فقليلاً ما يؤمنون" والمقصود أنهم لا يؤمنون إيماناً نافعاً.
45- "والله أعلم بأعدائكم" أيها المؤمنون وما يريدونه بكم من الإضلال، والجملة اعتراضية "وكفى بالله ولياً" لكم "وكفى بالله نصيراً" ينصركم في مواطن الحرب، فاكتفوا بولايته ونصره ولا تتولوا غيره ولا تستنصروه، والباء في قوله "بالله" في الموضعين زائدة.
45-" والله أعلم بأعدائكم " منكم، فلا تستنصحوهم فإنهم أعداؤكم،"وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً" قال الزجاج: معناه اكتفوا بالله ولياً واكتفوا بالله نصيراً.
45"والله أعلم" منكم. "بأعدائكم" وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وما يريدون بكم فاحذروهم. "وكفى بالله ولياً" يلي أمركم. "وكفى بالله نصيراً" يعينكم فثقوا عليه واكتفوا به عن غيره. والباء تزاد في فاعل كفى لتوكيد الاتصال الإسنادي بالاتصال الإضافي.
45. Allah knoweth best (who are) your enemies. Allah is sufficient as a Friend, and Allah is sufficient as a Helper.
45 - But God hath full knowledge of your enemies: God is enough for a protector, and God is enough for a helper.