45 - (فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) يموتون
وقوله " فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فدع يا محمد هؤلاء المشركين حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يهلكون وذلك عند النفخة الأولى .
واختلفت القراء في قراءة قوله " فيه يصعقون " فقرأته عامة قراء الأمصار سوى عاصم بفتح الياء من يصعقون وقرأه عاصم " يصعقون " بضم الياء والفتح أعجب القراءتين إلينا لأنه أفصح اللغتين وأشهرها وإن كانت الأخرى جائزة وذلك أن العرب تقول : صعق الرجل وصعق وسعد وسعد وقد بيناً معنى الصعق بشواهده وما قال فيه أهل التأويل فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
قوله تعالى " فذرهم " منسوخ بآية السيف " حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون " بفتح الياء قراءة العامة ، وقرأ ابن عامر وعاصم بضمها ، قال الفراء هما لغتان صعق وصعق مثل سعد وسعد . قال قتادة يوم يموتون وقيل هو يوم بدر . وقيل يوم النفخة الأولى وقيل يوم القيامة يأتيهم فيه من العذاب ما يزيل عقولهم . وقيل يصعقون بضم الياء من أصعقه الله .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس "وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً" أي عليهم يعذبون به لما صدقوا, ولما أيقنوا بل يقولون: هذا سحاب مركوم, أي متراكم, وهذا كقوله تعالى: "ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون". وقال الله تعالى "فذرهم" أي دعهم يا محمد "حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون" وذلك يوم القيامة "يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً" أي لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا, لا يجزي عنهم يوم القيامة شيئاً "ولا هم ينصرون". ثم قال تعالى: "وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك" أي قبل ذلك في الدار الدنيا كقوله تعالى: "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون" ولهذا قال تعالى: "ولكن أكثرهم لا يعلمون" أي نعذبهم في الدنيا ونبتليهم فيها بالمصائب لعلهم يرجعون وينيبون فلا يفهمون ما يراد بهم, بل إذا جلى عنهم مما كانوا فيه, عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه كما جاء في بعض الأحاديث "إن المنافق إذا مرض وعوفي مثله في ذلك كمثل البعير, لا يدري فيما عقلوه ولا فيما أرسلوه" وفي الأثر الإلهي: كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ قال الله تعالى: يا عبدي كم أعاقبك وأنت لا تدري ؟ وقوله تعالى: "واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا" أي اصبر على أذاهم ولا تبالهم فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا والله يعصمك من الناس. وقوله تعالى: "وسبح بحمد ربك حين تقوم" قال الضحاك: أي إلى الصلاة. سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك, وتعالى جدك, ولا إله غيرك.
وقد روي مثله عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما, وروى مسلم في صحيحه عن عمر أنه كان يقول: هذا في ابتداء الصلاة, ورواه أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد وغيره, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك. وقال أبو الجوزاء "وسبح بحمد ربك حين تقوم" أي من نومك من فراشك, واختاره ابن جرير ويتأيد هذا القول بما رواه الإمام أحمد, حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا الأوزعي, حدثنا عمير بن هانىء, حدثني جنادة بن أبي أمية. حدثنا عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال, رب اغفر لي ـ أو قال ثم دعا ـ استجيب له, فإن عزم فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته" وأخرجه البخاري في صحيحه وأهل السنن من حديث الوليد بن مسلم به. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "وسبح بحمد ربك حين تقوم" قال: من كل مجلس وقال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص "وسبح بحمد ربك حين تقوم" قال إذا أراد الرجل أن يقوم من مجلسه قال: سبحانك اللهم وبحمدك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي, حدثنا محمد بن شعيب, أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح أنه حدثه عن قول الله تعالى: "وسبح بحمد ربك حين تقوم" يقول حين تقوم من كل مجلس إن كنت أحسنت ازددت خيراً, وإن كنت غير ذلك كان هذا كفارة له, وقد قال عبد الرزاق في جامعه: أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري, عن أبي عثمان الفقير, أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك, قال معمر: وسمعت غيره يقول هذا القول كفارة المجالس وهذا مرسل, وقد وردت مسندة من طرق يقوي بعضها بعضاً بذلك, فمن ذلك حديث ابن جريج عن سهيل بن أبي صالح, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه, فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك, إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك" رواه الترمذي, وهذا لفظه والنسائي في اليوم والليلة من حديث ابن جريج, وقال الترمذي: حسن صحيح, وأخرجه الحاكم في مستدركه, وقال إسناده على شرط مسلم, إلا أن البخاري علله, قلت: علله الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وغيرهم, ونسبوا الوهم فيه إلى ابن جريج, على أن أبا داود قد رواه في سننه من طريق غير ابن جريج إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه, ورواه أبو داود, واللفظ له والنسائي والحاكم في المستدرك من طريق الحجاج بن دينار عن هاشم, عن أبي العالية عن أبي برزة الأسلمي, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بآخر عمره: إذا أراد أن يقوم من المجلس "سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك". فقال رجل: يا رسول الله, إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى, قال: "كفارة لما يكون في المجلس" وقد روي مرسلاً عن أبي العالية, فالله أعلم.
وهكذا رواه النسائي والحاكم من حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء, وروي مرسلاً أيضاً فالله أعلم, وكذا رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه, ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر, إلا ختم له بهن كما يختم بالخاتم: سبحانك اللهم وبحمدك, لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك" وأخرجه الحاكم من حديث أم المؤمنين عائشة وصححه, ومن رواية جبير بن مطعم, ورواه أبو بكر الإسماعيلي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد أفردت لذلك جزءاً على حدة بذكر طرقه وألفاظه وعلله, وما يتعلق به ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: "ومن الليل فسبحه" أي اذكره واعبده بالتلاوة والصلاة في الليل كما قال تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً". وقوله تعالى: "وإدبار النجوم" قد تقدم في حديث ابن عباس, أنهما الركعتان اللتان قبيل صلاة الفجر, فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم أي عند جنوحها للغيبوبة. وقد روى ابن سيلان عن أبي هريرة مرفوعاً "لا تدعوها وإن طردتكم الخيل" يعني ركعتي الفجر, رواه أبو داود. ومن هذا الحديث حكي عن بعض أصحاب أحمد القول بوجوبهما, وهو ضعيف لحديث "خمس صلوات في اليوم والليلة" قال: هل علي غيرها قال: "لا إلا أن تطوع" وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر, وفي لفظ لمسلم "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
آخر تفسير سورة الطور ولله الحمد والمنة.
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم، فقال: 45- "فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون" أي أتركهم وخل عنهم حتى يلاقوا يوم موتهم، أو يوم قتلهم ببدر، أو يوم القيامة. قرأ الجمهور "يلاقوا" وقرأ أبو حيوة يلقوا وقرأ الجمهور: "يصعقون" على البناء للفاعل: وقرأ ابن عامر وعاصم على البناء للمفعول، والصعقة: الهلاك على ما تقدم بيانه.
45. " فذرهم حتى يلاقوا "، يعاينوا، " يومهم الذي فيه يصعقون "، أي: يموتون، حتى يعاينوا الموت، قرأ ابن عامر وعاصم يصعقون بضم الياء، أي: يهلكون.
45-" فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون " وهو عند النفخة الأولى ، وقرئ يلقوا وقرأ ابن عامر و عاصم " يصعقون " على المبني للمفعول من صعقة أو أصعقه .
45. Then let them be (O Muhammad), till they meet their day, in which they will be thunder stricken,
45 - So leave them alone until they encounter that Day of theirs, wherein they shall (perforce) swoon (with terror),