45 - (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) أي آخرهم بأن استؤصلوا (والحمد لله رب العالمين) على نصر الرسل وإهلاك الكافرين
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله : "فقطع دابر القوم الذين ظلموا"، فاستؤصل القوم الذين عتوا على ربهم ، وكذبوا رسله ، وخالفوا أمره ، عن آخرهم ، فلم يترك منهم أحد إلا أهلك بغتةً إذ جاءهم عذاب الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط ، عن السدي : "فقطع دابر القوم الذين ظلموا"، يقول : قطع أصل الذين ظلموا .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "فقطع دابر القوم الذين ظلموا"، قال : استؤصلوا .
و"دابر القوم"، الذي يدبرهم ، وهو الذي يكون في أدبارهم وآخرهم . يقال في الكلام : قد دبر القوم فلان يدبرهم دبراً ودبوراً ، إذا كان آخرهم ، ومنه قول أمية:
فأهلكوا بعذاب حص دابرهم فما استطاعوا له صرفاً ولا انتصروا
"والحمد لله رب العالمين"، يقول : والثناء الكامل والشكر التام ، "لله رب العالمين"، على إنعامه على رسله وأهل طاعته ، بإظهار حججم على من خالفهم من أهل الكفر، وتحقيق عداتهم ما واعدوهم على كفرهم بالله وتكذيبهم رسله ، من نقيم الله وعاجل عذابه.
قوله تعالى :" فقطع دابر القوم الذين ظلموا " الدابر الآخرة، يقال: دبر القوم يدبرهم دبراً إذا كان آخرهم في المجيء. وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود:
"من الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبريا " أي في آخر الوقت والمعنى هنا قطع خلفهم من نسلهم وغيرهم فلق تبق لهم باقية، قال قطرب: يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا قال أمية بن أبي الصلت :
فأهلكوا بعذاب حص دابرهم فما استطاعوا له صرفاً ولا انتصروا
ومنه التدبير لأنه إحكام عواقب الأمور " والحمد لله رب العالمين " قيل: على إهلاكهم وقيل: تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه. وتضمنت هذه الآية الحجة على وجوب ترك الظلم لما يعقب من قطع الدابر، إلى العذاب الدائم، مع استحقاق القاطع الحمد من كل حامد.
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد, المتصرف في خلقه بما يشاء, وأنه لا معقب لحكمه, ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه, بل هو وحده لا شريك له, الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء, ولهذا قال "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة" أي أتاكم هذا أو هذا "أغير الله تدعون إن كنتم صادقين" أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه, ولهذا قال "إن كنتم صادقين" أي في اتخاذكم آلهة معه "بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون" أي في وقت الضرورة, لا تدعون أحداً سواه, وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم, كقوله "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه" الاية, وقوله "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء" يعني الفقر والضيق في العيش, "والضراء" وهي الأمراض والأسقام والالام, "لعلهم يتضرعون" أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون, قال الله تعالى: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا" أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك, تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا, ولكن "قست قلوبهم" أي ما رقت ولا خشعت "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" أي من الشرك والمعاندة والمعاصي, "فلما نسوا ما ذكروا به" أي أعرضوا عنه وتناسوه, وجعلوه وراء ظهورهم, "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون, وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم, عياذاً بالله من مكره, ولهذا قال "حتى إذا فرحوا بما أوتوا" أي من الأموال والأولاد والأرزاق, "أخذناهم بغتة" أي على غفلة, "فإذا هم مبلسون" أي آيسون من كل خير, قال الوالبي عن ابن عباس: المبلس الايس, وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به, فلا رأي له, ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له, فلا رأي له, ثم قرأ "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" قال: مكر بالقوم ورب الكعبة, أعطوا حاجتهم ثم أخذوا, رواه ابن أبي حاتم, وقال قتادة: بغت القوم أمر الله, وما أخذ الله قوماً قط, إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم, فلا تغتروا بالله, فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون, رواه ابن أبي حاتم أيضاً .
وقال مالك عن الزهري "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" قال: رخاء الدنيا ويسرها, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين ـ يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري ـ عن حرملة بن عمران, التجيبي! عن عقبة بن مسلم, عن عقبة بن عامر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حرملة وابن لهيعة, عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا عراك بن خالد بن يزيد, حدثني أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن عبادة بن الصامت, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف, وإذا أراد الله بقوم اقتطاعاً, فتح لهم ـ أو فتح عليهم ـ باب خيانة, "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" كما قال "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" ورواه أحمد وغيره .
قوله: 45- "فقطع دابر القوم الذين ظلموا" الدابر الآخر، يقال: دبر القوم يدبرهم دبراً: إذا كان آخرهم في المجيء، والمعنى: أنه قطع آخرهم: أي استؤصلوا جميعا حتى آخرهم. قال قطرب: يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا. قال أمية بن أبي الصلت:
فأهلكوا بعذاب حص دابرهم فما استطاعوا له صرفاً ولا انتصروا
ومنه التدبير لأنه أحكام عواقب الأمور. قوله: "والحمد لله رب العالمين" أي على هلاكهم، وفيه تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه سبحانه عند نزول النعم التي من أجلها هلاك الظلمة الذين يفسدون في الأرض لا يصلحون فإنهم أشد على عباد الله من كل شديد. اللهم أرح عبادك المؤمنين من ظلم الظالمين واقطع دابرهم وأبدلهم بالعدل الشامل لهم.
وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: "فأخذناهم بالبأساء والضراء" قال: خوف السلطان وغلاء السعر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فلما نسوا ما ذكروا به" قال: يعني تركوا ما ذكروا به. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج "فلما نسوا ما ذكروا به" قال: ما دعاهم الله إليه ورسله أبوه وردوه عليهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" قال: رخاء الدنيا ويسرها. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "حتى إذا فرحوا بما أوتوا" قال: من الرزق "أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" قال: مهلكون متغير حالهم "فقطع دابر القوم الذين ظلموا" يقول: فقطع أصل الذين ظلموا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن النضر الحارثي في قوله: "أخذناهم بغتة" قال: أمهلوا عشرين سنة، ولا يخفى أن هذا مخالف لمعنى البغتة لغة ومحتاج إلى نقل عن الشارع وإلا فهو كلام لا طائل تحته. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: المبلس المجهود المكروب الذي قد نزل به الشر الذي لا يدفعه، والمبلس أشد من المستكين، وفي قوله: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا" قال: استؤصلوا.
45- " فقطع دابر القوم الذين ظلموا "، أي: آخرهم [الذين بدبرهم، يقال: دبر فلان القوم يدبرهم دبراً ودبوراً إذا كان آخرهم]ومعناه أنهم استؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية، " والحمد لله رب العالمين "، حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم لأنه نعمة على الرسل، فذكر الحمد لله تعليماً لهم ولمن آمن بهم، أن يحمدوا الله على كفايته شر الظالمين، وليحمد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ربهم إذا أهلك المكذبين .
45 " فقطع دابر القوم الذين ظلموا " أي آخرهم بحيث لم يبق منهم أحد من دبره دبراً ودبوراً إذا تبعه . " والحمد لله رب العالمين " على إهلاكهم فإن هلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم وأعمالهم ، نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها .
45. So of the people who did wrong the last remnant was cut off. Praise be to Allah, Lord of the Worlds!
45 - Of the wrong doers the last remnant was cut off. praise be to God, the cherisher of the worlds.