47 - (وإن للذين ظلموا) بكفرهم (عذابا دون ذلك) في الدنيا قبل موتهم فعذبوا بالجوع والقحط سبع سنين وبالقتل يوم بدر (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن العذاب ينزل بهم
وقوله " وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك " اختلف أهل التأويل في العذاب الذي توعد الله به هؤلاء الظلمة من دون يوم الصعقة فقال بعضهم : هو عذاب القبر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال : أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء " عذابا دون ذلك " قال : عذاب القبر .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله " وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك " يقول : عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة أن ابن عباس كان يقول : إن عذاب القبر في كتاب الله " وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك " .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة أن ابن عباس كان يقول : إن عذاب القبر في القرآن ثم تلا " وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك " .
وقال آخرون : عني بذلك الجوع .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " عذابا دون ذلك " قال : الجوع .
وقال آخرون : عني بذلك : المصائب التي تصيبهم في الدنيا من ذهاب الأموال والأولاد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك " قال : دون الآخرة في هذه الدنيا ما يعذبهم به من ذهاب الأموال والأولاد قال : فهي للمؤمنين أجر وثواب عند الله عدا مصائبهم ومصائب هؤلاء عجلهم الله إياها في الدنيا وقرأ " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم " التوبة 55 إلى آخر الآية .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به عذاباً دون يومهم الذي فيه يصعقون وذلك يوم القيامة فعذاب القبر دون يوم القيامة لأنه في البرزخ والجوع الذي أصاب كفار قريش والمصائب التي تصيبهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم دون يوم القيامة ولم يخصص الله نوعاً من ذلك أنه لهم دون يوم القيامة دون نوع عم فقال " وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك " فكل ذلك لهم عذاب وذلك لهم دون يوم القيامة فتأويل الكلام : وإن للذين كفروا بالله عذاباً من الله دون يوم القيامة " ولكن أكثرهم لا يعلمون " بأنهم ذائقو ذلك العذاب .
قوله تعالى " وإن للذين ظلموا " أي كفروا " عذابا دون ذلك" قيل قبل موتهم أين زيد مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا وذهاب الأموال والأولاد مجاهد هو الجوع والجهد سبع سنين ابن عباس : هو القتل . وعنه عذاب القبر وقاله البراء بن عازب وعلي رضي الله عنهم فـدون بمعنى غير وقيل عذابا أخف من عذاب الآخرة "ولكن أكثرهم لا يعلمون " أن العذاب نازل بهم وقيل : "ولكن أكثرهم لا يعلمون " ما يصيرون إليه .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس "وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً" أي عليهم يعذبون به لما صدقوا, ولما أيقنوا بل يقولون: هذا سحاب مركوم, أي متراكم, وهذا كقوله تعالى: "ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون". وقال الله تعالى "فذرهم" أي دعهم يا محمد "حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون" وذلك يوم القيامة "يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً" أي لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا, لا يجزي عنهم يوم القيامة شيئاً "ولا هم ينصرون". ثم قال تعالى: "وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك" أي قبل ذلك في الدار الدنيا كقوله تعالى: "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون" ولهذا قال تعالى: "ولكن أكثرهم لا يعلمون" أي نعذبهم في الدنيا ونبتليهم فيها بالمصائب لعلهم يرجعون وينيبون فلا يفهمون ما يراد بهم, بل إذا جلى عنهم مما كانوا فيه, عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه كما جاء في بعض الأحاديث "إن المنافق إذا مرض وعوفي مثله في ذلك كمثل البعير, لا يدري فيما عقلوه ولا فيما أرسلوه" وفي الأثر الإلهي: كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ قال الله تعالى: يا عبدي كم أعاقبك وأنت لا تدري ؟ وقوله تعالى: "واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا" أي اصبر على أذاهم ولا تبالهم فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا والله يعصمك من الناس. وقوله تعالى: "وسبح بحمد ربك حين تقوم" قال الضحاك: أي إلى الصلاة. سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك, وتعالى جدك, ولا إله غيرك.
وقد روي مثله عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما, وروى مسلم في صحيحه عن عمر أنه كان يقول: هذا في ابتداء الصلاة, ورواه أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد وغيره, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك. وقال أبو الجوزاء "وسبح بحمد ربك حين تقوم" أي من نومك من فراشك, واختاره ابن جرير ويتأيد هذا القول بما رواه الإمام أحمد, حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا الأوزعي, حدثنا عمير بن هانىء, حدثني جنادة بن أبي أمية. حدثنا عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال, رب اغفر لي ـ أو قال ثم دعا ـ استجيب له, فإن عزم فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته" وأخرجه البخاري في صحيحه وأهل السنن من حديث الوليد بن مسلم به. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "وسبح بحمد ربك حين تقوم" قال: من كل مجلس وقال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص "وسبح بحمد ربك حين تقوم" قال إذا أراد الرجل أن يقوم من مجلسه قال: سبحانك اللهم وبحمدك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي, حدثنا محمد بن شعيب, أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح أنه حدثه عن قول الله تعالى: "وسبح بحمد ربك حين تقوم" يقول حين تقوم من كل مجلس إن كنت أحسنت ازددت خيراً, وإن كنت غير ذلك كان هذا كفارة له, وقد قال عبد الرزاق في جامعه: أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري, عن أبي عثمان الفقير, أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك, قال معمر: وسمعت غيره يقول هذا القول كفارة المجالس وهذا مرسل, وقد وردت مسندة من طرق يقوي بعضها بعضاً بذلك, فمن ذلك حديث ابن جريج عن سهيل بن أبي صالح, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه, فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك, إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك" رواه الترمذي, وهذا لفظه والنسائي في اليوم والليلة من حديث ابن جريج, وقال الترمذي: حسن صحيح, وأخرجه الحاكم في مستدركه, وقال إسناده على شرط مسلم, إلا أن البخاري علله, قلت: علله الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وغيرهم, ونسبوا الوهم فيه إلى ابن جريج, على أن أبا داود قد رواه في سننه من طريق غير ابن جريج إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه, ورواه أبو داود, واللفظ له والنسائي والحاكم في المستدرك من طريق الحجاج بن دينار عن هاشم, عن أبي العالية عن أبي برزة الأسلمي, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بآخر عمره: إذا أراد أن يقوم من المجلس "سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك". فقال رجل: يا رسول الله, إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى, قال: "كفارة لما يكون في المجلس" وقد روي مرسلاً عن أبي العالية, فالله أعلم.
وهكذا رواه النسائي والحاكم من حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء, وروي مرسلاً أيضاً فالله أعلم, وكذا رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه, ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر, إلا ختم له بهن كما يختم بالخاتم: سبحانك اللهم وبحمدك, لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك" وأخرجه الحاكم من حديث أم المؤمنين عائشة وصححه, ومن رواية جبير بن مطعم, ورواه أبو بكر الإسماعيلي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد أفردت لذلك جزءاً على حدة بذكر طرقه وألفاظه وعلله, وما يتعلق به ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: "ومن الليل فسبحه" أي اذكره واعبده بالتلاوة والصلاة في الليل كما قال تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً". وقوله تعالى: "وإدبار النجوم" قد تقدم في حديث ابن عباس, أنهما الركعتان اللتان قبيل صلاة الفجر, فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم أي عند جنوحها للغيبوبة. وقد روى ابن سيلان عن أبي هريرة مرفوعاً "لا تدعوها وإن طردتكم الخيل" يعني ركعتي الفجر, رواه أبو داود. ومن هذا الحديث حكي عن بعض أصحاب أحمد القول بوجوبهما, وهو ضعيف لحديث "خمس صلوات في اليوم والليلة" قال: هل علي غيرها قال: "لا إلا أن تطوع" وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر, وفي لفظ لمسلم "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
آخر تفسير سورة الطور ولله الحمد والمنة.
47- "وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك" أي لهؤلاء الذي ظلموا أنفسه بالكفر والمعاصي عذاباً في الدنيا دون عذاب يوم القيامة: أي قبله، وهو قتلهم يوم بدر. وقال ابن زيد: هو مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا، وذهاب الأموال والأولاد. وقال مجاهد: هو الجوع والجهد سبع سنين، وقيل عذاب القبر، وقيل المراد بالعذاب هو القحط، وبالعذاب الذي يأتي بعده هو قتلهم يوم بدر "ولكن أكثرهم لا يعلمون" ما يصيرون إليه من عذاب الله وما أعده لهم في الدنيا والآخرة.
47. " وإن للذين ظلموا "، [كفروا]، " عذاباً دون ذلك "، أي: عذاباً في الدنيا قبل عذاب الآخرة. قال ابن عباس: يعني القتل يوم بدر، وقال الضحاك : هو الجوع والقحط سبع سنين. وقال البراء بن عازب: عذاب القبر. " ولكن أكثرهم لا يعلمون "، أن العذاب نازل بهم.
47-" وإن للذين ظلموا " يحتمل العموم والخصوص . " عذاباً دون ذلك " اي دون عذاب الآخرة وهو عذاب القبر أو المؤاخذة في الدنيا كقتلهم ببدر والقحط سبع سنين . " ولكن أكثرهم لا يعلمون " ذلك .
47. And verily, for those who do wrong, there is a punishment beyond that. But most of them know not.
47 - And verily, for those who do wrong, there is another punishment besides this: but most of them understand not.