48 - (وأعتزلكم وما تدعون) تعبدون (من دون الله وأدعوا) أعبد (ربي عسى) أن (ألا أكون بدعاء ربي) بعبادته (شقيا) كما شقيتم بعبادة الأصنام
وقوله: "وأعتزلكم وما تدعون من دون الله" يقول: وأجتنبكم وما تدعون من دون الله من الأوثان والأصنام "وأدعو ربي" يقول: وأدعو ربي ، بإخلاص العبادة له وإفراده بالربوبية " عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " يقول : عسى أن لا أشقى بدعاء ربي ، ولكن يجيب دعائي ، ويعطيني ما أسأله.
قوله تعالى: " وأعتزلكم ": العزلة المفارقة وقد تقدم في ((الكهف)) بيانها. وقوله: " عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " قيل: أراد بهذا الدعاء أن يهب الله تعالى له أهلاً وولداً يتقوى بهم حتى لا يستوحش بالاعتزال عن قومه.
يقول تعالى مخبراً عن جواب أبي إبراهيم لولده إبراهيم فيما دعاه إليه أنه قال: "أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ؟" يعني إن كنت لا تريد عبادتها ولا ترضاها, فانته عن سبها وشتمها وعيبها, فإنك إن لم تنته عن ذلك اقتصصت منك وشتمتك وسببتك, وهو قوله: "لأرجمنك" قاله ابن عباس والسدي وابن جريج والضحاك وغيرهم, وقوله: "واهجرني ملياً" قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن إسحاق : يعني دهراً. وقال الحسن البصري : زماناً طويلاً. وقال السدي "واهجرني ملياً" قال: أبداً. وقال علي بن أبي طلحة و العوفي عن ابن عباس "واهجرني ملياً" قال: سوياً سالماً قبل أن تصيبك مني عقوبة, وكذا قال الضحاك وقتادة وعطية الجدلي ومالك وغيرهم, واختاره ابن جرير , فعندما قال إبراهيم لأبيه: "سلام عليك" كما قال تعالى في صفة المؤمنين: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" وقال تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" ومعنى قول إبراهيم لأبيه "سلام عليك" يعني أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى وذلك لحرمة الأبوة "سأستغفر لك ربي" ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك "إنه كان بي حفياً" قال ابن عباس وغيره: لطيفاً, أي في أن هداني لعبادته والإخلاص له.
وقال قتادة ومجاهد وغيرهما: "إنه كان بي حفيا" قال عوده الإجابة. وقال السدي : الحفي الذي يهتم بأمره, وقد استغفر إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأبيه مدة طويلة وبعد أن هاجر إلى الشام, وبنى المسجد الحرام, وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق عليهما السلام في قوله: "ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب" وقد استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الإسلام, وذلك اقتداء بإبراهيم الخليل في ذلك حتى أنزل الله تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شي " الاية, يعني إلا في هذا القول, فلا تتأسوا به, ثم بين تعالى أن إبراهيم أقلع عن ذلك ورجع عنه, فقال تعالى: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ". وقوله: "وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي". أي وأعبد ربي وحده لاشريك له " عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " وعسى هذه موجبة لا محالة, فإنه عليه السلام سيد الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم صرح الخليل بما تضمنه سلامه من التوديع والمتاركة فقال: 48- "وأعتزلكم وما تدعون من دون الله" أي أهاجر بديني عنكم وعن معبوداتكم حيث لم تقبلوا نصحي ولا نجعت فيكم دعوتي " وأدعو ربي " وحده " عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " أي خائباً، وقيل عاصياً. قيل أراد بهذا الدعاء: هو أن يهب الله له ولداً وأهلاً يستأنس بهم في اعتزاله ويطمأن إليهم عند وحشته، وقيل أراد دعاءه لأبيه بالهداية، وعسى للشك لأنه كان لا يدري هل يستجاب له فيه أم لا.
48 - " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله " ، أي : أعتزل ما تعبدون من دون الله : قال مقاتل : كان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من ( كوثى ) فهاجر منها إلى الأرض المقدسة ،" وأدعو ربي " ، أي : أعبد ربي ، " عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " ، أي : عسى أن لا أشقى بدعائه وعبادته ،كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام .
وقيل : عسى أن يجيبني إذا دعوته ولا يخيبني
48ـ " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله " بالمهاجرة بديني . " وأدعو ربي " وأعبده وحده . " عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " خائباً ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتكم ، وفي تصدير الكلام بـ " عسى " التواضع وهضم النفس ، والتنبيه على أن الإجابة والإثابة تفضل غير واجبتين ، وأن ملاك الأمر خاتمته وهو غيب .
48. I shall withdraw from you and that unto which ye pray beside Allah, and I shall pray unto my Lord. It may be that, in prayer unto my Lord, I shall not be unblest.
48 - And I will turn away from you (all) and from those whom ye invoke besides God: I will call on my Lord: perhaps, by my prayer to my Lord, I shall be not unblest.