48 - (وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها) المراد أهلها (وإلي المصير) المرجع
يقول تعالى ذكره : " و كأين من قرية أمليت لها " يقول : أمهلتهم ، و أخرت عذابهم ، و هم بالله مشركون ، ولأمره مخالفون ، و ذلك كان ظلمهم الذي وصفهم الله به جل ثناؤه ، فلم أعجل بعذابهم ، " ثم أخذتها " يقول : ثم أخذتها بالعذاب ، فعذبتها في الدنيا بإحلال عقوبتنا بهم . " وإلي المصير " يقول : و إلي مصيرهم أيضا بعد هلاكهم ، فيلقون من العذاب حينئذ ما لا انقطاع له ، يقول تعالى ذكره : فكذلك حال مستعجليك بالعذاب من مشركي قومك ، و إن أمليت لهم إلى آجالهم التي أجلتها لهم ، فإني آخذهم بالعذاب ، فقاتلهم بالسيف ،ثم إلي مصيرهم بعد ذلك ، فموجعهم إذن عقوبة على ما قدموا من آثامهم .
قوله تعالى: " وكأين من قرية أمليت لها " أي أمهلتها مع عتوها. " ثم أخذتها " أي بالعذاب. " وإلي المصير ".
يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: "ويستعجلونك بالعذاب" أي هؤلاء الكفار الملحدون المكذبون بالله وكتابه ورسوله واليوم الاخر, كما قال تعالى: "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" "وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب". وقوله: "ولن يخلف الله وعده" أي الذي قد وعد من إقامة الساعة والإنتقام من أعدائه, والإكرام لأوليائه. قال الأصمعي : كنت عند أبي عمرو بن العلاء , فجاءه عمرو بن عبيد فقال : يا أبا عمرو , هل يخلف الله الميعاد ؟ فقال: لا, فذكر آية وعيد, فقال له: أمن العجم أنت ؟ إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤماً, وعن الإيعاد كرماً, أما سمعت قول الشاعر:
ليرهب ابن العم والجار سطوتي ولا أنثني عن سطوة المتهدد
فإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
- وقوله: "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" أي هو تعالى لا يعجل, فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حلمه, لعلمه بأنه على الانتقام قادر, وأنه لا يفوته شيء وإن أجل وأنظر وأملى, ولهذا قال بعد هذا: "وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير" قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة , حدثني عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام" ورواه الترمذي والنسائي من حديث الثوري عن محمد بن عمرو به, وقال الترمذي : حسن صحيح. وقد رواه ابن جرير عن أبي هريرة موقوفاً فقال: حدثني يعقوب , حدثنا ابن علية , حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن سمير بن نهار قال: قال أبو هريرة : " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بمقدار نصف يوم, قلت: وما مقدار نصف يوم ؟ قال أو ما تقرأ القرآن ؟ قلت, بلى, قال: "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون " " .
وقال أبو داود في آخر كتاب الملاحم من سننه: حدثنا عمرو بن عثمان , حدثنا أبو المغيرة , حدثنا صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم" قيل لسعد : وما نصف يوم ؟ قال: خمسمائة سنة. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن سماك , عن عكرمة عن ابن عباس "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" قال: من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض. ورواه ابن جرير عن ابن بشار عن ابن المهدي , وبه قال مجاهد وعكرمة , ونص عليه أحمد بن حنبل في كتاب الرد على الجهمية, وقال مجاهد : هذه الاية كقوله: "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عارم محمد بن الفضل , حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين , عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال: إن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" وجعل أجل الدنيا ستة أيام, وجعل الساعة في اليوم السابع "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون". فقد مضت الستة الأيام وأنتم في اليوم السابع فمثل ذلك كمثل الحامل إذا دخلت شهرها ففي أية لحظة ولدت كان تماماً.
48- "وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير" هذا إعلام منه سبحانه أنه أخذ قوماً بعد الإملاء والتأخير. قيل وتكرير هذا مع ذكره قبله للتأكيد، وليس بتكرار في الحقيقة، لأن الأول سيق لبيان الإهلاك مناسباً لقوله: فكيف كان نكير، ولهذا عطف بالفاء بدلاً عن ذلك، والثاني سيق لبيان الإملاء مناسباً لقوله: "ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة" فكأنه قيل: وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أمهلتهم حيناً، ثم أخذتهم بالعذاب ومرجع الكل إلى حكمي. فجملة: وإلي المصير تذييل لتقرير ما قبلها.
48. " وكأين من قرية أمليت لها "، أي أمهلتها، " وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ".
48ـ " وكأين من قرية " وكم من أهل قرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب ، ورجع للضمائر والأحكام مبالغة في التعميم والتهويل وإنما عطف الأولى بالفاء وهذه بالواو ، لأن الأولى بدل من قوله " فكيف كان نكير " وهذه في حكم مما تقدمها من الجملتين لبيان أن المتوعد به يحيق بهم لا محالة وأن تأخيره لعادته تعالى . " أمليت لها " كما أمهلتكم . " وهي ظالمة " مثلكم . " ثم أخذتها " بالعذاب . " وإلي المصير " وإلى حكمي مرجع الجميع .
48. And how many a township did I suffer long though it was sinful! Than I grasped it. Unto Me is the return.
48 - And to how many populations Did I give respite, which Were given to wrong doing? In the end I punished them. To Me is the destination (of all).