49 - (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) مسرعين طائعين
يقول تعالى ذكره : وإن يكن الحق لهؤلاء الذين يدعون إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ، فيأبون ويعرضون عن الإجابة إلى ذلك ، قبل الذين يدعونهم إلى الله و رسوله ، يأتوا إلى رسول الله مذعنين ، يقول مذعنين : منقادين لحكمه ، مقرين به ، طائعين غير مكرهين ، يقال منه :قد أذعن فلان بحقه : إذا أقر به طائعا غير مستكره ، و انقاد له وسلم .
وكان مجاهد فيما ذكر عنه يقول في ذلك ، ما :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله " يأتوا إليه مذعنين " قال : سراعا .
الثانية: قوله تعالى: " وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين " أي طائعين منقادين، لعلمهم أنه عليه السلام يحكم بالحق. يقال: أذعن فلان لحكم فلان يذعن إذعاناً. وقال النقاش : " مذعنين " خاضعين، مجاهد : مسرعين. الأخفش وابن الأعرابي: مقرين.
يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون, يقولون قولاً بألسنتهم "آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك" أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون, ولهذا قال تعالى: "وما أولئك بالمؤمنين". وقوله تعال: "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم" الاية, أي إذا طلبوا إلى اتباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه, وهذه كقوله تعالى: " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ". وفي الطبراني من حديث روح بن عطاء عن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعاً "من دعي إلى سلطان فلم يجب, فهو ظالم لا حق له".
وقوله تعالى: "وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين" أي وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم جاؤوا سامعين مطيعين, وهو معنى قوله "مذعنين" وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق, وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطله ثم فإذعانه أولاً لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق, بل لأنه موافق لهواه, ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره, ولهذا قال تعالى: "أفي قلوبهم مرض" الاية, يعني لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض لازم لها أو قد عرض لها شك في الدين, أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم, وأيا ما كان فهو كفر محض, والله عليم بكل منهم وما هو منطو عليه من هذه الصفات.
وقوله تعالى: "بل أولئك هم الظالمون" أي بل هم الظالمون الفاجرون, والله ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور تعالى الله ورسوله عن ذلك. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا مبارك , حدثنا الحسن قال: كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محق, أذعن وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق, وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض وقال: انطلق إلى فلان, فأنزل الله هذه الاية فقال النبي صلى الله عليه وسلم "من كان بينه وبين أخيه شيء فدعي إلى حكم من أحكام المسلمين فأبى أن يجيب, فهو ظالم لا حق له" وهذا حديث غريب, وهو مرسل.
ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله الذين لا يبغون ديناً سوى كتاب الله وسنة رسوله, فقال "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" أي سمعاً وطاعة.ولهذا وصفهم تعالى بالفلاح, وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب, فقال تعالى: "وأولئك هم المفلحون" وقال قتادة في هذه الاية "أن يقولوا سمعنا وأطعنا" ذكر لنا أن عبادة بن الصامت , وكان عقبياً بدرياً أحد نقباء الأنصار, أنه لما حضره الموت قال لابن أخيه جنادة بن أبي أمية : ألا أنبئك بماذا عليك وماذا لك ؟ قال: بلى. قال: فإن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك, وعليك أن تقيم لسانك بالعدل, وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحاً, فما أمرت به من شيء يخالف كتاب الله, فاتبع كتاب الله.
وقال قتادة : ذكر لنا أن أبا الدرداء قال: لا إسلام إلا بطاعة الله, ولا خير إلا في جماعة, والنصيحة لله ولرسوله وللخليفة وللمؤمنين عامة, قال: وقد ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: عروة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين, رواه ابن أبي حاتم , والأحاديث والاثار في وجوب الطاعة لكتاب الله وسنة رسوله وللخلفاء الراشدين والأئمة إذا أمروا بطاعة الله كثير جداً أكثر من أن تحصر في هذا المكان.
وقوله "ومن يطع الله ورسوله" أي فيما أمراه به, وترك ما نهياه عنه, ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل. وقوله "فأولئك هم الفائزون" يعني الذين فازوا بكل خير وأمنوا من كل شر في الدنيا والاخرة.
وأما إذا كان لهم فإنهم يذعنون لعلمهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحكم إلا بالحق فقال: 49- "وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين" قال الزجاج: الإذعان الإسراع مع الطاعة، يقال أذعن لي بحقي: أي طاوعني لما كنت ألتمس منه وصار يسرع إليه، وبه قال مجاهد وقال الأخفش وابن الأعرابي: مذعنين مقرين. وقال النقاش: مذعنين: خاضعين.
49- "وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين"، مطيعين منقادين لحكمه، أي: إذا كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم بأنه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضاً بالحق.
49 -" وإن يكن لهم الحق " أي الحكم لا عليهم . " يأتوا إليه مذعنين " منقادين لعلمهم بأنه يحكم لهم ، و" إليه " صلة لـ " يأتوا " أو لـ " مذعنين " وتقديمه للاختصاص .
49. But if right had been with them they would have come unto him willingly.
49 - But if the right is on their side, they come to him with all submission