فإذا مس الإنسان) الجنس (ضر دعانا ثم إذا خولناه) أعطيناه (نعمة) إنعاما (منا قال إنما أوتيته على علم) من الله بأني له أهل (بل هي) القولة (فتنة) بلية يبتلى بها العبد (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن التخويل استدراج وامتحان
يقول تعالى ذكره : فإذا أصاب الإنسان بؤس وشدة دعانا مستغيثاً بنا من جهة ما أصابه من الضر ، "ثم إذا خولناه نعمة منا" يقول : ثم إذا أعطيناه فرجاً مما كان فيه من الضر ، بأن أبدلناه بالضر رخاء وسعة ، وبالسقم صحة وعافية ، فقال : إنما أعطيت الذي أعطيت من الرخاء والسعة في المعيشة ، والصحة في البدن والعافية ، على علم عندي ، يعني على علم من الله بأني له أهل لشرفي ورضاه بعملي عندي ، يعني فيما عندي ، كما يقال : أنت محسن في هذا الأمر عندي : أي فيما أظن وأحسب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "ثم إذا خولناه نعمة منا" حتى بلغ " على علم " عندي : أي على خير عندي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " إذا خولناه نعمة منا " قال : أعطيناه .
وقوله : " أوتيته على علم " : أي على شرف أعطانيه .
وقوله : " بل هي فتنة " يقول تعالى ذكره : بل عطيتنا إياهم تلك النعمة من بعد الضر الذي كانوا فيه فتنة لهم : يعني بلاء ابتليناهم به ، واختباراً اختبرناهم به " ولكن أكثرهم " لجهلهم ، وسوء رأيهم " لا يعلمون " لأي سبب أعطوا ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " بل هي فتنة " : أي بلاء .
قوله تعالى : " فإذا مس الإنسان ضر دعانا " قيل : إنها نزلت في حذيفة بن المغيرة . " ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم " قال قتادة ( على علم ) عندي بوجوه المكاسب ، وعنه أيضاً ( على علم ) على خير عندي . وقيل : ( على علم ) أي على علم من الله بفضلي . وقال الحسن : ( على علم ) أي بعلم علمني الله إياه . وقيل : المعنى أنه قال قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا أن لي عند الله منزلة ، فقال الله : " بل هي فتنة " أي بل النعم التي أوتيتها فتنة تختبر بها . وقال الفراء : أنث ( هي) لتأنيث الفتننة ، ولو كان بل هو فتنة لجاز. النحاس : التقدير بل أعطيته فتنة . " ولكن أكثرهم لا يعلمون " أي لا علموت أن إطاءهم المال اختبار .
يقول تبارك وتعالى مخبراً عن الإنسان أنه في حال الضراء يتضرع إلى الله عز وجل وينيب إليه ويدعوه وإذا خوله نعمة منه بغى وطغى وقال "إنما أوتيته على علم" أي لما يعلم الله تعالى من استحقاقي له ولولا أني عند الله خصيص لما خولني هذا, قال قتادة على علم عندي على خبر عندي قال الله عز وجل: "بل هي فتنة" أي ليس الأمر كما زعم بل إنما أنعمنا عليه بهذه النعمة لنختبره فيما أنعمنا عليه أيطيع أم يعصي مع علمنا المتقدم بذلك فهي فتنة أي اختبار "ولكن أكثرهم لا يعلمون" فلهذا يقولون ما يقولون ويدعون ما يدعون "قد قالها الذين من قبلهم" أي قد قال هذه المقالة وزعم هذا الزعم وادعى هذه الدعوى كثير ممن سلف من الأمم "فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون" أي فما صح قولهم ولا منعهم جمعهم وما كانوا يكسبون "فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء" أي من المخاطبين "سيصيبهم سيئات ما كسبوا" أي كما أصاب أولئك "وما هم بمعجزين" كما قال تبارك وتعالى مخبراً عن قارون أنه قال له قومه " لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين * قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " وقال تعالى: "وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين" وقوله تبارك وتعالى: " أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " أي يوسعه على قوم ويضيقه على آخرين " إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " أي لعبراً وحججاً.
قوله: 49- "فإذا مس الإنسان" المراد بالإنسان هنا الجنس باعتبار بعض أفراده أو غالبها، وقيل المراد به الكفار فقط والأول أولى، ولا يمنع من حمله على الجنس خصوص سببه، لأن الاعتبار بعموم اللفظ وفاء بحق النظم القرآني ووفاء بمدلوله، والمعنى: أن شأن غالب نوع الإنسان أنه إذا مسه ضر من مرض أو فقر أو غيرهما دعا الله وتضرع إليه في رفعه ودفعه "ثم إذا خولناه نعمة منا" أي أعطيناه نعمة كائنة من عندنا "قال إنما أوتيته على علم" مني بوجوه المكاسب، أو على خير عندي، أو على علم من الله بفضلي. وقال الحسن: على علم علمني الله إياه، وقيل قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا أن لي عند الله منزلة وجاء بالضمير في أوتيته مذكراً مع كونه راجعاً إلى النعمة لأنها بمعنى الإنعام. وقيل إن الضمير عائد إلى ما، وهي موصولة، والأول أولى "بل هي فتنة" هذا رد لما قاله أي ليس ذلك الذي أعطيناك لما ذكرت، بل هو محنة لك واختبار لحالك أتشكر أم تكفر؟ قال الفراء: أنث الضمير في قوله هي لتأنيث الفتنة، ولو قال بل هو فتنة لجاز. وقال النحاس: بل عطيته فتنة. وقيل تأنيث الضمير باعتبار لفظ الفتنة، وتذكير الأول في قوله أوتيته باعتبار معناها "ولكن أكثرهم لا يعلمون" أن ذلك استدراج لهم من الله وامتحان لما عندهم من الشكر أو الكفر.
49. " فإذا مس الإنسان ضر "، شدة، " دعانا ثم إذا خولناه "، أعطيناه " نعمةً منا قال إنما أوتيته على علم "، أي: على علم من الله أني له أهل. وقال مقاتل : على خير علمه الله عندي، وذكر الكناية لأن المراد من النعمة الإنعام، " بل هي فتنة "، [يعني: تلك النعمة فتنة] لستدراج من الله تعالى وامتحان وبلية. وقيل: بل كلمته التي قالها فتنة. " ولكن أكثرهم لا يعلمون "، أنه استدراج وامتحان.
49-" فإذا مس الإنسان ضر دعانا " إخبار عن الجنس بما يغلب فيه ، والعطف على قوله " و إذا ذكر الله وحده " بالفاء لبيان مناقضتهم وتعكيسهم في التسبب بمعنى أنهم يشمئزون عن ذكر الله وحده ويستبشرون بذكر الآلهة ، فإذا مسهم ضر دعوا من اشمأزوا من ذكره دون من استبشروا بذكره ، وما بينهم اعتراض مؤكد لإنكار ذلك عليهم " ثم إذا خولناه نعمةً منا " أعطيناه إياه تفضلاً فإن التخويل مختص به . " قال إنما أوتيته على علم " مني بوجوه كسبه ، أو بأني سأعطاه لما لي من استحقاقه ، أو من الله بي واستحقاقي ، والهاء فيه لما إن جعلت موصولة وإلا فللنعمة والتذكير لأن المراد شيء منها " بل هي فتنة " امتحان له أيشكر أم يكفر ،وهو رد لما قاله وتأنيث الضمير باعتبار الخير أو لفظ الـ" نعمة " ، وقرئ بالتذكير " ولكن أكثرهم لا يعلمون " ذلك ، وهو دليل على أن الإنسان للجنس .
49. Now when hurt toucheth a man he crieth unto Us, and afterward when We have granted him a boon from Us, he saith: Only by force of knowledge I obtained it. Nay, but it is a test. But most of them know not.
49 - Now, when trouble touches man, He cries to Us: but when We bestow a favour upon him as from Ourselves, He says, This has been given to me because of a certain knowledge (I have). Nay, but this is but a trial, but most of them understand not.