5 - (فقد كذبوا بالحق) بالقرآن (لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء) عواقب (ما كانوا به يستهزئون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فقد كذب هؤلاء العادلون بالله، الحق لما جاءهم، وذلك الحق، هو محمد صلى الله عليه وسلم: كذبوا به، وجحدوا نبوته لما جاءهم. قال الله لهم متوعدا على تكذيبهم إياه وجحودهم نبوته: سوف يأتي المكذبين بك، يا محمد، من قومك وغيرهم، "أنباء ما كانوا به يستهزئون"، يقول: سوف يأتيهم أخبار استهزائهم بما كانوا به يستهزئون من آياتي وأدلتي التي آتيتهم. ثم وفى لهم بوعيده لما تمادوا في غيهم، وعتوا على ربهم، فقتلتهم يوم بدر بالسيف.
قوله تعالى:" فقد كذبوا" يعني مشركي مكة " بالحق " يعني القرآن وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم " فسوف يأتيهم " أي تحل بهم العقاب وأراد بالأنباء -وهي الأخبار - العذاب كقولك : اصبر وسوف يأتيك الخبر أي العذاب والمراد ما نالهم يوم بدر ونحوه وقيل: يوم القيامة .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين المكذبين المعاندين, أنهم مهما أتتهم من آية أي دلالة ومعجزة وحجة من الدلالات, على وحدانية الله وصدق رسله الكرام, فإنهم يعرضون عنها, فلا ينظرون إليها ولا يبالون بها, قال الله تعالى: " فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " وهذا تهديد لهم, ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق, بأنه لا بد أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التكذيب, وليجدن غبه وليذوقن وباله, ثم قال تعالى واعظاً لهم ومحذراً لهم, أن يصيبهم من العذاب والنكال الدنيوي ما حل بأشباههم ونظرائهم, من القرون السالفة الذين كانوا أشد منهم قوة, وأكثر جمعاً وأكثر أموالاً وأولاداً واستغلالاً للأرض, وعمارة لها, فقال "ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم" أي من الأموال والأولاد والأعمار, والجاه العريض والسعة والجنود, ولهذا قال "وأرسلنا السماء عليهم مدراراً" أي شيئاً بعد شيء "وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم" أي أكثرنا عليهم أمطار السماء وينابيع الأرض, أي استدراجاً وإملاء لهم "فأهلكناهم بذنوبهم" أي بخطاياهم, وسيئاتهم التي اجترحوها "وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين" أي فذهب الأولون كأمس الذاهب, وجعلناهم أحاديث, "وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين" أي جيلاً آخر لنختبرهم, فعملوا مثل أعمالهم, فأهلكوا كإهلاكهم, فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم, فما أنتم بأعز على الله منهم, والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم, فأنتم أولى بالعذاب, ومعاجلة العقوبة منهم, لولا لطفه وإحسانه.
والفاء في 5- "فقد كذبوا" جواب شرط مقدر: أي إن كانوا معرضين عنها فقد كذبوا بما هو أعظم من ذلك وهو الحق "لما جاءهم" قيل المراد بالحق هنا القرآن، وقيل محمد صلى الله عليه وسلم " فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " أي أخبار الشيء الذي كانوا به يستهزئون وهو القرآن أو محمد صلى الله عليه وسلم، على أن ما عبارة عن ذلك تهويلاً للأمر وتعظيماً له: أي سيعرفون أن هذا الشيء الذي استهزأوا به ليس بموضع للاستهزاء، وذلك عند إرسال عذاب الله عليهم، كما يقال: اصبر فسوف يأتيك الخبر عن إرادة الوعيد والتهديد، وفي لفظ الأنباء ما يرشد إلى ذلك فإنه لا يطلق إلا على خبر عظيم.
5- " فقد كذبوا بالحق "، بالقرآن، وقيل: بمحمد صلى الله عليه وسلم ، "لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون "، أي: أخبار استهزائهم وجزاؤه، أي: سيعلمون عاقبةاستهزائهم إذا عذبوا.
5- " فقد كذبوا بالحق لما جاءهم " يعني القرآن وهو كاللازم ما قبله كأنه قيل: إنهم لما كانوا معرضين عن الآيات كلها كذبوا به لما جاءهم ، أو كدليل عليه على معنى أنهم لما أعرضوا عن القرآن وكذبوا به وهو أعظم الآيات فكيف لا يعرضون عن غيره، ولذلك رتب عليه بالفاء. " فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " أي سيظهر لهم ما كانوا به يستهزئون عند نزول العذاب بهم في الدنيا والآخرة، أو عند ظهور الإسلام وارتفاع أمره.
5. And they denied the truth when it came unto them. But there will come unto them the tidings of that which they used to deride.
5 - And now they reject the truth when it reaches them: but soon shall they learn the reality of what they used to mock at.