5 - (وأذنت) سمعت وأطاعت في ذلك (لربها وحقت) وذلك كله يكون يوم القيامة وجواب إذا وما عطف عليها محذوف دل عليه ما بعده تقديره لقي الإنسان عمله
وقوله : " وأذنت لربها وحقت " يقول : وسمعت الأرض في إلقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء ، أمر ربها وأطاعت " وحقت " يقول : وحققها الله للاستماع لأمره في ذلك ، والانتهاء إلى طاعته .
واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله " إذا السماء انشقت " وقوله " وإذا الأرض مدت " فقال بعض نحويي البصرة : " إذا السماء انشقت " على معنى قوله " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " إذا السماء انشقت ، على التقديم والتأخير .
وقال بعض نحويي الكوفة : قال بعض المفسرين : جواب " إذا السماء انشقت " قوله : " وأذنت " قال : ونرى أنه رأى ارتآه المفسر ، وشبهه بقول الله تعالى : " إذا جاؤوها وفتحت أبوابها " [ الزمر : 73 ] لأنا لم نسمع جواباً بالواو في إذا مبتدأة ، ولا كلام قبلها ، ولا في إذا ، إذا ابتدئت ، قال : وإنما تجيب العرب الواو في قوله : حتى إذا كان ، وفلما أن كان ، لم يجاوزوا ذلك ، قال : والجواب في " إذا السماء انشقت " وفي " إذا الأرض مدت " كالمتروك ، لأن المعين معروف قد ردد في القرآن معناه ، فعرف وإن شئت كان جوابه : يا أيها الإنسان كقول القائل : إذا كان كذا وكذا ، فيا أيها الناس ترون ما علمتم من خير أو شر ، تجعل يا أيها الإنسان هو الجواب ، وتضمر فيه الفاء ، وقد فسر جواب " إذا السماء انشقت " فيما يلقى الإنسان من ثواب وعقاب ، فكأن المعنى : ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن جوابه محذوف ، ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه ، ومعنى الكلام : إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدم من خير أو شر ، وقد بين ذلك قوله " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " والآيات بعدها .
قوله تعالى:" وأذنت لربها" أي في إلقاء موتاها" وحقت" أي وحق لها أن تسمع أمره. واختلف في جواب ((إذا)) فقال الفراء : ((أذنت)). والواو زائدة، وكذلك ((وألقت)). ابن الأنباري : قال بعض المفسرين: جواب ((إذا السماء انشقت)) ((أذنت))، وزعم أن الواو مقحمة وهذا غلط، لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع ((حتى - إذا ))كقوله تعالى:" حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها" [ الزمر:73] ومع ((لما)) كقوله تعالى:"فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه" [ الصافات:103] معناه ((ناديناه)) والواو لا تقحم مع غير هذين.وقيل : الجواب فاء مضمرة كأنه قال: (( إذا السماء انشقت)) فيا أيها الإنسان إنك كادح. وقيل: جوابها ما دل عليه ((فملاقيه)) أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه. وقيل: فيه تقديم وتأخير،
يقول تعالى: "إذا السماء انشقت" وذلك يوم القيامة "وأذنت لربها" أي: استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق وذلك يوم القيامة "وحقت" أي وحق لها أن تطيع أمره لأنه العظيم الذي لا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء وذل له كل شيء, ثم قال: "وإذا الأرض مدت" أي: بسطت وفرشت ووسعت.
قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري , عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها, فأقول يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي فيقول الله عز وجل صدق ثم أشفع, فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض ـ قال ـ وهو المقام المحمود". وقوله تعالى: "وألقت ما فيها وتخلت" أي ألقت ما في بطنها من الأموات وتخلت منهم, قاله مجاهد وسعيد وقتادة "وأذنت لربها وحقت" كما تقدم.
وقوله: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" أي إنك ساع إلى ربك سعياً وعامل عملاً "فملاقيه" ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أوشر. ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارقه, واعمل ما شئت فإنك ملاقيه" ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ربك أي فملاق ربك, ومعناه فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك, وعلى هذا فكلا القولين متلازم, قال العوفي عن ابن عباس "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" يقول: تعمل عملاً تلقى الله به خيراً كان أو شراً.
وقال قتادة : "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" إن كدحك يا ابن آدم لضعيف فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله ثم قال تعالى: " فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا " أي سهلاً بلا تعسير أي لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله فإن من حوسب كذلك هلك لا محالة. وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل, أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب عذب" قالت فقلت: أفليس قال الله تعالى: "فسوف يحاسب حساباً يسيراً" قال: "ليس ذاك بالحساب ولكن ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب" وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث أيوب السختياني به.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع , حدثنا روح بن عبادة , حدثنا أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذباً فقلت: أليس الله يقول " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " قال: ذاك العرض إنه من نوقش الحساب عذب" وقال بيده على إصبعه كأن ينكت, وقد رواه أيضاً عن عمرو بن علي عن ابن أبي عدي عن أبي يونس القشيري , عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث, أخرجاه من طريق أبي يونس القشيري واسمه حاتم بن أبي صغيرة به. قال ابن جرير : حدثنا نصر بن علي الجهضمي , حدثنا مسلم عن الحريش بن الخريت أخي الزبير عن ابن أبي مليكة عن عائشة , قالت: من نوقش الحساب ـ أو من حوسب ـ عذب. قال: ثم قالت: إنما الحساب اليسير عرض على الله تعالى وهو يراهم. وقال أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا محمد بن إسحاق , حدثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير , عن عائشة , قالت: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حساباً يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك" صحيح على شرط مسلم .
وقوله تعالى: "وينقلب إلى أهله مسروراً" أي ويرجع إلى أهله في الجنة: قاله قتادة والضحاك : مسروراً أي فرحاً مغتبطاً بما أعطاه الله عز وجل. وقد روى الطبراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنكم تعملون أعمالاً لا تعرف ويوشك الغائب أن يثوب إلى أهله فمسرور أو مكظوم " , وقوله تعالى: "وأما من أوتي كتابه وراء ظهره" أي بشماله من وراء ظهره تثنى يده إلى ورائه ويعطى كتابه بها كذلك "فسوف يدعو ثبوراً" أي خساراً وهلاكاً "ويصلى سعيراً * إنه كان في أهله مسرورا" أي فرحاً لا يفكر في العواقب ولا يخاف مما أمامه, فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل "إنه ظن أن لن يحور" أي كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله ولا يعيده بعد موته, قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما, والحور هو الرجوع قال الله: "بلى إن ربه كان به بصيراً" يعني بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله خيرها وشرها فإنه كان به بصيراً أي عليماً خبيراً.
5- "وأذنت لربها" أي سمعت وأطاعت لما أمرها به من الإلقاء والتخلي "وحقت" أي وجعلت حقيقة بالاستماع لذلك والانقياد له، وقد تقدم بيان معنى الفعلين قبل هذا.
5- "وأذنت لربها وحقت"، واختلفوا في جواب إذا، قيل: جوابه محذوف، تقديره: إذا كانت هذه الأشياء يرى الإنسان الثواب والعقاب.
وقيل جوابه: "يا أيها الإنسان إنك كادح"، ومجازه: إذا السماء انشقت لقي كل كادح ما عمله.
وقيل: جوابه: "وأذنت"، وحينئذ تكون الواو زائدة.
5-" وأذنت لربها " في الإلقاء والتخلي " وحقت " للإذن وتكرير " إذا " لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة وجوابه محذوف للتهويل بالإبهام أو الاكتفاء بما مر في سورتي التكوير و الانفطار أو لدلالة قوله .
5. And attentive to her Lord in fear!
5 - And hearkens to (the Command of) its Lord, and it must needs (do so); (then will come home the full Reality).