50 - (وأن عذابي) للعصاة (هو العذاب الأليم) المؤلم
يقول تعالى ذكره : لا يمس هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم في الجنات نصب ، يعني تعب "وما هم منها بمخرجين" ، يقول : وما هم من الجنة ونعيمها وما أعطاهم الله فيها بمخرجين ، بل ذلك دائم أبداً . وقوله : "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم" ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أخبر عبادي يا محمد ، أني أنا الذي أستر على ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا ، بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم عليها ، الرحيم بهم ، أن أعذبهم بعد توبتهم منها عليها : "وأن عذابي هو العذاب الأليم" ، يقول: وأخبرهم أيضاً أن عذابي لمن أصر على معاصي ، وأقام عليها ولم يتب منها ، هو العذاب الموجع الذي لا يشبهه عذاب ، هذا من الله تحذير لخلقه التقدم على معاصيه ، وأمر منه لهم بالإنابة والتوبة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم*وأن عذابي هو العذاب الأليم " ، قال : بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : "لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع من حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه " .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا ابن المكي ، قال :أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا مصعب بن ثابت ، قال : حدثنا عاصم بن عبد الله ، عن ابن أبي رباح ، "عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ، فقال : ألا أراكم تضحكون ؟ ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى ، فقال : إني لما خرجت جاء جبرئيل صلى الله عليه وسلم قفال : يا محمد إن الله يقول : لم تقنط عبادي ، بنىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم" .
ولفظ الثعلبي عن ابن عمر قال: " اطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال: ما لكم تضحكون لا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى أذا كان عند الحجر رجع القهقرى فقال لنا: إني لما خرجت جاءني جبريل فقال يا محمد لم تقنط عبادي من رحمتي نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم ". فالقنوط إياس، والرجاء إهمال، وخير الأمور أوساطها.
لما ذكر تعالى حال أهل النار, عطف على ذكر أهل الجنة وأنهم في جنات وعيون. وقوله: "ادخلوها بسلام" أي سالمين من الافات, مسلم عليكم "آمنين" أي من كل خوف وفزغ, ولا تخشوا من إخراج ولا انقطاع ولا فناء, وقوله: "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين" روى القاسم عن أبي أمامة قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن, حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل, ثم قرأ "ونزعنا ما في صدورهم من غل" هكذا في هذه الرواية, والقاسم بن عبد الرحمن في روايته عن أبي أمامة ضعيف, وقد روى سنيد في تفسيره: حدثنا ابن فضالة عن لقمان عن أبي أمامة قال: لا يدخل الجنة مؤمن حتى ينزع الله ما في صدره من غل حتى ينزع منه مثل السبع الضاري. وهذا موافق لما في الصحيح من رواية قتادة: حدثنا أبو المتوكل الناجي أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يخلص المؤمن من النار, فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار. فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا, أذن لهم في دخول الجنة".
وقال ابن جرير: حدثنا الحسن, حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا هشام عن محمد هو ابن سيرين قال: استأذن الأشتر على علي رضي الله عنه, وعنده ابن لطلحة فحبسه ثم أذن له, فلما دخل قال: إني لأراك إنما حبستني لهذا, قال: أجل, قال: إني لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لحبستني, قال: أجل إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين " وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا الحسن, حدثنا أبو معاوية الضرير, حدثنا أبو مالك الأشجعي, عن أبي حبيبة مولى لطلحة قال: دخل عمران بن طلحة على علي رضي الله عنه بعدما فرغ من أصحاب الجمل, فرحب به وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين".
وقال: ورجلان جالسان إلى ناحية البساط, فقالا: الله أعدل من ذلك تقتلهم بالأمس وتكونون إخواناً, فقال علي رضي الله عنه: قوماً أبعد أرض وأسحقها, فمن هم إذاً إن لم أكن أنا وطلحة ؟ وذكر أبو معاوية الحديث بطوله, وروى وكيع عن أبان بن عبد الله البجلي عن نعيم بن أبي هند, عن ربعي بن جراش عن علي نحوه, وقال فيه فقام رجل من همدان فقال: الله أعدل من ذلك يا أمير المؤمنين, قال: فصاح به علي صيحة فظننت أن القصر تدهده لها, ثم قال: إذا لم نكن نحن فمن هم ؟
وقال سعيد بن مسروق عن أبي طلحة, وذكره وفيه: فقال الحارث الأعور ذلك, فقام إليه علي رضي الله عنه فضربه بشيء كان في يده في رأسه, وقال: فمن هم يا أعور إذا لم نكن نحن ؟ وقال سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: جاء ابن جرموز قاتل الزبير يستأذن على علي رضي الله عنه فحجبه طويلاً ثم أذن له فقال له: أما أهل البلاء فتجفوهم, فقال علي: بفيك التراب إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله: "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين" وكذا روى الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بنحوه. وقال سفيان بن عيينة عن إسرائيل عن أبي موسى سمع الحسن البصري يقول: قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت هذه الاية "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين" وقال كثير النواء: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي فقلت: وليي وليكم, وسلمي سلمكم, وعدوي عدوكم, وحربي حربكم, أنا أسألك بالله، أتبرأ من أبي بكر وعمر فقال: "قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين" تولهما يا كثير فما أدركك فهو في رقبتي هذه, ثم تلا هذه الاية "إخواناً على سرر متقابلين" قال: أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم أجمعين, وقال الثوري عن رجل عن أبي صالح في قوله: "إخواناً على سرر متقابلين" قال: هم عشرة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة, والزبير وعبد الرحمن بن عوف, وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين. وقوله: "متقابلين" قال مجاهد: لا ينظر بعضهم في قفا بعض, وفيه حديث مرفوع.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن عبدك القزويني, حدثنا حسان بن حسان, حدثنا إبراهيم بن بشير, حدثنا يحيى بن معين عن إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل, عن زيد بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الاية "إخواناً على سرر متقابلين" في الله ينظر بعضهم إلى بعض. وقوله: "لا يمسهم فيها نصب" يعني المشقة والأذى, كما جاء في الصحيحين "أن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب". وقوله: "وما هم منها بمخرجين" كما جاء في الحديث "يقال يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبداً, وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً, وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً, وإن لكم أن تقيموا فلا تظعنوا أبداً". وقال الله تعالى: "خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً".
وقوله: " نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم " أي أخبر يا محمد عبادي أني ذو رحمة وذو عذاب أليم, وقد تقدم ذكر نظير هذه الاية الكريمة وهي دالة على مقامي الرجاء والخوف, وذكر في سبب نزولها ما رواه موسى بن عبيدة عن مصعب بن ثابت قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس من أصحابه يضحكون فقال "اذكروا الجنة واذكروا النار" فنزلت " نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم " رواه ابن أبي حاتم وهو مرسل.
وقال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثنا إسحاق, أخبرنا ابن المكي, أخبرنا ابن المبارك, أخبرنا مصعب بن ثابت, حدثنا عاصم بن عبيد الله عن ابن أبي رياح, عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة فقال "ألا أراكم تضحكون" ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى فقال: "إني لما خرجت جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله يقول لك لم تقنط عبادي " نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم "" وقال شعبة عن قتادة في قوله: " نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم " قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع من حرام, ولو يعلم العبد قدر عذاب الله لبخع نفسه".
ثم إنه سبحانه لما أمر رسوله بأن يخبر عباده بهذه البشارة العظيمة، أمره بأن يذكر لهم شيئاً مما يتضمن التخويف والتحذير حتى يجتمع الرجاء والخوف، ويتقابل التبشير والتحذير ليكونوا راجين خائفين فقال: 50- "وأن عذابي هو العذاب الأليم" أي الكثير الإيلام، وعند أن جمع الله لعباده بين هذين الأمرين من التبشير والتحذير صاروا في حالة وسطاً بين اليأس والرجاء، وخير الأمور أوساطها، وهي القيام على قدمي الرجاء والخوف، وبين حالتي الأنس والهيبة.
50-" وأن عذابي هو العذاب الأليم " قال قتادة: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام، ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمروا بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار".
50."وأن عذابي هو العذاب الأليم"فذلكة ما سبق من الوعد والوعيد وتقريره له ، وفي ذكر المغفرة دليل على أنه لم يرد بالمتقين من يتقي الذنوب بأسرها كبيرها وصغيرها، وفي توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب ترجيح الوعد وتأكيده وفي عطف
50. And that My doom is the dolorous doom.
50 - And that my penalty will be indeed the most grievous penalty.