وإذ) منصوب باذكر (قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) سجود انحناء وضع جبهة تحية له (فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) قيل هم نوع من الملائكة فالاستثناء متصل وقيل منقطع وإبليس هو أبو الجن فله ذرية ذكرت معه بعد والملائكة لا ذرية لهم (ففسق عن أمر ربه) أي خرج عن طاعته بترك السجود (أفتتخذونه وذريته) الخطاب لآدم وذريته والهاء في الموضعين لإبليس (أولياء من دوني) تطيعونهم (وهم لكم عدو) أي أعداء (بئس للظالمين بدلا) إبليس وذريته في إطاعتهم بدل إطاعة الله
يقول تعالى ذكره مذكرا هؤلاء المشركين حسد إبليس أباهم ومعلمهم ما كان منه من كبره واستكباره عليه حين أمره بالسجود له ، وأنه من العداوة والحسد لهم على مثل الذي كان عليه لأبيهم : " و" اذكريا محمد " إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " الذي يطيعه هؤلاء المشركون ويتبعون أمره ، ويخالفون أمر الله ، فإنه لم يسجد له استكبارا على الله ، وحسدا لأدم " كان من الجن " . واختلف أهل التاويل في معنى قوله " كان من الجن " فقال بعضهم : إنه كان من قبيلة يقاك لهم الجن . وقال آخرون : بل كان من خزان الجنة، فنسب إلى الجنة . وقال اخرون : بل قيل من الجن لأنه من الجن الذين استجنوا عن أعين بني ادم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن خلاد بن عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : كان اسمه قبل أن يركب المعصية عزازيل ، وكان من سكان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما، فذلك هو الذي دعاه إلى الكبر، وكان من حي يسمى جنا .
حدثنا أبوكريب ، قال : ثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن ، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث . قال : وكان خازنا من خزان الجنة . قال : وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحي . قال : وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون فى طرفها إذا اللهبت .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني شيبان ، قال : ثنا سلام بن مسكين ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا.
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي عنالأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله " إلا إبليس كان من الجن " قال : كان إبليس من خزان الجنة، وكان يدبر أمرسماء الدنيا.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان السماء الدنيا، وكان له سلطان الأرض ، وكان فيما قضى الله أنه رأى أن له بذلك شرفا وعظمة على أهل السماء، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله ، فلما كان عند السجود حين أمره أن يسجد لادم استخرج الله كبره عند السجود، فلعنه وأخره إلى يوم الدين . قال : قال ابن عباس : وقوله " كان من الجن" إنما سمي بالجنان أنه كان خازنا عليها، كما يقال للرجل : مكي ، ومدني ، وكوفي ، وبصري . قاله ابن جريج . وقال اخرون : هم سبط من الملائكة قبيلة، وكان اسم قبيلته الجن .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن صالح مولى التوأمة ، و شريك بن أبي نمر أحدهما أو كلاهما، عن ابن عباس ، قال : إن من الملائكة قبيلة من الجن ،
وكان إبليس منها، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى ، فسخط الله عليه فمسخه شيطانا رجيما، لعنه الله ممسوخا . قال : وإذا كانت خطيئة الرجل في كبرفلا ترجه . وإذا كانت خطيئته في معصية فارجه ، وكانت خطيئة آدم في معصية، وخطيئة إبليس في كبر.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن " قبيل من الملائكة يقال لهم الجن . وقال ابن عباس : لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود، وكان على خزانة السماء الدنيا . قال : وكان قتادة يقول : جن عن طاعة ربه . وكان الحسن يقول : ألجأه الله إلى نسبه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله" إلا إبليس كان من الجن " قال : كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم عليه السلام أصل الإنس .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : كان إبليس على السماء الدنيا وعلى الأرض وخازن الجنان .
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " فسجدوا إلا إبليس كان من الجن " كان ابن عباس يقول : إن إبليس كان من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض ، وكان مما سولت له نفسه من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفا على أهل السماء، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله ، فاستخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بالسجود لآدم ، فاستكبر وكان من الكافرين ، فذلك قوله للملائكة " إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " يعني : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر.
وقوله " كان من الجن " كان ابن عباس يقول : قال الله " كان من الجن " لأنه كان خازنا على الجنان ، كما يقال للرجل : مكي ، ومدني ، وبصري ، وكوفي . وقال اخرون : كان اسم قبيلة إبليس الجن ، وهم سبط من الملائكة يقال لهم الجن ، فلذلك قال الله عزوجل " كان من الجن " فنسبه إلى قبيلته .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله " كان من الجن " قال : من الجنانين الذين يعملون في الجنان .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا أبوسعيد اليحمدي إسماعيل بن إبراهيم ، قال : ثني سوار بن الجعد اليحمدي ، عن شهر بن حوشب ، قوله " من الجن " قال : كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة، فأسره بعض الملائكة، فذهب به إلى السماء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه" قال : كان خازن الجنان فسمي بالجنان .
حدثني نصربن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا أحمد بن بشير ، عن سفيان بن أبي المقدام ، عن سعيدبن جبير ، قال : كان إبليس من خزنة الجنة . وقد بينا القول في ذلك فيما مضى من كتابنا هذا، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . وقوله " ففسق عن أمر ربه " يقول : فخرج عن أمر ربه ، وعدل عنه ومال ، كما قال رؤبة :
يهوين في نجد وت ورا غائرا فواسقا عن قصدها جوائرا
ا يعني بالفواسق : الإبل المنعدلة عن قصد نجد، وكذلك الفسق في الدين إنما هو الانعدال عن القصد، والميل عن الاستقامة، ويحكى عن العرب سماعا : فسقت الرطبة من قشرها : إذا خرجت منه ، وفسقت الفأرة : إذا خرجت من جحرها. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : إنما قيل " ففسق عن أمر ربه " لأنه مراد به : ففسق عن رده أمر الله ، كما تقول العرب : أتخمت عن الطعام ، بمعنى : أتخمت لما أكلته . وقد بينا القول في ذلك ، وأن معناه : عدل وجار عن أمر الله ، وخرج عنه . وقال بعض أهل العلم بكلام العرب : معنى الفسق : الاتساع . وزعم أن العرب تقول : فسق في النفقة: بمعنى اتسع فيها . قال : وإنما سمي الفاسق فاسقا، لاتساعه في محارم الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمر و، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى " ففسق عن أمر ربه " قال : في السجود لآدم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عر مجاهد ، في قوله " ففسق عن أمر ربه" قال : عصى في السجود لادم . وقوله " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو" يقول تعالى ذكره : أفتوالون يا بني آدم من استكبر على أبيكم وحسده ، وكفر نعمتي عليه ، ،غره حتى أخرجه من الجنة ونعيم عيشه فيها إلى الأرض وضيق العيش فيها، وتطيعونه وذريته من دون الله مع عداوته لكم قديما وحديثا، وتتركون طاعة ربكم الذي أنعم عليكم وأكرمكم ، بأن أسجد لوالدكم ملائكته ، وأسكنه جناته ، وآتاكم من فواضل نعمه ما لا يحصى عدده . وذزية إبليس : الشياطين الذين يغرون بني آدم .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " قال : ذريته : هم الشياطين ، وكان يعدهم : زلنبور صاحب الأسواق ويضع رايته في كل سوق ما بين السماء والأرض ،وثبر، صاحب المصائب ، و الأعور صاحب الزنا ومسوط صاحب الأخبار، ياتي بها فيلقيها في أفواه الناس ، ولا يجدون لها أصلا، و داسم الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر الله بصره من المتاع ما لم يرفع ، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال ثنا حفص بن غياث ، قال : سمعت الأعمش يقول : إذا دخلت البيت ولم أسلم ، رأيت مطهرة، فقلت : ارفعوا ارفعوا، وخاصمتهم ، ثم أذكر فأقول : داسم داسم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني أبو معاوية، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : هم أربعة: ثبر، وداسم ، وزلنبور، والأعور، ومسوط : أحدها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد، قال ج ثنا سعيد، عن قتادة " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " وهم يتوالدون كما تتوالد بنو ادم ، وهم لكم عدو.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو" وهو أبو الجن كما آدم أبو الإنس . وقال : قال الله لإبليس : إني لا أذرأ لآدم ذرية إلا ذرأت لك مثلها فليس من ولد آدم أحد إلا له شيطان قد قرن به .
وقوله " بئس للظالمين بدلا" يقول عز ذكره : بئس البدل للكافرين بالله اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دون الله ، وهم لكم عدو من تركهم اتخاذ الله وليا باتباعهم أمره ونهيه ، وهو المنعم عليهم وعلى أبيهم آدم من قبلهم ، المتفضل عليهم من الفواضل ما لا يحصى ، بدلا . وبنحوالذي قلنافي ذلك ،قال أهل التأويل .
ذكرمن قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنايزيد، قال : ثناسعيد، عن قتادة " بئس للظالمين بدلا" بئسما ! استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس .
قوله تعالى : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " تقدم في ( البقرة ) هذا مستوفى . قال أبو جعفر النحاس : وفي هذه الآية سؤال ، يقال : ما معنى ( ففسق عن أمر ربه ) ففي هذا قولا ن : أحدهما _ وهو مذهب الخليل و سيبويه أن المعنى أتاه الفسق ما أمر فعصى ، فكان سبب الفسق أمر ربه ، كما تقول : أطعمته عن جوع . والقول الآخر _ وهو مذهب محمد بن قطرب أن المعنى : ففسق عن رد أمر ربه . " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " وقف عز وجل الكفرة على جهة التوبيخ بقوله أفتتخذونه يا بني آدم وذريته أولياء وهم لكم عدو ، أي أعداء ، فهو اسم جنس . " بئس للظالمين بدلا " أي بئس عبادة الشيطان بدلاً عن عبادة الله . أو بئس إبليس بدلاً عن الله . واختلف هل لإبليس ذرية من صلبه ، فقال الشعبي : سألني رجل فقال ه إبليس زوجة ؟ فقلت : إن ذلك عرس لم أشهده ، ثم ذكرت قوله " أفتتخذونه وذريته أولياء " فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة فقلت نعم . وقال مجاهد : إن إبليس أدخل فرجه في فرج نفسه فباض خمس بيضات ، فهذا أصل ذريته . وقيل : إن الله تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكراً وفي اليسرى فرجاً ، فهو ينكح هذا بهذا ، فيخرج له كل يوم عشر بيضات ، يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا ً وشيطانة ، فهو يحرج وهو يطير ، وأعظمهم عند أبيهم منزلة أعظم هم في بني آدم فتنة . وقال قوم : ليس له أولاد ولا ذرية ، وذريته أعوانه من الشياطين . وقال القشيري أبو نصر :والجملة أن الله تعالى أخبر أن لإبليس أتباعاً وذريتة ، وأنهم يوسوسون إلى بني آدم وهم أعدارهم ، ولا يثبت عندنا كيفية في كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس ، فيتوفق الأمر فيه على نقل صحيح .
قلت : الذي ثبت في هذا الباب من الصحيح ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الإما م أبي بكر البرقاني أنه خرج في كتابه مسنداً عن أبي محمد عبد الغنبي بن سعيد الحافظ /ن روابة عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فبها باض الشيطان وفرخ " وهذا يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه ، والله أعلم . قال ابن عطية : وقوله ( ذريته ) ظاهر اللفظ يقتضي الموسوسين من الشياطين ، الذي يأتون بالمنكر ويحملون على الباطل . وذكر الطبري وغيره أن مجاهداً قال : ذرية إبليس الشياطين ، وكان يعدهم زلنبرو صاحب الأسواق ،يضع رايته في كل سوق بين السماء والأرض ، يجعل تلك الراية على حانوت أو لمن يفتح وآخر من يغلق . وثبر صاحب المصائب ، يأمر بضرب الوجوه وشق الجيبو ، والدعاء بالويل والحرب . والأعور صاحب أبواب الزنى . ومسوط صاحب الأخبار ، يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس فلا يجددون لها أصلاً . ودام الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع مالم يرفع وما لم يحسن موضعه ، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه . قال الأعمش : وإني ربما دخلت البيت فلم أذكر الله ولم أسلم ،فرأيت مطهرة فقلت : ارفعوا هذه ! وخاصمتهم ، ثم أذكر فأقول : داسم داسم أعوذ بالله منه زاد الثعلبي وغيره عن مجاهد : والأبيض ، وهو الذي يوسوس للأنبياء . وصخر وهو الذي اختلس خاتم سليمان عليه السلام . والولهان وهو صاحب الطهارة يوسوس فيها والأقيس وهو صاحب الصلاة يوسوس فيها . ومرة وهو صاحب المزامير وبه يكنى . والهفاف يكون بالصحارى يضل الناس ويتيههم . ومنهم الغيلا ن وحكى أبو مطيع مكحول بن الفضل النسفي في كتاب اللؤلؤيات عن مجاهد أن الهفاف هو صاحب الشراب ، ولقوس صاحب التحريش ، والأعور صاحب أبواب السلطان . وقال وقال الدارني : إن لإبليس شيطاناً يقال له المتقاضي ، يتقاضى ابن آدم فيخبر بعمل كان عمله في السر منذ عشرين سنة ، فيحدث به في العلانية . قال ابن عطية : وهذا وما جانسه مما لم يأت به سند صحيح ، وقد طول النقاش في هذا المعنى وجلب حكايات تبعد عن الصحة ولم يمر بي في هذا صحيح إلا ماكان في كتاب مسلم من : أن للصلاة شيطاناً يسمى خنزب . وذكر الترمذي : أن للوضوء شيطاناً يسمى الولهان . قلت : أما ماذكر من التعيين في الا سم فصحيح ، وأما أن له أتباعاً وأعواناً وجنوداً فمقطوع به ، وقد ذكرنا الحديث الصحيح في أن له أولاداً من صلبه ، كما قال مجاهد وغيره . وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال : إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثم بالحديث من الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم سمعت رجلاً أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث . وفي مسند البزار عن سلمان الفارسي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تكونن إن ستطعت أو من يدخل السوق ولا أخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته " وفي مسند أحمد بن حنبل قال : أنبأنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى الأشعري قال : إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول من أضل مسلماً ألبسته التاج قال فيقول له القائل لم أزل بفلا ن حتى طلق زوجته ، قال : يوشك أن يتزوج . ويقول آخر : لم أزل بفلان حتى عق ، قال : يوشك أن يبر . قال يقول القائل : لم أزل بفلان حتى شرب ، قال : أنت قال ويقول : لم أزل بفلان حتى زنى ، قال : أنت قال يقول : لم أزل بفلان حتى قتل ، قال : أنت أنت !في صحيح مسلم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن إبليس بضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقلو ما صنعت شيئاً قال ثم يجيء أحدهم فيقلو ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله قال فيدنيه أو قال فيلتزنه ويقول نعم أنت " وقد تقدم . وسمعت شيخنا الإمام أبا محمد بن المعطي بثغر الإسكندرية ويقول : إن شيطاناً يقال له البيضاوي يتمثل للفقراء المواصلين في الصيام فإذا استحكم منهم الجوع وأضر بأدمغتهم يكشف لهم عن ضياء ونور حتى يملأ عليهم البيوت فيظنون أنهم قد وصلوا وأن ذلك من الله وليس كما ظنوا .
يقول تعالى منبهاً بني آدم على عدواة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم, ومقرعاً لمن اتبعه منهم وخالف خالقه ومولاه, وهو الذي أنشأه وابتداه وبألطافه رزقه وغذاه, ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله, فقال تعالى: "وإذ قلنا للملائكة" أي لجميع الملائكة كما تقدم تقريره في أول سورة البقرة " اسجدوا لآدم " أي سجود تشريف وتكريم وتعظيم, كما قال تعالى: " وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ". وقوله: "فسجدوا إلا إبليس كان من الجن" أي خانه أصله, فإنه خلق من مارج من نار, وأصل خلق الملائكة من نور, كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خلقت الملائكة من نور, وخلق إبليس من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم, فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه, وخانه الطبع عند الحاجة وذلك أنه كان قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم وتعبد وتنسك, فلهذا دخل في خطابهم وعصى بالمخالفة " , ونبه تعالى ههنا على أنه من الجن أي على أنه خلق من نار, كما قال: "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" قال الحسن البصري : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط, وإنه لأصل الجن, كما أن آدم عليه السلام أصل البشر, رواه ابن جرير بإسناد صحيح عنه.
وقال الضحاك عن ابن عباس : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن, خلقوا من نار السموم من بين الملائكة, وكان اسمه الحارث, وكان خازناً من خزان الجنة, وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحي, قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار, وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت. وقال الضحاك أيضاً عن ابن عباس : كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة, وكان خازناً على الجنان, وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض, وكان مما سولت له نفسه من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفاً على أهل السماء, فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله, واستخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بالسجود لادم " واستكبر وكان من الكافرين ".
قال ابن عباس قوله: "كان من الجن" أي من خزان الجنان, كما يقال للرجل مكي ومدني وبصري وكوفي. وقال ابن جريج عن ابن عباس نحو ذلك, وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس , قال: هو من خزان الجنة, وكان يدبر أمر السماء الدنيا, رواه ابن جرير من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد به. وقال سعيد بن المسيب : كان رئيس ملائكة سماء الدنيا, وقال ابن إسحاق عن خلاد بن عطاء عن طاوس عن ابن عباس قال: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل, وكان من سكان الأرض, وكان من أشد الملائكة اجتهاداً وأكثرهم علماً, فذلك دعاه إلى الكبر, وكان من حي يسمون جناً.
وقال ابن جريج عن صالح مولى التوأمة وشريك بن أبي نمر , أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس قال: إن من الملائكة قبيلة من الجن, وكان إبليس منها وكان يسوس ما بين السماء والأرض, فعصى, فسخط الله عليه فمسخه شيطاناً رجيماً, لعنه الله ممسوخاً, قال: وإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه, وإذا كانت في معصية فارجه, وعن سعيد بن جبير أنه قال: كان من الجنانين الذين يعملون في الجنة, وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف, وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها, والله أعلم بحال كثير منها, ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا, وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان, وقد وضع فيها أشياء كثيرة وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين, كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث, وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره, وموضوعه ومتروكه ومكذوبه, وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال, كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه, فرضي الله عنهم وأرضاهم, وجعل جنات الفردوس مأواهم وقد فعل.
وقوله: "ففسق عن أمر ربه" أي فخرج عن طاعة الله, فإن الفسق هو الخروج, يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها, وفسقت الفأرة من جحرها إذا خرجت منه للعيث والفساد, ثم قال تعالى مقرعاً وموبخاً لمن اتبعه وأطاعه "أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني" الاية, أي بدلاً عني, ولهذا قال: "بئس للظالمين بدلاً" وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها ومصير كل من الفريقين السعداء والأشقياء في سورة يس " وامتازوا اليوم أيها المجرمون * ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم * ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ".
ثم إنه سبحانه عاد إلى الرد على أرباب الخيلاء من قريش، فذكر قصة آدم واستكبار إبليس عليه فقال: 50- "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم" أي واذكر وقت قولنا لهم اسجدوا سجود تحية وتكريم، كما مر تحقيقه "فسجدوا" طاعة لأمر الله وامتثالاً لطلبه السجود "إلا إبليس" فإنه أبى واستكبر ولم يسجد، وجملة "كان من الجن" مستأنفة لبيان سبب عصيانه وأنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة فلهذا عصى، ومعنى "ففسق عن أمر ربه" أنه خرج عن طاعة ربه. قال الفراء: العرب تقول فسقت الرطبة عن قشرها لخروجها منه. قال النحاس: اختلف في معنى "ففسق عن أمر ربه" على قولين: الأول مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى: أتاه الفسق لما أمر فعصى فكان سبب الفسق أمر ربه. كما تقول أطعمه عن جوع. والقول الآخر قول قطرب: أن المعنى على حذف المضاف: أي فسق عن ترك أمره. ثم إنه سبحانه عجب من حال من أطاع إبليس في الكفر والمعاصي وخالف أمر الله فقال: "أفتتخذونه وذريته أولياء" كأنه قال: أعقيب ما وجد منه من الإباء والفسق تتخذونه وتتخذون ذريته: أي أولاده، وقيل أتباعه مجازاً أولياء "من دوني" فتطيعونهم بدل طاعتي وتستبدلونهم بي، والحال أنهم: أي إبليس وذريته "لكم عدو" أي أعداء وأفرده لكونه اسم جنس، أو لتشبيهه بالمصادر كما في قوله: "فإنهم عدو لي"، وقوله "هم العدو" أي كيف تصنعون هذا الصنع وتستبدلون بمن خلقكم وأنعم عليكم بجميع ما أنتم فيه من النعم؟ بمن لم يكن لكم منه منفعة قط، بل هو عدو لكم يترقب حصول ما يضركم في كل وقت "بئس للظالمين بدلاً" أي الواضعين للشيء في غير موضعه المستبدلين بطاعة ربهم طاعة الشيطان، فبئس ذلك البدل الذي استبدلوه بدلاً عن الله سبحانه.
50 - قوله عز وجل : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " ، يقول : واذكر يا محمد إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، " فسجدوا إلا إبليس كان من الجن " ، قال ابن عباس : كان من حي من الملائكة يقال لهم الجن ، خلقوا من نار السموم . وقال الحسن : كان من الجن ولم يكن من الملائكة ، فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس ، " ففسق" ، أي خرج ، "عن أمر ربه " ، عن طاعة ربه ، " أفتتخذونه " ، يعني يا بني آدم " وذريته أولياء من دوني ، وهم لكم عدو " ، أي أعداء .
روى مجالد عن الشعبي قال : إني لقاعد يوماً إذ أقبل رجل فقال : أخبرني هل لإبليس زوجة ؟ قلت : إن ذلك العرس ما شهدته ، ثم ذكرت قوله تعالى : " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " ، فعلمت أنه لا تكون الذرية إلا من الزوجة ، فقلت : نعم .
وقال قتادة : يتوالدون كما يتوالد بنو آدم .
وقيل : إنه يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين .
قال مجاهد : من ذرية إبليس ( لاقيس ) و ( ولهان ) ، وهما صاحبا الطهارة والصلاة ، و( الهفاف ) و ( مرة ) وبه يكنى ، و ( زلنبور ) وهو صاحب [ الأًسواق ، يزين اللغو والحلف الكاذبة ومدح السلع ، و( ثبر ) وهو صاحب المصائب ] يزين خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب ، و( الأعور ) وهو صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة ، و( مطوس ) وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها في أفواه الناس ، لا يجدون لها أصلاً ، و ( داسم ) وهو الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع ما لم يرفع أو يحتبس موضعه ، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه .
قال الأعمش : ربما دخلت البيت ولم أذكر اسم الله ولم أسلم ، فرأيت مطهرة فقلت ارفعوا هذه وخاصمتهم ، ثم أذكر اسم الله فأقول : داسم داسم .
وروي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن للوضوء شيطاناً يقال له الولهان . فاتقوا وسواس الماء " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنبأنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا يحيى بن خلف الباهلي ، أنبأنا عبد الأعلى ، عن سعيد الجريري ، عن أبي العلاء ، أن عثمان بن أبي العاص "أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي ، يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل عن يسارك ثلاثاً قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني ".
وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً ، يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعت شيئاً ، قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ، قال : فيدنيه منه ، ويقول : نعم أنت " قال الأعمش أراه قال : فيلتزمه .
قوله تعالى : " بئس للظالمين بدلاً " ، قال قتادة : بئس ما استبدلوا طاعة إبليس وذريته بعبادة ربهم .
50."وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس"كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحل ، و ها هنا لم شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرر ذلك بأنه من سنن إبليس ، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان .زهدهم أولاً في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها ، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن ."كان من الجن"حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل : ماله لم يسجد فقيل كان من الجن. " ففسق عن أمر ربه "فخرج عن أمره بترك السجود والفاء للسبب، وفيه دليل على، الملك لا يعصى البتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنياً في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة البقرة ، "أفتتخذونه"أعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للإنكار والتعجب . "وذريته "أولاده أو أتباعه ، وسماهم ذرية مجازاً ."أولياء من دوني "فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي ." وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا "من الله تعالى إبليس وذريته ،
50. And (remember) when We said unto the angels: Fall prostrate before Adam, and they fell prostrate, all save Ibis. He was of the Jinn, so he rebelled against his Lord's command. Will ye choose him and his seed for your protecting friends instead of Me, when they are an enemy unto you? Calamitous is the exchange for evil doers!
50 - Behold we said to the angels, bow down to Adam they bowed down except Iblis. he was one of the Jinns, and he broke the command of his Lord. will ye than take him and his progeny as protectors rather than me? and they are enemies to you evil would be the exchange for the wrong doers