(و) اذكروا (إذ فرقنا) فلقنا (بكم) بسببكم (البحر) حتى دخلتموه هاربين من عدوكم (فأنجيناكم) من الغرق (وأغرقنا آل فرعون) قومه معه (وأنتم تنظرون) إلى انطباق البحر عليهم
أما تأويل قوله:"وإذ فرقنا بكم"، فإنه عطف على "وإذ نجيناكم"، بمعنى: واذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون، وإذ فرقنا بكم البحر.
ومعنى قوله: "فرقنا بكم"، فصلنا بكم البحر. لأنهم كانوا اثني عشر سبطًا ففرق البحر اثني عشر طريقا، فسلك كل سبط منهم طريقًا منها. فذلك فرق الله بهم عز وجل البحر وفصله بهم، بتفريقهم في طرقه الاثني عشر، كما:
حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي: لما أتى موسى البحر كناه أبا خالد، وضربه فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم، فدخلت بنو إسرائيل. وكان في البحر اثنا عشر طريقًا، في كل طريق سبط.
وقد قال بعض نحويي البصرة: معنى قوله:"وإذ فرقنا بكم البحر"، فرقنا بينكم وبين الماء.
يريد بذلك: فصلنا بينكم وبينه، وحجزناه حيث مررتم به.
وذلك خلاف ما في ظاهر التلاوة، لأن الله جل ثناؤه إنما أخبر أنه فرق البحر بالقوم، ولم يخبر أنه فرق بين القوم وبين البحر، فيكون التأويل ما قاله قائلو هذه المقالة. وفرقه البحر بالقوم، إنما هو تفريقه البحر بهم، على ما وصفنا من افتراق سبيله بهم، على ما جاءت به الآثار.
القول في تأويل قوله:" فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون".
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل وكيف غرق الله جل ثناؤه آل فرعون ونجى بني إسرائيل؟
قيل له، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شداد بن الهاد قال: لقد ذكر لي أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفًا من دهم الخيل، سوى ما في جنده من شهب الخيل. وخرج موسى، حتى إذا قابله البحر ولم يكن له عنه منصرف، طلع فرعون في جنده من خلفهم، "فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين" (الشعراء: 61، 62)، أي للنجاة، وقد وعدني ذلك، ولا خلف لوعده.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحق قال: أوحى الله إلى البحر فيما ذكر لي-: إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له. قال: فبات البحر يضرب بعضه بعضًا فرقًا من الله وانتظاره أمره. فأوحى الله عز وجل إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضربه بها، وفيها سلطان الله الذي أعطاه، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، أي كالجبل على نشز من الأرض. يقول الله لموسى: "فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى" (طه: 77). فلما استقر له البحر على طريق قائمة يبس، سلك فيه موسى ببني إسرائيل وأتبعه فرعون بجنوده.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحق، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شداد بن الهاد الليثي قال: حدثت أنه لما دخلت بنو إسرائيل البحر فلم يبق منهم أحد، أقبل فرعون وهو على حصان له من الخيل، حتى وقف على شفير البحر، وهو قائم على حاله، فهاب الحصان أن ينفذ. فعرض له جبريل على فرس أنثى وديق، فقربها منه، فشمها الفحل، فلما شمها قدمها، فتقدم معها الحصان عليه فرعون. فلما رأى جند فرعون فرعون قد دخل، دخلوا معه وجبريل أمامه، وهم يتبعون فرعون، وميكائيل على فرس من خلف القوم يسوقهم، يقول: الحقوا بصاحبكم. حتى إذا فصل جبريل من البحر ليس أمامه أحد، ووقف ميكائيل على ناحيته الأخرى، وليس خلفه أحد، طبق عليهم البحر، ونادى فرعون حين رأى من سلطان الله عز وجل وقدرته ما رأى، وعرف ذله، وخذلته نفسه-: لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (يونس: 90).
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أبي إسحق الهمداني، عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله:"وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون"، قال: لما خرج موسى ببني إسرائيل، بلغ ذلك فرعون فقال: لا تتبعوهم حتى يصيح الديك. قال: فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا. فدعا بشاة فذبحت، ثم قال: لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ستمئة ألف من القبط. فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمئة ألف من القبط. ثم سار، فلما أتى موسى البحر، قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون: أين أمرك ربك يا موسى؟ قال: أمامك. يشير إلى البحر. فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر، فذهب به، ثم رجع. فقال أين أمرك ربك يا موسى؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت ففعلى ذلك ثلاث مرات. ثم أوحى الله جل ثناؤه إلى موسى: "أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم" (الشعراء: 63) يقول: مثل جبل قال: ثم سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم، حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم. فلذلك قال: "وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون". قال معمر، قال قتادة: كان مع موسى ستمئة ألف، وأتبعه فرعون على ألف ألف ومئة ألف حصان.
حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أوحى الله جل وعز إلى موسى أن أسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون. قال: فسرى موسى ببني إسرائيل ليلاً، فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث، وكان موسى في ستمئة ألف. فلما عاينهم فرعون قال: "إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون" (الشعراء: 54- 56) فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون، فقالوا: يا موسى، أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه قال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويسخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون. قال: فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك. قال: فبات البحر له أفكل يعني: له رعدة لا يدري من أي جوانبه يضربه. قال: فقال يوشع لموسى: بماذا أمرت؟ قال: أمرت أن أضرب البحر. قال: فاضربه. قال: فضرب موسى البحر بعصاه، فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريقًا، كل طريق كالطود العظيم فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه. فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى أصحابنا؟ قالوا لموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم. قالوا: لا نرضى حتى نراهم.
قال سفيان، قال عمار الدهني: قال موسى: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة. قال: فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا. وأومأ إبراهيم بيده يديرها على البحر. قال موسى بعصاه على الحيطان هكذا، فصار فيها كوى ينظر بعضهم إلى بعض.
قال سفيان: قال أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس: فساروا حتى خرجوا من البحر، فلما جاز آخر قوم موسى، هجم فرعون على البحر هو وأصحابه، وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان. فلما هجم على البحر، هاب الحصان أن يقتحم في البحر، فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق، فلما رآها الحصان تقحم خلفها. وقيل لموسى: اترك البحر رهوًا قال: طرقًا على حاله قال: ودخل فرعون وقومه في البحر، فلما دخل آخر قوم فرعون، وجاز آخر قوم موسى، أطبق البحر على فرعون وقومه، فأغرقوا.
حدثنا موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي: أن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل، فقال: أسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون. فخرج موسى وهرون في قومهما، وألقي على القبط الموت، فمات كل بكر رجل، فأصبحوا يدفنونهم، فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس. فذلك حين يقول الله جل ثناؤه: "فأتبعوهم مشرقين" (الشعراء: 60) فكان موسى على ساقة بني إسرائيل وكان هرون أمامهم يقدمهم، فقال المؤمن لموسى: يا نبي الله، أين أمرت؟ قال: البحر. فأراد أن يقتحم فمنعه موسى، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يعدون ابن العشرين لصغره، ولا ابن الستين لكبره، وإنما عدوا ما بين ذلك، سوى الذرية. وتبعهم فرعون، وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمئة ألف حصان، ليس فيها ماذيانة يعني الأنثى وذلك حين يقول الله جل ثناؤه: "فأرسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون" (الشعراء: 53، 54) يعني بني إسرائيل. فتقدم هرون فضرب البحر، فأبى البحر أن ينفتح، وقال: من هذا الجبار الذي يضربني؟ حتى أتاه موسى فكناه أبا خالد وضربه فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم يقول: كالجبل العظيم، فدخلت بنو إسرائيل. وكان في البحر اثنا عشر طريقاً، في كل طريق سبط وكانت الطرق انفلقت بجدران فقال كل سبط: قد قتل أصحابنا! فلما رأى ذلك موسى، دعا الله فجعلها لهم قناطر كهيئة الطيقان، فنظر آخرهم إلى أولهم، حتى خرجوا جميعًا. ثم دنا فرعون وأصحابه، فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقاً قال: ألا ترون البحر فرق مني؟ قد انفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم! فذلك حين يقول الله جل ثناؤه: "وأزلفنا ثم الآخرين" ( الشعراء: 64) يقول: قربنا ثم الآخرين، يعني آل فرعون. فلما قام فرعون على أفواه الطرق، أبت خيله أن تقتحم، فنزل جبريل على ماذيانة، فشائت الحصن ريح الماذيانة، فاقتحم في أثرها، حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل اخرهم، أمر البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لما أخذ عليهم فرعون الأرض إلى البحر، قال لهم فرعون: قولوا لهم يدخلون البحر إن كانوا صادقين! فلما رآهم أصحاب موسى قالوا: إنا لمدركون! قال: كلا إن معي ربي سيهدين. فقال موسى للبحر: ألست تعلم أني رسول الله؟ قال: بلى! قال: وتعلم أن هؤلاء عباد من عباد الله أمرني أن آتي بهم؟ قال: بلى. قال: أتعلم أن هذا عدو الله؟ قال: بلى. قال: فافرق لي طريقاً ولمن معي. قال: يا موسى إنما أنا عبد مملوك، ليس لي أمر إلا أن يأمرني الله تعالى. فأوحى الله عز وجل إلى البحر: إذا ضربك موسى بعصاه فانفرق، وأوحى إلى موسى أن يضرب البحر، وقرأ قول الله تعالى: "فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى" (طه: 77) وقرأ قوله: "واترك البحر رهوا" (الدخان: 24) سهلاً ليس فيه نقر فانفرق اثنتي عشرة فرقة، فسلك كل سبط في طريق. فقالوا لفرعون: إنهم قد دخلوا البحر! قال: ادخلوا عليهم. قال: وجبريل في آخر بني إسرائيل يقول لهم: ليلحق آخركم أولكم. وفي أول آل فرعون يقول لهم: رويدًا يلحق آخركم أولكم. فجعل كل سبط في البحر يقولون للسبط الذين دخلوا قبلهم: قد هلكوا! فلما دخل ذلك قلوبهم أوحى الله جل وعز إلى البحر فجعل لهم قناطر، ينظر هؤلاء إلى هؤلاء، حتى إذا خرج آخر هؤلاء ودخل آخر هؤلاء، أمر الله البحر فأطبق على هؤلاء.
ويعني بقوله: "وأنتم تنظرون "، أي تنظرون إلى فرق الله لكم البحر، وإهلاكه آل فرعون في الموضع الذي نخاكم فيه، وإلى عظيم سلطانه في الذي أراكم من طاعة البحر إياه، من مصيره ركامًا فلقاً كهيئة الأطواد الشامخة، غير زائل عن حده، انقيادًا لأمر الله وإذعاناً لطاعته، وهو سائل ذائب قبل ذلك.
يوقفهم بذلك جل ذكره على موضع حججه عليهم، ويذكرهم آلاءه عند أوائلهم، ويحذرهم في تكذيبهم نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يحل بهم ما حل بفرعون وآله، في تكذيبهم موسى صلى الله عليه وسلم.
وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى قوله: "وأنتم تنظرون"، كمعنى قول القائل: ضربت وأهلك ينظرون، فما أتوك ولا أعانوك ، بمعنى: وهم قريب بمرأى ومسمع، وكقول الله تعالى: " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل" ( الفرقان: 45،) وليس هناك رؤية، إنما هو علم.
قال أبو جعفر: والذي دعاه إلى هذا التأويل، أنه وجه قوله: "وأنتم تنظرون "، أي وأنتم تنظرون إلى غرق فرعون، فقال: قد كانوا في شغل من أن ينظروا مما اكتنفهم من البحر إلى فرعون وغرقه. وليس التأويل الذي تأوله تأويل الكلام، إنما التأويل: وأنتم تنظرون إلى فرق الله البحر لكم على ما قد وصفنا آنفاً والتطام أمواج البحر بآل فرعون، في الموضع الذي صير لكم في البحرطريقاً يبسًا. وذلك كان، لا شك، نظر عيان لا نظر علم، كما ظنه قائل القول الذي حكينا قوله.
قوله تعالى : "وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون" .
قوله تعالى : "وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم" إذا في موضع نصب . و فرقنا فلقنا ، فكان كل فرق كالطود العظيم ، أي الجبل العظيم . وأصل الفرق الفصل ، ومنه فرق الشعر ، ومنه الفرقان ، لأنه يفرق بين الحلق والباطل أي يفصل ، ومنه : "فالفارقات فرقا" يعني الملائة تنزل بالفرق بين الحق والباطل ، ومنه : "يوم الفرقان" يعني يوم بدر ، كان فيه فرق بين الحق والباطل ، ومنه : "وقرآنا فرقناه" أي فصلناه وأحكمناه . وقرأ الزهري : فرقنا بتشديد الراء ، أي جعلناه فرقاً . ومعنى بكم أي لكم ، فالباء بمعنى اللام . وقيل : الباء في مكانها ، أي فرقنا البحر بدخولكم إياه . أي صاروا بين الماءين ، فصار الفرق بيهم ، وهذا أولى يبينه "فانفلق" .
قوله تعالى : "البحر" البحر معروف ، سمي بذلك لاتساعه . ويقال : فرس بحر إذا كان واسع الجري ، أي كثيره . ومن ذلك " قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مندوب فرس أبي طلحة : وإن وجدناه لبحرا " . والبحر . الماء الملح . ويقال : أبحر الماء : ملح ، قال نصيب
وقد عاد ماء الأرض بحراً فزادني إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب
والبحر : البلدة ، يقال : هذه بحرتنا ، أي بلدتنا . قاله الأموي . والبحر: السلال يصيب الإنسان . ويقولون : لقيته صحرة بحرة ، أي بارزاً مكشوفاً . وفي الخبر عن كعب الأحبار قال : إن لله ملكاً يقال له : صندفاييل ، البحار كلها في نقرة إبهامه . ذكره أبو نعيم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن كعب .
قوله تعالى : "فأنجيناكم" أي أخرجناكم منه ، يقال : نجوت من كذا نجاء ، ممدود ، ونجاة ، مقصور . والصدق منجاة . وأنجيت غيري ونجيته ، وقرىء بهما و إذ نجيناكم ، فأنجيناكم .
قوله تعالى : "وأغرقنا آل فرعون" يقال: غرق في الماء غرقاً فهو غرق وغارق أيضاً ، ومنه قول ابن النجم :
من بين مقتول وطاف غارق
وأغرقه غيره وغرقه فهو مغرق وغريق . ولجام مغرق بالفضة ، أي محلى . والتغريق : القتل ، قال الأعشى :
ألا ليت قيساً غرقته القوابل
وذلك أن القابلة كانت تغرق المولود في ماء السلى عام القحط ، ذكرا كان أو أنثى حتى يموت ، ثم جعل كل قتل تغريقاً ، ومنه قول ذي الرمة :
إذا غرقت أرباضها ثني بكرة بتيهاء لم تصبح رءوماً سلوبها
والأرباض : الحبال . والبكرة : الناقة الفتية . وثنيها : بطنها الثاني ، وإنما لم تعطف على ولدها لما لحقها من التعب .
القول في اختلاف العلماء في كيفية إنجاء بني إسرائيل
فذكر الطبري أن موسى عليه السلام أوحي إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلي والمتاع من القبط ، وأحل الله ذلك لنبي إسرائيل ، فسرى بهم موسى من أول الليل ، فأعلم فرعون فقال : لا يتبعهم أحد حتى تصيح الديكة ، فلم يحص تلك الليلة بمصر ديك ، وأمات الله تلك الليلة كثيراً من أبناء القبط فاشتغلوا في الدفن وخرجوا في الأتباع مشرقين ، كما قال تعالى : "فأتبعوهم مشرقين" . وذهب موسى إلى ناحية البحر حتى بلغه . وكانت عدة بني إسرائيل نيفاً على ستمائة ألف. وكانت عدة فرعون ألف ألف ومائتي ألف . وقيل : إن فرعون أتبعه في ألف ألف حصان سوى الإناث . وقيل : دخل إسرائيل ـ وهو يعقوب عليه السلام ـ مصر في ستة وسبعين نفساً من ولده وولده ولده ، فأنمى الله عددهم وبارك في ذريته ، حتى خرجوا إلى البحر يوم فرعون وهم ستمائة ألف من المقاتلة سوى الشيوخ والذرية والنساء . وذكر أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة بن سوار عن يونس بن أبي إسحاق عن ابي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون فأمر بشاة فذبحت ، ثم قال : لا والله لا يفرغ من سلخها حتى تجتمع لي ستمائة ألف من القبط ، قال : فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر ، فقال له : افرق ، فقال له البحر : لقد استكبرت يا موسى ! وهل فرقت لأحد من ولد آدم فأفرق لك ! قال : ومع موسى رجل على حصان له ، قال : فقال له ذلك الرجل : اين أمرت يا نبي الله ؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه ، قال : فاقحم فرسه فسبح فخرج فقال أين أمرت يا نبي الله قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه قال : والله ما كذبت ولا كذبت ، ثم اقتحم الثانية فسبح به حتى خرج ، فقال : اين أمرت يا نبي الله ؟ فقال : ما أمرت إلا بهذا الوجه ، قال : والله ما كذبت ولا كذبت ، قال فأوحى الله إليه : إن اضرب بعصاك البحر فضربه موسى بعصاه "فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم" . فكان فيه اثنا عشر فرقاً ، لاثني عشر سبطا ، لكل سبط طريق يتراءون ، وذلك أن أطواد الماء صارفيها طيقاناً وشبابيك يرى منها بعضهم بعضا ، فلما خرج أصحاب موسى وقام أصحاب فرعون التطم البحر عليهم فأغرقهم . ويذكر أن البحر هو بحر القلزم ، وأن الرجل الذي كان مع موسى على الفرس هو فتاه يوشع بن نون . وأن الله تعالى أوحى إلى البحر أن انفرق لموسى إذا ضربك ، فبات البحر تلك الليلة يضطرب ، فحين أصبح البحر وكناه أبا خالد ذكره ابن ابي شيبة ايضاً . وقد أكثر المفسرون في قصص هذا المعنى ، وما ذكرناه كاف ، وسيأتي في سورة يونس و الشعراء زيادة بيان إن شاء الله تعالى .
فصل : ذكر الله تعالى الإنجاء والإغراق ، ولم يذكر اليوم الذي كان ذلك فيه . فروى مسلم عن ابن عباس :
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ، فقالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فنحن أحق وأولى بموسى منكم" فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه . وأخرجه البخاري أيضاً عن ابن عباس ، و" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : أنتم أحق بموسى منهم فصوموا" .
مسألة : ظاهر هذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صام عاشوراء وأمر بصيامه اقتداء بموسى عليه السلام على ما أخبره به اليهود . وليس كذلك ، لما روته عائشة رضي الله عنها قالت :
"كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك صيام يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه"أخرجه البخاري و مسلم .
فإن قيل : يحتمل أن تكون قريش إنما صامته بإخبار اليهود لها لأنهم كانوا يسمعون منهم ، لأنهم كانوا عندهم أهل علم ، فصامه النبي عليه السلام كذلك في الجاهلية ، أي بمكة ، فلما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه قال :"نحن أحق وأولى بموسى منكم" فصامه اتباعاً لموسى . وأمر بصيامه أي أوجبه وأكد أمره ، حتى كانوا يصومونه الصغار . قلنا : هذه شبهة من قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لعله كان متعبداً بشريعة موسى ، وليس كذلك ، على ما يأتي بيانه في الأنعام عند قوله تعالى : "فبهداهم اقتده" .
مسألة : اختلف في يوم عاشوراء ، هل هو التاسع من المحرم أو العاشر ؟ فذهب الشافعي إلى أنه التاسع ، لحديث الحكم بن الأعرج قال :
انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو متوسد رداءه في زمزم ، فقلت له : أخبرني عن صوم عاشوراء ، فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً . قلت : هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال نعم . خرجه مسلم . وذهب سعيد بن المسيب والحسن البصري و مالك وجماعة من السلف إلى أنه العاشر . وذكر الترمذي حديث الحكم ولم يصفه بصحة ولا حسن . ثم أردفه : أنبأنا قتيبة أنبأنا عبد الوراث عن يونس عن الحسن عن ابن عباس قال :
"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر" قال أبو عيسى : حديث ابن عباس حديث حسن صحيح . قال الترمذي : وروى عن ابن عباس أنه قال : صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود . وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد بن حنبل و إسحق . قال غيره : وقول ابن عباس للسائل : فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ليس فيه دليل على ترك صوم العاشر ، بل وعد أن يصوم التاسع مضافاً إلى العاشر . قالوا : فصيام اليومين جمع بين الأحاديث . وقول ابن عباس لـ لحكم لما قال له : هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال : نعم . معناه أن لو عاش ، وإلا فما كان النبي صلى الله عليه وسلم صام التاسع قط . يبينه ما خرجه ابن ماجة في سننه و مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع" .
فضيلة : روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" أخرجه مسلم و الترمذي ، وقال : لا نعلم في شيء من الروايات أنه قال : "صيام يوم عاشوراء كفارة سنة" إلا في حديث أبي قتادة .
قوله تعالى : "وأنتم تنظرون" جملة في موضع الحال ، ومعناه بأبصاركم ، فيقال إن آل فرعون طفوا على الماء فنظروا إليهم يغرقون ، وإلى أنفسهم ينجون ، ففي هذا أعظم المنة . وقد قيل : إنهم أخرجوا لهم حتى رأوهم . فهذه منة بعد منة . وقيل : المعنى " وأنتم تنظرون" أي ببصائركم الاعتبار ، لأنهم كانوا في شغل عن الوقوف والنظر بالأبصار . وقيل : المعنى وأنتم بحال من ينظر لو نظر ، كما تقول : هذا الأمر منك بمرأى ومسمع ، أي بحال تراه وتسمعه إن شئت . وهذا القول والأول أشبه بأحوال بني إسرائيل لتوالي عدم الإعتبار فيما صدر من بني إسرائيل بعد خروجهم من البحر ، وذلك أن الله تعالى لما أنجاهم وغرق عدوهم قالوا : يا موسى إن قلوبنا لا تطمئن أن فرعون قد غرق ! حتى أمر الله البحر فلفظه فنظروا إليه .
ذكر ابو بكر بن أبي شيبة عن قيس بن عباد : أن بني إسرائيل قالت : ما مات فرعون وما كان ليموت أبداً ! قال : فلما أن سمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام ، رمى به على ساحل البحر كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل ، فلما أطمأنوا وبعثوا من طريق البر إلى مدائن فرعون حتى نقلوا كنوزه وغرقوا في النعمة ، رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم ، قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، حتى زجرهم موسى وقال : أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين ، أي عالمي زمانه . ثم أمرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدسة التي كانت مساكن آبائهم ويتطهروا من ارض فرعون . وكانت الأرض المقدسة في أيدي الجبارين قد غلبوا عليها فاحتاجوا إلى دفعهم عنها بالقتال ، فقالوا : أتريد أن تجعلنا لحمة للجبارين ! فلو أنك تركتنا في يد فرعون كان خيراً لنا . قال : "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم" إلى قوله "قاعدون" حتى دعا عليهم وسماهم فاسقين . فبقوا في التيه أربعين سنة عقوبة ثم رحمهم فمن عليهم بالسلوى وبالغمام ـ على ما يأتي بيانه ـ ، ثم سار موسى إلى طور سيناء ليجيئهم بالتوارة ، فاتخذوا العجل ـ على ما يأتي بيانه ـ ثم قيل لهم : ـ قد وصلتم إلى بيت المقدس فادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة ـ على ما يأتي ـ ، وكان موسى عليه السلام شديد الحياء ستيراً ، فقالوا : إنه آدر . فلما اغتسل وضع على الحجر ثوبه ، فعدا الحجر بثوبه إلى مجالس بني إسرائيل ، وموسى على أثره عريان وهو يقول : يا حجر ثوبي ! فذلك قوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا" على ما يأتي بيانه ـ ، ثم لما مات هارون قالوا له : أنت قتلت هارون وحسدته ، حتى نزلت الملائكة بسريره وهارون ميت عليه ـ وسيأتي في المائدة ، ، ثم سألوه أن يعلموا آية في قبول قربانهم ، فجعلت نار تجيء من السماء فتقبل قربانهم ، ثم سألوه أن بين لنا كفارات ذنونبا في الدنيا فكان من أذنب ذنباً أصبح على بابه مكتوب : عملت كذا ، وكفارته قطع عضو من أعضائك يسميه له ، ومن أصابه بول لم يطهر حتى يقرضه ويزيل جلدته من بدنه ، ثم بدلوا التوارة وافتروا على الله وكتبوا بأيديهم واشتروا به عرضاً ، ثم صار أمرهم إلى أن قتلوا أنبياءهم ورسلهم . فهذه معاملتهم مع ربهم وسيرتهم في دينهم وسوء أخلاقهم . وسيأتي بيان كل فصل من هذه الفصول مستوفىً في موضعه إن شاء الله تعالى . وقال الطبري : وفي اخبار القرآن على لسان محمد عليه السلام بهذه المغيبات التي لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا في حق بني إسرائيل دليل واضح عند بني إسرائيل قائم عليهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
يقول تعالى: اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، أي خلصتكم منهم، وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى عليه السلامن وقد كانوا يسومونكم أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب، وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأي رؤيا هالته، رأى ناراً خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر إلا بيوت بني إسرائيل، مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل، ويقال بعد تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة، وهكذا جاء في حديث الفتون كما سيأتي في موضعه في سورة طه إن شاء الله تعالى، فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل وأن تترك البنات، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها، ههنا فسر العذاب بذبح الأبناء ، وفي سورة إبراهيم عطف عليه كما قال: "يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص إن شاء الله تعالى، به الثقة والمعونة والتأييد. ومعنى يسومونكم يولونكم، قاله أبو عبيدة، كما يقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها، قال عمرو بن كلثوم:
إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فينا
وقيل معناه: يديمون عذابكم، كما يقال سائمة الغنم من إدامتها الرعي، نقله القرطبي، وإنما قال ههنا: "يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" ليكون ذلك تفسيراً للنعمة عليهم في قوله: "يسومونكم سوء العذاب" ثم فسره بهذا لقوله ههنا: "اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" وأما في سورة إبراهيم فلما قال: "وذكرهم بأيام الله" أي بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك: "يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" فعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي على بني إسرائيل وفرعون علم على كل من ملك مصر كافراً من العماليق وغيرهم، كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافراًن وكسرى لمن ملك الفرس، وتبع لمن ملك اليمن كافراً، والنجاشي لمن ملك الحبشة، وبطليموس لمن ملك الهند، ويقال كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليه السلام الوليد بن مصعب بن الريان، وقيل مصعب بن الريان، فكان من سلالة عمليق بن الأود بن إرم بن سام بن نوح، وكنيته أبو مرة، وأصله فارسي من اصطخر ، وأياً ما كان فعليه لعنة الله، وقوله تعالى: "وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم" قال ابن جرير: وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا آباءكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم، أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله تعالى: "بلاء من ربكم عظيم" قال: نعمة، وقال مجاهد "بلاء من ربكم عظيم" قال: نعمة من ربكم عظيمة، وكذا قال أبو العالية وأبو مالك والسدي وغيرهم، وأصل البلاء الاختبار وقد يكون بالخير والشر كما قال تعالى: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" وقال: "وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون" قال ابن جرير : وأكثر ما يقال في الشر بلوته أبلوه بلاء ، وفي الخير أبليه إبلاء وبلاء ، قال زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
قال: فجمع بين اللغتين لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده، وقيل: المراد بقوله: "وفي ذلكم بلاء" إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء، قال القرطبي: وهذا قول الجمهور ولفظه بعد ما حكى القول الأول، ثم قال: وقال الجمهور: الإشارة إلى الذبح ونحوه، والبلاء ههنا في الشر, والمعنى في الذبح مكروه وامتحان، وقوله تعالى: "وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون"، معناه وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون وخرجتم مع موسى عليه السلام، خرج فرعون في طلبكم ففرقنا بكم البحر كما أخبر تعالى عن ذلك مفصلاً كما سيأتي في مواضعه ومن أبسطها ما في سورة الشعراء إن شاء الله، "فأنجيناكم" أي خلصناكم منهم وحجزنا بينكم وبينهم وأغرقناهم وأنتم تنظرون، ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم. قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن أبي إساحق الهمداني عن عمرو بن ميمون الأدوي في قوله تعالى: " وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ", قال: لما خرج موسى ببني إسرائيل، بلغ ذلك فرعون، فقال: لا تتبعوهم حتى تصيح الديكة، قال: فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا، فدعا بشاة فذبحت، ثم قال: لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط ، فلما أتى موسى البحر قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون: أين أمر ربك ؟ قال: أمامك، يشير إلى البحر ، فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر، فذهب به الغمر ، ثم رجع فقال: أين أمر ربك يا موسى ؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت، فعل ذلك ثلاث مرات ثم أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه فانفلق، فكان كل فرق كالطور العظيم يقول مثل الجبل ـ ثم سار موسى ومن معه، واتبعهم فرعون في طريقهم حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم، فلذلك قال: "وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون" وكذلك قال غير واحد من السلف كما سيأتي بيانه في موضعه، وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء ، كما قال الإمام أحمد، حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه "عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوارء ، فقال: ما هذا اليوم الذي تصومون ؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه"، وروى هذا الحديث البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق عن أيوب السختياني به نحو ما تقدم، وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو الربيع حدثنا سلام يعني ابن سليم عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء" وهذا ضعيف من هذا الوجه، فإن زيداً العمي فيه ضعف، وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه.
وقوله: 50- "وإذ فرقنا" متعلق بما تقدم من قوله: "اذكروا" وفرقنا: فلقنا، وأصل الفرق الفصل، ومنه فرق الشعر، وقرأ الزهري فرقنا بالتشديد، والباء في قوله: "بكم" قيل: هي بمعنى اللام: أي لكم، وقيل: هي الباء السببية: أي فرقناه بسببكم، وقيل: إن الجار والمجرور في محل الحال: أي فرقناه متلبساً بكم، والمراد ها هنا أن فرق البحر كان بهم: أي بسبب دخولهم فيه: أي لما صاروا بين الماءين صار الفرق بهم. وأصل البحر في اللغة: الاتساع، أطلق على البحر الذي هو مقابل البر لما فيه من الاتساع بالنسبة إلى النهر والخليج، ويطلق على الماء المالح، ومنه أبحر الماء: إذا ملح، قال نصيب:
وقد عاد ماء الأرض بحراً فزادني إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب
وقوله: "فأنجيناكم" أي أخرجناكم منه: "وأغرقنا آل فرعون" فيه. وقوله: "وأنتم تنظرون" في محل نصب على الحال: أي حال كونكم ناظرين إليهم بأبصاركم، وقيل معناه: وأنتم تنظرون: أي ينظر بعضكم إلى البعض الآخر من السالكين في البحر، وقيل: نظروا إلى أنفسهم ينجون وإلى آل فرعون يغرقون. والمراد بآل فرعون هنا هو وقومه وأتباعه. وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا "اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" قال: مضى القوم، وإنما يعني به أنتم. وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عيينة قال في قوله: "اذكروا نعمتي" هي أيادي الله وأيامه. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: نعمة الله التي أنعم بها على بني إسرائيل فيما سمى وفيما سوى ذلك، فجر لهم الحجر وأنزل عليهم المن والسلوى وأنجاهم من عبودية آل فرعون. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: "وأني فضلتكم على العالمين" قال: فضلوا على العالم الذي كانوا فيه، ولكل زمان عالم. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي العالية في قوله: "فضلتكم على العالمين" قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "لا تجزي نفس عن نفس شيئاً" قال: لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئاً. وأخرج ابن جرير عن عمرو بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن الثناء عليه قال: "قيل: يا رسول الله ما العدل؟ قال: العدل الفدية". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. قال ابن أبي حاتم وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك. وأخرج عبد الرزاق عن علي في تفسير الصرف والعدل قال: التطوع والفريضة. قال ابن كثير: وهذا القول غريب ههنا، والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قالت الكهنة لفرعون إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكه، فيجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل، وعلى كل مائة عشرة، وعلى كل عشر رجلاً، فقال: انظروا كل امرأة حامل في المدينة، فإذا وضعت حملها فإن كان ذكراً فاذبحوه، وإن كان أنثى فخلوا عنها، وذلك قوله: "يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: "يسومونكم سوء العذاب" قال: إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة. فقالت له الكهنة: إنه سيولد العام بمصر غلام يكون هلاكك على يديه، فبعث في أهل مصر نساء قوابل، فإذا ولدت امرأة غلاماً أتي به فرعون فقتله، ويستحيي الجواري. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "بلاء من ربكم عظيم" يقول: نقمة. وأخرج وكيع عن مجاهد نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: "وإذ فرقنا بكم البحر" فقال: إي والله لفرق البحر بينهم حتى صار طريقاً يبساً يمشون فيه، فأنجاهم الله وأغرق آل فرعون عدوهم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: ما هذا اليوم؟ قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصومه". وقد أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير أن هرقل كتب إلى معاوية يسأله عن أمور، منها عن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة، فكتب معاوية إلى ابن عباس فأجابه عن تلك الأمور وقال: وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار: فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل. ولعله سيأتي إن شاء الله تعالى زيادة على ما هنا عند تفسير قوله تعالى: "أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم".
50. " وإذ فرقنا بكم البحر " قيل: معناه فرقنا لكم وقيل: فرقنا البحر بدخولكم إياه وسمي البحر بحراً لاتساعه، ومنه قيل للفرس: بحر إذا اتسع في جريه، وذلك أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل من مصر ليلاً فأمر موسى قومه أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح، وأخرج الله تعالى كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم، وكل ولد زنا في بني إسرائيل/ من القبط إلى القبط حتى رجع كل إلى أبيه، وألقى الله الموت على القبط فمات كل بكر لهم واشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا وطلعت الشمس، وخرج موسى عليه السلام في ستمائة ألف وعشرين مقاتل، لا يعدون ابن العشرين لصغره، ولا ابن الستين لكبره، وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب اثنين وسبعين إنساناً ما بين رجل وامرأة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان أصحاب موسى ستمائة ألف وسبعين ألفاً.
وعن عمرو بن ميمون قال: كانوا ستمائة ألف فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون فدعا موسى مشيخه بني إسرائيل وسألهم عن ذلك فقالوا: إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ على إخوته عهداً أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسد علينا الطريق، فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا فقام موسى ينادي: أنشد الله كل من يعلم أين موضع قبر يوسف عليه السلام إلا أخبرني به؟ ومن لم يعلم به فصمت أذناه عن قولي! وكان يمر بين الرجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز لهم فقالت: أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كل ما سألتك؟ فأبى عليها وقال: حتى أسأل ربي (فأمره) الله تعالى بإتيانها سؤلها فقالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل غرفة من الجنة إلا نزلتها معك قال: نعم قالت: إنه في جوف الماء في النيل فادع الله حتى يحسر عنه الماء، فدعا الله تعالى فحسر عنه الماء، ودعا أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف عليه السلام، فحفر موسى عليه السلام ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من مرمر، وحمله حتى دفنه بالشام، ففتح لهم الطريق فساروا وموسى عليه السلام على ساقتهم وهارون على مقدمتهم، ونذر بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الديك،فوالله ما صاح ديك تلك الليلة، فخرج فرعون في طلب بني إسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم شبعون ألفاً من دهم الخيل سوى سا ئرالشيات [وقال محمد بن كعب رضي الله عنه: كان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم سوى سائر الشيات] وكان فرعون يكون في الدهم وقيل: كان فرعون في سبعة آلاف ألف، وكان بين يديه مائة ألف ناشب، ومائة ألف أصحاب حراب، ومائة ألف أصحاب الأعمدة، فسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر والماء في غاية الزيادة فنظروا فإذا هم بفرعون حين أشرقت الشمس فبقوا متحيرين فقالوا: يا موسى كيف نصنع؟ وأين ما وعدتنا؟ هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا! والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا؟ قال الله تعالى: " فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين " (61-62الشعراء).
فأوحى الله إليه أن أضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله إليه أن كنه فضربه وقال: انفلق يا أبا خالد بإذن الله تعالى، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، وظهر فيه اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبساً فخاضت بنو إس رائيل البحر، كل سبط في طريق، وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً، فخافوا وقال كل سبط: قد قتل إخواننا فأوحى الله تعالى إلى جبال الماء: أن تشبكي، فصار الماء شبكات كالطبقات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قولم تعالى " وإذ فرقنا بكم البحر ".
" فأنجيناكم " من آل فرعون والغرق " وأغرقنا آل فرعون " وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقاً قال لقومه: انظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه وقيل: قالوا له إن كنت رباً فادخل البحر كما دخل موسى، وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى فجاء جبريل على فرس أنثى وديق فتقدمهم وخاض البحر فلما شم أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر في أثرها وهم لا يرونه ولم يملك فرعون من أمره شيئاً وهو لايرى فرس جبريل واقتحمت الخيول جملة خلفه في البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم ويسوقهم حتى لا يشذ رجل منهم ويقول لهم: الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر، وخرج جبريل من البحر، وهم أولهم بالخروج فأمر الله تعالى البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم وغرقهم أجمعين، وكان بين طرفي البحر أربعة فراسخ وهو بحر قلزم، طرف من بحر فارس، قال قتادة : بحر من وراء مصر يقال له إساف، وذلك بمرأى من بني إسرائيل فذلك قوله تعالى: " وأنتم تنظرون " إلى مصارعهم وقيل: إلى هلاكهم.
50-" وإذ فرقنا بكم البحر " فلقناه وفصلنا بين بعضه وبعض حتى حصلت فيه مسالك بسلوككم فيه . أو بسبب إنجائكم ، أو ملتبساً بكم كقوله :
تدوس بنا الجماجم والتريبا
وقرئ " فرقنا " على بناء التكثير لأن المسالك كانت اثني عشر بعدد الأسباط .
" فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون " أراد به فرعون وقومه ، وأقتصر على ذكرهم للعلم بأنه كان أولى به ، وقيل شخصه كما روي أن الحسن رضي الله تعالى عنه كان يقول : اللهم صل على آل محمد : أي شخصه واستغني بذكره عن ذكر أتباعه .
" وأنتم تنظرون " ذلك ، أي غرقهم وإطباق البحر عليهم ، أو انفلاق البحر عن طرق يابسة مذللة ، أو جثثهم التي قذفها البحر إلى الساحل ، أو ينظر بعضكم بعضاً . روي أنه تعالى أمر موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل ، فخرج بهم فصبحهم فرعون وجنوده ، وصادفهم على شاطئ البحر ، فأوحى الله تعالى إليه أن أضرب بعصاك البحر ، فضربه فظهر فيه اثنا عشر طريقاً يابساً فسلكوها فقالوا : يا موسى نخاف أن يغرق بعضنا ولا نعلم ، ففتح الله فيها كوى فتراؤوا وتسامعوا حتى عبروا البحر ، ثم لما وصل إليه فرعون ورآه منفلقاً اقتحم فيه هو وجنوده فالتطم عليهم وأغرقهم أجمعين .
واعلم أن هذه الواقعة من أعظم ما أنعم الله به على بني إسرائيل ، ومن الآيات الملجئة إلى العلم بوجود الصانع الحكيم وتصديق موسى عليه السلام ، ثم إنهم بعد ذلك اتخذوا العجل وقالوا : " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " ونحو ذلك ، فهم بمعزل في الفطنة والذكاء وسلامة النفس وحسن الاتباع عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، مع أن ما تواتر من معجزاته أمور نظرية مثل : القرآن والتحدي به والفضائل المجتمعة فيه الشاهدة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم دقيقة تدركها الأذكياء ، وإخباره عليه الصلاة والسلام عنها من جملة معجزاته على ما مر تقريره .
50. And when We brought you through the sea and rescued you, and drowned the folk of Pharaoh in your sight.
50 - And remember we divided the sea for you and saved you and drowned pharaoh's people within your very sight.