50 - (ولقد صرفناه) أي الماء (بينهم ليذكروا) أصله يتذكروا أدغمت التاء في الدال وفي قراءة ليذكروا بسكون الذال وضم الكاف أي نعمة الله به (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) جحودا للنعمة حيث قالوا مطرنا بنوء كذا
يقول تعالى ذكره : ولقد قسمنا هذا الماء الذي أنزلناه من السماء طهورا لنحييي به الميت من الأرض بين عبادي ، ليتذكروا نعمي عليهم ، و يشكروا أيادي عندهم وإحاسني إليهم ، " فأبى أكثر الناس إلا كفورا " يقول : إلا جحودا لنعمي عليهم ، و أيادي عليهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : سمعت الحسن بن مسلم يحدث طاوسا ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ما عام بأكثر مطرا من عام ، ولكن الله يصرفه بين خلقه ، قال : ثم قرأ " ولقد صرفناه بينهم " .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، قال : ثنا الحسن بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال ابن عباس : ما عام بأكثر مطرا من عام ، ولكنه يصرفه في الآضين ،ثم تلا " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا " .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله " ولقد صرفناه بينهم " قال : المطر ينزله في الأرض ، ولا ينزله في الأرض الأخرى ، قال : فقال عكرمة : صرفناه بينهم ليذكروا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا " قال : المطر مرة ههنا ، مرة ههنا .
حدثنا سعيد بن الربيع الرازي ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن يزيد بن أبي زياد ، أنه سمع أبا جحيفة يقول : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : ليس عام بأمطر من عام ، ولكنه يصرفه ، ثم قال عبد الله " ولقد صرفناه بينهم " .
و أما قوله " فأبى أكثر الناس إلا كفورا " فإن :
القاسم حدثنا : قال ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة " فأبى أكثر الناس إلا كفورا " قال : قولهم في الأنواء .
قوله تعالى : " ولقد صرفناه بينهم " يعني القرآن وقد جرى ذكره في أول السورة : قوله تعالى :" تبارك الذي نزل الفرقان " . وقوله : " لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني " [ الفرقان : 29 ] " اتخذوا هذا القرآن مهجورا " [ الفرقان : 30 ] ." ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا " أي جحوداً له وتكذيباً به . وقيل : " ولقد صرفناه بينهم " هو المطر . روي عن ابن عباس وابن مسعود : وأنه ليس عام بأكثر مطراً من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء ، فما زيد لبعض نقص من غيرهم . فهذا معنى التصريف . وقيل : " صرفناه بينهم " وابلاً وطشاً وطلا ورهاما _ الجوهري : الرهام الأمطار اللينة _ ورذاذا . وقيل : تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب والسقي والزراعات به والطهارات وسقي البساتين والغسل وشبهه . " ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا "قال عكرمة : هو قولهم في الأنواء : مطرنا بنوء كذا . قال النحاس : ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافاً أن الكفر هاهنا قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا ، وأن نظيره فعل النجم كذا ، وأن كل من نسب إليه فعلاً فهو كافر . وروى الربيع بن صبيح قال : مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فلما أصبح قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أصبح الناس فيها رجلين شاكر وكافر فأما الشاكر فيحمد الله تعالى عليه الصلاة والسلام لى سقياه وغيائه وأما الكافر فيقول مطرنا بنوء كذا كذا " .وهذا متفق على صحته بمعناه وسيأتي في الواقعة إن شاء الله وروي من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من سنة بأمطر من أخرى ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي صرف الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار " وقيل : التصريف راجع إلى الريح ، وقد مضى في ( البقرة ) بيانه . وقرأ حمزة و الكسائي : " ليذكروا " مخفقة الذال من الذكر . الباقون مثقلاً من التذكر ؟ أي ليذكروا نعم الله ويعموا أن من أنعم بها لا يجوز الإشراك به ، فالتذكر قريب من الذكر غير أن التذكر يطلق فيما بعد عن القلب فيحتاج الى تكليف في التذكر .
وهذا أيضاً من قدرته التامة وسلطانه العظيم, وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات, أي بمجيء السحاب بعدها, والرياح أنواع في صفات كثيرة من التسخير, فمنها ما يثير السحاب, ومنها ما يحمله, ومنها ما يسوقه, ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشراً, ومنها ما يكون قبل ذلك يقم الأرض, ومنها ما يلقح السحاب ليمطر, ولهذا قال تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء طهوراً" أي آلة يتطهر بها كالسحور والوقود وما جرى مجراهما, فهذا أصح ما يقال في ذلك. وأما من قال إنه فعول بمعنى فاعل, أو إنه مبني للمبالغة والتعدي, فعلى كل منهما إشكالات من حيث اللغة والحكم, ليس هذا موضع بسطها, والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن أبي جعفر الرازي إلى حميد الطويل عن ثابت البناني قال: دخلت مع أبي العالية في يوم مطير, وطرق البصرة قذرة, فصلى فقلت له, فقال "وأنزلنا من السماء ماء طهوراً" قال: طهره ماء السماء, وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا أبو سلمة , حدثنا وهيب عن داود عن سعيد بن المسيب في هذه الاية قال: أنزله الله طهوراً لا ينجسه شيء. وعن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة, وهي بئر يلقى فيها النتن ولحوم الكلاب ؟ فقال "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" رواه الشافعي وأحمد وصححه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي .
وروى ابن أبي حاتم بإسناده: حدثنا أبي , حدثنا أبو الأشعث حدثنا معتمر , سمعت أبي يحدث عن سيار عن خالد بن يزيد قال: كان عند عبد الملك بن مروان فذكروا الماء, فقال خالد بن يزيد : منه من السماء, ومنه يسقيه الغيم من البحر فيغذ به الرعد والبرق, فأما ما كان من البحر فلا يكون له نبات, فأما النبات فمما كان من السماء. وروي عن عكرمة قال: ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة. وقال غيره: في البر بر وفي البحر در.
وقوله تعالى: "لنحيي به بلدة ميتا" أي أرضاً قد طال انتظارها للغيث, فهي هامدة لا نبات فيها ولا شيء فلما جاءها الحياء عاشت واكتست رباها أنواع الأزاهير والألوان, كما قال تعالى: "فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت" الاية, " ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا " أي وليشرب منه الحيوان من أنعام, وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة لشربهم وزروعهم وثمارهم, كما قال تعالى: "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا" الاية, وقال تعالى: "فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها" الاية.
وقوله تعالى: "ولقد صرفناه بينهم ليذكروا" أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه, وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى, فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقاً, والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء, وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة. قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم: ليس عام بأكثر مطراً من عام, ولكن الله يصرفه كيف يشاء, ثم قرأ هذه الاية "ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً" أي ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات, أو ليذكر من منع المطر إنما أصابه ذلك بذنب أصابه, فيقلع عما هو فيه.
وقال عمر مولى غقبة: كان جبريل عليه السلام في موضع الجنائز, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "يا جبريل إني أحب أن أعلم أمر السحاب" قال: فقال له جبريل: يا نبي الله هذا ملك السحاب فسله, فقال: تأتينا صكاك مختمة, اسق بلاد كذا وكذا, كذا وكذا قطرة. رواه ابن أبي حاتم وهو حديث مرسل. وقوله تعالى: "فأبى أكثر الناس إلا كفوراً" قال عكرمة : يعني الذين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا, وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوماً على أثر سماء أصابتهم من الليل "أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر, فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي, كافر بالكواكب, وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا, فذاك كافر بي, مؤمن بالكواكب ".
50- "ولقد صرفناه بينهم ليذكروا" ضمير صرفناه ذهب الجمهور إلى أنه راجع إلى ما ذكر من الدلائل: أي كررنا أحوال الإظلال، وذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر في القرآن وفي سائر الكتب السماوية ليتفكروا ويعتبروا "فأبى أكثر الناس" هم إلا كفران النعمة وجحدها. وقال آخرون: إنه يرجع إلى أقرب المذكورات وهو المطر: أي صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة، فنزيد في بعض البلدان وننقص في بعض آخر منها، وقيل الضمير راجع إلى القرآن، وقد جرى ذكره في أول السورة حيث قال: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده". وقوله: "لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني" وقوله " اتخذوا هذا القرآن مهجورا " والمعنى : ولقد كررنا هذا القرآن بإنزال آياته بين الناس ليذكروا به ويعتبروا بما فيه، فأبى أكثرهم "إلا كفوراً" به، وقيل هو راجع إلى الريح، وعلى رجوع الضمير إلى المطر، فقد اختلف في معناه، فقيل ما ذكرناه. وقيل صرفناه بينهم وابلاً وطشاً وطلاً ورذاذاً، وقيل تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب والسقي والزراعات به والطهارات. قال عكرمة: إن المراد بقوله: " فأبى أكثر الناس إلا كفورا " هو قولهم: في الأنواء مطرنا بنوء كذا. وقرأ عكرمة صرفناه مخففاً، وقرأ الباقون بالتثقيل. وقرأ حمزة والكسائي "ليذكروا" مخففة الذال من الذكر، وقرأ الباقون بالتثقيل من التذكر.
50- "ولقد صرفناه بينهم"، يعني: المطر، مرة ببلد ومرة ببلد آخر. قال ابن عباس: ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه في الأرض، وقرأ هذه الآية. وهذا كما روي مرفوعاً: "ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا السماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء".
وذكر ابن إسحاق وابن جريج ومقاتل وبلغوا به ابن مسعود يرفعه قال: "ليس من سنة بأمطر من أخرى، ولكن الله قسم هذه الأرزاق، فجعلها في السماء الدنيا، في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم، وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار".
وقيل: المراد من تصريف المطر تصريفه وابلاً وطلاً ورذاذاً ونحوها. وقيل: التصريف راجع إلى الريح.
"ليذكروا"، أي: ليتذكروا ويتفكروا في قدرة الله تعالى، "فأبى أكثر الناس إلا كفوراً"، جحوداً، وكفرانهم هو أنهم إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك بن أنس، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء. كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، وكافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب".
50ـ " ولقد صرفناه بينهم " صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن الكريم وسائر الكتب ، أو المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وغيرهما ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : (( ما عام أمطر من عام ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما شاء وتلا هذه الآية )) أو في الأنهار والمنافع . " ليذكروا " ليتفكروا ويعرفوا كمال القدرة وحق النعمة في ذلك ويقوموا بشكره ، أو ليعتبروا بالصرف عنهم وإليهم . " فأبى أكثر الناس إلا كفوراً " إلا كفران النعمة وقلة الاكتراث لها ، أو جحودها بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ، ومن لا يرى الأمطار إلا من الأنواء كان كافراً بخلاف من يرى أنها من خلق الله ، والأنواء وسائط وأمارات بجعله تعالى .
50. And verily We have repeated it among them that they may remember, but most of mankind begrudge aught save in gratitude.
50 - And We have distributed the (water) amongst them, in order that they may celebrate (our) praises, but most men are averse (to aught) but (rank) ingratitude.