51 - (ولقد وصلنا) بينا (لهم القول) القرآن (لعلهم يتذكرون) يتعظون فيؤمنوا
أخرج ابن جرير والطبراني عن رفاعة القرظي قال نزلت ولقد وصلنا لهم القول في عشرة أنا أحدهم وأخرج ابن جرير عن علي بن رفاعة قال خرج عشرة رهط من أهل الكتاب منهم رفاعة يعني أباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا فأوذوا فنزلت الذين آتيناهم الكتاب الآية
وأخرج عن قتادة قال كنا نحدث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على الحق حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فآمنوا منهم عثمان وعبد الله بن سلام
يقول تعالى ذكره: ولقد وصلنا يا محمد لقومك من قريش ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين والنبأ عما أحللنا بهم من بأسنا، إذ كذبوا رسلنا، وعما نحن فاعلون بمن اقتفى آثارهم، واحتذى في الكفر بالله، وتكذيب رسله مثالهم، ليتذكروا فيعتبروا ويتعظوا، وأصله من وصل الحبال بعضها ببعض، ومنه قول الشاعر:
فقل لبني مروان ما بال ذمة وحبل ضعيف مايزال يوصل
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم ببيانهم عن تأويله، فقال بعضهم: معناه: بينا. وقال بعضهم: معناه: فصلنا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكعي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد، قوله " ولقد وصلنا لهم القول " قال: فصلنا لهم القول.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ولقد وصلنا لهم القول " قال: وصل الله لهم القول في هذا القرآن، يخبرهم كيف صنع بمن مضى، وكيف هو صانع، " لعلهم يتذكرون ".
حدثنا القاسم، قال: ثنا محمد بن عيسى أبو جعفر، عن سفيان بن عيينة: وصلنا: بينا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ولقد وصلنا لهم " الخبر، خبر الدنيا بخبر الآخرة، حتى كأنهم عاينوا الآخرة، وشهدوها في الدنيا، بما نريهم من الآيات في الدنيا وأشباهها. وقرأ ( إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة) ( هود: 103) وقال: إنا سوف ننجزهم ما وعدناهم في الآخرة، كما أنجزنا للأنبياء ما وعدناهم، نقضي بينهم وبين قومهم.
واختلف أهل التأويل، فيمن عني بالهاء والميم من قوله " ولقد وصلنا لهم " فقال بعضهم: عنى بهما قريشاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " ولقد وصلنا لهم القول " قال: قريش.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد " ولقد وصلنا لهم القول " قال: لقريش.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون " قال يعني محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: عني بهما اليهود.
ذكر من قال ذلك:
حدثني بشر بن آدم، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن رفاعة القرظي، قال: نزلت هذه الآية في عشرة أنا أحدهم " ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ".
حدثنا ابن سنان، قال: ثنا حيان، قال: ثنا حماد، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، عن عطية القرظي قال: نزلت هذه الآية " ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون " حتى بلغ " إنا كنا من قبله مسلمين " في عشرة أنا أحدهم. فكأن ابن عباس أراد بقوله يعني محمداً، لعلهم يتذكرون عهد الله في محمد إليهم، فيقرون بنبوته ويصدقونه.
وقوله " الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون " يعني بذلك تعالى ذكره قوماً من أهل الكتاب آمنوا برسوله وصدقوه، فقال الذين آتياناهم الكتاب من قبل هذا القرآن، هم بهذا القرآن يؤمنون، فيقرون أنه حق من عند الله، ويكذب جهلة الأميين، الذين لم يأتهم من الله الكتاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
قوله تعالى : " ولقد وصلنا لهم القول " أي أتبعنا بعضه بعضاً ، وبعثنا رسولاً بعد رسول . وقرأ الحسن : ( وصلنا ) مخففاً . وقال أبو عبيدة و الأحفش : معنى ( وصلنا ) أتممنا كصلتك الشيء . وقال ابن عيينة و السدي : بينا . وقاله ابن عباس . وقال مجاهد : فصلنا . وكذلك كان يقرؤها . وقال ابن زيد : وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم في الآخرة في الدنيا . وقال أهل المعاني : والينا وتابعنا وأنزلنا القرآن تبع بعضه بعضاً : وعداً ووعيداً وقصصاً وعبراً ونصائح ومواعظ إرادة أن يتذكروا فيفلحوا . وأصلها من وصل الحبال بعضها ببعض . قال الشاعر :
فقل لبني مروان ما بال ذمة وحبل ضعيف ما يزال يوصل
وقال امرؤ القيس :
درير كخذروف الوليد أمره تقلب كفيه بخيط موصل
والضمير في ( لهم ) لقريش ، عن مجاهد . وقيل : هو لليهود . وقيل : هو لهم جميعاً . و الآية ردعلى من قال هلا أوتي محمد القرآن جملة واحدة . " لعلهم يتذكرون " قال ابن عباس : يتذكرون محمداً فيؤمنوا به . ,قيل : يتذكرون فيخافوا أن ينزل بهم ما نزل لمن قبلهم ، قاله علي بن عيسى . وقيل : يتذكرون فيخافوا أن ينزل لهم ما نزل بمن قبلهم ، قاله علي بن عسى .وقيل : لعلهم بتعظون بالقرآن عند عبادة الأصنام . حكاه النقاش .
يقول تعالى مخبراً عن القوم الذين لو عذبهم قبل قيام الحجة عليهم, لاحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول أنهم لما جاءهم الحق من عنده على لسان محمد صلى الله عليه وسلم, قالوا على وجه التعنت والعناد والكفر والجهل والإلحاد "لولا أوتي مثل ما أوتي موسى" الاية, يعنون ـ والله أعلم ـ من الايات كثيرة مثل العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وتنقيص الزروع والثمار, مما يضيق على أعداء الله, وكفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى إلى غير ذلك من الايات الباهرة, والحجج القاهرة, التي أجراها الله تعالى على يدي موسى عليه السلام حجة وبرهاناً له على فرعون وملئه وبني إسرائيل, ومع هذا كله لم ينجع في فرعون وملئه, بل كفروا بموسى وأخيه هارون, كما قالوا لهما "أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين" وقال تعالى: "فكذبوهما فكانوا من المهلكين" ولهذا قال ههنا: " أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل " أي أو لم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك الايات العظيمة "قالوا سحران تظاهرا" أي تعاونا "وقالوا إنا بكل كافرون" أي بكل منهما كافرون, ولشدة التلازم والتصاحب والمقاربة بين موسى وهارون, دل ذكر أحدهما على الاخر, كما قال الشاعر:
فما أدري إذا يممت أرضاً أريد الخير أيهما يليني
أي فما أدري يليني الخير أو الشر. قال مجاهد بن جبر : أمرت اليهود قريشاً أن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك, فقال الله: " أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا " قال يعني موسى وهارون صلى الله عليهما وسلم "تظاهرا" أي تعاونا وتناصرا وصدق كل منهما الاخر ؟ وبهذا قال سعيد بن جبير وأبو رزين في قوله "ساحران" يعنون موسى وهارون, وهذا قول جيد قوي, والله أعلم. وقال مسلم بن يسار عن ابن عباس " قالوا سحران تظاهرا " قال: يعنون موسى ومحمداً صلى الله عليهما وسلم, وهذه رواية الحسن البصري . وقال الحسن وقتادة : يعني عيسى ومحمداً صلى الله عليهما وسلم, وهذا فيه بعد, لأن عيسى لم يجر له ذكر ههنا, والله أعلم.
وأما من قرأ "سحران تظاهرا" فقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس : يعنون التوارة والقرآن, وكذا قال عاصم الجندي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . قال السدي : يعني صدق كل واحد منهما الاخر. وقال عكرمة : يعنون التوارة والإنجيل, وهو رواية عن أبي زرعة , واختاره ابن جرير . وقال الضحاك وقتادة : الإنجيل والقرآن, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب, والظاهر على قراءة "سحران" أنهم يعنون التوارة والقرآن, لأنه قال بعده: " قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه " وكثيراً ما يقرن الله بين التوارة والقرآن, كما في قوله تعالى: " قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون * وهذا كتاب أنزلناه مبارك " وقال في آخر السورة: "ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن" الاية, وقال: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون" وقال الجن " إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه " وقال ورقة بن نوفل : هذا الناموس الذي أنزل على موسى. وقد علم بالضرورة لذوي الألباب أن الله تعالى لم ينزل كتاباً من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, وهو القرآن, وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران عليه السلام, وهو الكتاب الذي قال الله فيه: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء" والإنجيل إنما أنزل متمماً للتوراة, ومحلاً لبعض ما حرم على بني إسرائيل, ولهذا قال تعالى: " قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين " أي فيما تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل, قال الله تعالى: "فإن لم يستجيبوا لك" أي فإن لم يجيبوك عما قلت لهم, ولم يتبعوا الحق "فاعلم أنما يتبعون أهواءهم" أي بلا دليل ولا حجة "ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله" أي بغير حجة مأخوذة من كتاب الله "إن الله لا يهدي القوم الظالمين".
وقوله تعالى: "ولقد وصلنا لهم القول" قال مجاهد : فصلنا لهم القول. وقال السدي : بينا لهم القول. وقال قتادة : يقول تعالى: أخبرهم كيف صنع بمن مضى, وكيف هو صانع "لعلهم يتذكرون" قال مجاهد وغيره "وصلنا لهم" يعني قريشاً, وهذا هو الظاهر, لكن قال حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن رفاعة , رفاعة هذا هو ابن قرظة القرظي , وجعله ابن مندة : رفاعة بن شموال خال صفية بنت حيي وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا , كذا ذكره ابن الأثير ـ قال: نزلت "ولقد وصلنا لهم القول" في عشرة أنا أحدهم, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديثه.
51- "ولقد وصلنا لهم القول" قرأ الجمهور "وصلنا" بتشديد الصاد، وقرأ الحسن بتخفيفها، ومعنى الآية: أتبعنا بعضه بعضاً وبعثنا رسولاً بعد رسول. وقال أبو عبيدة والأخفش: معناه أتممنا. وقال ابن عيينة والسدي: بينا. وقال ابن زيد. وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا، والأولى أولى. وهو مأخوذ من وصل الحبال بعضها ببعض، ومنه قول الشاعر:
فقل لبني مروان ما بال ذمتي بحبل ضعيف لا تزال توصل
وقال امرؤ القيس:
يقلب كفيه بخيط موصل
والضمير في لهم عائد إلى قريش، وقيل إلى اليهود، وقيل للجميع "لعلهم يتذكرون" فيكون التذكر سبباً لإيمانهم مخافة أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم.
51- "ولقد وصلنا لهم القول"، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بينا. قال الفراء: أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً. قال قتادة: وصل لهم القول في هذا القرآن، يعني كيف صنع بمن مضى. قال مقاتل: بينا لكفار مكة بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم. وقال ابن زيد: وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا، "لعلهم يتذكرون".
51 -" ولقد وصلنا لهم القول " أتبعنا بعضه بعضاً في الإنزال ليتصل التذكير ، أو في النظم لتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر . " لعلهم يتذكرون " فيؤمنون ويطيعون .
51. And now verily We have caused the Word to reach them, that haply they may give heed.
51 - Now have We caused the World to reach them themselves, in order that they may receive admonition.