51 - (ترجي) بالهمزة والياء بدله تؤخر (من تشاء منهن) أي ازواجك عن نوبتها (وتؤوي) تضم (إليك من تشاء) منهن فتأتيها (ومن ابتغيت) طلبت (ممن عزلت) من القسمة (فلا جناح عليك) في طلبها وضمها إليك خير في ذلك بعد أن كان القسم واجبا عليه (ذلك) التخيير (أدنى) أقرب إلى (أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن) ما ذكر المخير فيه (كلهن) تأكيد للفاعل في يرضين (والله يعلم ما في قلوبكم) من أمر النساء والميل إلى بعضهن وإنما خيرناك فيهن تيسيرا عليك في كل مما أردت (وكان الله عليما) بخلقه (حليما) عن عقابهم
قوله تعالى ترجى من تشاء أخرج الشيخان عن عائشة انها كانت تقول أما تستحي المرأة أن تهب نفسها فأنزل الله ترجى من تشاء الآية فقالت عائشة أرى ربك يسارع لك في هواك
وأخرج ابن سعد عن أبي رزين قال هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق من نسائه فلما رأين ذلك جعلنه في حل من أنفسهن يؤثر من يشاء على من يشاء فأنزل الله إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله ترجى من تشاء منهن الآية
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " فقال بعضهم: عنى بقوله: ترجي: تؤخر، وبقوله تؤوي: تضم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " ترجي من تشاء منهن " يقول: تؤخر.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " ترجي من تشاء منهن " قال: تعزل بغير طلاق من أزواجك من تشاء " وتؤوي إليك من تشاء " قال: تردها إليك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " قال: فجعله الله في حل من ذلك أن يدع من يشاء منهن، ويأتي من يشاء منهن بغير قسم، وكان نبي الله يقسم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن أبي رزين " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " قال: لما أشفقن أن يطلقهن، قلن: يا نبي الله، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، فكان ممن أرجأ منهن سودة بنت زمعة، وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان ممن آوى غليه: عائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " فما شاء صنع في القسمة بين النساء، أحل الله له ذلك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي رزين، في قوله " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " وكان ممن آوى عليه الصلاة و السلام: عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة، فكان قسمه من نفسه لهن سوى قسمه، وكان من أرجى: سودة، وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، فكان يقسم لهن ما شاء، وكان أراد أن يفارقهن، فقلن: اقسم لنا من نفسك ما شئت، ودعنا نكون على حالنا.
وقال آخرون: معنى ذلك: تطلق وتخلي سبيل من شئت من نسائك، وتمسك من شئت منهن فلا تطلق.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله " ترجي من تشاء منهن " أمهات المؤمنين " وتؤوي إليك من تشاء " يعني: نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويعني بالإرجاء: من شئت خليت سبيله منهن، ويعني بالإيواء: يقول: من أحببت أمسكت منهن.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تترك نكاح من شئت، وتنكح من شئت من نساء أمتك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن في قوله " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لرجل أن يخطبها حتى يتزوجها أويتركها. وقيل: إن ذلك إنما جعل الله لنبيه حين غار بعضهن على النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب بعضهن من النفقة زيادة على الذي كان يعطيها، فأمره الله أن يخيرهن بين الدار الدنيا والآخرة، وأن يخلي سبيل م اختار الحياة الدنيا وزينتها، ويمسك من اختار الله ورسوله، فلما اخترن الله ورسوله قيل لهن: اقررن الآن على الرضا بالله وبرسوله، قسم لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لم يقسم، أو قسم لبعضكن، ولم يقسم لبعضكن، وفضل بعضكن على بعض في النفقة، أو لم يفضل، سوى بينكن، أو لم يسو، فإن الأمر في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس لكم من ذلك شيء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر مع ما جعل الله له من ذلك، يسوي بينهن في القسم إلا امرأة منهن أراد طلاقها، فرضيت بترك القسم لها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلق أزواجه، قلن له: افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، فأمره الله فآوى أربعاً، وأرجى خمساً.
حدثنان سفيان بن وكيع، قال: ثنا عبيدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ حتى أنزل الله " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " قلت: إن ربك ليسارع في هواك.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، يعني العبدي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها كانت تعير النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: أما تستحي امرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فنزلت، أو فأنزل الله " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت " فقلت: إني لأرى ربك يسارع لك في هواك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " ... الآية، قال: كان أزواجه قد تغايرن على النبي صلى الله عليه وسلم، فهجرهن شهراً، ثم نزل التخير من الله له فيهن، فقرأ حتى بلغ " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " فخيرهن بين أن يخترن أن يخلي سبيلهن ويسرحهن وبين أن يقمن إن أردن الله ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين، لا ينحكن أبداً، وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن ممن وهبت نفسها له حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجي من يشاء، حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ومن ابتغى ممن هي عنده وعزل فلا جناح عليه ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن، ويرضين إذا علمن أنه من قضائي عليهن إيثار بعضهن على بعض " ذلك أدنى أن " يرضين، قال " ومن ابتغيت " ممن عزلت، من ابتغى أصابه، ومن عزل لم يصبه، فخيرهن بين أن يرضين بهذا، أو يفارقهن، فاخترن الله ورسوله، إلا امرأة واحدة بدوية ذهبت. وكان على ذلك صلوات الله عليه، وقد شرط الله له هذا الشرط، ما زال يعدل بينهن حتى لقي الله.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره جعل لنبيه أن يرجي من النساء اللواتي أحلهن له من يشاء، ويؤوي إليه منهن من يشاء، وذلك أنه لم يحصر معنى الإرجاء والإيواء على المنكوحات اللواتي كن في حباله، عند ما نزلت هذه الآية دون غيرهن ممن يستحدث إيواؤها أو إرجاؤها منهن. وإذ كان ذلك كذلك، فمعنى الكلام: تؤخر من تشاء ممن وهبت نفسها لك، وأحللت لك نكاحها، فلا تقبلها ولا تنكحها، أو ممن هن في حبالك، فلا تقر بها، وتضم إليك من تشاء ممن وهبت نفسها لك، أو أردت من النساء اللاتي أحللت لك نكاحهن، فتقبلها أو تنكحها، وممن هي في حبالك فتجامعها إذا شئت، وتتركها إذا شئت بغير قسم.
وقوله " ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن نكحت من نسائك فجامعت، ممن لم تنكح فعزلته عن الجماع، فلا جناح عليك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله " ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك " قال: جميعاً هذه في نسائه، إن شاء أتى من شاء منهن، ولا جناح عليه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ومن ابتغيت ممن عزلت " قال: ومن ابتغى أصابه، ومن عزل لم يصبه.
وقال آخرون: معنى ذلك: ومن استبدلت ممن أرجيت، فخليت سبيله من نسائك، أو ممن مات منهن ممن أحللت لك فلا جناح عليك.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن " يعني بذلك: النساء اللاتي أحل الله له من بنات العم والعمة والخال والخالة "اللاتي هاجرن معك " يقول: إن مات من نسائك اللاتي عندك أحد، أو خليت سبيله، فقد أحللت لك أن تستبدل من اللاتي أحللت لك مكان من مات من نسائك اللاتي هن عندك، أو خليت سبيله منهن، ولا يصلح لك أن تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك شيئاً.
وأولى التأويلين بالصواب في ذلك، تأويل من قال: معنى ذلك: ومن ابتغيت إصابته من نسائك " ممن عزلت " عن ذلك منهن " فلا جناح عليك " لدلالة قوله " ذلك أدنى أن تقر أعينهن " على صحة ذلك، لأنه لا معنى لأن تقر أعينهن إذا هو صلى الله عليه وسلم استبدل بالميتة أو المطلقة منهن، إلا أن يعني بذلك: ذلك أدنى أن تقر أعين المنكوحة منهن، وذلك مما يدل عليه ظاهر التنزيل بعيد.
وقوله " ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن " يقول: هذا الذي جعلت لك يا محمد من إذني لك أن ترجي من تشاء من النساء اللواتي جعلت لك إرجاءهن، وتؤوي من تشاء منهن، ووضعي عنك الحرج في ابتغائك إصابة من ابتغيت إصابته من نسائك، وعزلك عن ذلك من عزلت منهن، أقرب لنسائك أن تقر أعينهن به ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن من تفضيل من فضلت من قسم، أو نفقة، وإيثار من آثرت منهم بذلك على غيره من نسائك، إذا هن علمن أنه من رضاي منك بذلك، وإذني لك به، وإطلاق مني لا من قبلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن " إذا علمن أن هذا جاء من الله لرخصة، كان أطيب لأنفسهن، وأقل لحزنهن.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ذلك، نحوه.
والصواب من القراءة في قوله " بما آتيتهن كلهن " الرفع غير جائز غيره عندنا، وذلك أن كلهن ليس بنعت للهاء في قوله " آتيتهن "، وإنما معنى الكلام: ويرضين كلهن، فإنما هو توكيد لما في يرضين من ذكر النساء، وإذا جعل توكيداً للهاء التي في آتيتهن لم يكن له معنى، والقراءة بنصبه غير جائزة لذلك، ولإجماع الحجة من القراء على تخطئة قارئه كذلك.
وقوله " والله يعلم ما في قلوبكم " يقول: والله يعلم ما في قلوب الرجال من ميلها إلى بعض من عنده من النساء دون بعض بالهوى والمحبة، يقول: فلذلك وضع عنك الحرج يا محمد فيما وضع عنك من ابتغاء من ابتغيت منهن ممن عزلت، تفضلاً منه عليك بذلك وتكرمة " وكان الله عليما " يقول: وكان الله ذا علم بأعمال عباده، وغير ذلك من الأشياء كلها " حليما " يقول: ذا حلم على عباده، أن يعاجل أهل الذنوب منهم بالعقوبة، ولكنه ذو حلم وأناة عنهم، ليتوب من تاب منهم، وينيت من ذنوبه من أناب منهم.
" ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما "
فيه إحدى عشرة مسألة:الأولى: قوله تعالى: " ترجي من تشاء" قرىء مهموزاً وغير مهموز، وهما لغتان، يقال: أرجيت الأمر وارجأته إذا أخرته. " وتؤوي " تضم، يقال: آوى إليه (ممدودة الألف) ضم إليه. وأوى (مقصورة الألف) انضم إليه.
الثانية: واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، وأصح ما قيل فيها. التوسعة على النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القسم، فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته. وهذا القول هو الذي يناسب ما مضى، وهو الذي ثبت معناه في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها؟ قالت:كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: أوتهب المرأة نفسها لرجل؟ فلما أنزل الله عز وجل: " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت " قالت: قلت والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. قال ابن العربي: هذا الذي ثبت في الصحيح هو الذي ينبغي أن يعول عليه. والمعنى المراد: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيرًا في أزواجه، إن شاء أن يقسم قسم، وإن شاء أن يترك القسم ترك. فخص النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعل الأمر إليه فيه، لكنه كان يقسم من قبل نفسه دون أن يفرض ذلك عليه، تطييبًا لنفوسهن، وصونا لهن عن أقوال الغيرة التي تؤدي إلى ما لا ينبغي. وقيل: كان القسم واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسخ الوجوب عنه بهذا الآية. قال أبو رزين: كان" رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم بطلاف بعض نسائه فقلن له: اقسم لنا ما شئت. فكان ممن اوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، فكان قسمتهن من نفسه وماله سواء بينهن". وكان ممن أرجى سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية فكان يقسم لهن ما شاء. وقيل: المراد الواهبات. روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله: ترجي من تشاء منهن قالت: هذا في الواهبات أنفسهن. قال الشعبي: هن الواهبات أنفسهن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن وترك منهن. وقال الزهري: ما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ أحدا من أزواجه، بل آواهن كلهن. وقال ابن عباس وغيره: المعنى في طلاق من شاء ممن حصل في عصمته، وإمساك من شاء. وقيل غير هذا. وعلى كل معنى فالآية معناها التوسعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإباحة. وما اخترناه أصح والله أعلم.
الثالثة: ذهب هبة الله في الناسخ والمنسوخ إلى أن قوله: " ترجي من تشاء " الآية، ناسخ لقوله: " لا يحل لك النساء من بعد " (الأحزاب: 52) الآية. وقال: ليس في كتاب الله ناسخ تقدم المنسوخ سوى هذا. وكلامه يضعف من جهات. وفي البقرة عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر، وهو ناسخ للحول وقد تقدم عليه.
الرابعة: قوله تعالى: "ومن ابتغيت ممن عزلت" ابتغيت طلبت والابتغاء الطلب. وعزلت أزلت والعزلة الإزالة، أي إن أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن من القسمة وتضمها إليك فلا بأس عليك في ذلك. وكذلك حكم الإرجاء، فدل أحد الطرفين على الثاني.
الخامسة: قوله تعالى: "فلا جناح عليك" أي لا ميل، يقال: جنحت السفينة أي مالت إلى الأرض. أي لا ميل عليك باللوم والتوبيخ.
السادسة: قوله تعالى: "ذلك أدنى أن تقر أعينهن " قال قتادة وغيره: أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا؟ لأنهن إذا علمن أن الفعل من الله قرت أعينهن بذلك ورضين لأن المرء إذا علم أنه لا حق له في شيء كان راضيا بما أوتي منه وإن قل. وإن علم أن له حقا لم يقنعه ما أوتي منه، واشتدت غيرته عليه وعظم حرصه فيه. فكان ما فعل الله لرسوله من تفويض الأمر إليه في أحوال أزواجه أقرب إلى رضاهن معه، وإلى استقرار أعينهن بما يسمح به لهن، دون أن تتعلق قلوبهن بأكثر منه. وقرىء: تقر أعينهن بضم التاء ونصب الأعين. وتقر أعينهن على البناء للمفعول. وكان" عليه السلام مع هذا يشدد على نفسه في رعاية التسوية بينهن، تطييبًا لقلوبهن كما قدمناه ويقول: اللهم هذه قدرتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " يعني قلبه لإيثاره عائشة رضي الله عنها دون أن يكون يظهر ذلك في شيء من فعله. وكان في مرضه الذي توفي فيه يطاف به محمولاً على بيوت أزواجه، إلى أن استأذنهن أن يقيم في بيت عائشة. قالت عائشة: أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها يعني بيت عائشة- فاذن له الحديث، خرجه الصحيح. وفي الصحيح أيضًا عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد، يقول: أين أنا اليوم اين أنا غدا" استبطاء
ليوم عائشة رضي الله عنها. قالت: فلما كان يومي قبضه الله تعالى بين سحري ونحري صلى الله عليه وسلم.
السابعة: على الرجل أن يعدل بين نسائه لكل واحدة منهن يومًا وليلة؟ هذا قول عامة العلماء. وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار. ولا يسقط حق الزوجة مرضها ولا حيضها، ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها. وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته؟ إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض، فإذا صح استأنف القسم. والإماء والحرائر والكتابيات والمسلمات في ذلك سواء. قال عبد الملك: للحرة ليلتان وللأمة ليلة. وأما السراري فلا قسم بينهن ويين الحرائر، ولا حظ لهن فيه.
الثامنة: ولا يجمع بينهن في منزل واحد إلا برضاهن، ولا يدخل لإحداهن في يوم الأخرى وليلتها لغير حاجة. واختلف في دخوله لحاجة وضرورة فالأكثرون على جوازه مالك وغيره. وفي كتاب ابن حبيب منعه. وروى ابن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان، فإذا كان يوم هذه لم يشرب من بيت الأخرى الماء. قال ابن بكير: وحدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان ماتتا في الطاعون. فأسهم بينهما أيهما تدلى أول.
التاسعة: قال مالك: ويعدل بينهن في النفقة والكسوة إذا كن معتدلات الحال، ولا يلزم ذلك في المختلفات المناصب. وأجاز مالك أن يفضل إحداهما في الكسوة على غير وجه الميل. فأما الحب والبغض فخارجان عن الكسب فلا يتأتى العدل فيهما، وهو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم في قسمه:"اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ". أخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها. وفي كتاب أبي داود يعني القلب ، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " (النساء: 129)، وقوله تعالى: "والله يعلم ما في قلوبكم ". وهذا هو وجه تخصيصه بالذكر هنا، تنبيها منه لنا على أنه يعلم ما في قلوبنا من ميل بعضنا إلى بعض من عندنا من النساء دون بعض، وهو العالم بكل شيء " لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء " (آل عمران: 5 ) "يعلم السر وأخفى" (طه: 7) لكنه سمح في ذلك، إذ لا يستطيع العبد أن يصرف قلبه عن ذلك الميل، وإلى ذلك يعود قوله: "وكان الله غفورا رحيما". وقد قيل في قوله: "ذلك أدنى أن تقر أعينهن " وهي:العاشرة: أي ذلك أقرب ألا يحزن إذا لم يجمع إحداهن مع الأخرى ويعاين الأثرة والميل. وروى ابو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ".
" ويرضين بما آتيتهن كلهن " توكيد للضمير، أي ويرضين كلهن. وأجاز أبو حاتم والزجاج ويرضين بما آتيتهن كلهن على التوكيد للمضمر الذي في آتيتهن . والفراء لا يجيزه، لأن المعنى ليس عليه، إذ كان المعنى وترضى كل واحدة منهن، وليس المعنى بما أعطيتهن كلهن النحاس والذي قاله حسن.
الحادية عشرة: قوله تعالى: " والله يعلم ما في قلوبكم " خبر عام، والإشارة إلى ما في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من محبة شخص دون شخص. وكذلك يدخل في المعنى أيضاً المؤمن. وفي البخاري عن عمرو بن العاص:أن "النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك فقال: عائشة فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب... " فعد رجالا. وقد تقدم القول في القلب بما فيه كفاية في أول البقرة ، وفي أول هذه السورة. يروى أن لقمان الحكيم كان عبدًا نجارًا قال له سيده: اذبح شاة وائتني بأطيبها بضعتين، فأتاه باللسان والقلب. ثم أمره بذبح شاة أخرى فقال له: ألق أخبثها بضعتين، فألقى اللسان والقلب. فقال: أمرتك أن تأتيني بأطيبها بضعتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي بأخبثها بضعتين فألقيت اللسان والقلب!؟ فقال: ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بشر , حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغير من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق ؟ فأنزل الله عز وجل "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء" الاية, قالت: إني أرى ربك يسارع لك في هواك. وقد تقدم أن البخاري رواه من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة , فدل هذا على أن المراد بقوله: "ترجي" أي تؤخر "من تشاء منهن" أي من الواهبات "وتؤوي إليك من تشاء" أي من شئت قبلتها ومن شئت رددتها, ومن رددتها فأنت فيها أيضاً بالخيار بعد ذلك إن شئت عدت فيها فآويتها, ولهذا قال: "ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك".
قال عامر الشعبي في قوله تعالى: "ترجي من تشاء منهن" الاية, كن نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم, فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهن لم ينكحن بعده, منهن أم شريك وقال آخرون: بل المراد بقوله "ترجي من تشاء منهن" الاية, أي من أزواجك لا حرج عليك أن تترك القسم لهن, فتقدم من شئت وتؤخر من شئت, وتجامع من شئت وتترك من شئت, هكذا يروى عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبي رزين وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم, ومع هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لهن, ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجباً عليه صلى الله عليه وسلم, واحتجوا بهذه الاية الكريمة.
وقال البخاري : حدثنا حبان بن موسى , حدثنا عبد الله هو ابن المبارك , وأخبرنا عاصم الأحول عن معاذ عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يستأذن في اليوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الاية "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك" فقلت لها: ما كنت تقولين ؟ فقالت: كنت أقول إن كان ذلك إلي فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحداً, فهذا الحديث عنها يدل على أن المراد من ذلك عدم وجود القسم, وحديثها الأول يقتضي أن الاية نزلت في الواهبات, ومن ههنا اختار ابن جرير أن الاية عامة في الواهبات وفي النساء, اللاتي عنده أنه مخير فيهن إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم, وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي, وفيه جمع بين الأحاديث, ولهذا قال تعالى: "ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن" أي إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم, فإن شئت قسمت وإن شئت لم تقسم, لا جناح عليك في أي ذلك فعلت, ثم مع هذا أن تقسم لهن اختياراً منك, لا أنه على سبيل الوجوب, فرحن بذلك واستبشرن به, وحملن جميلك في ذلك, واعترفن بمنتك عليهن في قسمتك لهن وتسويتك بينهن وإنصافك لهن وعدلك فيهن.
وقوله تعالى: "والله يعلم ما في قلوبكم" أي من الميل إلى بعضهن دون بعض مما لا يمكن دفعه, كما قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد , حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل, ثم يقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" ورواه أهل السنن الأربعة من حديث حماد بن سلمة , وزاد أبو داود بعد قوله : " فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب. وإسناده صحيح, ورجاله كلهم ثقات, ولهذا عقب ذلك بقوله تعالى: "وكان الله عليماً" أي بضمائر السرائر "حليماً" أي يحلم ويغفر.
51- "ترجي من تشاء منهن" قرئ " ترجي " مهموزاً وغير مهموز، وهما لغتان، والإرجاء التأخير، يقال: أرجأت الأمر وأرجيته: إذا أخرته "وتؤوي إليك من تشاء" أي تضم إليك، يقال آواه إليه بالمد: ضمه إليه، وأوى مقصوراً: أي ضم إليه، والمعنى: أن الله وسع على رسوله وجعل الخيار إليه في نسائه، فيؤخر من شاء منهن ويؤخر نوبتها ويتركها ولا يأتيها من غير طلاق، ويضم إليه من شاء منهن ويضاجعها ويبيت عندها، وقد كان القسم واجباً عليه حتى نزلت هذه الآية، فارتفع الوجوب وصار الخيار إليه، وكان ممن أوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، وممن أرجأه سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية، فكان صلى الله عليه وسلم يسوي بين من آواه في القسم، وكان يقسم لمن أرجأه ما شاء. هذا قول جمهور المفسرين في معنى الآية، وهو الذي دلت عليه الأدلة الثابتة في الصحيح وغيره. وقيل هذه الآية في الواهبات أنفسهن، لا في غيرهن من الزوجات. قاله الشعبي وغيره. وقيل معنى الآية في الطلاق: أي تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء. وقال الحسن: أن المعنى: تنكح من شئت من نساء أمتك وتترك نكاح من شئت منهن. وقد قيل إن هذه الآية ناسخة لقوله: "لا يحل لك النساء من بعد" وسيأتي بيان ذلك "ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك" الابتغاء الطلب، والعزل الإزالة، والمعنى: أنه إن أراد أن يؤوي إلأيه امرأة ممن قد عزلهن من القسمة ويضمها إليه فلا حرج عليه في ذلك. والحاصل أن الله سبحانه فوض الأمر إلى رسوله يصنع في زوجاته ما شاء من تقديم وتأخير، وعزل وإمساك، وضم من أرجأ، وإرجاء من ضم إليه، وما شاء في أمرهن فعل توسعة عليه ونفياً للحرج عنه. وأصله الجناح الميل، يقال جنحت السفينة: إذا مالت. والمعنى: لا ميل عليك بلوم ولا عتب فيما فعلت، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما تقدم من التفويض إلى مشيئته، وهو مبتدأ وخبره "أن تقر أعينهن" أي ذلك التفويض الذي فوضناك أقرب إلى رضاهن لأنه حكم الله سبحانه. قال قتادة: أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا، لأنهن إذا علمن أنه من الله قرت أعينهن. قرأ الجمهور تقر على البناء للفاعل مسندأ إلى أعينهن، وقرأ ابن محيصن تقر بضم التاء من أقرر وفاعله ضمير المخاطب ونصب أعينهن على المفعولية، وقرئ على البناء للمفعول. وقد تقدم بيان معنى قرة العين في سورة مريم، "و" معنى "لا يحزن" لا يحصل معهن حزن بتأثيرك بعضهن دون بعض "ويرضين بما آتيتهن كلهن" أي يرضين جميعاً بما أعطيتهن من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء. قرأ الجمهور "كلهن" بالرفع تأكيداً لفاعل يرضين. وقرأ أبو إياس بالنصب تأكيداً لضمير المفعول في آتيتهن "والله يعلم ما في قلوبكم" من كل ما تضمرونه، ومن ذلك ما تضمرونه من أمور النساء "وكان الله عليماً" بكل شيء لا تخفى عليه خافية "حليماً" لا يعاجل العصاة بالعقوبة.
51- "ترجي"، أي: تؤخر، "من تشاء منهن وتؤوي"، أي: تضم، "إليك من تشاء".
اختلف المفسرون في معنى الآية: فأشهر الأقاويل أنه في القسم بينهن، وذلك أن التسوية بينهن في القسم كان واجباً عليه، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن.
قال أبو رزين، وابن زيد: نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب بعضهن زيادة النفقة، فهجرهن النبي صلى الله عليه وسلم شهراً حتى نزلت آية التخيير، فأمره الله عز وجل أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة، وأن يخلي سبيل من اختارت الدنيا ويمسك من اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، على أنهن أمهات المؤمنين ولا ينكحن أبداً، وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن، ويرجي من يشاء، فيرضين به قسم لهن أو لم يقسم، أو قسم لبعضهن دون بعض، أو فضل بعضهن في النفقة والقسمة، فيكون الأمر في ذلك إليه فيفعل كيف يشاء، وكان ذلك من خصائصه فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط.
واختلفوا في أنه هل أخرج أحداً منهن عن القسم؟ فقال بعضهم: لم يخرج أحداً، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -مع ما جعله الله له من ذلك- يسوي بينهن في القسم إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم، وجعلت يومها عائشة.
وقيل: أخرج بعضهن.
روى جرير عن منصور عن أبي رزين قال: لما نزل التخيير أشفقن أن يطلقهن، فقلن: يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا، فنزلت هذه الآية، فأرجى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهن وآوى إليه بعضهن، وكان ممن آوى إليه: عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة، فكان يقسم بينهن سواء، وأرجى منهن خمساً: أم حبيبة، وميمونة، وسودة، وصفية وجويرية، فكان يقسم لهن ما شاء.
وقال مجاهد: ترجي من تشاء منهن يعني: تعزل من تشاء منهن بغير طلاق، وترد إليك من تشاء بعد العزل بلا تجديد عقد.
وقال ابن عباس: تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء.
وقال الحسن: تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من نساء أمتك.
وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن سلام، أخبرنا ابن فضيل، أخبرنا هشام عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت: "ترجي من تشاء منهن"، قلت: يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
قوله عز وجل: "ومن ابتغيت ممن عزلت"، أي: طلبت وأردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن عن القسم، "فلا جناح عليك" لا إثم عليك، فأباح الله له ترك القسم لهن حتى إنه ليؤخر من يشاء منهن في نوبتها ويطأ من يشاء منهن في غير نوبتها، ويرد إلى فراشه من عزلها تفضيلاً له على سائر الرجال، "ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن"، أي: التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمنم أن ذلك من الله عز وجل، "ويرضين بما آتيتهن"، أعطيتهن، "كلهن"، من تقرير وإرجاء وعزل وإيواء، "والله يعلم ما في قلوبكم"، من أمر النساء والميل إلى بعضهن، "وكان الله عليماً حليماً".
51 -" ترجي من تشاء منهن " تؤخرها وتترك مضاجعتها . " وتؤوي إليك من تشاء " وتضم إليك من تشاء وتضاجعها ، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء . وقرأ نافع و حمزة و الكسائي و حفص (( ترجي )) بالياء والمعنى واحد . " ومن ابتغيت " طلبت . " ممن عزلت " طلقت بالرجعة . " فلا جناح عليك " في شيء من ذلك . " ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن " ذلك التفويض إلى مشيئتك أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعاً ، لأن حكم كلهن فيه سواء ، ثم إن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلاً منك وإن رجحت بعضهن علمن أنه حكم الله تعالى فتطمئن به نفوسهم ، وقرئ (( تقر )) بضم التاء و (( أعينهن )) بالنصب و (( تقر )) بالبناء للمفعول و (( كلهن )) تأكيد نون " يرضين " . وقرئ بالنصب تأكيداً لهن . " والله يعلم ما في قلوبكم " فاجتهدوا في إحسانه . " وكان الله عليماً " بذات الصدور . " حليماً " لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقى .
51. Thou canst defer whom thou wilt of them and receive unto thee whom thou wilt, and whomsoever thou desirest of those whom thou hast set aside (temporarily), it is no sin for thee (to receive her again); that is better; that they may be comforted and not grieve, and may all be pleased with what thou givest them. Allah knoweth what is in your hearts (O men) and Allah is Forgiving, Clement.
51 - Thou mayest defer (the turn of) any of them that thou pleasest, and thou mayest receive any thou pleasest: and there is no blame on thee if thou invite one whose (turn) thou hadst set aside. This were nigher to the cooling of their eyes, The prevention of their grief, and their satisfaction that of all of them with that which thou hast to give them and God knows (all) that is in your hearts: and God is All knowing, Most Forbearing.