ونزل في كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر وحرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) ضمان لقريش (ويقولون للذين كفروا) أبي سفيان وأصحابه حين قالوا لهم أنحن أهدى سبيلا ونحن ولاة نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني ونفعل أم محمد وقد خالف دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم (هؤلاء) أي أنتم (أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) أقوم طريقا
قوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا الآية ك أخرج أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش ألا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية قال أنتم خير فنزلت فيهم إن شانئك هو الأبتر ونزلت ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب إلى نصيرا
وأخرج ابن إسحق عن ابن عباس قال كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع والربيع بن أبي الحقيق وابو عمارة وهوذه بن قيس وكان سائرهم من بني النضير فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأولى فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد فسألوهم فقالوا دينكم خير دين من دينه وانتم أهدى منه وممن اتبعه فأنزل الله ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب إلى قوله ملكا عظيما
ك وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال قال أهل الكتاب زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا فأنزل الله أم يحسدون الناس الآية وأخرج ابن سعد عن عمر مولى عفرة نحوه أبسط منه
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ألم تر بقلبك ، يا محمد، إلى الذين أعطوا حظا من كتاب الله فعلموه ، "يؤمنون بالجبت والطاغوت"، يعني : يصدقون بالجبت والطاغوت ، ويكفرون بالله ، وهم يعلمون أن الإيمان بهما كفر، والتصديق بهما شرك.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى "الجبت" و"الطاغوت".
فقال بعضهم : هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، أخبرني أيوب ، عن عكرمة أنه قال: "الجبت" و"الطاغوت"، صنمان .
وقال آخرون : "الجبت" الأصنام ، و"الطاغوت" تراجمة الأصنام.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد، قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت" "الجبت" الأصنام ، و"الطاغوت"، الذين يكونون بين أيدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس .
وزعم رجال أن "الجبت" الكاهن ، و "الطاغوت"، رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف ، وكان سيد اليهود .
وقال آخرون : "الجبت" السحر، و "الطاغوت" الشيطان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن شعبة، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد قال : قال عمر رحمه الله : "الجبت" السحر، و"الطاغوت" الشيطان.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد العبسي ، عن عمر مثله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الملك ، عمن حدثه ، عن مجاهد قال : "الجبت" السحر، و"الطاغوت" الشيطان .
حدثني يعقوب قال ، أخبرنا هشيم قال ، أخبرنا زكريا، عن الشعبي قال : "الجبت"، السحر ، و "الطاغوت"، الشيطان.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله "يؤمنون بالجبت والطاغوت"، قال : "الجبت" السحر، و "الطاغوت"، الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه ، وهو صاحب أمرهم .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد قال : "الجبت" ، السحر، و "الطاغوت" ، الشيطان والكاهن .
وقال آخرون : "الجبت" ، الساحر، و "الطاغوت" ، الشيطان.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: كان أبي يقول : "الجبت"، الساحر ، و"الطاغوت" ، الشيطان.
وقال آخرون : "الجبت" ، الساحر، و"الطاغوت"، الكاهن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سيد بن جبير في هذه الآية : "الجبت والطاغوت"، قال : "الجبت" الساحر، بلسان الحبشة، و"الطاغوت" ، الكاهن .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود، عن رفيع قال: "الجبت"، الساحر ، و"الطاغوت"، الكاهن .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثني عبد الأعلى قال ، حدثنا داود، عن أبي العالية أنه قال: "الطاغوت" الساحر، و"الجبت" الكاهن .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن داود، عن أبي العالية، في قوله : "الجبت والطاغوت"، قال : أحدهما السحر، والآخر الشيطان.
وقال آخرون : "الجبت" الشيطان ، و "الطاغوت" الكاهن.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "يؤمنون بالجبت والطاغوت"، كنا نحدث أن الجبت شيطان ، والطاغوت الكاهن .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : "الجبت" الشيطان ، و "الطاغوت" الكاهن .
وقال آخرون : "الجبت" الكاهن ، و"الطاغوت" الساحر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير قال : "الجبت" الكاهن ، و "الطاغوت" الساحر.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا حماد بن مسعدة قال ، حدثنا عوف ، عن محمد قال في الجبت والطاغوت ، قال : "الجبت" الكاهن ، والآخر الساحر . وقال آخرون : "الجبت" حيي بن أخطب ، و "الطاغوت" ، كعب بن الأشرف .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبدالله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، في ابن عباس قوله : "يؤمنون بالجبت والطاغوت" ، "الطاغوت": كعب بن الأشرف ، و"الجبت" : حيي بن أخطب .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قال : "الجبت" : حيي بن أخطب ، و"الطاغوت" :كعب بن الأشرف.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال ، أخبرنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله : "الجبت والطاغوت"، قال : "الجبت": حيي بن أخطب ، و"الطاغوت":كعب بن الأشرف .
وقال آخرون : "الجبت" كعب بن الأشرف ، و "الطاغوت" الشيطان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن ليث ، عن مجاهد قال : "الجبت": كعب بن الأشرف ، و"الطاغوت": الشيطان ، كان في صورة إنسان.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل : "يؤمنون بالجبت والطاغوت"، أن يقال : يصدقون بمعبودين من دون الله ، يعبدونهما من دون الله ، ويتخذونهما إلهين.
وذلك أن "الجبت" و"الطاغوت": اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله ، أو طاعة ، أو خضوع له ، كائنا ما كان ذلك المعظم ، من حجر أو إنسان أو شيطان . وإذ كان ذلك كذلك ، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها، كانت معظمة بالعبادة من دون الله ، فقد كانت جبوتاً وطواغيت . وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله ، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولاً منهما ما قالا في أهل الشرك بالله . وكذلك حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله ، فكانا جبتين وطاغوتين.
وقد بينت الأصل الذي منه قيل للطاغوت : طاغوت ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ويقولون للذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: "هؤلاء"، يعني بذلك : هؤلاء الذين وصفهم الله بالكفر، "أهدى"، يعني : أقوم وأعدل ، "من الذين آمنوا"، يعني : من الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، "سبيلا"، يعني : طريقاً.
قال أبو جعفر: وإنما ذلك مثل . ومعنى الكلام : أن الله وصف الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من اليهود، بتعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة، في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، بأنهم قالوا : إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به ، وأن دين أهل التكذيب لله ولرسوله ، أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ولرسوله.
وذكر أن ذلك من صفة كعب بن الأشرف ، وأنه قائل ذلك.
ذكر الآثار الواردة بما قلنا :
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت له قريش : أنت حبر أهل المدينة وسيدهم ؟ قال : نعم . قالوا: ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه ، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية؟ قال : أنتم خير منه . قال : فأنزلت : "إن شانئك هو الأبتر" [الكوثر: 3]، وأنزلت : "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت"، إلى قوله : "فلن تجد له نصيرا".
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود، عن عكرمة في هذه الآية: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب"، ثم ذكر نحوه.
وحدثني إسحاق بن شاهين قال ، أخبرنا خالد الواسطي ، عن داود، عن عكرمة قال : قدم كعب بن الأشرف مكة، فقال له المشركون : احكم بيننا وبين هذا الصنبور الأبتر، فأنت سيدنا وسيد قومك ! فقال كعب : أنتم والله خير منه ! فأنزل الله تبارك وتعالى : "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب"، إلى آخر الآية.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال : أخبرنا أيوب ، عن عكرمة : أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش ، فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يغزوه ، وقال : إنا معكم نقاتله . فقالوا : إنكم أهل كتاب ، وهو صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم ! فإن أردت أن نخرج معك ، فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما. ففعل . ثم قالوا: نحن أهدى أم محمد؟ فنحن ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء، ونصل الرحم ، ونقري الضيف ، ونطوف بهذا البيت ، ومحمد قطع رحمه ، وخرج من بلده ؟ قال : بل أنتم خير وأهدى! فنزلت فيه : "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا".
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : قال : لما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود من النضير ما كان ، حين أتاهم يستعينهم في دية العامريين ، فهموا به وبأصحابه ، فأطلع الله رسوله على ما هموا به من ذلك . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فهرب كعب بن الأشرف حتى أتى مكة، فعاهدهم على محمد، فقال له أبو سفيان : يا أبا سعد، إنكم قوم تقرأون الكتاب وتعلمون ، ونحن قوم لا نعلم ! فأخبرنا، ديننا خير أم دين محمد؟ قال كعب : اعرضوا علي دينكم . فقال أبو سفيان : نحن قوم ننحر الكوماء، ونسقي الحجيج الماء، ونقري الضيف ، ونعمر بيت ربنا، ونعبد آلهتنا التي كان يعبد آباؤنا، ومحمد يأمرنا أن نترك هذا ونتبعه! قال : دينكم خير من دين محمد، فاثبتوا عليه ، ألا ترون أن محمداً يزعم أنه بعث بالتواضع ، وهو ينكح من النساء ما شاء! وما نعلم ملكاً أعظم من ملك النساء !! فذلك حين يقول : "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا".
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : نزلت في كعب بن الأشرف وكفار قريش ، قال : كفار قريش أهدى من محمد! عليه السلام ، قال ابن جريج : قدم كعب بن الأشرف ، فجاءته قريش فسألته عن محمد، فصغر أمره ويسره ، وأخبرهم أنه ضال. قال : ثم قالوا له : ننشدك الله ، نحن أهدى أم هو؟ فإنك قد علمت أنا ننحر الكوم ، ونسقي الحجيج ، ونعمر البيت ، ونطعم ما هبت الريح ؟ قال : أنتم أهدى.
وقال آخرون : بل هذه الصفة، صفة جماعة من اليهود، منهم : حيي بن أخطب ، وهم الذين قالوا للمشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه لهم.
ذكر الأخبار بذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عمن قاله قال ، أخبرني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة : حيي بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع ، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، وأبو عمار، ووحوح بن عامر، وهوذة بن قيس . فأما وحوح وأبو عمار وهوذة، فمن بني وائل، وكان سائرهم من بني النضير. فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول ، فاسألوهم : أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم ، فقالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه ! فأنزل الله فيهم : "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت"، إلى قوله : "وآتيناهم ملكا عظيما".
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت"، الآية، قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، ورجلين من اليهود من بني النضير، لقيا قريشا بموسم ، فقال لهم المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ؟ فإنا أهل السدانة والسقاية، وأهل الحرم ؟ فقالا: لا، بل أنتم أهدى من محمد وأصحابه ! وهما يعلمان أنهما كاذبان ، إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه.
وقال آخرون : بل هذه صفة حيي بن أخطب وحده ، وإياه عنى بقوله : "ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا".
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب"، إلى آخر الآية، قال : جاء حيي بن أخطب إلى المشركين فقالوا: يا حيي ، إنكم أصحاب كتب ، فنحن خير أم محمد وأصحابه ؟ فمال : نحن وأنتم خير منهم ! فذلك قوله : "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب"، إلى قوله : "ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا".
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في ذلك ، قول من قال : إن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن جماعة من أهل الكتاب من اليهود. وجائز أن تكون كانت الجماعة الذين سماهم ابن عباس في الخبر ، الذي رواه محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد، أو يكون حيياً وآخر معه ، إما كعباً، وإما غيره.
قوله تعالى :" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " يعني اليهود " يؤمنون بالجبت والطاغوت" اختلف أهل التأويل في تأويل الجبت والطاغوت فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية: الجبت الساحر بلسان الحبشة ، والطاغوت الكاهن وقال الفاروق عمر رضي الله : الجبت السحر والطاغوت الشيطان . ابن مسعود الجبت والطاغوت ههنا كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وعكرمة : الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف دليله قوله تعالى :" يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " قتادة الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن وروى ابن وهب عن مالك بن أنس: الطاغوت ما عبد من دون الله قال: وسمعت من يقول إن الجبت الشيطان ذكره النحاس: وقيل : هما كل معبود من دون الله أو مطاع في معصية الله وهذا أحسن وأصل الجبت الجبس وهو الذي لا خير فيه فأبدلت التاء من السين، قاله قطرب. وقيل: الجبت إبليس والطاغوت أولياء وقول مالك في هذا الباب حسن ويدل عليه قوله تعالى " أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " [النحل:36] وقال تعالى :" والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها " [الزمر: 17] "روى قطن بن قبيصة بن المخارق عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
الطرق والطيرة والعيافة من الجبت " الطرق الزجر، والعيافة الخط خرجه أبو داود في سننه وقيل: الجبت كل ما حرم الله والطاغوت كل ما يطغى الإنسان والله أعلم .
قوله تعالى :" يقولون للذين كفروا" أي يقول اليهود لكفار قريش أنتم أهدى سبيلاً من الذين آمنوا بمحمد. وذلك أن كعب بن الأشرف خرج في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشاً على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه ونزلت اليهود في دور قريش فتعاقدوا وتعاهدا ليجتمعن على قتال محمد فقال أبو سفيان: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم، فأينا أهدى سبيلاً وأقرب إلى الحق نحن أم محمد ؟ فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلاً مما عليه محمد
قال الحسن وقتادة: نزلت هذه الاية وهي قوله "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم" في اليهود والنصارى حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه وقال ابن زيد: نزلت في قولهم: "نحن أبناء الله وأحباؤه", وفي قولهم "لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى", وقال مجاهد: كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ويزعمون أنهم لا ذنب لهم, وكذا قال عكرمة وأبو مالك, وروى ذلك ابن جرير, وقال العوفي عن ابن عباس في قوله "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم" وذلك أن اليهود قالوا: إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة وسيشفعون لنا ويزكوننا, فأنزل الله على محمد "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم" الاية, رواه ابن جرير, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن مصفى, حدثنا ابن حمير عن ابن لهيعة, عن بشير بن أبي عمرو, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان اليهود يقومون صبيانهم يصلون بهم, ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب, وكذبوا, قال الله: إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له, وأنزل الله "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم" ثم قال: وروي عن مجاهد وأبي مالك والسدي وعكرمة والضحاك, نحو ذلك, وقال الضحاك: قالوا: ليس لنا ذنوب كما ليس لأبنائنا ذنوب, فأنزل الله "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم" فيهم, وقيل: نزلت في ذم التمادح والتزكية, وقد جاء في الحديث الصحيح عند مسلم عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب, وفي الحديث الاخر المخرج في الصحيحين من طريق خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة, عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, سمع رجلاً يثني على رجل, فقال "ويحك قطعت عنق صاحبك", ثم قال: "إن كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة, فليقل أحسبه كذا, ولا يزكي على الله أحداً". وقال الإمام أحمد: حدثنا معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمر بن الخطاب: من قال: أنا مؤمن فهو كافر ومن قال هو عالم فهو جاهل ومن قال هو في الجنة فهو في النار, ورواه ابن مردويه من طريق موسى بن عبيدة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن عمر أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه فمن قال إنه مؤمن فهو كافر, ومن قال: هو عالم فهو جاهل, ومن قال: إنه في الجنة فهو في النار, وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة وحجاج, أنبأنا شعبة عن سعد بن إبراهيم, عن معبد الجهني, قال: كان معاوية قلما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكان قلما يكاد أن يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين, وإن هذا المال حلو خضر, فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه, وإياكم والتمادح فإنه الذبح" وروى ابن ماجه منه "إياكم والتمادح فإنه الذبح" عن أبي بكر بن أبي شيبة عن غندر عن شعبة به, ومعبد هذا هو ابن عبد الله بن عويم البصري القدري. وقال ابن جرير: حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي, حدثنا أبي عن أبيه, عن جده, عن الأعمش, عن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب, قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل ليغدو بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء, يلقى الرجل ليس يملك له نفعاً ولا ضراً, فيقول له: إنك والله كيت وكيت, فلعله أن يرجع ولم يحل من حاجته بشيء, وقد أسخط الله, ثم قرأ "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم" الاية, وسيأتي الكلام على ذلك مطولاً عند قوله تعالى "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" ولهذا قال تعالى: "بل الله يزكي من يشاء" أي المرجع في ذلك إلى الله عز وجل لأنه أعلم بحقائق الأمور وغوامضها, ثم قال تعالى: "ولا يظلمون فتيلاً" أي ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل, قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة وغير واحد من السلف: هو ما يكون في شق النواة. وعن ابن عباس أيضاً: هو ما فتلت بين أصابعك, وكلا القولين متقارب. وقوله "انظر كيف يفترون على الله الكذب" أي في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه, وقولهم "لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى", وقولهم "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات" واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة, وقد حكم الله أن أعمال الاباء لا تجزي عن الأبناء شيئاً في قوله "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم" الاية, ثم قال "وكفى به إثماً مبيناً" أي وكفى بصنيعهم هذا كذباً وافتراء ظاهراً. وقوله "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت" أما الجبت, فقال محمد بن إسحاق, عن حسان بن فائد, عن عمر بن الخطاب أنه قال: الجبت السحر, والطاغوت الشيطان. وهكذا روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن والضحاك والسدي, وعن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن وعطية: الجبت الشيطان, وزاد ابن عباس: بالحبشية وعن ابن عباس أيضاً: الجبت الشرك. وعنه: الجبت الأصنام. وعن الشعبي: الجبت الكاهن, وعن ابن عباس: الجبت حيي بن أخطب, وعن مجاهد: الجبت كعب بن الأشرف, وقال العلامة أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه الصحاح: الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. وفي الحديث "الطيرة والعيافة والطرق من الجبت". قال: وليس هذا من محض العربية لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة من غير حرف ذو لقي. وهذا الحديث الذي ذكره وراه الإمام أحمد في مسنده, فقال: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا عوف عن حيان أبي العلاء, حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه وهو قبيصة بن مخارق أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت" وقال عوف: العيافة زجر الطير, والطرق الخط يخط في الأرض, والجبت, قال الحسن: إنه الشيطان. وهكذا رواه أبو داود في سننه, والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيريهما من حديث عوف الأعرابي به. وقد تقدم الكلام على الطاغوت في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا إسحاق بن الضيف, حدثنا حجاج عن ابن جريج, أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله أنه سئل عن الطواغيت, فقال: هم كهان تنزل عليهم الشياطين. وقال مجاهد: الطاغوت الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه, وهو صاحب أمرهم. وقال الإمام مالك: الطاغوت هو كل ما يعبد من دون الله عز وجل. وقوله "ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً" أي يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم, وقلة دينهم, وكفرهم بكتاب الله يأيديهم. وقد روى ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري, حدثنا سفيان عن عمرو, عن عكرمة, قال: جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم, فأخبرونا عنا وعن محمد, فقالوا: ما أنتم وما محمد, فقالوا: نحن نصل الأرحام, وننحر الكوماء, ونسقي الماء على اللبن, ونفك العناة, ونسقي الحجيج, ومحمد صنبور قطع أرحامنا, واتبعه سراق الحجيج بنو غفار, فنحن خير أم هو ؟ فقالوا: أنتم خير وأهدى سبيلاً, فأنزل الله "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً" الاية, وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس وجماعة من السلف. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة, وأهل السقاية ؟ قال: أنتم خير, قال فنزلت "إن شانئك هو الأبتر" ونزل " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا " وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وأبو عمار وحوح بن عامر وهوذة بن قيس, فأما وحوح وأبو عمار وهوذة فمن بني وائل, وكان سائرهم من بني النضير, فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم فقالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه, فأنزل الله عزو وجل "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب" إلى قوله عز وجل "وآتيناهم ملكاً عظيماً" وهذا لعن لهم وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الاخرة لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين, وإنما قالوا لهم ذلك, ليستميلوهم إلى نصرتهم, وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الأحزاب حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق, فكفى الله شرهم "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً".
قوله 51- "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب" هذا تعجيب من حالهم بعد التعجيب الأول وهم اليهود.
واختلف المفسرون في معنى الجبت: فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية، الجبت: الساحر بلسان الحبشة والطاغوت: الكاهن، وروي عن عمر بن الخطاب أن الجبت: السحر، والطاغوت الشيطان. وروي عن ابن مسعود أن الجبت والطاغوت ها هنا كعب بن الأشرف. وقال قتادة: الجبت: الشيطان، والطاغوت: الكاهن، وروي عن مالك أن الطاغوت: ما عبد من دون الله، والجبت: الشيطان، وقيل: هما كل معبود من دون الله أو مطاع في معصية الله. وأصل الجبت الجبس، وهو الذي لا سير فيه، فأبدلت التاء من السين قاله قطرب، وقيل: الجبت: إبليس، والطاغوت: أولياؤه. قوله "ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً" أي: يقول اليهود لكفار قريش: أنتم أهدى من الذين آمنوا بمحمد سبيلاً: أي أقوم ديناً، وأرشد طريقاً.
51-قوله تعالى:" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت "، اختلفوا فيهما فقال عكرمة: هم صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله ، وقال أبو عبيدة: هما كل معبود يعبد من دون الله . قال الله تعالى" أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت "(النحل-36) ، وقال عمر: الجبت: الكاهن ، والطاغوت : الساحر . وقال سعيد بن جبير وأبو العالية: الجبت : الساحر بلسان الحبشة، والطاغوت: الكاهن: وروي عن عكرمة: الجبت بلسان الحبشة: شيطان.
وقال الضحاك: الجبت: حيي بن اخطب ، والطاغوت : كعب بن الأشرف . دليله قوله تعالى : " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" (النساء-60) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عوف العبدي عن حيان عن قطن بن قبيصة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" العيافة والطرق والطيرة من الجبت".
وقيل: الجبت كل ما حرم الله ، والطاغوت كل ما يطغى الإنسان.
"ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً"، قال المفسرون: خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم / وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه ، ونزلت اليهود في دور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما ففعلوا ذلك ، فذلك قوله تعالى:"يؤمنون بالجبت والطاغوت".
ثم قال كعب لأهل مكة : ليجىء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب هذا البيت لنجهدن على قتال محمد، ففعلوا.
ثم قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم، فأينا اهدى طريقة، نحن ام محمد ؟
قال كعب: اعرضوا علي دينكم.
فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم الماء ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمر بين ربنا ونطوف به ونحن اهل الحرم ، ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم ، وديننا القديم ودين محمد الحديث.
فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلاً مما عليه محمد فأنزل الله تعالى:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب "، يعني: كعباً وأصحابه "يؤمنون بالجبت والطاغوت" يعني: الصنمين"ويقولون للذين كفروا"أبي سفيان وأصحابه"هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً " محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم(سبيلاً)ديناً.
51"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت" نزلت في اليهود كانوا يقولون إن عبادة الأصنام أرضى عند الله مما يدعوهم إليه محمد. وقيل في حيي ابن أخطب وكعب بن الأشرف في جمع من اليهود خرجوا إلى مكة يحالفون قريشاً على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنتم أهل كتاب وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا. والجبت في الأصل اسم صنم فاستعمل في كل ما عبد من دون الله. وقيل أصله الجبس وهو الذي لا خير فيه فقلبت سينه تاء. والطاغوت يطلق لكل باطل من معبود أو غيره. "ويقولون للذين كفروا" لأجلهم وفيهم. "هؤلاء" إشارة إليهم. "أهدى من الذين آمنوا سبيلاً" أقوم ديناً وأرشد طريقاً.
51. Hast thou not seen those unto whom a portion of the Scripture hath been given, how they believe in idols and false deities, and bow they say of those (idolaters) who disbelieve: "These are more rightly guided than those who believe?"
51 - Last thou not turned thy vision to those who were given a portion of the book? they believe in sorcery and evil, and say to the unbelievers that they are better guided in the (right) way than the believers