(ربنا آمنا بما أنزلت) من الإنجيل (واتبعنا الرسول) عيسى (فاكتبنا مع الشاهدين) لك بالوحدانية ولرسولك بالصدق
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عز وجل عن الحواريين أنهم قالوا: "ربنا آمنا"، أي : صدقنا، "بما أنزلت"، يعني : بما أنزلت على نبيك عيسى من كتابك ، "واتبعنا الرسول"، يعني بذلك : صرنا أتباع عيسى على دينك الذي ابتعثته به ، وأعوانه على الحق الذي أرسلته به إلى عبادك ، وقوله : "فاكتبنا مع الشاهدين"، يقول : فأثبت أسماءنا مع أسماء الذين شهدوا بالحق ، وأقروا لك بالتوحيد، وصدقوا رسلك ، واتبعوا أمرك ونهيك ، فاجعلنا في عدادهم ومعهم فيما تكرمهم به من كرامتك ، وأحلنا محلهم ، ولا تجعلنا ممن كفر بك ، وصد عن سبيلك ، وخالف أمرك ونهيك.
يعرف خلقه جل ثناؤه بذلك سبيل الذين رضي أقوالهم وأفعالهم ، ليحتذوا طريقهم ، ويتبعوا منهاجهم ، فيصلوا إلى مثل الذي وصلوا إليه من درجات كرامته ، ويكذب بذلك الذين انتحلوا من الملل غير الحنيفية المسلمة، في دعواهم على أنبياء الله أنهم كانوا على غيرها، ويحتج به على الوفد الذين حاجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجران : بأن قيل من رضي الله عنه من أتباع عيسى كان خلاف قيلهم ، ومنهاجهم غير منهاجهم، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: "ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين"، أي: هكذا كان قولهم وإيمانهم.
قوله تعالى : " ربنا آمنا بما أنزلت " أي يقولون ربنا آمنا . " بما أنزلت " يعني في كتابك وما أظهرته من حكمك . " واتبعنا الرسول " يعني عيسى . " فاكتبنا مع الشاهدين " يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم
، عن ابن عباس والمعنى أثبت أسماءنا مع أسمائهم واجعلنا من جملتهم . وقيل : المعنى فاكتبنا مع الذين شهدوا لأنبيائك بالصدق .
يقول تعالى: " فلما أحس عيسى " أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال, "قال من أنصاري إلى الله" قال مجاهد: أي من يتبعني إلى الله. وقال سفيان الثوري وغيره: أي من أنصاري مع الله, وقول مجاهد : أقرب. والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ؟ كما " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي. فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي حتى وجد الأنصار, فآووه ونصروه وهاجر إليهم, فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر, رضي الله عنهم وأرضاهم " . وهكذا عيسى ابن مريم عليه السلام انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه, ولهذا قال الله تعالى مخبراً عنهم " قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون * ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " الحواريون قيل: كانوا قصارين, وقيل: سموا بذلك لبياض ثيابهم, وقيل: صيادين. والصحيح أن الحواري الناصر, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب, فانتدب الزبير ثم ندبهم, فانتدب الزبير رضي الله عنه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حواري, وحواريي الزبير", وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا وكيع , حدثنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله "فاكتبنا مع الشاهدين" قال: مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا إسناد جيد. ثم قال تعالى مخبراً عن ملإ بني إسرائيل, فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام, وإرادته بالسوء والصلب حين تمالؤوا عليه, ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان, وكان كافراً, أن هنا رجلاً يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ويفسد الرعايا, ويفرق بين الأب وابنه, إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب, وأنه ولد زنية حتى استثاروا غضب الملك, فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به, فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به, نجاه الله تعالى من بينهم ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء, وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل, فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى, فأخذوه وأهانوه وصلبوه, ووضعوا على رأسه الشوك, وكان هذا من مكر الله بهم, فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم وتركهم في ضلالهم يعمهون, يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم, وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعناداً للحق ملازماً لهم, وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد, ولهذا قال تعالى: "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين".
ومعنى 53- "بما أنزلت" ما أنزله الله سبحانه في كتبه. والرسول عيسى، وحذف المتعلق مشعر بالتعميم: أي اتبعناه في كل ما يأتي به فاكتبنا مع الشاهدين لك بالوحدانية ولرسولك بالرسالة. أو اكتبنا مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم، وقيل: مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
53-"ربنا آمنا بما أنزلت" من كتابك "واتبعنا الرسول" عيسى "فاكتبنا مع الشاهدين" الذين شهدوا لأنبيائك بالصدق . وقال عطاء: مع النبيين لأن كل نبي شاهد أمته .
قال ابن عباس رضي الله عنهما مع محمد صلى الله عليه وسلم وأمته لأنهم يشهدون للرسل بالبلاغ .
53" ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " أي مع الشاهدين بوحدانيتك، أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأتباعهم، أو مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم شهداء على الناس.
53. Our Lord! We believe in that which Thou hast revealed and we follow him whom Thou hast sent. Enroll us among those who witness (to the truth).
53 - Our lord we believe in what thou hast revealed, and we follow the apostle; then write us down among those who bear witness.