53 - (كلا) ردع عما أرادوه (بل لا يخافون الآخرة) أي عذابها
وقوله : " كلا بل لا يخافون الآخرة " يقول تعالى : ذكره : ما الأمر كما يزعمون من أنهم لو أوتوا صحفاً منشرة صدقوا ، بل لا يخافون الآخرة ، يقول : لكنهم لا يخافون عقاب الله ، ولا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله ، وهون عليهم ترك الاستماع لوحيه وتنزيله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " كلا بل لا يخافون الآخرة " إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدقون بالآخرة ، ولا يخافونها ، هو الذي أفسدهم .
قوله تعالى:" كلا " أي ليس يكون ذلك . وقيل : حقا. والأول اجود، لأنه رد لقولهم " بل لا يخافون الآخرة" أي لا اعطيهم ما يتمنون لأنهم لا يخافون الآخرة، اغترار بالدنيا. وقرأ سعيد بن جبير (( صحفاً منشرة)) بسكون الحاء والنون، فأما تسكين الحاء فتحفيف، واما النون فشاذ. انما يقال: نشرت الثوب وشبهة ولا يقال انشرت. ويجوز ان يكون شبه الصحيفة بالميت كأنها ميتة بطيها، فإذا نشرت حييت، فجاء على انشر الله الميت كما شبه احياء الميت بنشر الثوب، فقيل فيه نشر الله الميت، فهي لغة فيه.
يقول تعالى مخبراً أن "كل نفس بما كسبت رهينة" أي معتقلة بعملها يوم القيامة قاله ابن عباس وغيره "إلا أصحاب اليمين" فإنهم " في جنات يتساءلون * عن المجرمين " أي يسألون المجرمين وهم في الغرفات وأولئك في الدركات قائلين لهم: " ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين " أي ما عبدنا الله ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا "وكنا نخوض مع الخائضين" أي نتكلم فيما لا نعلم. وقال قتادة : كلما غوى غاو غوينا معه " وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين " يعني الموت كقوله تعالى: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هو ـ يعني عثمان بن مظعون ـ فقد جاءه اليقين من ربه" قال الله تعالى: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" أي من كان متصفاً بمثل هذه الصفات فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلاً, فأما من وافى الله كافراً يوم القيامة فإنه له النار لا محالة خالداً فيها, ثم قال تعالى: "فما لهم عن التذكرة معرضين" أي فما لهؤلاء الكفرة الذين قبلك مما تدعوهم إليه وتذكرهم به معرضين " كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة " أي كأنهم في نفارهم عن الحق وإعراضهم عنه حمر من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد, قاله أبو هريرة وابن عباس في رواية عنه وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن , أو رام, وهو رواية عن ابن عباس وهو قول الجمهور. وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس : الأسد بالعربية, ويقال له بالحبشية قسورة, وبالفارسية شير, وبالنبطية أوبا.
وقوله تعالى: " بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة " أي بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتاب كما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم, قاله مجاهد وغيره, كقوله تعالى: " وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته " وفي رواية عن قتادة : يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل, فقوله تعالى: " كلا بل لا يخافون الآخرة " أي إنما أفسدهم عدم إيمانهم بها وتكذيبهم بوقوعها.
ثم قال تعالى: "كلا إنه تذكرة" أي حقاً إن القرآن تذكرة " فمن شاء ذكره * وما يذكرون إلا أن يشاء الله " كقوله: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ". وقوله تعالى: "هو أهل التقوى وأهل المغفرة" أي هو أهل أن يخاف منه وهو أهل أن يغفر ذنب من تاب إليه وأناب. قاله قتادة . وقال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب , أخبرني سهيل أخو حزم , حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "هو أهل التقوى وأهل المغفرة" وقال :قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقى أن يجعل معي إلهاً كان أهلاً أن أغفر له" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث زيد بن الحباب , و النسائي من حديث المعافى بن عمران , كلاهما عن سهيل بن عبد الله القطعي به, وقال الترمذي : حسن غريب وسهيل ليس بالقوي, ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن هدبة بن خالد عن سهيل به, وهكذا رواه أبو يعلى والبزار والبغوي وغيرهم من حديث سهيل القطعي به. آخر تفسير سورة المدثر, ولله الحمد والمنة.
ثم ردعهم الله سبحانه عن هذه المقالة وزجرهم فقال: 53- "كلا بل لا يخافون الآخرة" يعني عذاب الآخرة لأنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات، وقيل كلا بمعنى حقاً.
فقال الله تعالى: 53- "كلا"، لا يؤتون الصحف. وقيل: حقاً، وكل ما ورد عليك منه فهذا وجهه، "بل لا يخافون الآخرة"، أي لا يخافون عذاب الآخرة، والمعنى أنهم لو خافوا النار لما اقترحوا هذه الآيات بعد قيام الأدلة.
53-" كلا " ردع لهم عن اقتراحهم الآيات ." بل لا يخافون الآخرة " فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف .
53. Nay, verily. They fear not the Hereafter.
53 - By no means! But they fear not the Hereafter.