54 - (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) من الإيمان أي قبوله (كما فعل بأشياعهم) أشباههم في الكفر (من قبل) أي قبلهم (إنهم كانوا في شك مريب) موقع في الريبة لهم فيما آمنوا به الآن ولم يعتدوا بدلائله في الدنيا
يقول تعالى ذكره: وحيل بين هؤلاء المشركين حين فزعوا، فلا فوت، وأخذوا من مكان قريب، فقالوا آمنا به " وبين ما يشتهون " حينئذ من الإيمان بما كانوا به في الدنيا قبل ذلك يكفرون ولا سبيل لهم إليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني إسماعيل بن حفص الأبلي، قال: ثنا المعتمر، عن أبي الأشهب، عن الحسن، في قوله " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " قال: حيل بينهم وبين الإيمان بالله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبد الصمد، قال: سمعت الحسن، وسئل عن هذه الآية " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " قال: حيل بينهم وبين الإيمان.
حدثني ابن أبي زياد، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا أبو الأشهب، عن الحسن " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " قال: حيل بينهم وبين الإيمان.
حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " قال: من الرجوع إلى الدنيا ليتوبوا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " كان القوم يشتهون طاعة الله أن يكونوا عملوا بها في الدنيا حين عاينوا ما عاينوا.
حدثنا الحسن بن واضح، قال: ثنا الحسن بن حبيب، قال: ثنا أبو الأشهب، عن الحسن، في قوله " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " قال: حيل بينهم وبين الإيمان.
وقال آخرون: معنى ذلك: وحيل بينهم وبين ما يشتهون من مال وولد وزهرة الدنيا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال: وثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " قال: من مال أو ولد أو زهرة.
حدثني يونس، قال: قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " قال: في الدنيا التي كانوا فيها والحياة.
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك، لأن القوم إنما تمنوا حين عاينوا من عذاب الله ما عاينوا، ما أخبر الله عنهم أنهم تمنوه، وقالوا آمنا به، فقال الله: وأنى لهم تناوش ذلك من مكان بعيد، وقد كفروا من قبل ذلك في الدنيا. فإذا كان ذلك كذلك، فلأن يكون قوله " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " خبراً عن أنه لا سبيل لهم إلا ما تمنوه أولى من أن يكون خبراً عن غيره.
وقوله " كما فعل بأشياعهم من قبل " يقول فعلنا بهؤلاء المشركين، فحلنا بينهم وبين ما يشتهون من الإيمان بالله عند نزول سخط الله بهم، ومعاينتهم بأسه كما فعلنا بأشياعهم على كفرهم بالله من قبلهم من كفار الأمم، فلم نقبل منهم إيمانهم في ذلك الوقت، كما لم نقبل في مثل ذلك الوقت من ضربائهم. والأشياع: جمع شيع، وشيع: جمع شيعة، فأشياع جمع الجمع.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح " كما فعل بأشياعهم من قبل " قال الكفار من قبلهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " كما فعل بأشياعهم من قبل " أي في الدنيا كانوا إذا عاينوا العذاب لم يقبل منهم إيمان.
وقوله " إنهم كانوا في شك مريب " يقول تعالى ذكره: وحيل بين هؤلاء المشركين حين عاينوا بأس الله، وبين الإيمان. " إنهم كانوا " قبل في الدنيا " في شك " من نزول العذاب الذي نزل بهم وعاينوه، وقد أخبرهم نبيهم أنهم إن لم ينيبوا مما هم عليه مقيمون من الكفر بالله، وعبادة الأوثان أن الله مهلكهم، ومحل بهم عقوبته في عاجل الدنيا، وآجل الآخرة قبل نزوله بهم " مريب " يقول: موجب لصاحبه الذي هو به ما يريبه من مكروه، من قولهم: قد أراب الرجل: إذا أتى ريبة وركب فاحشة، كما قال الراجز:
يا قوم مالي وأبا ذؤيب كنت إذا أتوته من غيب
يشم عطفي ويبز ثوبي كأنما أربته بريب
يقول: كأنما أتيت إليه ريبة.
قوله تعالى: "وحيل بينهم وبين ما يشتهون " قيل: حيل بينهم وبين النجاة من العذاب. وقيل: حيل بينهم وبين ما يشتهون في الدنيا من أموالهم وأهليهم. ومذهب قتادة أن المعنى أنهم كانوا يشتهون لما رأوا العذاب أن يقبل منهم أن يطيعوا الله جل وعز وينتهوا إلى ما يأمرهم به الله فحيل بينهم وبين ذلك لأن ذلك إنه، كان في الدنيا وقد زالت في ذلك الوقت. والأصل حول فقلبت حركة الواو على الحاء فانقلبت ياء ثم حذفت حركتها لثقلها. " كما فعل بأشياعهم " الأشياع جمع شيع، وشيع جمعه شيعة. "من قبل " أي بمن مضى من القرون السالفة الكافرة. "إنهم كانوا في شك " أي من أمر الرسل والبعث والجنة والنار. وقيل: في الدين والتوحيد، والمعنى واحد. "مريب" أي يستراب به، يقال: أراب الرجل أي صار ذا ريبة، فهو مريب. ومن قال هو من الريب الذي هو الشك والتهمة قال: يقال شك مريب؟ كما يقال: عجب عجيب وشعر شاعر في التأكيد.
ختمت السورة، والحمد لله رب العالمين.
يقول تبارك وتعالى: ولو ترى يا محمد إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة, فلا فوت أي فلا مفر لهم ولا وزر لهم ولا ملجأ "وأخذوا من مكان قريب" أي لم يمكنوا أن يمعنوا في الهرب بل أخذوا من أول وهلة. قال الحسن البصري : حين خرجوا من قبورهم. وقال مجاهد وعطية العوفي وقتاده : من تحت أقدامهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما و الضحاك : يعني عذابهم في الدنيا. وقال عبد الرحمن بن زيد : يعني قتلهم يوم بدر, والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة, وهو الطامة العظمى, وإن كان ما ذكر متصلاً بذلك, وحكى ابن جرير عن بعضهم قال: إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس رضي الله عنهم. ثم أورد في ذلك حديثاً موضوعاً بالكلية, ثم لم ينبه على ذلك, وهذا أمر عجيب غريب منه "وقالوا آمنا به" أي يوم القيامة يقولون آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله كما قال تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " ولهذا قال تعالى: "وأنى لهم التناوش من مكان بعيد" أي وكيف لهم تعاطي الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم, وصاروا إلى الدار الأخرة وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء, فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الأخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان, كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد.
قال مجاهد "وأنى لهم التناوش" قال: التناول لذلك. وقال الزهري : التناوش تناولهم الإيمان وهم في الاخرة وقد انقطعت عنهم الدنيا, وقال الحسن البصري : أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال تعاطوا الإيمان من مكان بعيد. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه وليس بحين رجعة ولا توبة, وكذا قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله.
وقوله تعالى: "وقد كفروا به من قبل" أي كيف يحصل لهم الإيمان في الاخرة وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل "ويقذفون بالغيب من مكان بعيد" قال مالك عن زيد بن أسلم "ويقذفون بالغيب" قال: بالظن, قلت: كما قال تعالى: "رجماً بالغيب" فتارة يقولون شاعر, وتارة يقولون كاهن, وتارة يقولون ساحر, وتارة يقولون مجنون إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة, ويكذبون بالبعث والنشور والمعاد " إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين " قال قتادة ومجاهد : يرجمون بالظن لا بعث ولا جنة ولانار.
وقوله تعالى: "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" قال الحسن البصري والضحاك وغيرهما: يعني الإيمان وقال السدي "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" وهي التوبة, وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله. وقال مجاهد " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " من هذه الدنيا من مال وزهرة وأهل, وروي نحوه عن ابن عمر وابن عباس والربيع بن أنس رضي الله عنهم, وهو قول البخاري وجماعه, والصحيح أنه لا منافاة بين القولين, فإنه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا وبين ما طلبوه في الأخرة فمنعوا منه.
وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا أثراً غريباً عجيباً جداً فنذكره بطوله, فإنه قال: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا بشر بن حجر السامي , حدثنا علي بن منصور الأنباري عن الشرقي بن قطامي عن سعد بن طريف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" إلى آخر الاية, قال: كان رجل من بني إسرائيل فاتحاً أي فتح الله تعالى له مالاً, فمات فورثه ابن له تافه أي فاسد, فكان يعمل في مال الله تعالى بمعاصي الله تعالى عز وجل, فلما رأى ذلك أخوات أبيه, أتوا الفتى فعذلوه ولاموه, فضجر الفتى فباع عقاره بصامت, ثم رحل فأتى عيناً ثجاجة فسرح فيها ماله وابتنى قصراً, فبينما هو ذات يوم جالس إذ حملت عليه ريح بامرأة من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً, أي ريحاً, فقالت: من أنت يا عبد الله ؟ فقال: أنا امرؤ من بني إسرائيل, قالت: فلك هذا القصر وهذا المال ؟ فقال: نعم. قالت: فهل لك من زوجة ؟ قال: لا. قالت: فكيف يهنيك العيش ولا زوجة لك ؟ قال: قد كان ذاك, قال: فهل لك من بعل ؟ قالت: لا, قال: فهل لك إلا أن أتزوجك ؟ قالت: إني امرأة منك على مسيرة ميل, فإذا كان الغد فتزود زاد يوم وائتني, وإن رأيت في طريقك هولاً فلا يهولنك, فلما كان من الغد تزود زاد يوم وانطلق, فانتهى إلى قصر فقرع رتاجه, فخرج إليه شاب من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً, أي ريحاً, فقال: من أنت يا عبد الله ؟ فقال: أنا الإسرائيلي, قال: فما حاجتك ؟ قال: دعتني صاحبة القصر إلى نفسها, قال: صدقت, قال: فهل رأيت في الطريق هولاً ؟ قال: نعم ولولا أنها أخبرتني أن لابأس علي لهالني الذي رأيت, قال: ما رأيت ؟ قال: أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بكلبة فاتحة فاها, ففزعت فوثبت فإذا أنا من ورائها, وإذا جراؤها ينبحن من بطنها, فقال له الشاب: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان يقاعد الغلام المشيخة في مجلسهم ويسرهم حديثه, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بمائة عنز حفل, وإذا فيها جدي يمصها, فإذا أتى عليها وظن أنه لم يترك شيئاً فتح فاه يلتمس الزيادة, فقال: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان ملك يجمع صامت الناس كلهم حتى إذا ظن أنه لم يترك شيئاً فتح فاه يلتمس الزيادة, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بشجر فأعجبني غصن من شجرة منها ناضرة, فأردت قطعه فنادتني شجرة أخرى: يا عبد الله منا فخذ حتى ناداني الشجر أجمع يا عبد الله مني فخذ, فقال: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان يقل الرجال ويكثر النساء حتى أن الرجل ليخطب المرأة فتدعوه العشر والعشرون إلى أنفسهن, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل, فإذا أنا برجل قائم على عين يغرف لكل إنسان من الماء, فإذا تصدعوا عنه صب في جرته فلم تعلق جرته من الماء بشيء, فال: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان القاص يعلم الناس العلم ثم يخالفهم إلى معاصي الله تعالى, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بعنز وإذا بقوم قد أخذوا بقوائمها, وإذا رجل قد أخذ بقرنيها, وإذا رجل قد أخذ بذنبها, وإذا راكب قد ركبها, وإذا رجل يحتلبها, فقال: أما العنز فهي الدنيا, والذين أخذوا بقوائمها يتساقطون من عيشها, وأما الذي أخذ بقرنيها فهو يعالج من عيشها ضيقاً, وأما الذي أخذ بدنبها فقد أدبرت عنه, وأما الذي ركبها فقد تركها, وأما الذي يحلبها فبخ بخ ذهب ذلك بها, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل يمتح على قليب كلما أخرج دلوه صبه في الحوض فانساب الماء راجعاً إلى القليب, قال: هذا رجل رد الله عليه صالح عمله فلم يقبله, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل يبذر بذراً فيستحصد فإذا حنطة طيبة, قال: هذا رجل قبل الله صالح عمله وأزكاه له. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل مستلق على قفاه, قال: يا عبد الله ادن مني فخذ بيدي وأقعدني, فوالله ما قعدت منذ خلقني الله تعالى, فأخذت بيده, فقام يسعى حتى ما أراه, فقال له الفتى هذاعمر الأبعد نفد, أنا ملك الموت, وأنا المرأة التي أتتك أمرني الله تعالى بقبض روح الأبعد في هذا المكان, ثم أصيره إلى نار جهنم, قال: ففيه نزلت هذه الاية " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " الاية, هذا أثر غريب وفي صحته نظر, وتنزيل الاية عليه وفي حقه بمعنى أن الكفار كلهم يتوفون وأرواحهم متعلقة بالحياة الدنيا, كما جرى لهذا المغرور المفتون, ذهب يطلب مراده فجاءه ملك الموت فجأة بغتة وحيل بينه وبين ما يشتهي.
وقوله تعالى: "كما فعل بأشياعهم من قبل" أي كما جرى للأمم الماضية المكذبة بالرسل لما جاءهم بأس الله تمنوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ". وقوله تبارك وتعالى: "إنهم كانوا في شك مريب" أي كانوا في الدنيا في شك ريبة, فلهذا لم يتقبل منهم الإيمان عند معاينة العذاب, قال قتاده إياكم والشك والريبة, فإن من مات على شك بعث عليه, ومن مات على يقين بعث عليه. آخر تفسير سورة سبأ والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.
54- "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" من النجاة من العذاب ومنعوا من ذلك، وقيل حيل بينهم وبين ما يشتهون في الدنيا من أموالهم وأهليهم، أو حيل بينهم وبين ما يشتهونه من الرجوع إلى الدنيا "كما فعل بأشياعهم من قبل" أي بأمثالهم ونظائرهم من كفار الأمم الماضية، والأشياع جمع شيع، وشيع جمع شيعة، وجملة "إنهم كانوا في شك مريب" تعليل لما قبلها: أي في شك موقع في الريبة أو ذي ريبة من أمر الرسل والبعث والجنة والنار، أو في التوحيد وما جاءتهم به الرسل من الدين، يقال أراب الرجل إذا صار ذا ريبة فهو مريب، وقيل هو من الريب الذي هو الشك، فهو كما يقال عجب عجيب وشعر شاعر.
وقد أخرج وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "فلا فوت" قال: فلا نجاة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب" قال: هو جيش السفياني، قيل من أين أخذوا؟ قال: من تحت أقدامهم. وقد ثبت في الصحيح أنه يخسف بجيش في البيداء من حديث حفصة وعائشة، وخارج الصحيح من حديث أم سلمة وصفية وأبي هريرة وابن مسعود، وليس في شيء منها أن ذلك سبب نزول هذ الآية، ولكنه أخرج ابن جرير من حديث حذيفة بين اليمان قصة الخسف هذه مرفوعة، وقال في آخرها: فذلك قوله عز وجل في سورة سبأ "ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت" الآية. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "وأنى لهم التناوش" قال: كيف لهم الرد "من مكان بعيد" قال: يسألون الرد، وليس بحين رد. وأخرج ابن المنذر عن التيمي قال: أتيت ابن عباس قلت: ما التناوش؟ قال: تناول الشيء وليس بحين ذاك.
54- "وحيل بينهم وبين ما يشتهون"، أي: الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا. وقيل: نعيم الدنيا وزهرتها، "كما فعل بأشياعهم"، أي: بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار، "من قبل"، أي: لم يقبل منهم الإيمان والتوبة في وقت اليأس، "إنهم كانوا في شك"، من البعث ونزول العذاب بهم، "مريب"، موقع لهم الريبة والتهمة.
54ـ " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " من نفع الإيمان والنجاة به من النار ، وقرأ ابن عمر و الكسائي بإشمام الضم للحاء . " كما فعل بأشياعهم من قبل " بأشباههم من كفرة الأمم الدارجة ، " إنهم كانوا في شك مريب " موقع في الريبة ، أو ذي ريبة منقول من المشكك ، أو الشك نعت به الشك للمبالغة .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبي إلا كان له يوم القيامة رفيقاً ومصافحاً " .
54. And a gulf is set between them and that which they desire, as was done for people of their kind of old. Lo! they were in hopeless doubt.
54 - And between them and their desires, is placed a barrier, as was done in the past with their partisans: for they were indeed in suspicious (disquieting) doubt.