55 - (وربك أعلم بمن في السماوات والأرض) فيخصهم بما شاء على قدر أحوالهم (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) بتخصيص كل منهم بفضيلة كموسى بالكلام وإبراهيم بالخلة ومحمد بالإسراء (وآتينا داود زبورا)
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : وربك يا محمد أعلم بمن في السموات والأرض وما يصلحهم فإنه هو خالقهم ورازقهم ومدبرهم ، وهو أعلم بمن هو أهل للتوبة والرحمة ، ومن هو أهل للعذاب ، أهدي للحق من سبق له مني الرحمة والسعادة، وأضل من سبق له مني الشقاء والخذلان ، يقول : فلا يكبرن ذلك عليك ، فإن ذلك من فعلي بهم لتفضيلي بعض النبيين على بعض ، بإرسال بعضهم إلى بعض الخلق ، وبعضهم إلى الجميع ، ورفعي بعضهم على بعض درجات .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " اتخذ الله إبراهيم خليلاً ، وكلم موسى تكليما، وجعل الله عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ، ثم قال له كن فيكون ، وهو عبد الله ورسوله ، من كلمة الله وروحه ، واتى سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، وآتى داود زبوراً ، كنا نحدث دعاء علمه داود، تحميد وتمجيد، ليس فيه حلال ولا حرام ، ولا فرائض ولا حدود، وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " قال : كلم الله موسى، وأرسل محمداً إلى الناس كافة.
قوله تعالى: "وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض" أعاد بعد أن قال: "ربكم أعلم بكم" ليبين أنه خالقهم وأنه جعلهم مختلفين في أخلاقهم وصورهم وأحوالهم ومالهم، "ألا يعلم من خلق" [الملك: 14]. وكذا النبيون فضل بعضهم على بعض عن علم منه بحالهم. وقد مضى القول في هذا في البقرة. "وآتينا داود زبورا" الزبور: كتاب ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وإنما هو دعاء وتحميد وتمجيد. أي كما آتينا داود الزبور فلا تنكروا أن يؤتى محمد القرآن. وهو في محاجة اليهود.
يقول تعالى: "ربكم أعلم بكم" أيها الناس أي أعلم بمن يستحق منكم الهداية ومن لا يستحق "إن يشأ يرحمكم" بأن يوفقكم لطاعته والإنابة إليه " أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا " أي إنما أرسلناك نذيراً, فمن أطاعك دخل الجنة, ومن عصاك دخل النار. وقوله "وربك أعلم بمن في السموات والأرض" أي بمراتبهم في الطاعة والمعصية "ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض" وكما قال تعالى "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات" وهذا لا ينافي ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تفضلوا بين الأنبياء" فإن المراد من ذاك هو التفضيل بمجرد التشهي والعصبية لا بمقتضى الدليل فإذا دل الدليل على شيء وجب اتباعه, ولا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء, وأن أولي العزم منهم أفضلهم, وهم الخمسة المذكورون نصاً في آيتين من القرآن في سورة الأحزاب "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم" وفي الشورى قوله: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" ولا خلاف أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضلهم, ثم بعده إبراهيم, ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام على المشهور, وقد بسطناه بدلائله في غير هذا الموضع, والله الموفق. وقوله تعالى: "وآتينا داود زبورا" تنبيه على فضله وشرفه. قال البخاري : حدثنا إسحاق بن نصر , أخبرنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خفف على داود القرآن, فكان يأمر بدابته فتسرج, فكان يقرؤه قبل أن يفرغ" يعني القرآن.
55- "وربك أعلم بمن في السموات والأرض" أعلم بهم ذاتاً وحالاً واستحقاقاً، وهو أعم من قوله: "ربكم أعلم بكم" لأن هذا يشمل كل ما في السموات والأرض من مخلوقاته، وذاك خاص ببني آدم أو ببعضهم، وهذا كالتوطئة لقوله: "ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض" أي أن هذا التفضيل عن علم منه بمن هو أعلى رتبة وبمن دونه، وبمن يستحق مزيد الخصوصية بتكثير فضائلة وفواضله. وقد تقدم هذا في البقرة. وقد اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، وجعل عيسى كلمته وروحه، وجعل لسليمان ملكاً عظيماً، وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وجعله سيد ولد آدم. وفي هذه الآية دفع لما كان ينكره الكفار مما يحكيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارتفاع درجته عند ربه عز وجل، ثم ذكر ما فضل به داود، فقال: "وآتينا داود زبوراً" أي كتاباً مزبوراً. قال الزجاج: أي فلا تنكروا تفضيل محمد وإعطاءه القرآن فقد أعطى الله داود زبوراً.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ورفاتاً" قال: غباراً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "ورفاتاً" قال: تراباً، وفي قوله: "قل كونوا حجارة أو حديداً" قال: ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله: " أو خلقا مما يكبر في صدوركم " قال: الموت، لو كنتم موتاً لأحييتكم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير والحاكم عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن مثله أيضاً. وأخرج عبد الله بن أحمد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد قال فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فسينغضون إليك رؤوسهم" قال: سيحركونها استهزاءً. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: "ويقولون متى هو" قال: الإعادة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "فتستجيبون بحمده" قال: بأمره. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: يخرجون من قبورهم وهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة "فتستجيبون بحمده" قال: بمعرفته وطاعته "وتظنون إن لبثتم إلا قليلا" أي في الدنيا تحاقرت الدنيا في أنفسهم، وقلت حين عاينوا يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين في قوله: "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن" قال: لا إله إلا الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال: يعفو عن السيئة. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: يقول له يرحمك الله يغفر الله لك. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: نزغ الشيطان تحريشه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وآتينا داود زبوراً" قال: كنا نحدث أنه دعاء علمه داود وتحميد وتمجيد لله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: الزبور ثناء على الله ودعاء وتسبيح. قلت: الأمر كما قاله قتادة والربيع فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطباً يخطبها داود عليه السلام ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة وجملته مائة وخمسون خطبة كل خطبة تسمى مزموراً بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثانية وآخره راء، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود إلى ربه من أعدائه ويستنصره عليهم، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم، وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة، وهي آلة من آلات الملاهي. وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور ها هنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظاً وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة، فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.
55 - " وربك أعلم بمن في السموات والأرض " ، أي : ربك العالم بمن في السموات والأرض فجعلهم مختلفين في صورهم وأخلاقهم وأحوالهم ومللهم .
" ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " ، قيل جعل أهل السموات والأرض مختلفين كما فضل بعض النبيين على بعض .
قال قتادة في هذه الآية : اتخذ الله إبراهيم خليلاً ، وكلم موسى تكليماً ، وقال لعيسى: كن فيكون ، وآتى سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، وآتى داود زبوراً كما قال : " وآتينا داود زبوراً " ، والزبور : كتاب علمه الله داود ، يشتمل على مائة وخمسين سورة ، كلها دعاء وتمجيد وثناء على الله عز وجل ، وليس فيها حرام ولا حلال ولا فرائض ولا حدود .
معناه : إنكم لم تنكروا تفضيل النبيين فكيف تنكرون فضل النبي صلى الله عليه وسلم وإعطاءه القرآن ؟ وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم السلام من أهل الكتاب وغيرهم .
55."وربك أعلم بمن في السموات والأرض"وبأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء ، وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبياً ، وأن يكون العراة الجؤع أصحابه . "ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض"بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية ، لا بكثرة الأموال والأتباع حتى داود عليه الصلاة السلام فإن شرفه بما أوحى إليه من الكتاب لا بما أوتيه من الملك قيل هو إشارة إلى تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله : "وآتينا داود زبوراً"تنبيه على وجه تفضيله وهو أنه خاتم الأنبياء وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ، وتنكيره ها هنا وتعريفه في قوله تعالى : "ولقد كتبنا في الزبور"لأنه في الأصل فعول للمفعول كالحلوب ، أو المصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزةبالضم وهو كالعباس أو الفضل ، أو لأن المراد وآتينا داود بعض الزبر ، أو بعضاً من الزبور فيه ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام .
55. And thy Lord is best aware of all who are in the heavens and the earth. And we preferred some of the Prophets above others, and unto David We gave the Psalms.
55 - And it is your Lord that knoweth best all beings that are in the heavens and on earth: we did bestow on some prophets more (and other) gifts than on others: and we gave to David (the gift of) the psalms.