57 - (يا أيها الناس) أي أهل مكة (قد جاءتكم موعظة من ربكم) كتاب فيه ما لكم وما عليكم وهو القرآن (وشفاء) دواء (لما في الصدور) من العقائد الفاسدة والشكوك (وهدى) من الضلال (ورحمة للمؤمنين) به
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لخلقه: " يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم "، يعني: ذكرى تذكركم عقاب الله وتخوفكم وعيده، " من ربكم "، يقول: من عند ربكم، لم يختلقها محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يفتعلها أحد، فتقولوا: لا نأمن أن تكون لا صحة لها. وإنما يعني بذلك جل ثناؤه القرآن، وهو الموعظة من الله.
وقوله: " وشفاء لما في الصدور "، يقول: ودواء لما في الصدور من الجهل، يشفي به الله جهل الجهال، فيبرىء به داءهم، ويهدي به من خلقه من أراد هدايته به، " وهدى "، يقول: وهو بيان لحلال الله وحرامه، ودليل على طاعته ومعصيته، " ورحمة "، يرحم بها من يشاء من خلقه، فينقذه به من الضلالة إلى الهدى، وينجيه من الهلاك والردى. وجعله تبارك وتعالى رحمة للمؤمنين به دون الكافرين به، لأن من كفر به فهو عليه عمىً، وفي الآخرة جزاؤه على الكفر به الخلود في لظىً.
قوله تعالى: "يا أيها الناس" يعني قريشاً. "قد جاءتكم موعظة" أي وعظ. "من ربكم" يعني القرآن، فيه مواعظ وحكم. "وشفاء لما في الصدور" أي من الشك والنفاق والخلاف والشقاق. "وهدى" أي ورشداً لمن اتبعه. "ورحمة" أي نعمة، "للمؤمنين" خصهم لأنهم المنتفعون بالإيمان، والكل صفات القرآن، والعطف لتأكيد المدح. قال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
يقول تعالى ممتناً على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: "يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم" أي زاجر عن الفواحش "وشفاء لما في الصدور" أي من الشبه والشكوك وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس, وهدى ورحمة أي يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى, وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه, كقوله تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً" وقوله: "قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" الاية, وقوله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا" أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا, فإنه أولى ما يفرحون به "هو خير مما يجمعون" أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة, كما قال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الاية, وذكر بسنده عن بقية بن الوليد عن صفوان بن عمرو, سمعت أيفع بن عبد الكلاعي يقول: لما قدم خراج العراق إلى عمر رضي الله عنه, خرج عمر ومولى له فجعل عمر يعد الإبل فإذا هي أكثر من ذلك, فجعل عمر يقول الحمد لله تعالى, ويقول مولاه هذا والله من فضل الله ورحمته, فقال عمر: كذبت ليس هذا, هو الذي يقول الله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته" الاية, وهذا مما يجمعون, وقد أسنده الحافظ أبو القاسم الطبراني, فرواه عن أبي زرعة الدمشقي عن حيوة بن شريح عن بقية فذكره.
قوله: 57- "يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم" يعني القرآن فيه ما يتعظ به من قرأه وعرف معناه، والوعظ في الأصل: هو التذكير بالعواقب سواء كان بالترغيب أو الترهيب، والواعظ هو كالطبيب ينهى المريض عما يضره، ومن في "من ربكم" متعلقة بالفعل، وهو جاءتكم، فتكون ابتدائية، أو متعلقة بمحذوف، فتكون تبعيضية "وشفاء لما في الصدور" من الشكوك التي تعتري بعض المرتابين لوجود ما يستفاد منه فيه من العقائد الحقة، واشتماله على تزييف العقائد الباطلة، والهدى: الإرشاد لمن اتبع القرآن وتفكر فيه وتدبر معانيه إلى الطريق الموصلة إلى الجنة، والرحمة: هي ما يوجد في الكتاب العزيز من الأمور التي يرحم الله بها عباده، فيطلبها من أراد ذلك حتى ينالها، فالقرآن العظيم مشتمل على هذه الأمور.
57-قوله تعالى: "يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة"، تذكرة، "من ربكم وشفاء لما في الصدور"، أي: دواء للجهل، لما في الصدور. أي: شفاء لعمى القلوب، والصدر: موضع القلب، وهو أعز موضع في الإنسان لجوار القلب، "وهدىً"، من الضلالة، "ورحمة للمؤمنين"، والرحمة هي النعمة على المحتاج، فإنه لو أهدى ملك إلى ملك شيئا لا يقال قد رحمه، وإن كان بذلك نعمة لأنه لم يضعها في محتاج.
57."يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين"أي قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال و مقابحها المرغبة في المحاسن والزاجرة عن المقابح، والحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد وهدى إلى الحق واليقين ورحمة للمؤمنين، حيث أنزلت عليهم فنجوا بها من ظلمات الضلال إلى نور الإيمان ، وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران بمصاعد من درجات الجنان ، والتنكير فيها للتعظيم.
57. O mankind! There hath come unto you an exhortation from your Lord, a balm for that which is in the breasts, a guidance and a mercy for believers.
57 - O mankind there hath come to you a direction from your Lord and a healing for the (diseases) in your hearts, and for those who believe, a Guidance and a mercy.