(فبدل الذين ظلموا) منهم (قولا غير الذي قيل لهم) فقالوا : حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم (فأنزلنا على الذين ظلموا) فيه وضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقبيح شأنهم (رجزا) عذابا طاعونا (من السماء بما كانوا يفسقون) بسبب فسقهم أي خروجهم عن الطاعة فهلك منهم في ساعة سبعون ألفا أو أقل
وتأويل قوله: "فبدل "، فغير، ويعني بقوله: "الذين ظلموا"، الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله. ويعني بقوله: "قولا غير الذي قيل لهم "، بدلوا قولاً غير الذي أمروا أن يقولوه، فقالوا خلافه. وذلك هو التبديل والتغيير الذي كان منهم. وكان تبديلهم بالقول الذي أمروا أن يقولوا قولا ًغيره، ما:حدثنا به الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، أنه سمع أبا هريرة يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله لبني إسرائيل: "ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم "، فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعيرة ".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة وعلي بن مجاهد قالا، حدثنا محمد بن إسحق،عن صالح بن كيسان، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:وحدثت عن محمدبن أبي محمد مولى زيدبن ثابت، عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة، عن ابن عباس، " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا منه سجدًا يزحفون على أستاههم يقولون: حنطة في شعيرة".
حدثني محمد بن عبدالله المحاربي قال، حدثنا عبدالله بن المبارك، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: حطة قال: بدلوا فقالوا: حبة.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن السدي،عن أبي سعيد، عن أبي الكنود، عن عبدالله: "ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة"، قالوا: حنطة حمراء فيها شعيرة. فأنزل الله: "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ".
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: "ادخلوا الباب سجدا" قال: ركوعًا من باب صغير، فجعلوا يدخلون من قبل أستاههم ويقولون: حنطة. فذلك قوله: "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ".
حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن الأعمش،عن المنهال، عن سعيد، عن ابن عباس قال: أمروا أن يدخلوا ركعًا ويقولوا: حطة. قال: أمروا أن يستغفروا، قال: فجعلوا يدخلون من قبل أستاههم من باب صغير ويقولون: حنطة يستهزئون. فذلك قوله: "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أنبأنا عبد الرزاق قال، أنبأنا معمر، عن قتادة والحسن: "ادخلوا الباب سجدا"، قالا: دخلوها على غير الجهة التي أمروا بها، فدخلوها متزحفين على أوراكهم، وبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم، فقالوا: حبة في شعيرة.
حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدًا ويقولوا: حطة، وطوطىء لهم الباب ليسجدوا، فلم يسجدوا، ودخلوا على أدبارهم، وقالوا: حنطة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أمر موسى قومه أن يدخلوا المسجد ويقولوا: حطة. وطوطىء لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم، فلم يسجدوا ودخلوا على أستاههم إلى الجبل وهو الجبل الذي تجلى له ربه وقالوا: حنطة. فذلك التبديل الذي قال الله عز وجل: "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ".
حدثنى موسى بن هرون الهمداني قال، حدثني عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط،عن السدي، عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعودأنه قال: إنهم قالوا: هطى سمقا يا ازبة هزبا، وهو بالعربية: حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعيرة سوداء. فذلك قوله: "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم " .
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "وادخلوا الباب سجدا"، قال: فدخلوا على أستاههم مقنعي رؤوسهم.
حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن النضر بن عدي ، عن عكرمة: "وادخلوا الباب سجدا"، فدخلوا مقنعي رؤوسهم "وقولوا حطة" فقالوا: حنطة حمراء فيها شعيرة. فذلك قوله: "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ".
حدثت عن عماربن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: "وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة"، قال: فكان سجود أحدهم على خده. و "قولوا حطة" نحط عنكم خطاياكم، فقالوا: حنطة. وقال بعضهم: حبة في شعيرة، "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ".
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد: "وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة"، يحط الله بها عنكم ذنبكم وخطيئاتكم، قال: فاستهزأوا به يعني بموسى وقالوا: ما يشاء موسى أن يلعب بنا إلا لعب بنا، حطة حطة أي شيء حطة؟ وقال بعضهم لبعض: حنطة.
حدثنا القاسم بن الحسن قال، حدثني الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، وقال ابن عباس: لما دخلوا قالوا: حبة في شعيرة.
حدثني محمدبن سعد قال، حدثني أبي سعدبن محمدبن الحسن قال، أخبرني عمي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما دخلوا الباب قالوا: حبة في شعيرة، "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ".
القول في تأويل قوله تعالى: " فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء".
يعني بقوله: "فأنزلنا على الذين ظلموا"، على الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله، من تبديلهم القول الذي أمرهم الله جل وعز أن يقولوه قولاً غيره، ومعصيتهم إياه فيما أمرهم به، وبركوبهم ما قد نهاهم عن ركوبه، "رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ".
و الرجز، في لغة العرب، العذاب. وهو غير الرجز. وذلك أن الرجز: البئر، ومنه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون أنه قال: "إنه رجز عذب به بعض الأمم الذين قبلكم ".
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال، أخبرني عامر بن سعيد بن أبي وقاص، عن أسامة بن زيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم ".
وحدثني أبو شيبة بن أبي بكربن أبي شيبة قال، حدثنا عمربن حفص قال، حدثنا أبي، عن الشيباني، عن رياح بن عبيدة، عن عامر بن سعد قال: شهدت أسامة بن زيد عن سعد بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الطاعون رجز أنزل على من كان قبلكم أو على بني إسرائيل ".
وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: رجزا ، قال: عذابا.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: " فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء"، قال: الرجز، الغضب.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لما قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجدًا، وقولوا: حطة، فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم- بعث الله جل وعز عليهم الطاعون، فلم يبق منهم أحدا. وقرأ: "فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون "، قال: وبقي الأبناء، ففيهم الفضل والعبادة التي توصف في بني إسرائيل والخير، وهلك الاباء كلهم، أهلكهم الطاعون.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: الرجز، العذاب. وكل شيء في القرآن رجز، فهو عذاب.
حدثت عن المنجاب، قال، حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: رجزا، قال: كل شيء في كتاب الله من الرجز، يعني به العذاب.
وقد دللنا على أن تأويل الرجز العذاب. وعذاب الله جل ثناؤه أصناف مختلفة. وقد أخبر الله جل ثناؤه أنه أنزل على الذين وصفنا أمرهم الرجز من السماء. وجائز أن يكون ذلك طاعوناً، وجائز أن يكون غيره. ولا دلالة في ظاهر القران ولا في أثر عن الرسول ثابت، أي أصناف ذلك كان.
فالصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله عز وجل: "فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون".
غير أنه يغلب على النفس صحة ما قاله ابن زيد، للخبر الذي ذكرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في إخباره عن الطاعون أنه رجز، وأنه عذب به قوم قبلنا. وإن كنت لا أقول إن ذلك كذلك يقيناً، لأن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بيان فيه أي أمة عذبت بذلك. وقد يجوز أن يكون الذين عذبوا به، كانوا غير الذين وصف الله صفتهم في قوله: "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ".
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: " بما كانوا يفسقون ".
وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى الفسق ، الخروج من الشيء.
فتأويل قوله: "بما كانوا يفسقون " إذا: بما كانوا يتركون طاعة الله عز وجل، فيخرجون عنها إلى معصيته وخلاف أمره.
فيه اربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "فبدل الذين ظلموا قولا" الذين في موضع رفع ، أي فبدل الظالمون منهم قولاً غير الذي قيل لهم . وذلك أنه قيل لهم : قولوا حطة ، فقالوا حنطة ، على ما تقدم ، فزادوا حرفاً في الكلام فلقوا من البلاء ما لقوا ، تعريفاً أن الزيادة في الدين والابتداع في الشريعة عظيمة الخطر شديدة الضرر . هذا في تغيير كلمة هي عبارة عن التوبة أوجبت كل ذلك من العذاب ، فما ظنك بتغيير ما هو من صفات المعبود ! هذا والقول أنقص من العمل ، فكيف بالتبديل والتغيير في الفعل .
الثانية : قوله تعالى : "فبدل" تقدم معنى بدل وأبدل ، وقرىء "عسى ربنا أن يبدلنا" على الوجهين . قال الجوهري : وابدلت الشيء بغيره . وبدله الله من الخوف أمناً . وتبديل الشيء أيضاً تغييره وإن لم يأت ببدل . واستبدل الشيء بغيره ، وتبدله به إذا أخذه مكانه . والمبادلة التبادل . والأبدال : قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم ، إذا مات واحد منهم أبدل الله مكانه بآخر . قال ابن دريد : الواحد بديل . والبديل : البدل . وبدل الشيء : غيره ، يقال : بدل وبدل ، لغتان ، مثل :شبه وشبه ، ومثل ومثل ، ونكل ونكل . قال أبو عبيد : لم يسمع في فعل وفعل غير هذه الأربعة الأحرف . والبدل : وجع يكون في اليدين والرجلين . وقد بدل ( بالكسر ) يبدل بدلاً .
الثالثة : قوله تعالى : "فأنزلنا على الذين ظلموا" كرر لفظ ظلموا ولم يضمره تعظيماً للأمر . والتكرير يكون على ضربين ، أحدهما : استعماله بعد تمام الكلام ، كما في هذه الآية وقوله : "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" ، ثم قال بعد : "فويل لهم مما كتبت أيديهم" ولم يقل : مما كتبوا . وكرر الويل تغليظاً لفعلهم ، ومنه قول الخنساء :
تعرقني الدهر نهسا وحزا وأوجعني الدهر قرعا وغمزا
أرادت أن الدهر أوجعها بكبريات نوائبه وصغرياتها . والضرب الثاني : مجيء تكرير الظاهر في موضع المضمر قبل أن يتم الكلام ، كقوله تعالى : "الحاقة * ما الحاقة" و "القارعة * ما القارعة" كان القياس لولا ما أريد به من التعظيم والتفخيم : الحاقة ما هي ، والقارعة ما هي ، ومثله : "فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة" . كرر "فأصحاب الميمنة" تفخيماً لما ينيلم من جزيل الثواب ، وكرر لفظ "أصحاب المشأمة" لما ينالهم من أليم العذاب . ومن هذا الضرب قول الشاعر :
ليت الغراب غداة ينعب دائبا كان الغراب مقطع الأوداج
وقد جمع عدي بن زيد المعنيين فقال :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
فكرر لفظ الموت ثلاثاً ، وهو من الضرب الأول ، ومنه قول الآخر :
ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد
فكرر ذكر محبوبته ثلاثاً تفخيماً لها .
الرابعة : قوله تعالى : "رجزا" قراءة الجماعة رجزا بكسر الراء ، وابن محيصن بضم الراء . والرجز :العذاب ( بالزاي ) ، و ( بالسين ) : النتن والقذر ، ومنه قوله تعالى : "فزادتهم رجسا إلى رجسهم" أي نتناً إلى نتنهم ، قاله الكسائي . وقال الفراء : الرجز هو الرجس . قال أبو عبيد : كما يقال السدغ والزدغ ، وكذا رجس ورجز بمعنى . قال الفراء . وذكر بعضهم أن الرجز ( بالضم ) : اسم صنم كانوا يعبدونه ، وقرىء بذلك في قوله تعالى : "والرجز فاهجر" . والرجز ( بفتح الراي والجيم ) : نوع من الشعر ، وأنكر الخليل أن يكون شعراً . وهو مشتق من الرجز ، وهو داء يصيب الإبل في إعجازها ، فإذا ثارت ارتعشت أفخاذها . "بما كانوا يفسقون" أي بفسقهم . والفسق الخروج ، وقد تقدم . وقرأ ابن وثاب و النخعي : "يفسقون" بكسر السين .
يقول تعالى لائماً على نكولهم عن الجهاد ودخولهم الأرض المقدسة لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى عليه السلام فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل وقتال من فيها من العماليق الكفرة فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا فرماهم الله في التيه عقوبة لهم كما ذكره تعالى في سورة المائدة، ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي بيت المقدس كما نص على ذلك السدي والربيع بن أنس وقتادة وأبو مسلم الأصفهاني وغير واحد وقد قال الله تعالى حاكياً عن موسى "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا" الايات. وقال آخرون هي أريحاء، ويحكى عن ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد وهذا بعيد لأنها ليست على طريقهم وهم قاصدون بيت المقدس لا أريحاء ، وأبعد من ذلك قول من ذهب إلى أنها مصر ، حكاه الرازي في تفسيره، والصحيح الأول أنها بيت المقدس، وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام وفتحها الله عليهم عشية جمعة وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلاً حتى أمكن الفتح، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب باب البلد "سجداً" أي شكراً لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ورد بلدهم عليهم وإنقاذهم من التيه والضلال، قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله تعالى "وادخلوا الباب سجداً" أي ركعاً، وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله "وادخلوا الباب سجداً" قال ركعاً من باب صغير، رواه الحاكم من حديث سفيان به، ورواه ابن أبي حاتم من حديث سفيان وهو الثوري به وزاد فدخلوا من قبل أستاههم، وقال الحسن البصري: أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم واستبعده الرازي، وحكي عن بعضهم أن المراد ههنا بالسجود الخضوع لتعذر حمله على حقيقته، وقال خصيف: قال عكرمة قال ابن عباس: كان الباب قبل القبلة، وقال ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة والضحاك هو باب الحطة من باب إيلياء بيت المقدس، وحكى الرازي عن بعضهم أنه عني بالباب جهة من جهات القبلة، وقال خصيف قال عكرمة قال ابن عباس فدخلوا على شق، وقال السدي عن أبي سعيد الأزدي عن أبي الكنود عن عبد الله بن مسعود قيل لهم ادخلوا الباب سجداً فدخلوا مقنعي رؤوسهم أي رافعي رؤوسهم خلاف ما أمروا، وقوله تعالى: "وقولوا حطة" قال الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "وقولوا حطة" قال مغفرة استغفروا، وروي عن عطاء والحسن وقتادة والربيع بن أنس نحوه، وقال الضحاك عن ابن عباس "وقولوا حطة" قال: قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم، وقال عكرمة قولوا "لا إله إلا الله" وقال الأوزاعي: كتب ابن عباس إلى رجل قد سماه فسأله عن قوله تعالى "وقولوا حطة" فكتب إليه أن أقروا بالذنب، وقال الحسن وقتادة أي أحطط عنا خطايانا "نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين" وقال: هذا جواب الأمر أي إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكن الخطيئات وضاعفنا لكم الحسنات وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها والشكر على النعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب عند الله تعالى كما قال تعالى: " إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر ، وفسره ابن عباس بأنه نعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله فيها وأقره على ذلك عمر رضي الله عنه، ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك ونعى إليه روحه الكريمة أيضاً، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يظهر عليه الخضوع جداً عند النصر كما روى أنه كان يوم الفتح فتح مكة داخلاً إليها من الثنية العليا وأنه لخاضع لربه حتى أن عثنونه ليمس مورك رحله شكراً لله على ذلك، ثم لما دخل البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات وذلك ضحى، فقال بعضهم: هذه صلاة الضحى، وقال آخرون بل هي صلاة الفتح فاستحبوا للإمام وللأمير إذا فتح بلداً أن يصلي فيه ثماني ركعات عند أول دخوله كما فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما دخل إيوان كسرى صلى فيه ثماني ركعات والصحيح أنه يفصل بين كل ركعتين بتسليم، وقيل يصليها كلها بتسليم واحد ، والله أعلم.
وقوله تعالى: "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" قال البخاري حدثني محمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قيل لبني اسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة ـ فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالوا حبة في شعرة" ورواه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن به موقوفاً وعن محمد بن عبيد بن محمد عن ابن المبارك ببعضه مسنداً في قوله تعالى: "حطة" قال: فبدلوا وقالوا حبة، وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله لبني إسرائيل: "ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم" فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم فقالوا حبة في شعرة" وهذا حديث صحيح رواه البخاري عن إسحاق بن نصر ومسلم عن محمد بن رافع والترمذي عن عبد بن حميد كلهم عن عبد الرازق به، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال محمد بن إسحاق: كان تبديلهم كما حدثني صالح بن كيسان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة وعمن لا أتهم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دخلوا الباب ـ الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً ـ يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنطة في شعيرة" وقال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح وحدثنا سليمان بن سليمان بن داود حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله لبني إسرائيل "ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم" " ثم قال أبو داود حدثنا أحمد بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك عن هشام بمثله، هكذا رواه منفرداً به في كتاب الحروف مختصراً، وقال ابن مردويه حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا أحمد بن المنذر القزاز حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل أجزنا في ثنية يقال لها ذات الحنظل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم" وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء: "سيقول السفهاء من الناس" قال اليهود: قيل لهم ادخلوا الباب سجداً قال: ركعاً، وقولوا حطة أي مغفرة، فدخلوا على أستاههم وجعلوا يقولون حنطة حمراء فيها شعيرة، فذلك قول الله تعالى: "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" وقال الثوري عن السدي عن أبي سعد الأزدي عن أبي الكنود عن ابن مسعود وقولوا حطة، فقالوا حنطة، حبة حمراء فيها شعيرة، فأنزل الله: "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" وقال أسباط عن السدي عن مرة عن ابن مسعود أنه قال: إنهم قالوا هطا سمعاتا أزبة مزبا، فهي بالعربية حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء فذلك قوله تعالى: "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" وقال الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس في قوله تعالى: "ادخلوا الباب سجداً" قال ركعاً من باب صغير ، فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة، فذلك قوله تعالى: "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" وهكذا روي عن عطاء ومجاهد وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس ويحيى بن رافع. وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل فأمروا أن يدخلوا سجداً فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم وأمروا أن يقولوا حطة أي أحطط عنا ذنوبنا وخطايانا، فاستهزؤوا فقالوا حنطة في شعيرة، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وهو خروجهم عن طاعته. ولهذا قال: "فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون" وقال الضحاك عن ابن عباس: كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب، وهكذا روي عن مجاهد وأبي مالك والسدي والحسن وقتادة أنه العذاب وقال أبو العالية الرجز الغضب، وقال الشعبي: الرجز إما الطاعون وإما البرد، وقال سعيد بن جبير هو الطاعون، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم بن سعد يعني ابن أبي وقاص عن سعد بن مالك وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطاعون رجز عذاب عذب به من كان قبلكم" وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به، وأصل الحديث في الصحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابت "إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها" الحديث، قال ابن جرير أخبرني يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن يونس عن الزهري، قال أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا الوجع والسقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم" وهذا الحديث أصله مخرج في الصحيحين من حديث مالك عن محمد بن المنكدر وسالم بن أبي النضر عن عامر بن سعد بنحوه.
وقوله: 59- "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" قيل إنهم قالوا: حنطة، وقيل غير ذلك. والصواب أنهم قالوا حبة في شعرة كما سيأتي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: "فأنزلنا على الذين ظلموا" هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة كما تقرر في علم البيان، وهي هنا تعظيم الأمر عليهم وتقبيح فعلهم، ومنه قول عدي بن زيد:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
فكرر الموت في البيت ثلاثاً تهويلاً لأمره وتعظيماً لشأنه. وقوله: "رجزاً" بكسر الراء في قراءة الجميع إلا ابن محيصن فإنه قرأ بضم الراء. والرجز: العذاب. والفسق قد تقدم تفسيره. وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ادخلوا هذه القرية" قال: بيت المقدس. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: هي أريحاء قرية من بيت المقدس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "ادخلوا الباب" قال: باب ضيق "سجداً" قال: ركعاً. وقوله: "حطة" قال: مغفرة، فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة استهزاءً، قال: فذلك قوله تعالى: "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الباب هو أحد أبواب بيت المقدس، وهو يدعى باب حطة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: قيل لهم: "ادخلوا الباب سجداً" فدخلوا مقنعي رؤوسهم وقالوا حنطة: حبة حمراء فيها شعيرة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: "ادخلوا الباب سجداً" قال: طأطئوا رؤوسكم، "وقولوا حطة" قال: قولوا: لا إله إلا الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "قولوا حطة" قال: لا إله إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: كان الباب قبل القبلة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجداً وقولوا: حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاهم وقالوا حبة في شعرة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً يزحفون على أستاهم وهم يقولون حنطة في شعيرة" والأول أرجح لكونه في الصحيحين. وقد أخرجه معهما من أخرج هذا الحديث الآخر: أعني ابن جرير وابن المنذر. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال: إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب. وأخرج مسلم وغيره من حديث أسامة بن زيد وسعد بن مالك وخزيمة بن ثابت قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها".
59. " فبدل " فغير " الذين ظلموا " أنفسهم وقالوا " قولاً غير الذي قيل لهم " وذلك أنهم بدلوا قول الحطة بالحبطة، فقالوا بلسانهم: حطانا سمقاثاً أي حنطة حمراء، استخفافاً بأمر الله تعالى، وقال مجاهد : طؤطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فأبوا أن يدخلوها سجداً فدخلوا على أساههم مخالفة في الفعل كما بدلوا القول وقالوا قولاً غير الذي قيل لهم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن اسماعيل أنا اسحاق بن نصر أنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة ".
" فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء " قيل: أرسل الله عليهم طاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً " بما كانوا يفسقون " يعصون ويخرجون من أمر الله تعالى.
59-" فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم " بدلوا بما أمروا به من التوبة والاستغفار بطلب ما يشتهون من أعراض الدنيا .
" فأنزلنا على الذين ظلموا " كرره مبالغة في تقبيح أمرهم وإشعاراً بأن الإنزال عليهم لظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه ، أو على أنفسهم بأن تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب هلاكها .
" رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون " عذاباً من السماء بسبب فسقهم ، والرجز في الأصل : ما يعاف عنه ، وكذلك الرجس . وقرئ بالضم وهو لغة فيه والمراد به الطاعون . روي أنه مات في ساعة أربعة وعشرون ألفاً .
59. But those who did wrong changed the word which had been told them for another saying, and We sent down upon the evil-doers wrath from Heaven for their evil doing.
59 - But the transgressors changed the word from that which had been given them; so we sent on the transgressors a plague from heaven, for that they infringed (our command) repeatedly.