59 - (ليدخلنهم مدخلا) بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا (يرضونه) وهو الجنة (وإن الله لعليم) بنياتهم (حليم) عن عقابهم
يقول تعالى ذكره : ليدخلن الله المقتول في سبيله من المهاجرين و الميت منهم " مدخلا يرضونه " و ذلك المدخل هو الجنة " و إن الله لعليم " بمن يهاجر في سبيله ممن يخرج من داره طلب الغنيمة ، أو عرض من عروض الدنيا " حليم " عن عصاة خلقه ، بتركه معالجتهم بالعقوبة و العذاب .
" ليدخلنهم مدخلا يرضونه " أي الجنان. قراءة أهل المدينة " مدخلا " بفتح الميم، أي دخولاً. وضمها الباقون، وقد مضى في ((سبحان)). " وإن الله لعليم حليم " قال ابن عباس: عليم بنياتهم، حليم عن عقابهم.
يخبر تعالى عمن خرج مهاجراً في سبيل الله ابتغاء مرضاته وطلباً لما عنده, وترك الأوطان والأهلين والخلان, وفارق بلاده في الله ورسوله, ونصرة لدين الله ثم قتلوا, أي في الجهاد, أو ماتوا أي حتف أنفهم أي من غير قتال على فرشهم, فقد حصلوا على الأجر الجزيل والثناء الجميل, كما قال تعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله". وقوله: "ليرزقنهم الله رزقاً حسناً" أي ليجرين عليهم من فضله ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم "وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلاً يرضونه" أي الجنة كما قال تعالى: " فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم " فأخبر أنه يحصل له الراحة والرزق وجنة النعيم, كما قال ههنا: " ليرزقنهم الله رزقا حسنا " ثم قال "ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليم" أي بمن يهاجر ويجاهد في سبيله وبمن يستحق ذلك "حليم" أي يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب, ويكفرها عنهم بهجرتهم إليه وتوكلهم عليه.
فأما من قتل في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر, فإنه حي عند ربه يرزق كما قال تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" والأحاديث في هذا كثيرة كما تقدم, وأما من توفي في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر, فقد تضمنت هذه الاية الكريمة مع الأحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه وعظيم إحسان الله إليه. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا المسيب بن واضح , حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن شريح عن ابن الحارث ـ يعني عبد الكريم ـ عن ابن عقبة يعني أبا عبيدة بن عقبة قال: قال حدثنا شرحبيل بن السمط : طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم, فمر بي سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه, فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات مرابطاً أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر, وأجرى عليه الرزق, وأمن من الفتانين, واقرؤوا إن شئتم " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم "".
وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة , حدثنا زيد بن بشر , أخبرني همام أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن سيف المعافري يقولان: كنا برودس ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمر بجنازتين إحداهما قتيل, والأخرى متوفى, فمال الناس على القتيل, فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا ؟ فقالوا: هذا القتيل في سبيل الله, فقال: والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت ؟ اسمعوا كتاب الله "والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا" حتى بلغ آخر الاية, وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا عبدة بن سليمان , أنبأنا ابن المبارك , أنبأنا ابن لهيعة , حدثنا سلامان بن عامر الشيباني أن عبد الرحمن بن جحدم الخولاني حدثه أنه حضر فضالة بن عبيد في البحر مع جنازتين أحدهما أصيب بمنجنيق, والاخر توفي, فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى فقيل له: تركت الشهيد فلم تجلس عنده ؟ فقال: ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت إن الله يقول: "والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً" الايتين.فما تبتغي أيها العبد إذا أدخلت مدخلاً ترضاه, ورزقت رزقاً حسناً, والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت.
ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب , أخبرني عبد الرحمن بن شريح عن سلامان بن عامر قال: كان فضالة برودس أميراً على الأرباع, فخرج بجنازتي رجلين, أحدهما قتيل والاخر متوفى, فذكر نحو ما تقدم. وقوله: "ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به" الاية, ذكر مقاتل بن حيان وابن جرير أنها نزلت في سرية من الصحابة لقوا جمعاً من المشركين في شهر محرم, فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام, فأبى المشركون إلا قتالهم, وبغوا عليهم, فقاتلهم المسلمون فنصرهم الله عليهم "إن الله لعفو غفور".
وجملة 59- "ليدخلنهم مدخلاً يرضونه" مستأنفة، أو بدل من جملة ليرزقنهم الله. قرأ أهل المدينة "مدخلاً" بفتح الميم، وقرأ الباقون بضمها، وهو اسم مكان أريد به الجنة، وانتصابه على أنه مفعول ثان أو مصدر ميمي مؤكد للفعل المذكور، وقد مضى الكلام على مثل هذا في سورة سبحان. وفي هذا من الامتنان عليهم والتبشير لهم ما لا يقادر قدره، فإن المدخل يرضونه هو الأوفق لنفوسهم والأقرب إلى مطلبهم، على أنهم يرون في الجنة ما لا عين رات ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وذلك هو الذي يرضونه وفوق الرضا "وإن الله لعليم" بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم "حليم" عن تفريط المفرطين منهم لا يعاجلهم بالعقوبة.
59. " ليدخلنهم مدخلاً يرضونه "، لأن لهم فيه ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، " وإن الله لعليم "، بنياتهم، " حليم "، عنهم.
59 ـ " ليدخلنهم مدخلاً يرضونه " هو الجنة فيها ما يحبونه . " وإن الله لعليم " بأحوالهم وأحوال معادهم . " حليم " لا يعاجل في العقوبة .
59. Assuredly He will cause them to enter by an entry that they will love. Lo! Allah verily is knower, Indulgent.
59 - Verily He will admit them to a place with which they be will be pleased: most Forbearing.