59 - (فإن للذين ظلموا) أنفسهم بالكفر من أهل مكة وغيرهم (ذنوبا) نصيبا من العذاب (مثل ذنوب) نصيب (أصحابهم) الهالكين قبلهم (فلا يستعجلون) بالعذاب إن أخرتهم إلى يوم القيامة
وقوله " فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون " يقول تعالى ذكره : فإن للذين أشركوا بالله من قريش وغيرهم ذنوباً وهي الدلو العظيمة وهو السجل أيضاً إذا ملئت أو قاربت الملء وإنما أريد بالذنوب في هذا الموضع : الحظ والنصيب ومنه قول علقمة بن عبدة :
وفي كل قوم قد خبطت بنعمة فحق لشأش من نداك ذنوب
أي نصيب وأصله ما ذكرت ومنه قول الراجز :
لنا ذنوب ولكم ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب
ومعنى الكلام : فإن للذين ظلموا من عذاب الله نصيباً وحظاً نازلاً بهم مثل نصيب أصحابهم الذين مضوا من قبلهم من الأمم على منهاجهم من العذاب فلا يستعجلون به .
وبنحو الذي قلنا ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله " فإن للذين ظلموا ذنوبا " يقول : دلواً .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم " قال : يقول للذين ظلموا عذاباً مثل عذاب أصحابهم فلا يستعجلون .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير " ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم " فلا يستعجلون : سجلاً من العذاب .
قال : ثنا عفان بن مسلم قال : ثنا شهاب بن سريعة عن الحسن في قوله " ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم " قال : دلواً مثل دلو أصحابهم .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " ذنوبا " قال : سجلاً .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " فإن للذين ظلموا ذنوبا " سجلاً من عذاب الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة قوله " فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم " قال : عذاباً مثل عذاب أصحابهم .
حدثني يونس قال : اخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم " قال يقول ذنوباً من العذاب قال : يقول لهم سجل من عذاب الله وقد فعل هذا بأصحابهم من قبلهم فلهم عذاب مثل عذاب أصحابهم فلا يستعجلون .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن منصور عن إبراهيم " ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم " قال : طرفاً من العذاب .
قوله تعالى " فإن للذين ظلموا " أي كفروا من أهل مكة " ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم " أي نصيبا من العذاب مثل نصيب الكفار من الأمم السالفة . وقال ابن الأعرابي يقال يوم ذنوب أي طويل الشر لا ينقضي وأصل الذنوب في اللغة الدلو العظيمة ، وكانوا يستقون الماء فيقسمون ذلك على الأنصباء فقيل للذنوب نصيب من هذا قال الراجز :
لنا ذنوب ولكم ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب
وقال علقمة :
وفي كل يوم قد خبطت بنعمة فحق لشأس من نداك ذنوب
وقال آخر
لعمرك والمنايا طارقات لكل بني أب منها ذنوب
الجوهري والذنوب الفرس الطويل الذنب ، والذنوب النصيب والذنوب لحم أسفل المتن ، والذنوب الدلو الملأى ماء . وقال ابن السكيت فيها ماء قريب من الملء يؤنث ويذكر ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب ، والجمع في أدنى العدد أذنبة والكثير ذنائب مثل قلوص وقلائص . "فلا يستعجلون " أي فلا يستعجلون نزول العذاب بهم ، لأنهم قالوا يا محمد "فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " فنزل بهم يوم بدر ما حقق به وعده وعجل بهم انتقامه ثم لهم في الآخرة العذاب الدائم والخزي القائم الذي لا انقطاع له ولا نفاد ولا غاية ولا آباد .
يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم وكما قال لك هؤلاء المشركون قال المكذبون الأولون لرسلهم: "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون" قال الله عز وجل: "أتواصوا به ؟" أي أوصى بعضهم بعضاً بهذه المقالة "بل هم قوم طاغون" أي لكن هم قوم طغاة تشابهت قلوبهم, فقال متأخرهم كما قال متقدمهم. قال الله تعالى: "فتول عنهم" أي فأعرض عنهم يامحمد "فما أنت بملوم" يعني فما نلومك على ذلك "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" أي إنما تنتفع بها القلوب المؤمنة, ثم قال جل جلاله: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" أي إنما خلقتهم لامرهم بعبادتي لا لا حتياجي إليهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إلا ليعبدون" أي إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً. وهذا اختيار ابن جرير وقال ابن جريج: إلا ليعرفون, وقال الربيع بن أنس "إلا ليعبدون" أي إلا للعبادة, وقال السدي: من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" هذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع الشرك, وقال الضحاك: المراد بذلك المؤمنون.
وقوله تعالى: "ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم وأبو سعيد قالا: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث إسرائيل, وقال الترمذي: حسن صحيح. ومعنى الاية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء, ومن عصاه عذبه أشد العذاب. وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم. فهو خالقهم ورازقهم. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله, حدثنا عمران ـ يعني ابن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد ـ هو الوالبي ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ـ "ياابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك, وإلا تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمران بن زائدة, وقال الترمذي: حسن غريب.
وقد روى الإمام أحمد عن وكيع وأبي معاوية عن الأعمش عن سلام بن شرحبيل: سمعت حبة وسواء ابني خالد يقولان: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعمل عملاً أو يبني بناء, قال أبو معاوية: يصلح شيئاً, فأعناه عليه فلما فرغ دعا لنا وقال: "لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة ثم يعطيه الله ويرزقه". وقد ورد في بعض الكتب الإلهية: يقول الله تعالى: ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب, وتكفلت برزقك فلا تتعب فاطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء, وأنا أحب إليك من كل شيء. وقوله تعالى: "فإن للذين ظلموا ذنوباً" أي نصيباً من العذاب "مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون" أي فلا يستعجلون ذلك فإنه واقع لا محالة "فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون" يعني يوم القيامة. آخر تفسير سورة الذاريات ولله الحمد والمنة .
59- "فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم" أي ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، فإن لهم ذنوباً: أي طويل الشر لا ينقضي، وأصل الذنوب في اللغة الدلوا العظيمة، ومن استعمال الذنوب في النصيب من الشيء قول الشاعر:
لعمرك والمنايا طارقات لكل بني أب منها ذنوب
وما في الآية مأخوذ من مقاسمه السقاة الماء بالدلو الكبير، فهو تمثيل، جعل الذنوب. مكان الحظ والنصيب قاله ابن قتيبة "فلا يستعجلون" أي لا يطلبوا مني أن أعجل لهم العذاب كما في في قولهم: " فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ".
59. " فإن للذين ظلموا "، كفروا من أهل مكة، " ذنوباً "، نصيباً من العذاب، " مثل ذنوب أصحابهم "، مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود، وأصل ((الذنوب)) في اللغة: الدلو العظيمة المملوءة ماء، ثم استعمل في الحظ والنصيب، " فلا يستعجلون "، بالعذاب يعني أنهم أخروا إلى يوم القيامة.
59-" فإن للذين ظلموا ذنوباً " اي للذين ظلموا رسول لله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب نصيباً من العذاب ." مثل ذنوب أصحابهم " مثل نصيب نظرائهم من الأمم السابقة ، وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء ، فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملوء " فلا يستعجلون " جواب لقولهم " متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " .
59. And lo! for those who (now) do wrong there is an evil day like unto the evil day (which came for) their likes (of old); so let them not ask Me to hasten on (that day).
59 - For the wrong doers, their portion is like unto the portion of their fellows (of earlier generations): then let them not ask Me to hasten (that portion)!