6 - (الذين هم يراؤون) في الصلاة وغيرها
وقوله : " الذين هم يراؤون " يقول : الذين هم يراءون الناس بصلاتهم إذا صلوا ، لأنهم لا يصلون رغبة في ثواب ، ولا رهبة من عقاب ، وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنونهم منهم ، فيكون عن سفك دمائهم ، وسبي ذراريهم ، وهم المنافقون الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يستبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ، كذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، و مؤمل ن قالا : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " الذين هم عن صلاتهم ساهون " قال : هم المنافقون .
حدثنا أبو كريب ، قال :نثا وكيع ، عن سفيان ، عن ابنأبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يونس ، قال :ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في قوله " يراؤون * ويمنعون الماعون " قال : يراءون بصلاتهم .
حدثت عن الحسن ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال :سمعت الضحاك يقول في قوله " الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون " يعني المنافقين .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قال : هم المنافقون كانوا يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويرتكونها إذا غابوا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال :ثني ابن زيد : ويصلون ، وليس الصلاة من شأنهم ، رياء .
قوله تعالى:" الذين هم يراؤون " أي يري الناس أنه يصلي طاعة وهو يصلي تقية، كالفاسق، يري أن يصلي عبادة وهويصلي ليقال: إنه يصلي. وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس. وأولها تحسين السمت، وهومن أجزاء النبوة، ويريد بذلك الجاه والثناء. وثانيها: الرياء بالثياب القصار والخشنة، ليأخذ بذلك هيئة الزهد في الدنيا. وثالثها: الرياء بالقول، بإظهار التسخط على أهل الدنيا، وإظهار الوعظ والتأسف على ما يفوت من الخير والطاعة. ورابعها: الرياء بإظهار الصلاة والصدقة أو بتحسين الصلاة لأجل رؤية الناس، وذلك يطول، وهذا دليله، قاله ابن العربي:
قلت: قد تقدم في سورة النساء وهود وآخر (الكهف) القول في الرياء وأحكامه وحقيقته بما فيه كفاية. والحمد لله.
الخامسة: ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة، فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها، لقوله عليه السلام:
(ولا غمة في فرائض الله)لأنها أعلام الإسلام، شعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقتن فوجب إماطة التهمة بالإظهار، وإن كان تطوعاً فحقه أن يخفي، لأنه لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصداً للاقتداء به كان جميلاً. وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين، فثني عليه بالصلاح. وعن بعضهم انه رأى رجلاً في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطالها، فقال: ما أحسن هذا لو كان في بيتك. وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة. وقد مضى هذا المعنى في سورة (البقرة) عند قوله تعالى:" إن تبدوا الصدقات" [البقرة:271]، وفي غير موضع. والحمدلله على ذلك.
السادسة: قوله تعالى:" ويمنعون الماعون" فيه اثنا عشر قولاً: الأول: أنه زكاة أموالهم. كذا روى الضحاك عن ابن عباس. وروي عن علي رضي الله عنه مثل ذلك، وقاله مالك. والمراد به المنافق يمنعها. وقد روى أبو بكر بن عبدالعزيز عن مالك قال: بلغني أن قول الله تعالى:" فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون * ويمنعون الماعون " قال: إن المنافق إذا صلى صلى رياء، وإن فاتته لم يندم عليها، (ويمنعون الماعون) الزكاة التي فرض الله عليهم. قال زيد بن أسلم: لوخفيت لهم الصلاة كما خفيت لهم الزكاة ما صلوا. القول الثاني: أن الماعون المال، بلسان قريش، قاله ابن شهاب وسعيد بن المسيب. وقول ثالث: أنه اسم جامع لمنافع البيت كالفأس والقدر والنار وما أشبه ذلك، قاله ابن مسعود،وروي عن ابن عباس أيضاً، قال الأعشى:
بأجود منه بما عونه إذا ما سماؤهم لم تغم
الرابع: ذكر الزجاج وأبو عبيد والمبرد أن الماعون في الجاهلية كل ما فيه منفعة، حتى الفأس والقدر والدلو والقداحة، وكل ما فيه منفعة من قليل وكثير، وأنشدوا بيت الأعشى. قالوا: والماعون في الإسلام : الطاعة والزكاة وأنشدوا قول الراعي:
أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلاً
عرب نرى لله من أموالنا حق الزكاة منزلاً تنزيلاً
قوم على الإسلام لما يمنعوا ما عونهم ويضيعوا التهليلا
يعني الزكاة. الخامس: أنه العارية، روي عن ابن عباس أيضا. السادس: أنه المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم، قاله محمد بن كعب والكلبي. السابع: أنه الماء والكلأ. الثامن: الماء وحده. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الماعون: الماء، وأنشدني فيه:
يمج صبيره الماعون صبا
الصبير: السحاب. التاسع: أنه منع الحق، قاله عبدالله بن عمر. العاشر: أنه المستغل من منافع الأموال، مأخوذ من المعن وهو القليل، حطاه الطبري وابن عباس. قال قطرب: أصل الماعون من القلة. والمعن: الشيء القليل، تقول العرب: ما له سعنة ولا معنة، أي شيء قليل. فسمى الله تعالى الزكاة والصدقة ونحوهما من المعروف ماعوناً، لأنه قليل من كثير. ومن الناس من قال: الماعون: أصله معونة، والألف عوض من الهاء، حكاه الجوهري. ابن العربي: الماعون: مفعول من أعان يعين، والعون: هو الإمداد بالقوة والآلات والأسباب الميسرة للأمر. الحادي عشر: أنه الطاعة والانقياد. حكى الأخفش عن أعرابي فصيح: لو قد نزلنا لصنعت بناقتك صنيعاً تعطيك الماعون، أي تنقاد لك وتطيعك. قال الراجز:
متى تصادفهن في البرين يخضعن أو يعطين بالماعون
وقيل : هو ما لايحل منعه، كالماء والملح والنار،" لأن عائشة رضوان الله عليها قالت:
قلت يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: (الماء والنار والملح) قلت: يارسول الله هذا الماء، فما بال النار والملح؟ فقال: (يا عائشة من أعطى ناراً فكأنما تصدق بجميع ما طبخ بتلك النار، ومن أعطي ملحاً فكأنما تصدق بجميع ما طيب به ذلك الملح، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء، فكأنما تصدق بجميع ما طيب به ذلك الملح، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء، فكأنما أعتق ستين نسمة. ومن سقى شربة من الماء حيث لا يوجد، فكأنما أحيا نفساً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جيمعاً)" . ذكره الثعلبي في تفسيره، وخرجه ابن ماجه في سننه. وفي إسناده لين، وهو القول الثاني عشر. الماوردي: ويحتمل انه المعونة بم خف فعله وقد ثقله الله. والله أعلم. وقيل لعكرمة مولى ابن عباس: من منع شيئاً من المتاع كان له الويل؟ فقال: لا، ولكن من جمع ثلاثهن فله الويل، يعني: ترك الصلاة، والرياء، والبخل بالماعون.
قلت: كونها في المنافقين أشبهن وبهم أخلق، لأنهم جمعوا الأوصاف الثلاثة: ترك الصلاة والرياء والبخل بالمال، قال الله تعالى:" وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " [النساء:142] وقال:" ولا ينفقون إلا وهم كارهون" [التوبة:54] وهذه أحوالهم، ويبعد أن توجد من مسلم محقق، وإن وجد بعضها فيلحقه جزء من التوبيخ، وذلك في منع الماعون إذا تعين، كالصلاة إذا تركها. والله أعلم. إنما يكون منعاً قبيحاًفي المروءة في غير حال الضرورة. والله أعلم.
يقول تعالى: أرأيت يا محمد الذي يكذب بالدين وهو المعاد والجزاء والثواب "فذلك الذي يدع اليتيم" أي هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ولا يطعمه ولا يحسن إليه "ولا يحض على طعام المسكين" كما قال تعالى: "كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين" يعني الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته, ثم قال تعالى: "فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون" قال ابن عباس وغيره: يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر ولهذا قال: "للمصلين" الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها ثم هم عنها ساهون, إما عن فعلها بالكلية كما قاله ابن عباس , وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعاً فيخرجها عن وقتها بالكلية, كما قاله مسروق وأبو الضحى .
وقال عطاء بن دينار : الحمد لله الذي قال: "عن صلاتهم ساهون" ولم يقل في صلاتهم ساهون, وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائماً أو غالباً, وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به, وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها, فاللفظ يشمل ذلك كله ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الاية, ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكمل له النفاق العملي كما ثبت في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً" فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى كما ثبت به النص إلى آخر وقتها, وهو وقت الكراهة, ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب لم يطمئن ولا خشع فيها أيضاً, ولهذا قال لا يذكر الله فيها إلا قليلاً, ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس لا ابتغاء وجه الله, فهو كما إذا لم يصل بالكلية. قال الله تعالى: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " وقال تعالى ههنا: " الذين هم يراؤون ".
وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي , حدثني أبي , حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , عن يونس عن الحسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة أعد ذلك للمرائين من أمة محمد لحامل كتاب الله وللمصدق في غير ذات الله وللحاج إلى بيت الله وللخارج في سبيل الله" وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة قال كنا جلوساً عند أبي عبيدة , فذكروا الرياء فقال رجل يكنى بأبي يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وحقره وصغره" ورواه أيضاً عن غندر ويحيى القطان عن شعبة عن عمرو بن مرة عن رجل عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, ومما يتعلق بقوله تعالى: " الذين هم يراؤون " أن من عمل عملاً لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء, والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده, حدثنا هارون بن معروف , حدثنا مخلد بن يزيد , حدثنا سعيد بن بشير , حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي فدخل علي رجل فأعجبني ذلك, فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كتب لك أجران: أجر السر وأجر العلانية".
قال أبوعلي هارون بن معروف بلغني أن ابن المبارك قال نعم الحديث للمرائين, وهذا حديث غريب من هذا الوجه, و سعيد بن بشير متوسط, وروايته عن الأعمش عزيزة,وقد رواه غيره عنه, قال أبو يعلى أيضاً: حدثنا محمد بن المثنى بن موسى , حدثنا أبو داود , حدثنا أبو سنان عن حبيب بن أبي ثابت , عن أبي صالح , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: " يا رسول الله الرجل يعمل العمل يسره, فإذا اطلع عليه أعجبه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: له أجران أجر السر وأجر العلانية". وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى وابن ماجه عن بندار كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني , واسمه ضرار بن مرة , ثم قال الترمذي غريب وقد رواه الأعمش وغيره عن حبيب عن أبي صالح مرسلاً.
وقد قال أبو جعفر بن جرير : حدثني أبو كريب , حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي , حدثني رجل عن أبي برزة الأسلمي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الاية "الذين هم عن صلاتهم ساهون" قال: الله أكبر هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته وإن تركها لم يخف ربه" فيه جابر الجعفي وهو ضعيف وشيخه مبهم لم يسم, والله أعلم. وقال ابن جرير أيضاً: حدثني زكريا بن أبان المصري , حدثنا عمرو بن طارق , حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: "هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت: وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعاً أو تأخيرها عن أول الوقت " , وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فروخ عن عكرمة بن إبراهيم به, ثم رواه عن أبي الربيع عن جابر عن عاصم عن مصعب عن أبيه موقوفاً: سهواً عنها حتى ضاع الوقت, وهذا أصح إسناداً وقد ضعف البيهقي رفعه وصحح وقفه وكذلك الحاكم .
وقوله تعالى: "ويمنعون الماعون" أي لا أحسنوا عبادة ربهم ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به, ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم, فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى, وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال علي : الماعون الزكاة, وكذا رواه السدي عن أبي صالح عن علي , وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر , وبه يقول محمد بن الحنفية وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وعطاء وعطية العوفي, والزهري والحسن وقتادة والضحاك وابن زيد , وقال الحسن البصري : إن صلى راءى وإن فاتته لم يأس عليها ويمنع زكاة ماله وفي لفظ صدقة ماله, وقال زيد بن أسلم : هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها, وضمنت الزكاة فمنعوها. وقال الأعمش وشعبة عن الحكم عن يحيى بن الخزاز أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر. وقال المسعودي عن سلمة بن كهيل عن أبي العبيدين أنه سئل ابن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك.
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي , حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي العبيدين وسعد بن عياض عن عبد الله قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن, وحدثنا خلاد بن أسلم , أخبرنا النضر بن شميل , أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقال الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عبد الله أنه سئل عن الماعون فقال: ما يتعاوره الناس بينهم الفأس والدلو وشبهه وقال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي الفلاس , حدثنا أبو داود الطيالسي , حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول منع الماعون منع الدلو وأشباه ذلك.
وقد رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة عن أبي عوانة بإسناده نحوه ولفظ النسائي عن عبد الله قال: كل معروف صدقة, وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: الماعون العواري القدر والميزان والدلو. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس "ويمنعون الماعون" يعني متاع البيت, وكذا قال مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك وغير واحد إنها العارية للأمتعة, وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس "ويمنعون الماعون" قال: لم يجىء أهلها بعد: وقال العوفي عن ابن عباس "ويمنعون الماعون" قال: اختلف الناس في ذلك فمنهم من قال يمنعون الزكاة, ومنهم من قال يمنعون الطاعة, ومنهم من قال يمنعون العارية, رواه ابن جرير ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية عن ليث بن أبي سليم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي : الماعون منع الناس الفأس والقدر والدلو, وقال عكرمة رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة, رواه ابن أبي حاتم وهذا الذي قاله عكرمة حسن, فإنه يشمل الأقوال كلها وترجع كلها إلى شيء واحد, وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة, ولهذا قال محمد بن كعب "ويمنعون الماعون" قال: المعروف. ولهذا جاء في الحديث "كل معروف صدقة".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري "ويمنعون الماعون" قال بلسان قريش: المال وروى ههنا حديثاً غريباً عجيباً في إسناده ومتنه فقال: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا, حدثنا قيس بن حفص الدارمي , حدثنا دلهم بن دهيم العجلي , حدثنا عائذ بن ربيعة النميري . حدثني قرة بن دعموص النميري أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما تعهد إلينا ! قال: "لا تمنعوا الماعون قالوا: يا رسول الله وما الماعون ؟ قال: في الحجر وفي الحديدة وفي الماء قالوا: فأي الحديدة ؟ قال: قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهنون به قالوا: ما الحجر ؟ قال: قدوركم الحجارة" غريب جداً ورفعه منكر, وفي إسناده من لا يعرف والله أعلم. وقد ذكر ابن الأثير في الصحابة ترجمة علي النميري فقال: روى ابن مانع بسنده إلى عامر بن ربيعة بن قيس النميري عن علي بن فلان النميري , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم إذا لقيه حياه بالسلام ويرد عليه ما هو خير منه لا يمنع الماعون قلت: يا رسول الله ما الماعون ؟ قال :الحجر والحديد وأشباه ذلك" والله أعلم.
وإذا كانوا مع المؤمنين صلوا رياء، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا، وهو معنى قوله: 6- " الذين هم يراؤون " أي يراءون الناس بصلاتهم إن صلوا، أو يراءون الناس بكل ما عملوه من أعمال البر ليثنوا عليهم. قال النخعي: "الذين هم عن صلاتهم ساهون" هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتاً. وقال قطرب: هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله. وقرأ ابن مسعود الذين هم عن صلاتهم لاهون.
قال ابن عباس: هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس، ويصلونها في العلانية إذا حضروا، لقوله تعالى: 6- " الذين هم يراؤون ". وقال في وصف المنافقين: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس " (النساء- 142).
وقال قتادة: ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصل.
وقيل: لا يرجون لها ثواباً إن صلوا، ولا يخافون عقاباً إن تركوا.
وقال مجاهد: غافلون عنها يتهاونون بها.
وقال الحسن: هو الذي إن صلاها صلاها رياءً، وإن فاتته لم يندم.
وقال أبو العالية: لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها.
6-" الذين هم يراؤون " يرون الناس أعمالهم ليروهم الثناء عليهم .
6. Who would be seen (at worship)
6 - Those who (want but) to be seen (of men),