6 - (وانطلق الملأ منهم) من مجلس اجتماعهم عند أبي طالب وسماعهم فيه من النبي صلى الله عليه وسلم قولوا لا إله إلا الله (أن امشوا) يقول بعضهم لبعض امشوا (واصبروا على آلهتكم) اثبتوا على عبادتها (إن هذا) المذكور من التوحيد (لشيء يراد) منا
يقول تعالى ذكره : وانطلق الأشراف من هؤلاء الكافرين من قريش ، القائلين : "أجعل الآلهة إلها واحدا" بأن امضوا فاصبروا على دينكم وعبادة آلهتكم. فإن من قوله "أن امشوا"في موضع نصب يتعلق انطلقوا بها، كأنه قيل : انطلقوا مشياً، ومضياً على دينكم. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا على آلهتكم. وذكر أن قائل ذلك كان عقبة بن أبي معيط.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد: "وانطلق الملأ منهم"قال : عقبة بن أبي معيط.
وقوله "إن هذا لشيء يراد": أي أن هذا القول الذي يقول محمد، ويدعونا إليه ، من قول لا إله إلا الله ، شيء يريده منا محمد يطلب به الاستعلاء علينا، وأن نكون له فيه أتباعاً ولسنا مجيبيه إلى ذلك.
قوله تعالى : " وانطلق الملأ منهم أن امشوا " < الملأ > الأشراف ، والانطلاق الذهاب بسرعة ، أي انطلق هؤلاء الكافرون من عند الرسول عليه السلام يقول بعضهم لبعض : < أن امشوا > أي امضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا فيه دينه " واصبروا على آلهتكم " . وقيل " : هو إشارة إلى مشيهم إلى أبي طالب في مرضه كما سبق . وفي رواية محمد بن إسحاق أنهم أبو جهل بن هشام ، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة بن عبد شمس ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، وأبو معيط ، جاءوا إلى أبي طالب فقالوا : أنت سيدنا وأنصفنا في أنفسنا ، فاكفينا أمر ابن أخيك وسفهاء معه ، فقد تركوا ألهتنا وطعنوا في ديننا ، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : إن قومك يدعونك إلى السواء والنصفة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما أدعوهم إلى كلمة واحدة فقال أبو جهل : وعشرا قال : تقولون لا إله إلا الله فقاموا وقالوا : أجعل الألهة إلهاً واحداً " الآيات " أن امشوا " < أن > في موضع نصب والمعنى بأن امشوا . وقيل : < أن > بمعنى أي ، أي < وانطلق الملأ منهم > أي امشوا ، وهذا تفسير انطلاقهم لا أنهم تكلموا بهذا اللفظ . وقيل : المعنى انطلق الأشراف منهم فقالوا للعوام : < امشوا واصبروا على ألهتكم > أي على عبادة آلهتكم < إن هذا > أي هذا الذي جاء به محمد عليه السلام " لشيء يراد " أي يراد بأهل الأرض من زوال نعم قوم وغير تنزل بهم . وقيل : " إن هذا لشيء يراد " كلمة تحذير ، أي إنما يريد محمد بما يقول الإنقيادي له ليعلو عليه . ونكون له أتباعاً فيتحكم فينا بما يريد ، فاحذروا أن تطيعوه . وقال مقاتل إن عمر لما أسلم وقوي به الإسلام شق ذلك على قريش فقالوا : إن أسلام عمر في قوة الإسلام لشيء يراد .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين في تعجبهم من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً كما قال عز وجل: "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين" وقال جل وعلا ههنا: "وعجبوا أن جاءهم منذر منهم" أي بشر مثلهم وقال الكافرون " هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلها واحدا " أي أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو ؟ أنكر المشركون ذلك قبحهم الله تعالى وتعجبوا من ترك الشرك بالله فإنهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم فلما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد الإله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب * وانطلق الملأ منهم " وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين "امشوا" أي استمروا على دينكم "واصبروا على آلهتكم" ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد, وقوله تعالى: "إن هذا لشيء يراد" قال ابن جرير إن هذا الذي يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء وأن يكون له منكم أتباع ولسنا نجيبه إليه.
(ذكر سبب نزول هذه الايات الكريمة)
قال السدي إن ناساً من قريش اجتمعوا فيهم أبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش فقال بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى أبي طالب فلنكلمه فيه فلينصفنا منه فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الذي يعبده فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون منا إليه شيء فتعيرنا به العرب يقولون تركوه حتى إذا مات عنه تناولوه فبعثوا رجلاً منهم يقال له المطلب فاستأذن لهم على أبي طالب فقال هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم يستأذنون عليك قال أدخلهم فلما دخلوا عليه قالوا يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا فأنصفنا من ابن أخيك فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه, قال فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك قال صلى الله عليه وسلم: "يا عم أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم" قال وإلام تدعوهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم "أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم" فقال أبو جهل لعنه الله من بين القوم ما هي وأبيك لنعطينكها وعشراً أمثالها قال صلى الله عليه وسلم: "تقولون لا إله إلا الله" فنفروا وقالوا سلنا غيرها قال صلى الله عليه وسلم: "لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها" فقاموا من عنده غضاباً وقالوا والله لنشتمك وإلهك الذي أمرك بهذا "وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد" ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وزاد فلما خرجوا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه إلى قوله لا إله إلا الله فأبى وقال بل على دين الأشياخ ونزلت "إنك لا تهدي من أحببت".
قال أبو جعفر بن جرير حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا أبو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول, فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل قال فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول ؟ قال وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية" ففزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم كلمة واحدة نعم وأبيك عشراً فقالوا وما هي ؟ وقال أبو طالب وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا إله إلا الله" فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب " قال ونزلت من هذا الموضع إلى قوله "بل لما يذوقوا عذاب" لفظ أبي كريب وهكذا رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث محمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن أبي أسامة عن الأعمش عن عباد غير منسوب به نحوه, ورواه الترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير أيضاً كلهم في تفاسيرهم من حديث سفيان الثوري عن الأعمش عن يحيى بن عمارة الكوفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكر نحوه. وقال الترمذي حسن. وقولهم " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة " أي ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الاخرة.
قال مجاهد وقتادة وأبو زيد يعنون دين قريش وقال غيرهم يعنون النصرانية قاله محمد بن كعب والسدي. وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما سمعنا بهذا في الملة الاخرة يعني النصرانية قالوا لو كان هذا القرآن حقاً لأخبرتنا به النصارى "إن هذا إلا اختلاق" قال مجاهد وقتادة كذب وقال ابن عباس تخرص. وقولهم "أأنزل عليه الذكر من بيننا" يعني أنهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كلهم كما قال في الاية الأخرى: "لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" قال الله تعالى: "أهم يقسمون رحمة ربك ؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" ولهذا لما قالوا هذا الذي دل على جهلهم وقلة عقلهم في استبعادهم إنزال القرآن على الرسول من بينهم.
قال الله تعالى: "بل لما يذوقوا عذاب" أي إنما يقولون هذا لأنهم ما ذاقوا إلى حين قولهم ذلك عذاب الله تعالى ونقمته سيعلمون غب ما قالوا وما كذبوا به يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً. ثم قال تعالى مبيناً أنه المتصرف في ملكه الفعال لما يشاء الذي يعطي من يشاء ما يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء وينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده ويختم على قلب من يشاء فلا يهديه أحد من بعد الله, وإن العباد لا يملكون شيئاً من الأمر وليس إليهم من التصرف في الملك ولا مثقال ذرة وما يملكون من قطمير.
ولهذا قال تعالى منكراً عليهم "أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب" أي العزيز الذي لا يرام جنابه الوهاب الذي يعطي ما يريد لمن يريد, وهذه الاية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: " أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا * أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما * فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا " وقوله تعالى: "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً" وذلك بعد الحكاية عن الكفار أنهم أنكروا بعثة الرسول البشري صلى الله عليه وسلم وكما أخبر عز وجل عن قوم صالح عليه السلام حين قالوا " أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ".
وقوله تعالى: "أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب" أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في الأسباب. قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم يعني طرق السماء, وقال الضحاك رحمه الله تعالى فليصعدوا إلى السماء السابعة.
ثم قال عز وجل: "جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب" أي هؤلاء الجند المكذبون الذين هم في عزة وشقاق سيهزمون ويغلبون ويكبتون كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين وهذه الاية كقوله جلت عظمته: " أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر " كان ذلك يوم بدر "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر".
6- "وانطلق الملأ منهم" المراد بالملأ: الأشراف كما هو مقرر في غير موضع من تفسير الكتاب العزيز أي انطلقوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي طالب كما تقدم قائلين "أن امشوا" أي قائلين لبعضهم بعضاً امضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه "واصبروا على آلهتكم" أي اثبتوا على عبادتها، وقيل المعنى: وانطلق الأشراف منهم فقالوا للعوام امشوا واصبروا على آلهتكم، و أن في قوله: "أن امشوا" هي المفسرة للقول المقدر، أو لقوله وانطلق لأنه مضمن معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية معمولة للمقدر أو للمذكور: أي بأن امشوا. وقيل المراد بالانطلاق: الاندفاع في القول، وامشوا من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها: أي اجتمعوا وأكثروا، وهو بعيد جداً، وخلاف ما يدل عليه الانطلاق والمشي بحقيقتهما، وخلاف ما تقدم في سبب النزول، وجملة "إن هذا لشيء يراد" تعليل لما تقدمه من الأمر بالصبر: أي يريده محمد بنا وبآلهتنا، ويود تمامه ليعلو علينا، وتكون له أتباعاً فيتحكم فينا بما يريد، فيكون هذا الكلام خارجاً مخرج التحذير منه والتنفير عنه. وقيل المعنى: إن هذا الأمر يريده الله سبحانه، وما أراده فهو كائن لا محالة، فاصبروا على عبادة آلهتكم. وقيل المعنى: إن دينكم لشيء يراد: أي يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه، والأول أولى.
6. " وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم "، أي: انطلقوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي طالب، يقول بعضهم لبعض: امشوا واصبروا علىآلهتكم، أي: اثبتوا على عبادة آلهتكم، " إن هذا لشيء يراد "، أي لأمر يراد بنا، وذلك أن عمر لما أسلم وحصل للمسلمين قوة بمكانهقالوا: إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لشيء يراد بنا.
وقيل يراد بأهل الأرض، وقيل: يراد بمحمد أن يملك علينا.
6-" وانطلق الملأ منهم " وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . " أن امشوا " قائلين بعضهم لبعض . " امشوا " . " اصبروا " واثبتوا . " على آلهتكم " على عبادتها فلا ينفعكم مكالمته ، و " أن " هي المفسرة لأن الانطلاق عن مجلس التقاول يشعر بالقول . وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع في القول ، و " امشوا " من مشيت المرأة إذا كثرت أولادها ومنه الماشية أي اجتمعوا ، وقرئ بغير " أن " وقرئ يمشون أن اصبروا . " إن هذا لشيء يراد " إن هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له ، أو أن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرئاسة ، والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى أو يريده كل أحد ، أو أن دينكم لشيء يطلب ليؤخذ منكم .
6. The chiefs among them go about, exhorting: Go and be staunch to your gods! Lo! this is a thing designed.
6 - And the leaders among them go away (impatiently), (saying), walk ye away, and remain constant to your gods for this is truly a thing designed (against you).