6 - (وإن الدين) الجزاء بعد الحساب (لواقع) لا محالة
" وإن الدين لواقع " يقول : وإن السحاب والثواب والعقاب لواجب والله مجاز عباده باعمالهم
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
ذكر من قال ذلك
حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " وإن الدين لواقع " قال : الحساب
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " إنما توعدون لصادق* وإن الدين لواقع " وذلك يوم القيامة يوم يدان الناس فيه بأعمالهم
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " وإن الدين لواقع " قال يوم يدين الله العباد بأعمالهم
حدثني يونس قال : اخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله " وإن الدين لواقع " قال لكائن
قوله تعالى " وإن الدين لواقع "
قال شعبة بن الحجاج عن سماك عن خالد بن عرعرة أنه سمع علياً رضي الله عنه, وشعبة أيضاً عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل أنه سمع علياً رضي الله عنه, وثبت أيضاً من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه, أنه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى, ولا عن سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك, فقام إليه ابن الكواء, فقال: يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى: "والذاريات ذرواً" قال علي رضي الله عنه, الريح, قال: "فالحاملات وقراً" قال رضي الله عنه: السحاب, قال: "فالجاريات يسراً" قال رضي الله عنه: السفن, قال: "فالمقسمات أمراً" قال رضي الله عنه الملائكة.
وقد روي في ذلك حديث مرفوع, فقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن هانىء, حدثنا سعيد بن سلام العطار, حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب, قال: جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين, فأخبرني عن الذاريات ذرواً, فقال رضي الله عنه: هي الرياح, ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ماقلته. قال: فأخبرني عن المقسمات أمراً, قال رضي الله عنه هي الملائكة, ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ماقلته, قال: فأخبرني عن الجاريات يسراً, قال رضي الله عنه: هي السفن, ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ماقلته. ثم أمر بضربه فضرب مائة وجعل في بيت, فلما برأ دعا به فضربه مائة أخرى وحمله على قتب وكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: امنع الناس من مجالسته, فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى رضي الله عنه, فحلف بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئاً, فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه, فكتب عمر: ما إخاله إلا قد صدق فخل بينه وبين مجالسة الناس. قال أبو بكر البزار: فأبو بكر بن أبي سبرة لين, وسعيد بن سلام ليس من أصحاب الحديث. قلت: فهذا الحديث ضعيف رفعه وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر رضي الله عنه, فإن قصة صبيغ بن عسل مشهورة مع عمر رضي الله عنه, وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتاً وعناداً, والله أعلم. وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصة في ترجمة صبيغ مطولة, وهكذا فسرها ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم, ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي وغير واحد, ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك, وقد قيل إن المراد بالذاريات الريح كما تقدم, وبالحاملات وقراً السحاب كما تقدم, لأنها تحمل الماء كما قال زيد بن عمرو بن نفيل:
وأسلمت نفسي لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالا
فأما الجاريات يسراً فالمشهور عن الجمهور كما تقدم أنها السفن, تجري ميسرة في الماء جرياً سهلاً, وقال بعضهم: هي النجوم تجري يسراً في أفلاكها ليكون ذلك ترقياً من الأدنى إلى الأعلى إلى ما هو أعلى منه, فالرياح فوقها السحاب, والنجوم فوق كذلك, والمقسمات أمراً الملائكة فوق ذلك تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية, وهذا قسم من الله عز وجل على وقوع المعاد, ولهذا قال تعالى: "إنما توعدون لصادق" أي لخبر صدق "وإن الدين" وهو الحساب "لواقع" أي لكائن لا محالة.
ثم قال تعالى: "والسماء ذات الحبك" قال ابن عباس رضي الله عنهما: ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء, وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو مالك وأبو صالح والسدي وقتادة وعطية العوفي والربيع بن أنس وغيرهم. وقال الضحاك والمنهال بن عمرو وغيرهما مثل تجعد الماء والرمل والزرع, إذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضاً طرائق طرائق, فذلك الحبك. قال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن من ورائكم الكذاب المضل, وإن رأسه من ورائه حبك حبك" يعني بالحبك الجعودة: وعن أبي صالح: ذات الحبك الشدة وقال خصيف: ذات الحبك ذات الصفاقة. وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: ذات الحبك حبكت بالنجوم, وقال قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن عمرو البكالي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "والسماء ذات الحبك" يعني السماء السابعة, وكأنه والله أعلم أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة, وهي عند كثير من علماء الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع, والله أعلم.
وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس رضي الله عنهما, فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة شديدة البناء متسعة الأرجاء أنيقة البهاء, مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزهرات وقوله تعالى: "إنكم لفي قول مختلف" أي إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل لفي قول مختلف مضطرب لا يلتئم ولا يجتمع, وقال قتادة: إنكم لفي قول مختلف ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به. " يؤفك عنه من أفك " أي إنما يروج على من هو ضال في نفسه, لأنه قول باطل إنما ينقاد له ويضل بسببه, ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال غمر لافهم له كما قال تعالى: " فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم " قال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي "يؤفك عنه من أفك" يضل عنه من ضل. وقال مجاهد "يؤفك عنه من أفك" يؤفن عنه من أفن, وقال الحسن البصري: يصرف عن هذا القرآن من كذب به. وقوله تعالى: "قتل الخراصون" قال مجاهد: الكذابون, قال: وهي مثل التي في عبس "قتل الإنسان ما أكفره" والخراصون الذين يقولون لا نبعث ولا يوقنون. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "قتل الخراصون" أي لعن المرتابون. وهكذا كان معاذ رضي الله عنه يقول في خطبته. هلك المرتابون. وقال قتادة: الخراصون أهل الغرة والظنون. وقوله تبارك وتعالى: "الذين هم في غمرة ساهون" قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد في الكفر والشك غافلون لاهون "يسألون أيان يوم الدين" وإنما يقولون هذا تكذيباً وعناداً وشكاً واستبعاداً, قال الله تعالى: "يوم هم على النار يفتنون" قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغير واحد يفتنون يعذبون. قال مجاهد كما يفتن الذهب على النار, وقال جماعة آخرون كمجاهد أيضاً وعكرمة وإبراهيم النخعي وزيد بن أسلم وسفيان الثوري: يفتنون يحرقون "ذوقوا فتنتكم" قال مجاهد: حريقكم, وقال غيره: عذابكم "هذا الذي كنتم به تستعجلون" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً وتصغيراً, والله أعلم.
6- "وإن الدين لواقع".
6. " وإن الدين "، [الحساب والجزاء]، " لواقع "، لكائن. ثم ابتدأ قسماً آخر فقال:
6-" وإن الدين لواقع " جواب القسم كأنه استدل باقتداره على هذه الأشياء العجيبة المخالفة لمقتضى الطبيعة على اقتداره على البعث للجزاء الموعود ، وما موصولة أو مصدرية و " الدين " الجزاء والواقع الحاصل .
6. And lo! the judgment will indeed befall.
6 - And verily Judgment and Justice must indeed come to pass.