6 - (وما أفاء) رد (الله على رسوله منهم فما أوجفتم) أسرعتم يا مسلمون (عليه من) زائدة (خيل ولا ركاب) إبل أي لم تقاسوا فيه مشقة (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير) فلا حق لكم فيه ويختص به النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذكر معه في الآية الثانية من الأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل منهم خمس الخمس وله صلى الله عليه وسلم الباقي يفعل فيه ما يشاء فأعطى منه المهاجرين وثلاثة من الأنصار لفقرهم
يقول تعالى ذكره : والذي رده الله على رسوله منهم ، يعني من أموال بني النضير ، يقال منه ، فاء الشيء على فلان : إذا رجع إليه ، وأفأته أنا عليه ، إذا رددته عليه ، وقد قيل : إنه عنى بذلك أموال قريظة " فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " يقول : فما أوضعتم فيه من خيل ولا في إبل وهي الركاب ، وإنما وصف جل ثناؤه الذي أفاءه على رسوله منهم بأنه لم يوجف عليه بخيل من أجل أن المسلمين لم يلقوا في ذلك حرباً ، ولا كلفوا فيه مئونة ، وإنما كان القوم معهم ، وفي بلدهم ، لم يكن فيه إيجاف خيل ولا ركاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " ... الآية ، يقول : ما قطعتم إليها وادياً ، ولا سرتم إليها سيراً ، وإنما كان حوائط لبني النضير أطعمها الله رسوله ، ذكر لنا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : أيما قرية أعطت الله ورسوله ، فهي لله ولرسوله وأيما قرية فتحها المسلمون عنوة فإن لله خمسه ولرسوله وما بقي غنيمة لمن قاتل عليها " .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، في قوله " فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " قال : صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل فدك وقرى سماها لا أحفظها ، وهو محاصر قوماً آخرين ، فأرسلوا إليه بالصلح ، قالل : " فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " يقول : بغير قتال ، قال الزهري : فكانت بنو النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خالصة لم يفتحوها عنوة ، بل على صلح ، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين لم يعط الأنصار منها شيئاً إلا رجلين كانت بهما حاجة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان " وما أفاء الله على رسوله منهم " يعني بني النضير " فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير " .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله " فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " قال : يذكر ربهم أنه نصرهم ، وكفاهم بغير كراع ولا عدة في قريظة وخيبر ،ما أفاء الله على رسوله من قريظة ، جعلها لمهاجرة قريش .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير " قال : أمر الله عز وجل نبيه بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد ، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها ، قال : والإيجاف : أن يوضعوا السير ، وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عربية ، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتواها كلها ، فقال ناس ، هلا قسمها فأنزل الله عز وجل عذره ، فقال " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " فقال : " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " ... الآية .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله " فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " يعني يوم قريظة .
وقوله " ولكن الله يسلط رسله على من يشاء " أعلمك أنه كما سلط محمداً صلى الله عليه وسلم على بني النضير ، يخبر بذلك جل ثناؤه أن ما أفاء الله عليه من أموال لم يوجف المسلمون بالخيل والركاب من الأعداء مما صالحوه عليه له خاصة يعمل فيه بما يرى ، يقول : فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما صار إليه أموال بني النضير بالصلح ، لا عنوة ، فتقع فيها القسمة " والله على كل شيء قدير " يقول : والله على كل شيء أراده ذو قدرة لا يعجزه شيء وبقدرته على ما يشاء سلط نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على ما سلط عليه من أموال بني النضير ، فحازه عليهم .
قوله تعالى : " وما أفاء الله على رسوله منهم " هذه الأية والتي بتعدها إلى قوله "شديد العقاب " فيها عشر مسائل :
الأولى _ قوله تعالى : " وما أفاء الله" يعني ما رده الله تعالى "على رسوله " من أموال بني النضير . " فما أوجفتم عليه " أوضعتم عليه . والإيجاف : الإيضاع في السير وهو الإسراع ، يقال : وجف الفرس إذا اسرع ، وأوجفته انا أي حركته وأتبعته ، منهم قول تميم بن مقبل :
مذاويد بالبيض الديث صقالها عن الركب أحيانا إذا الكب أوجفوا
والركاب الإبل ، واحدها راحة ' يقول : لم تقطعوا إليها شقة ولا لقيتهم بها حربا ولا مشقة ، وإنما كانت من المدينة على ميلين ،قاله الفراء فمشوا إليها مشيا ولم يركبوا خيلا ولا إبلا ، إلا النبي صلى الله علية وسلم فإنه ركب جملا وقيل حمارا مخطوما بليف، فافتتحها صلحا وإجلاهم وأخذهم أموالهم . فسال المسلمون النبي صلى الله علية وسلم أن يقسم لهم فنزلت : " وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه " الآية .فجعل أموال بني النضير للنبي صلى الله علية وسلم خاصة يضعها حيث يشاء ، فقسمها النبي صلى الله علية وسلم بين المهاجرين . قال الواقدي ،ورواه ابن وهب عن مالك : ولم يعط الأنصار منها شيئا لا ثلاثة نفر محتاجين ، منهم أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ،والحارث بن الصمة . وقيل إنما إعطى رجلين ،سهلا وأبا دجانة . ويقال : أعطى سعد بن معاذ سيف ابن ابي الحقيق ، وكان سيفا له ذكر عندهم . ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان : سفيان بن عمير ، وسعد بن وهب ، أسلما على أموالهما فأحرزاها . وفي صحيح مسلم عن عمر قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسورله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، وكانت للنبي صلى الله علية وسلم خاصة ، فكان ينفق على أهله سنة ، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله تعالى .
"وقال العباس لعمر - رضي الله عنهما - : اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغدر الخائن - يعني عليا رضي الله عنه - فيما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير . فقال عمر : أتعلمان أن النبي صلى الله علية وسلم قال : لا نؤرث ماتركناه صدقة قالا نعم قال عمر :إن الله عز وجل كان خص رسوله صلى الله علية وسلم بخاصة ولم يخصص بها أحدا غيره . قال : " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول " - ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا _ فقسم رسول الله صلى الله علية وسلم بينكم أموال بني النضير ، فوالله مااستأثرها عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله علية وسلم يأخذ منه نفقة سنة ، ثم يجعل مابقي أسوة المال ...
"الحديث بطوله ، خرجه مسلم وقيل : لما ترك بنو النضير ديارهم وأمالهم طلب المسلمون أن يكون لهم فيها حظ كالغنائم ، فبين الله تعالى أنها فيء وكان قد جرى ثم بعض القتال ، لأنهم حوصروا اياما وقاتلوا وقتلوا ،ثم صالحوا على الجلاء ،ولم يكن قتال على التحقيق ،بل جرى مبادئ القتال وجرى الحصار ، وخص الله تلك الأموال برسوله صلى الله علية وسلم . وقال مجاهد : أعلمهم الله تعالى وذكرهم أنه إنما نصر رسوله صلى الله علية وسلم ونصرهم بغير كراع ولا عدة . " ولكن الله يسلط رسله على من يشاء " أي من أعدائه . وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله علية وسلم دون أصحابه .
الثانية -: قوله تعالى :" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى" قال ابن عباس : هي قريظة والنضير ،وهما بالمدينة وفدك ،وهي على ثلاثة أيام من المدينة وخيبر . وقرى عرينة وينبع جعلها الله لرسوله . وبين أن في ذلك المال الذي خصه بالرول عليه السلام سهمان لغير الرسول نظرا منه لعباده . وقد تكلم العلماء في هذه الآية والتي قبلها هل معناهما واحد أو مختلف والآية التي في الأنفال ، فقال قوم من العلماء : إن قوله تعالى " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " منسوخ بما في سورة الانفال من كون الخمس لمن سمي له ، والاخماس الاربعة لمن قاتل عيها شيء وهذا قول يزيج بن رومان و قتادة وغيرهما . ونحوه عن مالك وقال قولم إنما غنم بصلح من غير إجاف خيل ولا ركاب ، فيكون لمن سمي الله تعالى فيه فيئا والأولى للنبي صلى الله علية وسلم خاصة إذا إخذ منه حاجة كان الباقي في مصالح المسلمين . وقال معمر : الأولى للنبي صلى الله علية وسلم . والثاني هي الجزية والخراج لأصناف المذكورة فيه . والثالث الغنيمة في سورة الأنفال للغانمين .وقال قوم منهم الشافعي : إن معنى الآيتين واحد ،أي ما حصل من أموال الكفار بغير قتال قسم على حمسة أسهم ،أربعة منها للنبي صلى الله علية وسلم . كان الخمسة الباقي على خمسة أسهم: سهم لرسول الله صلى الله علية وسلم أيضا ،وسهم لذوي القربى - وهم بنو هاشم وبنو المطلب - لأنهم منعوا الصدقة فجعل لهم حق في الفيء . وسهم لليتامى .وسهم للمساكين . وسهم لابن السبيل . وأما بعد وفات رسول الله صلى الله علية وسلم ، فالذي كان من الفيء لرسول الله صلى الله علية وسلم يصرف عند الشافعي في قول إلى المجاهدين المترصدين للقتال في الثغور ،لأنهم القائمون مقام الرسول عليه الصلاة وبناء القناطر ، يقدم الأهم فالأهم ،وهذا في أربعة أخماس الفيء .فأما السهم الذي له من خمس الفيء والغنيمة فهو لمصالح المسلمين بعد موته صلى الله علية وسلم بلا خلاف .
كما "قال علي الصلاة والسلام :
ليس لي من غنائمكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم " .وقد مضى القول فيه في سورة الأنفال . وكذلك ماخلفه في المال غير موروث ، بل هو صدقة يصرف عنه إلى مصالح المسلمين، كما "قال عليه السلام :إنا لا نورث ما تركناه صدقة " .وقيل : كان مال الفيء لنبيه صلى الله علية وسلم لقوله تعالى : " ما أفاء الله على رسوله " فأضافه إليه غير أنه كان لا يتأثل مالا ، إنما كان يأخذ بقدر حاجة عياله ويصرف الباقي في مصالح المسمين . قال القاضي أبوبكر بن العربي : لا إشكال أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات ،أما الآية الاولى فهي قوله : " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر " ثم قال تعالى : " وما أفاء الله على رسوله منهم " يعني من ألهل الكتاب وذلك قال عمر : إنها كانت خاصة لرسول الله صلى الله علية وسلم ،ييعني بني الضير وما كان مثلها . فهذه آية واحدة ومعنى متحد . .الأية الثانية - قوله تعالى : " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول " وهذا كلام مبتدأ غير الأول لمستحق غير ألاول . ويسمى الآية الثالثة آية الغنيمة ،ولا شك في أنه معنى آخر باستحقاق ثان لمستحق آخر بيد أن الآية الأولى والثانية ، اشتركتا في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئا أفاءه الله على رسوله واقتضت الآية الألولى أنهم حاصل بغير قتال ،واقتضت آية الأنفال أنهم حاصل بقتال ، وعريت الآية الثالثة وهي قوله تعالى : " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال ، فنشأ الخلاف من ها هنا ، فمن طائفة قالت : هي ملحقة بالأولى ، وهو مال الصلح كله ونحوه .
ومن طائفة قالت : هي ملحق بالثانية وهي آية الأنفال . ولذين قالوا إنها ملحقة بآية الأنفال اختلفوا ، هل هي منسوخة - كما تقدم - أو محكمة؟ وإلحاقها بشهادة الله بالتي قبلها أولى ، لأن فيه تجديد فائدة ومعنى . ومعلوم أن حمل الحرف من الآية فضلا عن الآية علىفائدة متجددة أولى من حمله على فائدة معادة . وروى ابن وهب عن مالك في قوله تعالى : " فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " بني النضير ،لم يكن فيها خمس ولم يوجف عليها بخيل ولاركاب . كانت صافية لرسول الله صلى الله علية وسلم،فقسمها بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار ،حسب ماتقدم . قوله " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " هي قريضة ، وكانت قريظة والخندق في يوم واحد .قال ابن العربي : قول مالك إن الآية الثانية في بني قريظة ،إشارة إلى أن معناها يعود إلى آيةالأنفال ،ويلحقها النسخ . وهذا أقوى من القول بالإحكام . ونحن لانختار إلا ما قسمنا وبينا أن الآية الثانية لها معنى مجدد حسب مادلنا عليه . والله اعلم .
قلت _ ما اختاره وقد قيل إن سورة الحشر نزلت بعد لانفال ، فمن الحتمل أن ينسخ المتقدم المتأخر وقال ابن أبي نجيح المال ثلاث : مغنم ،أو فيء أو صدقة ،وليس منه درهم إلا وقد بين الله موضعه . وهذا أشبه .
الثالثة - الأموال التي للأئمة والولاة فيها مدخل ثالثة أضرب : ما أخذ من المسلمين على طريقة التطهير لهم ، كالصدقات والزكوات . والثاني - الغنائم ، وهو ما يحصل في أيدي المسلمين من أموال الكافرين بالحرب والقهر والغلبة .والثالث - الفيء ، وهو ما زجع المسلمين من أموال الكفار عفوا صفوا من غير قتال ولا إيجاف ،كالصلح والجزية والخراج والعشور المأخوذة من تجار الكفار . ومثله أن يهرب المشركون ويتركوا أموالهم ،أو يموت أحد منهم في دار الإسلام ولاوارث له . فأما الصدقة فمصرفها الفقرا ء والمساكين والعاملين عليها ،حسب ما ذكره الله تعالى ،وقد مضى في براءة . وأما الغنائم فكنت في صدر الإسلام للنبي صلى الله علية وسلم يصنع فيها ما يشاء ، كما قال في سورة الانفال : " قل الأنفال لله والرسول " ، ثم نسخ بقوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شيء " [الأنفال : 41 ] الآية . وقد مضى في الأفال بيانه . فأما الفيء فقسمته وقسمة الخمس سواء . والأمر عند مالك فيهما إلى الإمام ، فإن رأى حبسهما لنوازل تنزل بالمسلمين فعل ، وإن رأى فسمتها أو أوقسمة أحدهما قسمه كله بين الناس ، وسوى فيه بين عربيهم ومولاهم . ويبدأ بالفقراء من رجال ونساء حتى يغنوا ،ويعطوا ذوو القربى من رسول الله صلى الله علية وسلم من الفيء سهمهم على مايراه الإمام ،وليس له حد معلوم . واختلف في إعطاء الغني منهم ،فأكثر الناس عى إعطائه لأنه حق لهم . وقال مالك :لايعطى منه غير فقرائهم ،لأنه جعل لهم عوضا من الصدقة . وقال الشافعي : أيما حصل من أموال الكفار من غير قتال كان يقسم في عهد النبي صلى الله علية وسلم على خمس وعشري سهما : عشرون للنبي صلى الله علية وسلم يفعل فيها ما يشاء والخمس يقسم عل مايقسم عليه خمس الغنيمة . قال أبو جعفر أحمد ابن الداودي وهذا قول ما سبقه به أحد علمناه ،بل كان ذلك خالصا له كما ثبت في الصححيح عن عمر مبينا للآية .ولو كان هذا لكان قوله : " خالصة لك من دون المؤمنين " [الأحزاب : 50 ] يدل على أنه يجوز الموهبة لغيره ،وأنه قوله : " خالصة يوم القيامة " [ الأعراف : 32 ] يجوز أن يشركهم فيها غيرهم . وقد مضى قول الشافعي مستوعبا في ذللك والحمد لله . ومذهب الشافعي رضي الله عنه : أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة ، وأن أربعة أخماسه كانت للنبي صلى الله علية وسلم ،وهي بعده لمصالح المسلمين . وله قوله آخر : أنها بعده للمرصدين أنفسهم للقتال بعده خاصة ، كما قدم ز
الرابعة - : قال علماؤنا ويقسم كل مال في البلد الذي جبي فيه ،ولا ينقل عن ذلك البلد الذي جبي فيه حتى يغنوا ، ثم ينقل إلى الأقرب من غيرهم ،إلا أن ينزلو بغير البلد الذي جبي فيه فاقة شديدة فينتقل فينتقل ذلك إلى أهل الفاقة حيث كانوا ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أعوام الرمادة ،واكانت خمسة أعوام أوستة . وقد قيل عامين . وقيل : عام فيه اشتد الطاعون مع الجوع . وإن لم يكن ما وخفنا ورأى الإمام إيقاف الفيء أوقفه لنوائب المسلمين ، ويعطي منه المنفوس ويبدأ بمن أبوه فقير . والفيء حلال للأغنياء . ويسوي بين الناس فيه إلا أنه يؤثر أهل الحاجة والفاقة .والتفضيل فيه إنما نكون على قدر الحاجة . يعطي منه الغرماء ما يؤدون به ديونهم . ويعطي منه الجائزة والصلة إن كان ذلك أملا ويرزق القضاة والحكام ومن فيه منفعة للمسلمن . وأولاهم بتوفر الحظ منهم أظمهم للمسلمين نفعا . ومن أخذ من الفيء شيئا في الديوان كان عليه أن يغزو إذا غزى .
الخامسة -: قوله تعالى : " كي لا يكون دولة " قراءة العامة يكون بالياء . دولة بالنصب ،أي كي لا يكون الفيء دولة . وقرأأبو جعفر و الأعرج و هشام - عن ابن عامر- وأبو حيوة تكون بتاء دولة بالرفع ، أي كي لاتقع دولة . فكان تامة . ودولة رفع على اسم كان ولاخبر له . ويجوز أن تكون ناقصة وخبرها " بين الأغنياء منكم " وإذا كانت تامة فقوله : " بين الأغنياء منكم " وصف لـدولة . وقراءة العامة دولة بضم الدال . وقرأها السلمي وأبو حيوة بالنصب . قال عيسى بن عمرو و يونس و الأصمعي :هما لغتان بمعنى واحد . وقال أبو عمرو بن العلاء : الدولة ( بالفتح ) الظفر في الحرب وغيره، وهي المصدر .وبالضم اسم الشيء الذي يتداوله من الأموال .وكذا قال أبو عبيدة : الدولة اسم الشيء الذي يتداول . والدولة الفعل . ومعنى الآية : فعلنا ذلك في هذا الفيء . كي لا تقسمه الرؤساء والإغنياء والأقوياء بينهم دون الفقراء والضعفاء ، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا أخذ الرئيس ربعها لنفسه . وهو المرباع . ثم يصطفي منها أيضا بعد المرباع ما شاء ،وفيها قال شاعرهم .
لك المرباع منها والفايا
يقول كيي لا يعمل فيه كما كان يعمل في الجاهلية . فجعل الله هذا لرسوله صلى الله علية وسلم ، يقسمه في المواضع التي أمر بها ليس فيها خمس ، فإذا جاء خمس وقع بين المسلمين جميعا .
السادسة _: قوله تعالى" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " أين ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه ،ومانهاكم عنه من الأخذ والغلول فانتهوا ، قاله الحسن وغيره . السدري : ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه ،ومامنعكم منه فلا تطلبوه . وقال ابن جريج :ماآتاكم من طاعتين فافعلوه ،وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه . الماوردي : وقيل إنه محمول على العموم في جميع أوامره ونواهيه ، لايامر إلا بصلاح ولاينهى إلا عن فساد . قلت : هذا هو معنى الفول الذي قبله . فهي ثلاث أقوال .
السابعة -: قال المهداوي قوله تعالى : " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " هذا يوجب أن كل ما أمر به النبي صلى الله علية وسلم أمر من الله تعالى .والآية وإن كانت في الغنائم فجميع أوامره صلى الله علية وسلم ونواهيه دخل فيها . و"قال الحكم بن عمير-وكانت له صحبة- :
قال النبي صلى الله علية وسلم إن هذا القرآن صعب مستصعب عسير علىمن تركه يسير على من اتبعه وطلبه .وحديثي صعب مستصعب وهوالحكم فمن استمسك بحديثي وحفظه نجا مع القرآن .ومنتهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة.وأمرتم أن تأخذوا بقولي وتكتنفوا أمرين وتتبعوا سنتي فمن رضي بقولي فقد فقد رضي بالقرآن ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن قال الله تعالى : " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " " .
الثامنة -: قال عبد الرحمن بن زيد : لقي ابن مسعود رجلا محرما وعليه ثيابه فقال له : انزع عنك هذا فقال الرجل :أتقرأعلي بهذا آية من كتاب الله تعالى ؟ قال نعم ، " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".وقال عبد الله بن محمد بن هارون الفريابي : سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول :سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله تعالى وسنة تبيكم صلى الله عليه وسلم ، قال فقلت له : ماتقول - ألصلحك الله - في المحرم يقتل الزنبور ؟ قال فقال :بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " "وحدثنا سفيان بن عيينة عن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " وحدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أمر بقتل الزنبور .في الإحرام ،وبين أنهم يقتدي فيه بعمر ،وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاقتداء به ، وان الله سبحانه أمر بقبول مايقوله النبي صلى الله عليه وسلم فجواز قتله مستنبط من الكتاب والسنة وقد مضى هذا المعنى من قول عكرمة حين سئل عن أمهات الأولاد فقال : همن أحرار في سورةالنساء عند قوله تعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " [النساء : 59 ] ."وفي صحيح مسلم وغيره عن علقمة عن ابن مسعود قال : قال سول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله الواشمات وامستوشمات والمتنمصات والتفلجات للحسن والغيرات خلق الله " فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، فجائت فقالت : بلغني أنك لعنت كيت وكيت ! فقال : وما لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ! فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجت فيه ما تقول . فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجتيه ! أما قرأت " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "! قالت بلى .قال : فإنه قد نهى عنه . الحديث . وقد مضى القول فيه في النساء مستوفى .
التاسعة - قوله تعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه " وإن جاء بلفظ الإيتاء وهو المناولة فإن معناه الأمر ، بدليد قوله تعالى : " وما نهاكم عنه فانتهوا " فقابله بالنهي ، ولا يقابل النهي إلا بالأمر ، والدليل علىفهم ذلك ما ذكرناه قبل مع :
"قوله عليه الصلاة والسلام :إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " .وقال الكلبي : إنها نزلت في رؤساء المسلمين ، قالوا فيما ظهر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال المشركين : يارسول الله خذ صفيك والربع ، ودعنا والباقي ، فهكذا كنا نفعل في الجاهلية . وأنشدوه :
لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفصول
فأنزل الله تعالى هذه الآية .
العاشرة : قوله تعالى : " واتقوا الله " أي عذاب الله ، إنه شديد لمن عصاه . وقيل : اتقوا الله في أوامره ونواهيه فلا تضيعوها . "إن الله شديد العقاب " لمن خالف ما أمره به .
يقول تعالى مبيناً ما الفيء وما صفته وما حكمه, فالفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب, كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب, أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأفاءه على رسوله, ولهذا تصرف فيه كما يشاء فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله عز وجل في هذه الايات فقال تعالى: "وما أفاء الله على رسوله منهم" أي من بني النضير "فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب" يعني الإبل "ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير" أي هو قدير لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر لكل شيء.
ثم قال تعالى: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى" أي جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بني النضير ولهذا قال تعالى: "فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" إلى آخرها والتي بعدها فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه. قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو ومعمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لو يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب, فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة, فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته, وقال مرة قوت سنته وما بقي جعله في الكراع والسلاح في سبيل الله عز وجل, هكذا أخرجه أحمد ههنا مختصراً, وقد أخرجه الجماعة في كتبهم إلا ابن ماجه من حديث سفيان عن عمرو بن دينار عن الزهري به, وقد رويناه مطولاً.
وقال أبو داود رحمه الله: حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس المعنى واحد قالا: حدثنا بشر بن عمر الزهراني حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس قال: أرسل إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله فقال حين دخلت عليه: يا مالك إنه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم, قلت لو أمرت غيري بذلك فقال خذه, فجاءه يرفا فقال يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص ؟ قال: نعم.
فأذن لهم فدخلوا ثم جاءه يرفا فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في العباس وعلي ؟ قال: نعم, فأذن لهما فدخلا فقال العباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا يعني علياً, فقال بعضهم: أجل يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرحهما, قال مالك بن أوس: خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك, فقال عمر رضي الله عنه اتئدا ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" قالوا: نعم. ثم أقبل على علي والعباس فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" فقالا: نعم. فقال: إن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس فقال تعالى: "وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير" فكان الله تعالى أفاء على رسوله أموال بني النضير فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أحرزها دونكم, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة أو نفقته ونفقة أهله سنة, ويجعل ما بقي أسوة المال.
ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك ؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على علي والعباس فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك ؟ قالا: نعم. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها, فقال أبو بكر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا صدقة" والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق فوليها أبو بكر, فلما توفي قلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر فوليتها ما شاء الله أن أليها, فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها, فقلت إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يليها, فأخذتماها مني على ذلك ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فرداها إلي, أخرجوه من حديث الزهري به.
قال الإمام أحمد: حدثنا عارم وعفان قالا: أخبرنا معمر سمعت أبي يقول: حدثنا أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات أو كما شاء الله حتى فتحت عليه قريظة والنضير قال فجعل يرد بعد ذلك, قال وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه, وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن أو كما شاء الله قال, فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن, فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وجعلت تقول كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن, أو كما قالت فقال نبي الله: "لك كذا وكذا" قال وتقول كلا والله قال ويقول "لك كذا وكذا" قال وتقول كلا والله, قال: "ويقول لك كذا وكذا" قال حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو قال قريباً من عشرة أمثاله, أو كما قال رواه البخاري ومسلم من طرق عن معتمر به, وهذه المصارف المذكورة في هذه الاية هي المصارف المذكورة في خمس الغنيمة, وقد قدمنا الكلام عليها في سورة الأنفال بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد.
وقوله تعالى: " كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " أي جعلنا هذه المصارف لمال الفيء كيلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها بمحض الشهوات والاراء, ولا يصرفون منه شيئاً إلى الفقراء. وقوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" أي مهما أمركم به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه, فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر. قال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن أبي طالب, حدثنا عبد الوهاب, حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن العوفي عن يحيى بن الجزار عن مسروق قال: جاءت امرأة إلى ابن مسعود قالت: بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة, أشيء وجدته في كتاب الله تعالى أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: بلى شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول. قال: فما وجدت فيه "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" ؟ قالت: بلى. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة, قالت: فلعله في بعض أهلك, قال فادخلي فانظري, فدخلت فنظرت ثم خرجت قالت: ما رأيت بأساً, فقال لها: أما حفظت وصية العبد الصالح "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه".
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن منصور عن علقمة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن, المغيرات خلق الله عز وجل, قال فبلغ امرأة من بني أسد في البيت يقال لها أم يعقوب, فجاءت إليه فقالت بلغني أنك قلت كيت وكيت, قال ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الله تعالى, فقالت إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته, فقال إن كنت قرأته فقد وجدته أما قرأت "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" قالت: بلى. قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه. قالت: إني لأظن أهلك يفعلونه, قال: اذهبي فانظري فذهبت فلم تر من حاجتها شيئاً, فجاءت فقالت: ما رأيت شيئاً, قال: لو كان كذا لما تجامعنا. أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري, وقد ثبت في الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم, وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" وقال النسائي: أخبرنا أحمد بن سعيد, حدثنا يزيد, حدثنا منصور بن حيان عن سعيد بن جبير عن ابن عمرو ابن عباس " أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت , ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقوله تعالى: "واتقوا الله إن الله شديد العقاب" " أي اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه وارتكب ما عنه زجره ونهاه.
6- "وما أفاء الله على رسوله منهم" أي ما رده عليه من أموال الكفار، يقال قد يفيء إذا رجع، والضمير في منهم عائد إلى بني النضير "فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب" يقال وجف الفرس والبعير يجف الفرس والبعير يجف وجفا: وهو سرعة السعير، وأوجفه صاحبه: إذا حمله على السير السريع، قول تميم بن مقبل:
مذ [أو بد] بالبيض الحديد صقالها عن الركب أحياناً إذا الركب أوجفوا
وقال نصيب:
ألا رب ركب قد قطعت وجيفهم إليك ولولا أنت لم يوجف الركب
وما في "فما أوجفتم" نافية، والفاء جواب الشرط إن كانت ما في قوله: "ما أفاء الله" شرطية وإن موصولة فالفاء زائدة، ومن في قوله: "من خيل" زائدة للتأكيد، والركاب ما يركب من الإبل خاصة، والمعنى: أن ما رد الله على رسوله من أموال بني النضير لم والركاب ما يركب من الإبل خاصة، والمعنى: أن مما رد الله على رسوله من أموال بني النضير لم تركبوا لتحصيله خيلاً ولا إبلاً ولا تجشمتم لها شقة ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقة، وإنما كانت من المدينة على ميلين، فجعل الله سبحانه أموال بني النضير لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة لهذا السبب. فإنه افتتحها صلحاً وأخذ أموالها، وقد كان سأله المسلمون أن يقسم لهم فنزلت الآية "ولكن الله يسلط رسله على من يشاء" من أعدائه، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون أصحابه لكونهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، بل مشوا إليها مشياً، ولم يقاسوا فيها شيئاً من شدائد الحروب "والله على كل شيء قدير" يسلط من يشاء على من أراد، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون".
6- "وما أفاء الله على رسوله"، أي رده على رسوله. يقال: أفاء يفيء أي رجع، وأفاء الله "منهم" أي من يهود بني النضير، "فما أوجفتم"، أوضعتم، "عليه من خيل ولا ركاب"، يقال: وجف الفرس والبعير يجف وجيفاً وهو سرعة السير، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير، وأراد بالركاب الإبل التي تحمل القوم. وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسمها بينهم، كما فعل بغنائم خيبر، فبين الله تعالى في هذه الآية أنها فيء لم يوجف المسلمون عليها خيلاً ولا ركاباً ولم يقطعوا إليها شقة ولا نالوا مشقة ولم يلقوا حرباً، "ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير"، فجعل أموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة، وهم أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النضري، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: نعم، فأدخلهم، فلبث يرفأ قليلاً ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعلي يستأذنان؟ قال: نعم، فلما دخلا قال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا، -وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله من بني النضير- فقال الرهط: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، قال: اتئدوا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة. يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه؟ قالوا: قد قال ذلك، فأقبل عمر على علي وعباس، فقال أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ قالا: نعم، قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره، فقال: "وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب"، إلى قوله: "قدير"، وكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر رضي الله عنه فعمل بها بما عمل به فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم حينئذ جميع، وأقبل على علي وعباس: تذكران أن أبا بكر فعل فيه كما تقولان والله يعلم إنه فيها صادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر والله يعلم إني فيه صادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة، وأمركما جميع فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة، فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وبما عملت به فيها منذ وليتها، وإلا فلا تكلماني فيها، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما؟ أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟ فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكما.
6-" وما أفاء الله على رسوله " وما أعاده عليه بمعنى صير له أو رده عليه ، فإنه كان حقيقاً بأن يكون له لأنه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به إلى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين . " منهم " من بني النضير أو من الكفرة . "فما أوجفتم عليه " فما أجريتم على تحصيله من الوجيف وهو سرعة السير . " من خيل ولا ركاب " ما يركب من الإبل غلب فيه كما غلب الراكب على راكبه ، وذلك إن كان المراد فيء بني النضير ، فلأن قراهم كانت على ميلين من المدينة فمشوا إليها رجالاً غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ركب جملاً أو حماراً ، ولم يجر مزيد قتال ولذلك لم يعط الأنصار منه شيئاً إلا ثلاثة كانت بهم حاجة . " ولكن الله يسلط رسله على من يشاء " بقذف الرعب في قلوبهم . " والله على كل شيء قدير " ما يريد تارة بالوسائط وتارة بغيرها .
6. And that which Allah gave as spoil unto His messenger from them, ye urged not any horse or riding camel for the sake thereof, but Allah giveth His messenger lordship over whom He will. Allah is Able to do all things.
6 - What God has bestowed on His Apostle (and taken away) from them for this ye made no expedition with either cavalry or cavalry: but God gives power to His apostles over any He pleases: and God has power over all things.