6 - (يومئذ يصدر الناس) يتصرفون من موقف الحساب (أشتاتا) متفرقين فآخذ ذات اليمين إلى الجنة وآخذ ذات الشمال إلى النار (ليروا أعمالهم) أي جزاءها من الجنة أو النار
وقوله : " يومئذ يصدر الناس أشتاتا " قيل : إن معنى هذه الكلمة التأخير بعد " ليروا أعمالهم " قال وا ووجه الكلام : يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ، ليروا أعمالهم ، يومئذ يصدر الناس أشتاتاً . قالوا : ولكنه اعترض بين ذلك بهذه الكلمة .ومعنى قوله " يومئذ يصدر الناس أشتاتا "عن موقف الحاس فرقاً متفرقني ، فآخذ ذات اليمين إلى الجنة ، وآخذ ذات الشمال إلى النار .
وقوله : " ليروا أعمالهم " يقول : يومئذ يصدر الناس أشتاتاً متفرقني ، عن اليمين وعن الشمال ، ليروا أعمالهم ، فيرى المحسن في الدناي المطيع لله عمله وما أعد الله له يومئذ من الكرامة على طاعته إياه كانت في الدنيا ، ويرى المسيء العاصي لله عمله وجزاء عمله وما أعد الله له من الهوان واىلخزي في جهنم ، على معصيته إياه كانت في الدنيا ، وكفره به .
قوله تعالى:" يومئذ يصدر الناس أشتاتا" أي فرقا، جمع شت. قيل: عن موقف الحساب، فريق يأخذ جهة اليمين إلى الجنة، وفريق آخر يأخذ جهة الشمال إلى النار، كما قال تعالى:" يومئذ يتفرقون" [الروم:14] " يومئذ يصدعون" [الروم:43] وقيل: يرجعون عن الحساب بعد فراغهم من الحساب. " أشتاتا" يعني فرقاً فرقاً. " ليروا أعمالهم" يعني ثواب أعمالهم. وهذا كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"(ما من أحد يوم القيامة إلا ويلوم نفسه، فإن كان محسناً فيقول: لم لا ازددت إحساناً؟ وإن كان غير ذلك يقول: لم لانزعت عن المعاصي؟ وهذا عند معاينة الثواب والعقاب. " وكان ابن عباس يقول: (أشتاتاً) متفرقين على قدر أعمالهم أهل الإيمان على حدة، وأهل كل دين على حدة. وقيل: هذا الصدور، إنما هو عند النشور، يصدرون أشتاتاً من القبور، فيصار بهم إلى موقف الحساب، ليروا أعمالهم في كتبهم، أو ليروا جزاء أعمالهم، فكأنهم وردوا القبور فدفنوا فيها، ثم صدروا عنها. والوارد: الجائي. والصادر: المنصرف. " أشتاتا" أي يبعثون من أقطار الأرض. وعلى القول الأول فيه تقديم وتأخير، مجازه: تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها، ليروا أعمالهم. واعترض قوله " يومئذ يصدر الناس أشتاتا" متفرقين عن موقف الحساب. وقراءة العامة(ليروا) بضم الياء، أي ليريهم الله أعمالهم. وقرأ الحسن والزهري وقتادة والأعرج ونصر بن عاصم وطلحة بفتحها، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس : "إذا زلزلت الأرض زلزالها" أي تحركت من أسفلها "وأخرجت الأرض أثقالها" يعني ألقت ما فيها من الموتى قاله غير واحد من السلف, وهذه كقوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم" وكقوله: " وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت " وقال مسلم في صحيحه : حدثنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة, فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت, ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً" وقوله عز وجل: " وقال الإنسان ما لها " أي استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها أي تقلبت الحال فصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه, ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والاخرين, وحينئذ استنكر الناس أمرها وتبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار.
وقوله تعالى: "يومئذ تحدث أخبارها" أي تحدث بما عمل العاملون على ظهرها. قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم حدثنا ابن المبارك وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي واللفظ له حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية: "يومئذ تحدث أخبارها" قال: أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها" ثم قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب, وفي معجم الطبراني من حديث ابن لهيعة حدثني الحارث بن يزيد سمع ربيعة الحدسي " أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: تحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة".
وقوله تعالى: "بأن ربك أوحى لها" قال البخاري : أوحى لها وأوحى إليها ووحى لها ووحى إليها واحد, وكذا قال ابن عباس : أوحى لها أي أوحى إليها, والظاهر أن هذا مضمن بمعنى أذن لها. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "يومئذ تحدث أخبارها" قال: قال لها ربها قولي فقالت, وقال مجاهد : أوحى لها أي أمرها, وقال القرظي : أمرها أن تنشق عنهم, وقوله تعالى: "يومئذ يصدر الناس أشتاتاً" أي يرجعون عن موقف الحساب أشتاتاً أي أنواعاً وأصنافاً ما بين شقي وسعيد مأمور به إلى الجنة ومأمور به إلى النار, قال ابن جريج : يتصدعون أشتاتاً فلا يجتمعون آخر ما عليهم, وقال السدي : أشتاتاً فرقاً. وقوله تعالى: "ليروا أعمالهم" أي ليعلموا بما عملوه في الدنيا من خير وشر, ولهذا قال: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره".
قال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله , حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخيل لثلاثة, لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر. فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات, ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له, ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى به كان ذلك حسنات له, وهي لذلك الرجل أجر. ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر, ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء فهي على ذلك وزر" فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال: "ما أنزل الله فيها شيئاً إلا هذه الاية الفاذة الجامعة "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" " ورواه مسلم من حديث زيد بن أسلم به.
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون , أخبرنا جرير بن حازم , حدثنا الحسن عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" قال: حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها " . وهكذا رواه النسائي في التفسير عن إبراهيم بن محمد بن يونس المؤدب عن أبيه , عن جرير بن حازم عن الحسن البصري قال: حدثنا صعصعة عم الفرزدق فذكره. وفي صحيح البخاري عن عدي مرفوعاً "اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة" وله أيضاً في الصحيح " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط" وفي الصحيح أيضاً "يا معشر نساء المؤمنات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة" يعني ظلفها, وفي الحديث الاخر "ردوا السائل ولو بظلف محرق".
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري , حدثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان" تفرد به أحمد . وروي عن عائشة أنها تصدقت بعنبة وقالت: كم فيها من مثقال ذرة. وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر , حدثنا سعيد بن مسلم , سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير , حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل , أن عائشة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالباً" ورواه النسائي وابن ماجه من حديث سعيد بن مسلم بن بانك به.
وقال ابن جرير : حدثني أبو الخطاب الحساني , حدثنا الهيثم بن الربيع , حدثنا سماك بن عطية , عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال: " كان أبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" فرفع أبو بكر يده وقال: يا رسول الله إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر فقال: يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر, ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة" ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي الخطاب به, ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا عبد الوهاب , حدثنا أيوب قال: في كتاب أبي قلابة عن أبي إدريس , إن أبا بكر كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, ورواه أيضاً عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب عن قلابة أن أبا بكر وذكره.
(طريق أخرى) قال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى , أخبرنا ابن وهب , أخبرني يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال لما نزلت "إذا زلزلت الأرض زلزالها" و أبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد فبكى حين أنزلت, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا أبا بكر قال: يبكيني هذه السورة: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم".
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة وعلي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة المعروف بعلان المصري قالا حدثنا عمرو بن خالد الحراني , حدثنا ابن لهيعة أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: لما أنزلت "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" قلت: " يا رسول الله إني لراء عملي ؟ قال :نعم قلت: تلك الكبار الكبار. قال :نعم قلت: الصغار الصغار قال :نعم قلت: واثكل أمي! قال: أبشر يا أبا سعيد فإن الحسنة بعشرة أمثالها ـ يعني إلى سبعمائة ضعف ـ ويضاعف الله لمن يشاء والسيئة بمثلها أو يعفو الله ولن ينجو أحد منكم بعمله قلت: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة" قال أبو زرعة : لم يرو هذا غير ابن لهيعة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير , حدثني ابن لهيعة , حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وذلك لما نزلت هذه الاية "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه, فيجيء المسكين إلى أبوابهم, فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك فيردونه, ويقولون: ما هذا بشيء, إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه, وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير: الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك. يقولون: إنما وعد الله النار على الكبائر فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه, فإنه يوشك أن يكثر, وحذرهم اليسير من الشر فإنه يوشك أن يكثر, فنزلت "فمن يعمل مثقال ذرة" يعني وزن أصغر النمل "خيراً يره" يعني في كتابه ويسره ذلك, قال: يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة, وبكل حسنة عشر حسنات, فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضاً بكل واحد عشر ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات فإذا زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة.
وقال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود حدثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن عبد الله بن مسعود " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه" وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سواداً وأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها آخر تفسير سورة الزلزلة ولله الحمد والمنة.
6- "يومئذ يصدر الناس أشتاتاً" الظرف إما بدل من يومئذ الذي قبله، وإما منصوب بمقدر هو اذكر، وإما منصوب بما بعده، والمعنى: يوم إذ يقع ما ذكر يصدر الناس من قبورهم إلى موقف الحساب "أشتاتاً": أي متفرقين، والصدر: الرجوع وهو ضد الورود، وقيل يصدرون من موضع الحساب إلى الجنة أو النار، وانتصاب أشتاتاً على الحال: والمعنى: أن بعضهم آمن وبعضهم خائف، وبعضهم بلون أهل الجنة وهو البياض، وبعضهم بلون أهل النار وهو السواد، وبعضهم ينصرف إلى جهة اليمين وبعضهم إلى جهة الشمال، مع تفرقهم في الأديان واختلافهم في الأعمال "ليروا أعمالهم" متعلق بيصدر، وقيل فيه تقديم وتأخير: أي تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ليروا أعمالهم "يومئذ يصدر الناس أشتاتاً". قرأ الجمهور "ليروا" مبنياً للمفعول، وهو من رؤية البصر: أي ليريهم الله أعمالهم. وقرأ الحسن والأعرج وقتادة وحماد بن سلمة ونصر بن عاصم وطلحة بن مصرف على البناء للفاعل، ورويت هذه القراءة عن نافع، والمعنى: ليروا جزاء أعمالهم.
قوله تعالى: 6- "يومئذ يصدر الناس"، يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض، "أشتاتاً"، متفرقين فآخذ ذات اليمين إلى الجنة وآخذ ذات الشمال إلى النار، كقوله: "يومئذ يتفرقون" (الروم- 14)، "يومئذ يصدعون". (الروم- 43). "ليروا أعمالهم"، قال ابن عباس: ليروا جزاء أعمالهم، والمعنى: أنهم يرجعون عن الموقف فرقاً لينزلوا منازلهم من الجنة والنار.
6-" يومئذ يصدر الناس " من مخارجهم من القبور إلى الموقف . " أشتاتاً " متفرقين بحسب مراتبهم " ليروا أعمالهم " جزاء أعمالهم ، وقرئ بفتح الياء .
6. That day mankind will issue forth in scattered groups to be shown their deeds.
6 - On that Day will men proceed in companies sorted out, to be shown the Deeds that they (had done).