60 - (إلا) لكن (من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون) ينقصون (شيئا) من ثوابهم
يقول تعالى ذكره : فسوف يلقى هؤلاء الخلف السوء الذين وصف صفتهم غياً، إلا الذين تابوا فراجعوا أمر الله ، والإيمان به وبرسوله "وعمل صالحا" يقول : وأطاع الله فيما أمره ونهاه عنه ، وأدى فرائضه ، واجتنب محارمه "فأولئك يدخلون الجنة" يقول : فإن أولئك منهم خاصة يدخلون الجنة دون من هلك منهم على كفره ، وإضاعته الصلاة واتباعه الشهوات. وقوله "ولا يظلمون شيئا" يقول : ولا يبخسون من جزاء أعمالهم شيئاً، ولا يجمع بينهم وبين الذين هلكوا من الخلف السوء منهم قبل توبتهم من ضلالهم ، وقبل إنابتهم إلى طاعة ربهم في جهنم ، ولكنهم يدخلون مدخل أهل الإيمان.
قوله تعالى: " إلا من تاب " أي من تضييع الصلاة واتباع الشهوات، فرجع إلى طاعة ربه. " وآمن " به " وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ". قرأ أبو جعفر وشيبة و ابن كثير و ابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب وأبو بكر " يدخلون " بفتح الخاء. وفتح الياء الباقون. " ولا يظلمون شيئاً " أي لا ينقص من أعمالهم الصالحة شيء، إلا أنهم يكتب لهم بكل حسنة عشر إلى سبعمائة.
لما ذكر تعالى حزب السعداء وهم الأنبياء عليهم السلام, ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره, المؤدين فرائض الله التاركين لزواجره, ذكر أنه "خلف من بعدهم خلف" أي قرون أخر "أضاعوا الصلاة" وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع, لأنها عماد الدين وقوامه وخير أعمال العباد, وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها, فهؤلاء سيلقون غياً, أي خساراً يوم القيامة, وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة ههنا فقال قائلون: المراد بإضاعتها تركها بالكلية, قاله محمد بن كعب القرظي وابن زيد بن أسلم والسدي , واختاره ابن جرير ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد , وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة للحديث "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة". والحديث الاخر "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر" وليس هذا محل بسط هذه المسألة.
وقال الأوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم بن مخيمرة في قوله: "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة" قال: أي أضاعوا المواقيت ولو كان تركاً كان كفراً. وقال وكيع عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن والحسن بن سعد عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن "الذين هم عن صلاتهم ساهون" و"على صلاتهم دائمون" و"على صلاتهم يحافظون" فقال ابن مسعود : على مواقيتها. قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك, قال ذلك الكفر, قال مسروق : لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس فيكتب من الغافلين, وفي إفراطهن الهلكة, وإفراطهن إضاعتهن عن وقتهن, وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد : أن عمر بن عبد العزيز قرأ: "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً" ثم قال: لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات" قال: عند قيام الساعة وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزقة, وكذا روى ابن جريج عن مجاهد مثله, وروى جابر الجعفي عن مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح أنهم من هذه الأمة, يعنون في آخر الزمان.
وقال ابن جرير : حدثني الحارث , حدثنا الحسن الأشيب , حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات" قال: هم في هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق, لا يخافون الله في السماء, ولا يستحيون من الناس في الأرض وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي , حدثنا أبو عبد الرحمن المقري , حدثنا حيوة , حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سيعد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يكون خلف بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات, فسوف يلقون غياً, ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم, ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن, ومنافق وفاجر" وقال بشير : قلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال: المؤمن مؤمن به, والمنافق كافر به. والفاجر يأكل به ، وهكذا رواه أحمد عن أبي عبد الرحمن المقري به.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثني أبي , حدثنا إبراهيم بن موسى , أنبأنا عيسى بن يونس , حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن وهب عن مالك عن أبي الرجال أن عائشة كانت ترسل بالشيء صدقة لأهل الصفة, وتقول: لا تعطوا منه بربرياً, ولا بربرية, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هم الخلف الذين قال الله تعالى فيهم: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة" هذا الحديث غريب. وقال أيضاً: حدثني أبي , حدثنا عبد الرحمن بن الضحاك , حدثنا الوليد حدثنا حريز عن شيخ من أهل المدينة أنه سمع محمد بن كعب القرظي يقول في قول الله: "فخلف من بعدهم خلف" الاية, قال: هم أهل الغرب يملكون وهم شر من ملك.
وقال كعب الأحبار : والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل: شرابين للقهوات, تراكين للصلوات, لعابين بالكعبات, رقادين عن العتمات, مفرطين في الغدوات, تراكين للجماعات, قال: ثم تلا هذه الاية "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً" وقال الحسن البصري : عطلوا المساجد ولزموا الضيعات. وقال أبو الأشهب العطاردي : أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات, فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة, وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته أن أحرمه من طاعتي.
وقال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب , حدثنا أبو السمح التميمي عن أبي قبيل أنه سمع عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أخاف على أمتي اثنتين: القرآن, واللبن" أما اللبن فيتبعون الريف ويتبعون الشهوات ويتركون الصلاة, أما القرآن فيتعلمه المنافقون فيجادلون به المؤمنين, ورواه عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة : حدثنا أبو قبيل عن عقبة به, مرفوعاً بنحوه, تفرد به.
وقوله: "فسوف يلقون غياً" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "فسوف يلقون غياً" أي خسراناً, وقال قتادة : شراً, وقال سفيان الثوري وشعبة ومحمد بن إسحاق عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة , عن عبد الله بن مسعود "فسوف يلقون غياً" قال: واد في جهنم بعيد القعر, خبيث الطعم. وقال الأعمش عن زياد عن أبي عياض في قوله: "فسوف يلقون غياً" قال: واد في جهنم من قيح ودم. وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني عباس بن أبي طالب , حدثنا محمد بن زياد , حدثنا شرقي بن قطامي عن لقمان بن عامر الخزاعي قال: جئت أبا أمامة صدي بن عجلان الباهلي , فقلت: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا بطعام, ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها خمسين خريفاً, ثم تنتهي إلى غي وآثام قال: قلت ماغي وآثام ؟ قال: قال: بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار" وهما اللذان ذكرهما الله في كتابه "أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً" وقوله في الفرقان: "ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً" هذا حديث غريب ورفعه منكر.
وقوله: "إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً" أي إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات, فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته ويجعله من ورثة جنة النعيم, ولهذا قال: "فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً" وذلك لأن التوبة تجب ما قبلها, وفي الحديث الاخر "التائب من الذنب كمن لاذنب له" ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئاً, ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها, لأن ذلك ذهب هدراً وترك نسياً, وذهب مجاناً من كرم الكريم وحلم الحليم, وهذا الاستثناء ههنا كقوله في سورة الفرقان: " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ".
60- "إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً" أي تاب مما فرط منه من تضييع الصلوات واتباع الشهوات فرجع إلى طاعة الله وآمن به وعمل عملاً صالحاً، وفي هذا الاستثناء دليل على أن الآية في الكفرة لا في المسلمين "فأولئك يدخلون الجنة" قرأ أبو جعفر وشيبة وابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب وأبو بكر "يدخلون" بضم الياء وفتح الخاء، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الخاء "ولا يظلمون شيئاً" أي لا ينقص من أجورهم شيء وإن كان قليلاً، فإن الله سبحانه يوفي إليهم أجورهم.
60 - " إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً " .
60ـ " إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً " يدل على أن الآي في الكفرة . " فأولئك يدخلون الجنة " وقرأ ابن كثير و وأبو عمرو و أبو بكر و يعقوب على البناء للمفعول من أدخل . " ولا يظلمون شيئاً " ولا ينقصون شيئاً من جزاء أعمالهم ، ويجوز أن ينتصب " شيئاً " على المصدر ، وفيه تنبيه على أن كفرهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم .
60. Save him who shall repent and believe and do right Such will enter the Garden and they will not be wronged in aught.
60 - Expect those who repent and belive, and work righteousness: for these will enter the Garden and will not be wronged in the least,