(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله) في القرآن من الحكم (وإلى الرسول) ليحكم بينكم (رأيت المنافقين يصدون) يعرضون (عنك) إلى غيرك (صدودا)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ألم تر، يا محمد، إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك من المنافقين، وإلى الذي يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك من أهل الكتاب، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله"، يعني بذلك: "وإذا قيل لهم تعالوا"، هلموا إلى حكم الله الذي أنزله في كتابه، وإلى الرسول ليحكم بيننا، "رأيت المنافقين يصدون عنك"، يعني بذلك: يمتنعون من المصير إليك لتحكم بينهم، ويمنعون من المصير إليك كذلك غي، "صدودا".
وقال ابن جريج في ذلك بما:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول"، قال: دعا المسلم المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم، قال: "رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا".
وأما على تأويل قول من جعل الداعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي، والمدعو إليه المنافق، على ما ذكرت من أقوال من قال في ذلك تأويل قوله: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، فإنه على ما بينت قبل.
قوله تعالى : " وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا "
هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين, وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله, كما ذكر في سبب نزول هذه الاية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخصاما, فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد, وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف, وقيل: في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام, أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية, وقيل غير ذلك, والاية أعم من ذلك كله, فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة. وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل, وهو المراد بالطاغوت ههنا, ولهذا قال "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" إلى آخرها. وقوله " يصدون عنك صدودا " أي يعرضون عنك إعراضاً كالمستكبرين عن ذلك, كما قال تعالى عن المشركين: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا" وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" الاية.
ثم قال تعالى في ذم المنافقين: "فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم" أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم, واحتاجوا إليك في ذلك "ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً" أي يعتذرون إليك ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك, وتحاكمنا إلى أعدائك إلا الإحسان والتوفيق, أي المداراة والمصانعة لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة, كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ". وقد قال الطبراني: حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي, حدثنا أبو اليمان, حدثنا صفوان بن عمر عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه, فتنافر إليه ناس من المسلمين, فأنزل الله عز وجل " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ".
ثم قال تعالى: "أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم" هذا الضرب من الناس هم المنافقون, والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك, فإنه لا تخفى عليه خافية, فاكتف به يا محمد فيهم, فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم. ولهذا قال له "فأعرض عنهم" أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم "وعظهم" أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر, "وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً" أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم.
61- "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً" والصدود: اسم للمصدر، وهو الصد عند الخليل، وعند الكوفيين أنهما مصدران: أي يعرضون عنك إعراضاً.
61-"وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً" أي: يعرضون عنك إعراضاً.
61"وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول" وقرئ "تعالوا" بضم اللام على أنه حذف لام الفعل اعتباطاً ثم ضم اللام لواو الضمير. "رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً" هو مصدر أو اسم للمصدر الذي هو الصد، والفرق بينه وبين السد أنه غير محسوس والسد محسوس ويصدون في موضع الحال.
61. And then it is said unto them: Come unto that which Allah hath revealed and unto the messenger, thou seest the hypocrites turn from thee with aversion.
61 - When it is said to them: come to what God hath revealed and to the apostle; thou seest the hypocrites avert their faces from thee in disgust.