(فكيف) يصنعون (إذا أصابتهم مصيبة) عقوبة (بما قدمت أيديهم) من الكفر والمعاصي أي أيقدرون على الإعراض والفرار منها لا (ثم جاؤوك) معطوف على يصدون (يحلفون بالله إن) ما (أردنا) بالمحاكمة إلى غيرك (إلا إحسانا) صلحا (وتوفيقا) تأليفا بين الخصمين بالتقريب في الحكم دون الحمل على مُرِّ الحق
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فكيف بهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك من قبلك، "إذا أصابتهم مصيبة"، يعني: إذا نزلت بهم نقمة من الله، "بما قدمت أيديهم"، يعني: بذنوبهم التي سلفت منهم، "ثم جاؤوك يحلفون بالله"، يقول: ثم جاءوك يحلفون بالله كذباً وزوراً، "إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقا". وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم لا يردعهم عن النفاق العبر والنقم، وأنهم إن تأتهم عقوبة من الله على تحاكمهم إلى الطاغوت لم ينيبوا ولم يتوبوا، ولكنهم يحلفون بالله كذباً وجرأة على الله: ما أردنا باحتكامنا إليه إلا الإحسان من بعضنا إلى بعض، والصواب فيما احتكمنا فيه إليه.
أي "فكيف" يكون حالهم أو" فكيف " يصنعون " إذا أصابتهم مصيبة " أي من ترك الاستعانة بهم وما يلحقهم من الذل في قوله : " فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا" [التوبة :83] وقيل: يريد قتل صاحبهم " بما قدمت أيديهم " وتم الكلام ثم ابتداء يخبر عن فعلهم وذلك أن عمر لما قتل صاحبهم جاء قومه يطلبون ديته ويحلفون ما نريد بطلب ديته إلا الإحسان وموافقة الحق وقيل: المعنى ما أردنا بالعدل عنك في المحاكمة إلا التوفيق بين الخصوم، والإحسان بالتقريب في الحكم ابن كيسان عدلاً وحقا، نظيرها " وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى " قال الزجاج: معناه قد علم الله أنهم منافقون: والفائدة لنا: اعلموا أنهم منافقون " فأعرض عنهم " قيل: عن عقابهم وقيل: عن قبول اعتذارهم " وعظهم " أي خوفهم قيل في الملإ " وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا" أي ازجرهم بأبلغ الزجر في السر والخلاء الحسن :قل لهم إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلتكم وقد بلغ القول بلاغة، ورجل بليغ يبلغ بلسانه كنه ما في قلبه. والعرب تقول: أحمق بلغ وبلغ، أي نهاية في الحماقة، وقيل: معناه يبلغ ما يريد وإن كان أحمق ويقال: إن قوله تعالى :" فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم " نزل في شأن الذين بنوا مسجد الضرار فلما أظهر الله نفاقهم وأمرهم بهدم المسجد حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعاً عن أنفسهم، ما أردنا ببناء المسجد إلا طاعة الله وموافقة الكتاب.
هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين, وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله, كما ذكر في سبب نزول هذه الاية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخصاما, فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد, وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف, وقيل: في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام, أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية, وقيل غير ذلك, والاية أعم من ذلك كله, فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة. وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل, وهو المراد بالطاغوت ههنا, ولهذا قال "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" إلى آخرها. وقوله " يصدون عنك صدودا " أي يعرضون عنك إعراضاً كالمستكبرين عن ذلك, كما قال تعالى عن المشركين: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا" وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" الاية.
ثم قال تعالى في ذم المنافقين: "فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم" أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم, واحتاجوا إليك في ذلك "ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً" أي يعتذرون إليك ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك, وتحاكمنا إلى أعدائك إلا الإحسان والتوفيق, أي المداراة والمصانعة لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة, كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ". وقد قال الطبراني: حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي, حدثنا أبو اليمان, حدثنا صفوان بن عمر عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه, فتنافر إليه ناس من المسلمين, فأنزل الله عز وجل " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ".
ثم قال تعالى: "أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم" هذا الضرب من الناس هم المنافقون, والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك, فإنه لا تخفى عليه خافية, فاكتف به يا محمد فيهم, فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم. ولهذا قال له "فأعرض عنهم" أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم "وعظهم" أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر, "وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً" أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم.
قوله 62- "فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم" بيان لعاقبة أمرهم وما صار إليه حالهم: أي كيف يكون حالهم "إذا أصابتهم مصيبة" أي وقت إصابتهم، فإنهم يعجزون عند ذلك ولا يقدرون على الدفع. والمراد "بما قدمت أيديهم" ما فعلوه من المعاصي التي من جملتها التحاكم إلى الطاغوت " ثم جاؤوك " يعتذرون عن فعلهم، وهو عطف على "أصابتهم" وقوله "يحلفون" حال: أي جاؤوك حال كونهم حالفين "إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً" أي: ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان لا الإساءة، والتوفيق بين الخصمين لا المخالفة لك. وقال ابن كيسان: معناه ما أردنا إلا عدلاً وحقاً مثل قوله "وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى".
62-"فكيف إذا أصابتهم مصيبة" ، هذا وعيد، أي: فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة،"بما قدمت أيديهم"، يعني: عقوبة صدودهم ، قيل: هي كل مصيبة تصيب جميع المنافقين في الدنيا والآخرة تم الكلام ها هنا، ثم عاد الكلام إلى ما سبق ، يخبر عن فعلهم فقال:"ثم جاؤوك "،يعني: يتحاكمون إلى الطاغوت،"ثم جاؤوك"، [يحيونك ويحلفون].
وقيل: أراد المصيبة قتل عمر رضي الله عنه المنافق ، ثم جاؤوا يطلبون ديته،"يحلفون بالله إن أردنا"، ما أردنا بالعدول عنه في المحاكمة أو بالترافع إلى عمر،"إلا إحساناً وتوفيقاً"،قال الكلبي: إلا إحساناً في القول، وتوفيقاً: صواباً ، وقال ابن كيسان: حقاً وعدلاً ، نظيره : " ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى" ، وقيل: هو إحسان بعضهم إلى بعض ، وقيل: هو تقريب الأمر من الحق ، لا القضاء على أمر الحكم ، والتوفيق: هو موافقة الحق ، وقيل: هو التأليف والجمع بين الخصمين.
62"فكيف" يكون حالهم. "إذا أصابتهم مصيبة" كقتل عمر المنافق أو النقمة من الله تعالى. "بما قدمت أيديهم" من التحاكم إلى غيرك وعدم الرضى بحكمك. "ثم جاؤوك" حين يصابون للإعتذار، عطف على إصابتهم. وقيل على يصدون وما بينهما اعتراض. "يحلفون بالله" حال. "إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً" ما أردنا بذلك إلا الفصل بالوجه الأحسن والتوفيق بين الخصمين، ولم نرد مخالفتك. وقيل جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه.
62. How would it be if a misfortune smote them because of that which their own hands have sent before (them)? Then would they come unto thee, swearing by Allah that they were seeking naught but harmony and kindness.
62 - How then, when they are sized by misfortune, because of the deeds which their hands have sent forth? then they come to thee, swearing by God: we meant no more than good will and conciliation